بين الحياء والجرأة
م. مصطفى الواكد
ظاهر للعيان أن كثيرا من قيمنا الإجتماعية والأخلاقية بدأت بالإهتزاز، إن لم نقل بالتلاشي، بعدما أسففنا بالأخذ بقشور الديموقراطية وتركنا المضمون حتى أصبحت الديموقراطية مصطلحا ملعونا عند البعض وكأنها الشماعة التي نعلق عليها كل رأي أو قول ينال من الآخر أو يستخف به، فذهب الحياء واختلطت الجرأة بقلة الأدب وأصبح القبيح من الكلام والوصف اللاذع بحق الآخرين وآرائهم بطولة وشجاعة يفخر بها بعضهم ويجد من يصفق له على تلك الأفعال.
إن كثيرا مما نشهده في محطات التلفزة، محلية وأجنبية، خاصة في البرامج الحوارية أو في الأخبار المنقولة عن جلسات في مؤسسات رسمية، أو عنف مجتمعي وجامعي سببه أن الفاعل قد ابتعد عن خلق الحياء، فالطالب الذي يستبدل قلمه بالحجر أو العصا، لو امتلك شيئا من الحياء لمنعه ذلك من شتم زميله قبل لكمه، ولو امتلكت زميلته الطالبة شيئا من ذلك أيضا لنظرت إلى المرآة عشرات المرات قبل خروجها من المنزل للتأكد من احتشام لباسها وستر عوراتها ابتعادا عن فتنة أو مشاجرة تكون هي السبب في شرارتها الأولى، وهنا أستذكر ما روي عن عائشة رضي الله عنها في موضوع الحياء حيث قالت ( كنت أدخل بيتي الذي دفن فيه الرسول عليه الصلاة والسلام وإلى جواره قبر أبي، فأضع ثوبي فأقول: إنما هما زوجي وأبي، فلما دفن عمر بن الخطاب معهما، والله ما دخلت إلا وأنا مشدودة على ثيابي، حياء من عمر )، تستحي عائشة من الأموات، ونحن نترك الحياء من الأحياء، فتخرج الفتاة مع والدها المحترم أو والدتها المرتدية للزي الشرعي، وهي بالكاد ترتدي ما يستر أجزاء قليلة من جسدها، وكأن كلا منهما ينتمي لحضارة مختلفة.
الحياء كما أصطلح على تفسيره، هو خلق يبعث على اجتناب كل فعل قبيح يسيء لفاعله قدر الإساءة للمقابل وهو خلق يسمو بالنفس عن فعل ذلك، والحياء ليس مقصورا على المرأة دون الرجل ونظرا لما له من فضائل ومزايا فقد أمر الشرع بالتخلق به وحث عليه، بل جعله من الإيمان حيث ورد في الحديث الشريف أن الحياء شعبة من الإيمان وأن لكل دين خلقا وخلق الإسلام الحياء.
فما بالنا نترك كل ذلك ويتمادى بعضنا على بعض، الصغير لا يحترم الكبير والموظف يتطاول على المدير، والنائب لا يسلم من شره زميل أو وزير، والكل يترصد للكل حتى أصبح مشهد المشاجرة وعراك الأيدي مشهدا مألوفا يشوب معظم ما نتابع من لقاءات أو حوار، وطالما استبدل خطاب العقل والنقاش الهاديء والمحاورة بالكلمة الطيبة الى اسلوب التخويف والتهويل.
لا أقصد بهذا الحديث جهة محددة، لا أشخاصا ولا مؤسسات، ولا تتنافى الدعوة إلى الحياء مع الجرأة في قول الحق وبيان الخطأ، والجمع بين الجرأة والحياء من أجمل صفات الإنسان فالجرأة المحمودة تعبر عن شخصية واثقة، والحياء يمنعها من التجاوز والإساءة.