الطلاق بعد سنوات زواج طويلة: قرار مرتبط بعوامل نفسية وأخرى اقتصادية
مجد جابر
عمان- كان قراراً صعباً ذلك الذي اتخذته الخمسينية رضا أحمد، عندما قررت الانفصال عن زوجها بعد 26 عاماً من الزواج، مشيرة إلى أنها لطالما انتظرت الوقت المناسب للخلاص من هذه الحياة الزوجية التي وصفتها بـ”الفاشلة جداً منذ البداية”.
بقاء رضا طوال هذه الأعوام مع زوجها سببه أنها كانت بحاجة إلى أن تؤمن أبناءها وتطمئن عليهم لتعيش بعدها مرتاحة بعيدة عن الذل والبخل والإهانات التي حاصرها بها زوجها سنوات طويلة، مشيرة إلى أن الخبر وقع كالصاعقة على طليقها الذي لم يتوقع أن تطلب بعد كل هذه السنوات الطلاق، خصوصاً وأنها تحملت الكثير منذ بداية حياتهما والوضع بات أكثر هدوءا الآن.
وتقول “منذ بداية زواجي تحملته وتحملت سوء معاملته وبخله وكلامه السيئ عني كل ذلك من أجل أبنائي، إلا أنني الآن ارتحت بعد أن أنهى أصغر ابن عندي جامعته وجاء دوري لأعيش حياتي بعيداً من جديد”.
وتضيف “ان المجتمع والأهل والأصدقاء استهجنوا واعتقدوا أن الأمر مجرد مزحة في بداية الأمر، وبأنه لم يبق من العمر أكثر مما مضى، إلا أنني أنتظرت وتحملت سنوات لأعيش حياتي وحدي بعيداً عن نكده وذله”.
رضا ليست وحدها التي اختارت الانفصال عن زوجها بعد مرور سنين وعشرة طويلة، فالستينية الهام علي هي الأخرى تزوج زوجها عليها منذ 7 سنوات، إلا أنها في ذلك الوقت لم تحرك ساكناً على الإطلاق، واحتملت كل شيء من أجل بناتها، الا أنها أخذت عهدا على نفسها بألا تبقى معه يوما واحدا بعد أن تزوجت بناتها الثلاث.
اليوم الهام وبعد مرور 29 عاماً على زواجها، أنهت مهمتها وزوجت بناتها واطمأنت عليهن، وطلبت الطلاق على الفور من زوجها الذي رفض رفضاً شديداً وأخبرها أنه مستعد للتخلي عن زوجته الثانية وأنها هي الأصل بالنسبة له، إلا أنها رفضت وحصلت على طلاقها منه.
وتقول “الآن أعيش وأنا مرتاحة نفسياً وبكرامتي، فكان همي الأكبر هو بناتي، وقد اطمأننت عليهن وارتحت، وبالرغم من معارضة الأهل لقراري وبأنني سأصبح حديثا للناس كلهم في هذا المجتمع، الا أنني ضربت كل تلك الأشياء بعرض الحائط، وفكرت بسعادتي وكرامتي أولاً وأخيراً”.
وفي ذلك، يقول الاختصاصي التربوي والنفسي د. موسى مطارنة “إن هذا القرار لا يكون وليد الساعة، إنما يتولد نتيجة تراكمات متتالية توصل الزوجة إلى هذه المرحلة، إلا أنه قرار غير سليم، ويمكن أن تلجأ الزوجة إلى حلول أخرى كثيرة غير الانفصال”.
إلا أن ما يحدث أنه في سن 40 و50 يولد هناك إحساس داخلي بالعودة إلى الشباب سواء عند الرجل أو المرأة، وبالتالي إذا أهمل الرجل ذلك ولم يعره أي اهتمام، تصبح المرأة تفكر بالطلاق والعكس صحيح.
ويشير الى أن الطلاق في هذه السن أمر غريب وقليل في مجتمعنا، وإذا حدث يكون نتيجة تغير في شخصية الإنسان واحتياجاته، أو أنها تكون نتيجة لحالة من عدم الاستقرار العاطفي والنفسي، أو يكون قرارا قديما، إلا أن الزوجة كانت تنتظر اللحظة المناسبة.
ويعتبر مطارنة أن الطلاق دائماً هو آخر خيار يجب أن يلجأ له الإنسان، خصوصاً وفي حال يكون الأبناء قد كبروا، فقد يستقر أي من الوالدين معهم ويكتفوا به، مبيناً أنها عملية ناتجة عن حالة نفسية محضة.
