ابراهيم الشنطي Admin
عدد المساهمات : 75853 تاريخ التسجيل : 28/01/2013 العمر : 78 الموقع : الاردن
| موضوع: حكاية (الراديو) وأحواله في عمان زمان السبت 20 أبريل 2013, 6:35 am | |
|
http://static.alrai.com/uploads/repository/66fa69d1f2211dc08aa4d6fa7c36c9ce24b118de.jpg" border="0" alt=""/>
حكاية (الراديو) وأحواله في عمان زمان
وليد سليمان
..هناك من يجلس صباح كل يوم الى جوار مذياعه ، يستمع الى صدى همس الاذاعات بما تبعث من موسيقى واخبار وحكايات. هناك من يتذكر كل ذلك ، ويحتضن الراديو ، كما كان منذ سنوات. بعد مرور أكثر من مائة عام على اختراع جهاز الراديو (المذياع ) ، ما زال صامداً في وجه المتغيرات الحديثة كأجهزة البث والإرسال الاعلامي الاخرى التي واكبت او جاءت بعده مثل : التلفاز والستالايت والكمبيوتر والانترنت . ويظهر هذا الأمر لدى سائقي سيارات الاجرة ،الذين لم يتخل معظمهم عن استعمال جهاز راديو السيارة , فالسائقون لا يستغنون عنه فهو بمثابة صديق وناقل جيد لآخر الأخبار المحلية والعالمية , ثم فضلا عما يبثه الراديو من برامج ثقافية واجتماعية وتعليقات سياسية وشكاوى المواطنين واستفساراتهم حول أمور كثيرة تخصهم بالذات عندما كثرت الإذاعات المحلية الخاصة , وفي موازاة ذلك هناك العديد من الشغوفين باقتناء اجهزة الراديو والاستماع اليها اثناء ممارستهم مهنهم الحرة وهؤلاء لا بد لهم من رفيق يؤنس ساعات نهارهم الطويلة في التجوال مثل باعة عربات الكعك والتسالي , وكذلك الحراس الليليون الذين يقتنون اجهزة الراديو ليعيشوا معه غمار ليلهم الطويل , اذ انهم يقومون بسماع ما يصلهم عبر اغانيه وأخباره الطازجة وبرامجه المختلفة . ولا نبالغ اذا قلنا ان جهاز الراديو لدى البعض من المستمعين عبارة عن دواء جيد لعلاج نفوسهم القلقة والمؤرقة التي لا تعرف النوم ليلاً إلا بعد جهد جهيد .. بعد الانصات للأصوات المبثوثة فيه وتقلب موجاته على عدة اذاعات ومحطات مختلفة حتى ينام صاحبه ...وليسهر الراديو بعد ذلك بصوته وحيداً ربما حتى الصباح . وحتى العاملون في المشاريع المختلفة البعيدة عن المدن والقرى والكهرباء في الخلاء , يؤكدون تمسكهم بجهاز الراديو بشكل محبب , ولا يستطيعون العيش بدونه لأنه اصبح جزءاً مهما من حياة البُعد والعزل عن الآخرين .
