ابراهيم الشنطي Admin
عدد المساهمات : 75477 تاريخ التسجيل : 28/01/2013 العمر : 78 الموقع : الاردن
| موضوع: الجذور الغربية للإرهاب المناهض للغرب الخميس 26 نوفمبر 2015, 5:48 am | |
| الجذور الغربية للإرهاب المناهض للغرب
الخميس 26 تشرين الثاني / نوفمبر 2015. 12:00 صباحاً
- جندي أميركي من قوة الاحتلال الأميركية في أفغانستان - (أرشيفية)
براهما تشيلاني* برلين- كانت الهجمات المروعة التي شنها تنظيم الدولة الإسلامية في باريس بمثابة تَذكِرة صارخة بأن القوى الغربية عاجزة عن احتواء العواقب غير المقصودة الناجمة عن تدخلاتها في الشرق الأوسط -ناهيك عن عزل نفسها عنها. فقد تسبب تفكك سورية والعراق وليبيا، جنباً إلى جنب مع الحرب الأهلية التي تمزق اليمن، في خلق ميادين قتل شاسعة، وتوليد موجات من اللاجئين، وإفراز جماعات من المتشددين الإسلاميين التي ستظل تشكل تهديداً للأمن الدولي لسنوات مقبلة. ولم يكن إسهام الغرب في كل هذا قليلاً. ليس التدخل الغربي في الشرق الأوسط ظاهرة جديدة. فباستثناء إيران، ومصر، وتركيا، كانت كل القوى الكبرى في الشرق الأوسط كيانات أنشأها البريطانيون والفرنسيون إلى حد كبير. ولا تمثل التدخلات التي قادتها الولايات المتحدة في أفغانستان والعراق منذ العام 2001 سوى محاولة الدول الغربية الأحدث لإعادة تشكيل وصياغة المشهد الجيوسياسي للمنطقة. لكن هذه القوى كانت تفضل دوماً التدخل من خلال وكيل، وتُفضي هذه الاستراتيجية -تدريب وتمويل وتسليح الجهاديين المحسوبين على "التيار المعتدل" للقتال ضد "المتطرفين"- إلى نتائج عكسية اليوم. وعلى الرغم من البراهين والأدلة المتكررة التي أثبتت خطأ هذه الحسابات، ظلت القوى الغربية متشبثة بنهج يهدد أمنها الداخلي ويعرضه للخطر. يجب أن يكون واضحاً أنه لا يمكن اعتبار أولئك الذين يشنون الجهاد العنيف من المعتدلين أبداً. ولكن، وحتى رغم الاعتراف بأن أغلبية من أعضاء الجيش السوري الحر المدربين على يد وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية هجروه وانضموا إلى تنظيم الدولة الإسلامية، تعهدت الولايات المتحدة مؤخراً بتقديم ما يقرب من 100 مليون دولار أميركي كمساعدات جديدة لمتمردين سوريين. وكانت فرنسا أيضاً توزع المساعدات على متمردين سوريين، وقد بدأت مؤخراً بشن ضربات جوية ضد تنظيم الدولة الإسلامية. وهذا بالتحديد هو السبب وراء استهداف فرنسا. وقد ذكر شهود عيان أن المهاجمين عند قاعة الحفلات الموسيقية، باتاكلان، في باريس -حيث قُتِل أغلب ضحايا تلك الليلة- أعلنوا أن من يتحمل المسؤولية عن أفعالهم هو الرئيس فرانسوا هولاند. وكانوا يصرخون قائلين: "ما كان يجب أن يتدخل في سورية". من المؤكد أن فرنسا كانت مستقِلة الفكر تقليدياً وتتسم سياستها الخارجية بالحس العملي، وهو ما انعكس في معارضتها لغزو واحتلال العراق بقيادة الولايات المتحدة في العام 2003. ولكن بعد أن أصبح نيكولا ساركوزي رئيساً في العام 2007، عكفت فرنسا على المواءمة بشكل أكثر قوة بين سياساتها وسياسات الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي، فشاركت بنشاط في إسقاط الزعيم الليبي معمر القذافي في العام 2011. وبعد قدوم هولاند خلفاً لساركوزي في العام 2012، برزت فرنسا باعتبارها من أكثر بلدان العالم تدخلاً في شؤون الآخرين، فنفذت عمليات عسكرية في جمهورية أفريقيا الوسطى، وكوت ديفوار، ومالي، ومنطقة الساحل، والصومال، قبل أن تشن ضرباتها الجوية في سورية. تتجاهل مثل هذه التدخلات دورس التاريخ. فالأمر ببساطة