وعلى صعيد الأرقام والإحصائيات حول الطلاق في عمر متأخر، يؤكد الاستشاري الأسري مفيد سرحان، أنه لا توجد أرقام إحصائية رسمية تربط الطلاق بعمر الحياة الزوجية، إلا أن الأرقام تشهد ارتفاعا ملحوظا في معدلات الطلاق، خصوصاً الطلاق قبل الدخول.
واختلال النظرة الى مؤسسة الأسرة، من وجهة نظر سرحان، جعل من الطلاق أكثر سهولة في مختلف الفئات العمرية، مهما كانت مدة الحياة الزوجية، مشيرا إلى ضرورة دراسة مثل هذه الحالات والوقوف على الأسباب الحقيقية للطلاق.
ويؤكد صعوبة دراسة ذلك، لأنه من أهم العوائق في هذا الاتجاه عدم وجود تصنيف لدى دائرة قاضي القضاة يربط الطلاق بمدة الحياة الزوجية والاكتفاء بذكر العمر الزمني للزوج أو الزوجة، رائيا أن الأرقام والإحصائيات تعد من أهم الأمور التي تسهم في إنجاح الدراسات الاجتماعية والبحثية الدقيقة التي من شأنها الوقوف على الأسباب والوصول إلى الحلول المناسبة.
ويذهب سرحان إلى أنه من المعروف اجتماعياً أنه كلما زادت مدة الحياة الزوجية تكون احتمالية الطلاق فيها أقل، خصوصاً مع وجود الأبناء، مبيناً أن بعض الحالات يتم فيها الطلاق بالرغم من مرور سنوات عدة وتجاوز الزوجين عمر الأربعين ومع وجود الأبناء.
ويضيف أن هذا الأمر قد يكون مستغربا اجتماعياً، إلا أن هذه الحالات يمكن أن تحدث وازديادها يكون بشكل نسبي، مبيناً أن من بين الأسباب التي تؤدي إلى ذلك تغير الظروف الاقتصادية للزوج بشكل أساسي، بالإضافة إلى اختلاف وجهات النظر في تربية الأبناء أو رغبة الزوج في الزواج مرة أخرى ورفض الزوجة لذلك.
في حين تذهب اختصاصية الإرشاد النفسي والتربوي والمدربة في إثراء العلاقات الحياتية في مركز “إثراء”، الدكتورة سلمى البيروتي، إلى أن من عوامل الانفصال بعد مدة طويلة من الزواج؛ عدم استعداد الزوجين لمرحلة العش الخالي، بحيث يدركان بهذه المرحلة أن الأطفال هم سبب ارتباطهم ومسؤولية تنشئتهم هي ما كان يشغلهم، وليس الرابطة العاطفية التي كان من المفترض أن يهتموا بها أكثر ويعملوا على تنميتها عبر سنوات عديدة.
وهذه المرحلة، كما تقول، هي مرحلة تقييمية لما تم تحقيقه من آمال وأحلام وتوقعات منذ بدء الزواج، مبينة أنها مرحلة حصاد لما تم زرعه على المستوى النفسي والانفعالي، كذلك تطفو على وجه هذه المرحلة مواقف الإحباط العديدة والتي تراكمت عبر سنين من خيبات أمل من ألم نفسي وجرح عاطفي ومشاعر استياء وعدم تواجد عاطفي للشريك، ما يجعل الشخص يعيد النظر بحياته من جديد والتفكير بالاهتمام بنفسه، معتقداً أن ترك الشريك هو الحل.
وبالتالي يصبح هناك اختبار لمشاعر الفراغ الطويل والشعور بعد الراحة بوجود الشريك وعبء في البقاء معاً، وفق البيروتي، ما يجعل هناك فشلا في تحقيق الزواج لهدفه النفسي والعاطفي، بينما نجح في تحقيق أهدافه على المستوى الثقافي أو المادي.
ومن الأسباب الأخرى التي تدفع بالطلاق في هذا العمر، أن المرأة تشعر أنها ما تزال صغيرة وأكثر استقلالية وغير معتمدة على زوجها كما في السابق، كذلك يشعر أحد الزوجين أو كلاهما أن الزواج لم يلبّ حاجاتهما العاطفية، ما يجعل الكثير من المشاعر السلبية تتفاقم داخلهما فيتخذان مثل هذا القرار الذي لا يعرف إذا كان صائبا أم لا.
لذلك ومن وجهة نظر مطارنة، يجب أن تتعامل الأسرة دائماً مع التغيير والإجازة، ليكون هناك دائماً ولادة جديدة للمشاعر والخروج من روتين الحياة.