متى ظهر في عمان ورجوعاً الى حكاية تاريخ ظهور اجهزة الراديو ، في بلدنا فقد انتشرت بداية في الاربعينيات لدى الموسرين والمخاتير في بعض الأحياء وبعض القرى الاردنية , حتى ان الرجال كانوا عادة ما يذهبون الى مضافة المختار ليستمعوا وبكل اعجاب وذهول الى الراديو الذي كان يبث فقط ساعتين كل يوم ! . وعندما كان المذيع يبدأ برامج الراديو بالقول : السلام عليكم ، كان المستمعون اليه يردون التحية : ( وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته ) , ثم ينصتون لكلام المذيع .. ولأن المختار كان قد حذرهم من عدم الانصات بقوله ( إللي بجيب الصوت بوخذ الصوت!! ) , أي ربما يزعل المذيع منكم !! وهذه نوع من الخرافات التي رافقت ظهوره . وقديماً حدثنا مروان خريسات , صاحب محل لتصليح الراديوهات منذ الخمسينيات في عمان قائلاً : « لقد كانت اجهزة الراديو سابقاً من صناعة انجليزية والمانية وسويدية وايطالية , وكانت تعمل على بطارية أشبه ببطارية السيارة الثقيلة ومنها ماركات ( بيريك وإفر ردي والشمس ) وهذه الاخيرة كانت من صنع مصنع بطاريات أردني في عمان بماركا , وشكله الخارجي كان عبارة عن صندوق خشبي كبير ومتين ومزخرف وجميل .. لكن مع بداية ستينيات القرن الماضي ظهرت اجهزة راديو الترانزستور اليابانية والتي تعمل على بطاريات صغيرة .. وكان ذلك بمثابة تطور وتحول مدهش لجهاز الراديو , الذي اصبح صغير الحجم ويمكن نقله وحمله من مكان لآخر بسهولة « . ويستطرد « بعد ذلك تراجعت موديلات الراديوهات ثقيلة الوزن وكبيرة الحجم «... بالمناسبة كان المُصلح خريسات في تلك الفترة يحوّل اجهزة الراديو القديمة الى اسلوب الترانزستور على البطاريات الصغيرة والكهربائية ليتزاحم عليه اصحاب الاجهزة من كل مكان من مدن الاردن والضفة بسبب حبهم لأجهزة الراديو القديمة خاصتهم ولعدم رغبتهم بالتخلي عنها . وبعد الانتشار السريع لراديو الترانستور الصغير اصبح الراديو القديم فيما بعد عبئاً على المقتنين له بسبب الحجم والوزن والبطارية الثقيلة .. فظل العديد من الناس يحتفظون به كتحفة فنية موضوعة على رف او فوق خزانة للذكرى والفُرجة .
مواقف طريفة أما عن أطرف المواقف المتعلقة بقصص أجهزة الراديو , فقد ذكر المصلح الفني أنه « وذات مرة جاء الى محلة شخص , وقال له عندك راديو ؟ فقال له : نعم , فقال اسمعني اذاعة عمان .. ثم اذاعة لندن .. ثم اذاعة صوت العرب , فنفذ طلبه وهو يحرك له إبرة الراديو على تلك المحطات ليسمع صوتها جيداً ,ولكن الزبون في النهاية تنهد وقال مندهشاً : « يبدو ان الراديو خاصتي خربان « وتفسير ذلك ان الشخص او الزبون كان يعتقد ان جميع محطات إلاذاعات قد تعطلت !!. وكان بعض الاطفال قديماً وعندما يشتري الأب جهاز الراديو يخافون سماع صوته !! وهناك امرأة أرادت ان تغلق الراديو وكان زوجها خارج البيت ، فوضعت جميع فرشات البيت فوقه ولكنه ظل يحكي !! حتى استنجدت بالجيران لإغلاقه !!. وفي موقف آخر اشترى احدهم في الستينيات راديو جديداً , وبعد ايام وعندما اراد الخروج من البيت وكانت أمه عجوزاً تستمع معه لصوت الراديو , فقال لها : انا سأخرج وبعد ان تستمعي الى ما تريدين من الراديو « طفيه « أي اطفئيه واغلقيه .. فما كان من الام العجوز بعد ان اكتفت من سماع الراديو الا ان احضرت سطلاً من الماء وسكبته على الجهاز حتى تطفئ الراديو .. فاحترق وخرب الراديو !!. هذا بعض من هزل لا يخالطه جد ولكن التطور التقني والتعليم والوعي ازداد عند الناس حتى اصبح الطفل الصغير يتعامل مع الكمبيوتر مثلاً بكل سهولة . ولا بد من الإشارة الى ان الراديو رجع عزه هذه الأيام ولكن بشكل آخر .. فقد ظهرت عشرات الاذاعات المحلية الاردنية في عمان وغيرها من المدن وبشكل مذهل .. وتنوعت اجهزة الراديو الصغيرة التي يستخدمها المواطنون عبر اجهزة الخلوي والانترنت .. واجهزة الراديو الصغيرة التي تشبه بحجمها قلم الحبر او مشط الشعر .