أن كل التدخلات الغربية في هذا القرن تقريباً أفضت إلى عواقب لم تكن متوقعة، عواقب امتدت عبر الحدود واستدرجت في نهاية المطاف تدخلات أخرى. ولم يكن الأمر مختلفاً في أواخر القرن العشرين. ففي الثمانينيات، في عهد الرئيس رونالد ريغان، دربت الولايات المتحدة الآلاف من المتطرفين الإسلاميين لمحاربة الاتحاد السوفياتي في أفغانستان. وكانت النتيجة ظهور تنظيم القاعدة الذي اتخذ الرئيس جورج دبليو بوش تصرفاته مبرراً لغزو أفغانستان، وذريعة لغزو العراق. وكما اعترفت هيلاري كلينتون في العام 2010، بوصفها وزيرة خارجية الولايات المتحدة آنذاك: "قمنا بتدريبهم، وتجهيزهم بالعتاد، ومولناهم، بما في ذلك شخص يدعى أسامة بن لادن... ولم تكن النتائج مُرضية على الإطلاق". ولكن، بالرغم من ذلك وفي تجاهل لهذا الدرس، تدخلت القوى الغربية في ليبيا لإسقاط القذافي، الأمر الذي أدى إلى خلق قلعة جهادية على العتبة الجنوبية لأوروبا، في حين فتح الطريق لتدفق الأسلحة والمقاتلين إلى بلدان أخرى. وكانت هذه النتيجة بالتحديد هي التي حفزت التدخلات الفرنسية المضادة للإرهاب في مالي ومنطقة الساحل. ولم تكد الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا تتوقف لالتقاط أنفاسها حتى تحركت -بدعم من دول متشددة الفكر- لإسقاط الرئيس السوري بشار الأسد، الأمر الذي أدى إلى اندلاع الحرب الأهلية التي مكنت تنظيم الدولة الإسلامية من الاستيلاء على الأرض والتوسع. ومع نجاح التنظيم في فرض سيطرته بسرعة على مساحات شاسعة امتدت إلى العراق، بدأت الولايات المتحدة مع مجموعة من الدول بشن الغارات الجوية داخل سورية في العام الماضي. ثم انضمت فرنسا إلى هذه الجهود في وقت لاحق، وتلتها روسيا. على الرغم من أن روسيا تدير حملتها العسكرية بشكل مستقل عن القوى الغربية (على النحو الذي يعكس دعمها للأسد)، يبدو أنها هي أيضاً تحولت إلى هدف، مع الاقتناع بأن تنظيم الدولة الإسلامية كان وراء سقوط الطائرة الروسية في شبه جزيرة سيناء في الشهر الماضي. وربما تفضي تلك الحادثة، جنباً إلى جنب مع هجمات باريس، إلى تحفيز تدخل عسكري خارجي أكبر في سورية والعراق، وبالتالي تسريع دورة التدخل المدمرة. وبالفعل، بات خطر الركون إلى العاطفة وليس العقل والمنطق في توجيه السياسة جلياً واضحاً في فرنسا والولايات المتحدة وأماكن أخرى. إن أكثر ما نحتاج إليه الآن هو نهج أكثر توازناً يعكس الدروس المستفادة من الأخطاء الأخيرة. فأولاً، ينبغي لزعماء الغرب أن يتجنبوا تحقيق رغبات الإرهابيين بتصرفاتهم، كما يفعل هولاند عندما يسمي هجمات باريس "عملاً من أعمال الحرب" ويتخذ تدابير غير مسبوقة في الداخل. بل يتعين عليهم بدلاً من ذلك أن يصغوا إلى نصيحة مارغريت تاتشر، فيحرموا الإرهابيين من "أكسجين الدعاية الذي يعتمدون عليه". من المهم أن يدرك هؤلاء الزعماء أنه لا يمكنهم خوض الحرب ضد الإرهاب بمصداقية ما داموا يخوضونها إلى جانب حلفاء مذمومين أصلاً. والمخاطر المتمثلة في العواقب السلبية غير المقصودة -سواء كانت نتائج عكسية إرهابية كما حدث في باريس، أو تداعيات عسكرية كما هو الحال في سورية- مرتفعة على نحو لا يمكن تبريره. لم يفت الأوان بعد لكي تأخذ القوى الغربية العبرة من أخطاء الماضي وأن تعيد تقويم سياسات مكافحة الإرهاب وفقاً لذلك. ولكن من المؤسف أن هذه تبدو الاستجابة الأبعد ترجيحاً لهجمات "الدولة الإسلامية" الأخيرة.
*أستاذ الدراسات الاستراتيجية في مركز أبحاث السياسة في نيودلهي، وزميل أكاديمية روبرت بوش في برلين |
|