قريع وخيار الدولة ثنائية القومية ؟
"محادثات السلام وصلت إلى مأزق". استنتاج متأخر وصل إليه السيد احمد قريع رئيس الوفد الذي يرأس المفاوضين الفلسطينيين في المحادثات التي تتوسط فيها الولايات المتحدة مع دولة الاحتلال إسرائيل، وعلى الرغم من هذا الاستنتاج المتأخر حول عدم جدية "إسرائيل" في تحقيق أي سلام مع الفلسطينيين، إلا أن السيد قريع يرى انه قد يتم تحقيق الحل القائم على دولتين إذا لم تلب إسرائيل المطلب الفلسطيني بالانسحاب من كل الأراضي المحتلة في العام 1967 ، وبطبع فان الانسحاب الإسرائيلي لن يكون، وبحسب قريع فان الفلسطينيين ربما يطالبون بأن يصبحوا جزءا من دولة ثنائية القومية مع إسرائيل إذا استمرت إسرائيل في رفض الحدود التي يقترحونها لإنشاء دولة منفصلة!
وتأتي هذه التصريحات بعد أن بات في حكم المؤكد غياب فرصة واشنطن في التوصل لاتفاقية سلام قبل انتهاء فترة ولاية الرئيس الأميركي جورج بوش العام المقبل، وكذلك بعد أن أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي أيهود اولمرت الذي يواجه تهم الفساد المالي انه يعتزم الاستقالة خلال الأسابيع المقبلة. وهذا الخيار للدولة ثنائية القومية طرح بعد أشهر من المناقشات التي لم يتحقق أي تقدم واضح فيها بشأن القضايا الأساسية التي يجري الحوار عليها مع المحتل مثل مستقبل القدس، ومصير ملايين اللاجئين الفلسطينيين. وبعد أن وصل الطرفان إلى طريق مسدود، عادت فكرة "الدولة الثنائية القومية" لتجد لها مكانا عند السيد قريع بعد أن كانت مطلبا لليسار الإسرائيلي.
ويبدو خيار الدولة "الثنائية القومية"، المفترضة، خيارا وسطا بين الانفصال والاندماج. وهو يطرح في ظروف يبدو أنه بات من المتعذر فيها تحقيق قيام دولة للفلسطينيين وسط الرفض الإسرائيلي، ويستنتج من ذلك أن خيار الدولة الثنائية هو بمثابة حل وسط افتراضي، فهو يتجاوز صعوبات الانفصال ويتضمن نوعا من التحايل على الواقع بإيجاد طريقة للتعايش على أساس من المساواة. وبمعنى آخر فإن هذا الحل يتجاوب، في آن معا، مع أطروحات الانفصال والطموحات القومية للطرفين المتصارعين ومع تعقيدات الصراع بينهما.
ويجب أن لا يغيب عن البال أن الفلسطينيين لا يقبلون بأقل من انسحاب إسرائيل من كامل الضفة والقطاع، مقرونا باعترافها بحق العودة للاجئين إلى ديارهم وأراضيهم، التي شردوا منها عام 1948. أما إسرائيل فهي ترفض تفكيك المستوطنات وحق العودة والانسحاب إلى حدود 4 حزيران وتتمسّك بطابعها كدولة يهودية؛ وفي مقابل هذا الاستعصاء على الجانبين فإن مشروع الدولة "ثنائية القومية"، المفترض قيامها في فلسطين التاريخية، يبدو أكثر تلبية لطموحات الفلسطينيين الذين يسعون لتحقيق السلام مع الإسرائيليين، وأكثر استجابة لمخاوف الإسرائيليين.
ومع ذلك فإن خيار الدولة "ثنائية القومية" يحتاج إلى قبول متبادل من الطرفين: الإسرائيلي والفلسطيني، لترجمته على أرض الواقع، وهو أمر يستحيل حدوثه في واقع الصراع الحالي، ولا سيما على ضوء تبني غالبية الإسرائيليين للمنطق الصهيوني الالغائي في تعاملهم مع الفلسطينيين وتمسكهم بالطابع اليهودي للدولة الإسرائيلية.
فهل يتمكن المفاوض الفلسطيني من إقناع الشركاء الوهميين في السلام بان حل الدولة الثنائية القومية سيكون الحل السحري للصراع العربي الإسرائيلي، أم أن القصة لا تعدو كونها مناورة سياسية أخرى في سجل مناورات السلام التي لم تقدم أي حل عملي للقضية الفلسطينية وخصوصا أن مثل هذه الأطروحات تأتي في سياق يتعمق فيه الانقسام الداخلي الفلسطيني، بين كل من حماس وفتح ، ولم يتحقق أي تقدم على مستوى المصالحة بين الطرفين، فقبل الحديث عن الحل الدولة ثنائية القومية وجب على القيادة الفلسطينية الشروع في حوار وطني شامل لوقف التدهور الخطير على مستقبل القضية الفلسطينية، بعد ورود أنباء عن النية عن إعلان قطاع غزة "إقليما متمردا" مما يعني تدويله، وإرسال قوات لتحرير غزة من "حماس" ، والدخول في دوامة جديدة من الصراع عنوانها السلطة وحماس والخاسر والوحيد في طرفي الصراع هو الشعب الفلسطيني والقضية الفلسطينية بأسرها، نتيجة لتعنت الطرفين الأساسيين حماس والسلطة في الأزمة، وتكالب كلا الطرفين على السلطة في وقت يكونان أحوج فيه للوحدة في مواجهة المشروع الإسرائيلي.