الراديو قبل 70 سنة في» سيرة مدينة عمان» للروائي الاردني عبد الرحمن منيف ، نراه يسرد: في الأربعينيات كان عدد الراديوات في عمان , ذلك الوقت محدوداً وفي بيوت الأغنياء فقط . وهذه الأجهزة , بالإضافة إلى قلة عددها , ورغم حجمها الكبير, لا « تسحب « إلا محطات قليلة , كانت محطة الشرق الأدنى إحداها . ولأن ميول معظم الناس لا تتوافق مع هذه المحطة فلم يكونوا يسمعونها او يعولون على أخبارها . بالمقابل كان الكثيرون يريدون سماع محطة برلين , وهذه المحطة ليس من السهل التقاطها , إضافة إلى كونها ممنوعة , ولذلك كانت تُتخذ الاحتياطات الكثيرة أثناء سماعها , إذ يجب أن يوضع الراديو في غرفة داخلية , وليس في غرفة الضيوف , كما هي العادة , ويجب أن تراقب بدقة الشوارع والدخلات التي تؤدي إلى البيت . كان الصغار هم الذين يتولون المراقبة , إذ يحتمل أن تتم عمليات المداهمة في أية لحظة , ومن شأن ذلك التعرض لعقوبات قد تكون قاسية , بما في ذلك مصادرة « الجهاز « . ومن التعابير المألوفة , والتي كانت تستعمل للإبلاغ عن وصول دورية الشرطة , أن يصرخ الصغار , حين يلمحون الدورية : « لمعت « , فقد كانت تزين قبعات رجال الشرطة , ذلك الوقت , قطع معدنية لامعة , وكانت هذه القطع , بالإضافة إلى أنها لافتة للنظر , شديدة البريق , ويمكن أن تُرى من بعيد . هذه الصرخة كفيلة أن تنتقل بسرعة إلى فوج المراقبة الثاني في البيت أو حواليه , وبالتالي يمكن أن يُغلق الراديو , ويُسدل عليه الغطاء المزركش المشغول بعناية , والذي هيأته نسوة البيت في الأيام الأولى لوصول الراديو , وكان يغطي به أثناء فترات عدم البث . إن صرخة من هذا النوع تثير الدورية , وتجعلها تتحرى بدقة أكثر , وقد تؤدي هذه التحريات في بعض الأحيان الى إشكالات , كأن تُلقى على الدورية , من مكان خفي , وفي الظلمة , « توزيعة « والتوزيعة عبارة عن كمية من التراب الناعم أو الرمل توضع في كيس صغير من الورق غير محكم الإغلاق , بحيث تنتشر محتوياته بسرعة على « الهدف « , ومن شأن ذلك تعقيد الموقف , وربما فتح تحقيق أو استدعاء المختار , وقد تحصل أشياء أخرى أيضاً .
هتلر .. ستالين..رومل لقد كان الراديو الوسيلة الأساسية لمتابعة أخبار الحرب . كان صوت يونس بحري من راديو برلين يثير الطرب وهو يقول « حي العرب « , وكان هناك متخصصون في سماعه ونقل ما يقول إلى الآخرين , مع إضافات وتعديلات يرونها مناسبة , أو تلائم الذين تلقى عليهم . فهتلر حين يُنقل اسمه إلى الآخرين يصبح أبو علي , ويصبح اسم ستالين أبو يعقوب . أما أخبار الحرب فتتلخص بكلمات قليلة : « قوات المحور تتقدم , تكتسح , تتوغل « « رومل يزحف , يسيطر , وقوات الحلفاء تتراجع , تنهزم « وهكذا ورغم أن الأردن , رسمياً , كان إلى جانب الحلفاء , وأعلن دخوله الحرب , إلا أن عواطف الناس , بصورة عامة , كانت إلى جانب ألمانيا, ويمكن فهم وتفسير هذه العواطف بسهولة , فالموقف تجاه اليهود أبرزها يضاف إلى ذلك أن النظرة نحو الإنكليز , وإلى الفرنسيين , لم تكن ودية , بل معادية , نظراً لكونهما المستعمرين المباشرين . ثم إن مجيء عدد إضافي من الإنكليز في هذه الفترة , وتعزيز بعض الوحدات , خاصة قوات البادية , والتي كانت الزرقاء مقراً لها , جعل الناس يتخوفون ويتحسبون أكثر من قبل . كان الراديو إذن الوسيلة الأولى والأهم في متابعة أخبار الحرب , ومع أن بدير وتجاراً آخرين استخدموا , منذ وقت مبكر , مولدات كهربائية , إلا أن الكهرباء لم تصل إلى الكثير من البيوت , نظراً للكلفة العالية لقاء « الساعة « والتمديدات , لذلك فإن البيت الذي تنيره الكهرباء وفيه راديو لا بد أن يقصده كثيرون من الأقارب والجوار.
الإذاعة الاردنية وبسبب الأحداث الحربية التي حدثت في فلسطين عام 1948 وسقوط أجزاء منها بأيدي قوات الاحتلال الاسرائيلي فقد قام المسؤولون العرب في اذاعة الانتداب البريطاني وبمساعدة رجال من الجيش الاردني بنقل ما أمكن لهم من أجهزة هذه الاذاعة من القدس الى رام الله .. وقد أشرف على عملية نقل الاجهزة نائب مدير دار الاذاعة الفلسطينية في ذلك الوقت السيد حازم نسيبة . وعن ذلك أيضاً فقد ورد في كتاب ( عمان عاصمة الاردن ) عام 1988 انه لما كانت مدينة رام الله في ذلك الوقت ضمن المنطقة التي قام الجيش الاردني بالدفاع عنها في وجه العدوان الصهيوني فقد اصبحت الاذاعة تابعة للحكومة المركزية في عمان . وبقيت الامور على هذا المنوال حتى تم توحيد الضفتين رسمياً في 1950 فأصبحت تُعرف الاذاعة منذ ذلك الحين باسم ( اذاعة المملكة الاردنية الهاشمية ) . وفي أيلول عام 1956 تم افتتاح محطة اذاعة صغيرة في جبل الحسين بمدينة عمان حيث ان جلالة المرحوم الملك الحسين بن طلال كان قد افتتح هذه الاذاعة الثانية في مبناها الصغير وذلك لإيصال صوت الاردن عاليا الى أكبر عدد من المستمعين بجانب اذاعة القدس من رام الله .. وكانت مدة البث عند انشاء ( اذاعة عمان ) ساعة واحدة صباحاً , وساعتين مساءً أما الكلمة التي ألقاها جلالته عند افتتاح الاذاعة من عمان فقد كانت كما يلي» أخي المستمع أحييك من خلال صوتك الصريح , وكلي أمل وثقة بأن يكون هذا المذياع منبراً حراً صادقاً يتحدث إليك عن تاريخ أمتك المجيد , وحاضرها المستيقظ , ومستقبلها السعيد , وان هذا الصوت وهو صيحة الاردن الواضحة المبشرة بسياسته العربية الخالدة التي ما انفكت تهدف الى الوحدة , وتنادي بان العروبة هي صاحبة الحق في الدفاع عن أوطانها , وصد كل اعتداء عن العالم العربي الكبير». لكن الطموح كان كبيراً والآمال عريضة , اذ تطور الأمر ليشعر المسؤولون عن الاعلام في كل من رام الله وعمان ان ذلك لا يفي بالغرض وهو نقل رسالة الاردن القوية وتعزيز تواصله أيضاًَ مع العالم الاسلامي .. لذا فقد بادرت الحكومة الاردنية في التفكير والتخطيط لإنشاء دار اذاعة كبرى في منطقة أم الحيران الحالية في ضواحي جنوب عمان .. وهذا ما كان، حيث تم في العام 1959 انطلاق صوت عمان ، على يد الملك الراحل الحسين بن طلال طيب الله.
|
|