محمد علاونة
الذهب إلى أين؟ والأردن يخسر الملايين بسبب هبوط الأسعار
التاريخ:1/12/2015
خسر البنك المركزي الأردني نحو 70 مليون دينار خلال نصف عام منذ شهر نيسان الماضي حتى نهاية تشرين الأول؛ بفعل انخفاض أسعار الذهب التي تراجعت بنسبة 12 في المئة منذ ذلك الشهر حتى سعر الصرف الحالي.
في نيسان بلغ سعر أونصة الذهب في السوق العالمية 1188.70 دولار، بينما استمرت أسعار الذهب في الهبوط للأسبوع السادس على التوالي لتقفل عند مستوى 1052 دولارا للأونصة بنهاية تداولات يوم الجمعة، ليتكبد «المركزي» تلك الخسارة رغم انه باع 260 ألف أونصة منذ ذلك التاريخ حتى نهاية تشرين الأول، وفقا لبيانات رسمية.
«المركزي» زاد من قيمة الأونصات الموجودة لديه في أول أربعة أشهر من 2015، بمقدار 456.1 مليون دينار، أو ما نسبته 86 في المئة، لتصل القيمة الإجمالية إلى 984 مليون دينار، مقارنة مع 528 مليون دينار في نهاية 2014، إذ بلغ عدد أونصات الذهب لدى البنك في نهاية نيسان ما يتجاوز 1.146 مليون أونصة أو ما يعادل نحو (36 طنا)، مقارنة مع نحو 620 ألف أونصة في نهاية العام 2014، بحسب بيانات ذاتها.
وفي قراءة سريعة لبيانات الاحتياطي الأجنبي وموجودات البنك، تبين أن المركزي يملك 500.363 أونصة من الذهب كانت قيمتها 524.6 مليون دينار لتنخفض تلك القيمة مع نهاية 2013 إلى نحو 425.6 مليون دينار. وانخفضت الموجودات الأجنبية للبنك إلى 10.56 مليارات دينار مع بداية عام 2014، مقارنة بـ10.69 مليارات دينار مع نهاية عام 2013. «المركزي» رفع حجم موجوداته من الذهب من 319.4 أونصة في عام 2009 إلى 410.363 أونصة للأعوام 2010 و2011 وإلى 445.363 و500.363 أونصة للأعوام 2012 و2013 على التوالي، قيمتها 411.5 و452.1 و524.6 مليون دينار للأعوام 2010 و2011 و2012 على التوالي قبل أن تنخفض إلى 425.6 مليون دينار نهاية 2013، وتبلغ مع نهاية تشرين الأول 2015 إلى 1.205 ملايين أونصة قيمتها 991.5 مليون دينار.
في المقابل، ارتفع الاحتياطي الرسمي من العملات الأجنبية خلال العام 2013 باستثناء شهري أيار وكانون الأول، حيث تراجعت في أيار نحو 3.4 في المئة عن الشهر السابق له ببلوغها بأيار نحو 6.66 مليارات دينار، ونحو 4.1 في المئة في كانون الأول مقارنة بتشرين الثاني بوصولها في الشهر الأخير من العام الماضي إلى 8.51 مليارات دينار، اليوم تلك الاحتياطات تبلغ نحو 13 مليار دينار من العملات الصعبة والذهب.
يذكر أن من المهام المنوطة بالبنك المركزي القيام بها الحفاظ على الاستقرار النقدي في المملكة، إضافة إلى الاحتفاظ باحتياطي المملكة من الذهب والعملات الأجنبية وإدارته، وتعزيز سلامة ومنعة مؤسسات الجهاز المصرفي من خلال تبني أساليب رقابية فعالة وفقا لأحدث المعايير الدولية المطبقة.. في سياق التحليل، ما زال الذهب هو الملاذ الآمن بوصفه أداة للادخار من قبل المستهلكين أو المستثمرين، لكنه بالنسبة للدول لم يعد مثيرا للاهتمام، وذلك في ظل التقلبات الحادة التي عاشتها وتعيشها أسواق المال من أسهم وعملات عالميا ومحليا، وبيع دول لاحتياطاتها من الذهب لتسيير أعمالها كما فعلت سويسرا وغيرها.
الإقبال على شراء المعدن الأصفر يتوقف على الهدف الذي يقوم به الأفراد، فهنالك من يبيعونه للحصول على سيولة، وهناك من يقبلون على شرائه كنوع من الادخار للمستقبل.
محليا، بدايات سوق الذهب في الأردن، تعود إلى العام 1949 عندما كانت محلات «مجوهرات الشريف» و»سكجها» و»أبو سارة»، هي الأشهر في السوق الواقع في شارع الشابسوغ، حيث لم تتجاوز كمية الذهب التي يتم التعامل بها آنذاك الخمسة كيلوغرام لكل منها، وكان سعر الغرام 70 قرشا.
حاليا لا يقل رأسمال محل الذهب في الأردن عما يساوي 50 كيلوغراما، رغم التذبذب الحاد في أسعاره، كان مطلوبا، حيث إن معظم المستهلكين بلغوا قناعة مفادها أن الذهب يمكن الاستفادة منه في أي وقت، وتحديدا عند الحاجة الماسة وحدوث طارئ، مثل تكاليف العلاج أو التعليم.
تفسير ارتباط الذهب بسعر صرف الدولار أن سعر الذهب طالما ربط بشكل سلبي مع الدولار الأميركي، بينما يتحرك الذهب والنفط واليورو عادةً في الاتجاه نفسه، يعود إلى اتفاقية بريتون وودز التي عقدت في العام 1944 التي توجت الدولار على رأس النقد العالمي، وأسلمته زمام المبادرة لقيادة العالم اقتصادياً، ووضعت الذهب في الخلفية بوصفه ركيزة داعمة، أو احتياطا، بينما كان الذهب قبل ذلك هو الغطاء الحقيقي للدولار بنسبة 100 في المئة، وبقي الأمر كذلك حتى نهاية الحرب العالمية الثانية. وما زالت الدول حتى اليوم تحتفظ بالذهب كاحتياطي لعملتها، وهو ما يسمى بالغطاء الذهبي للعملة.
الذهب يساهم في دعم العملة المحلية؛ كونه يحسب في مجموعة احتياطيات البنك المركزي، حيث استقر حجم هذه الاحتياطيات عند أكثر من 13 مليار دينار حاليا.
ويمثل احتياطي البنك المركزي من العملات الأجنبية النقد والأرصدة والودائع الجاهزة بالعملات الأجنبية القابلة للتحويل وسندات وأذونات بعملات أجنبية، ونقد وأرصدة وودائع بعملات أجنبية غير قابلة للتحويل، مطروحا منه ودائع كل من البنوك المرخصة وودائع غير المقيمين بالعملات الأجنبية لدى «المركزي».
العام 1997 كان الأسوأ في تاريخ أسعار الذهب منذ أن أصبح سعر هذا المعدن الثمين يتأثر بفعل قوى السوق، فقد أقفل سعر أونصة الذهب في أواخر العام 1997 عند مستوى 289.9 دولار، أي ما دون 300 دولار للمرة الأولى منذ آذار 1985. وإلى جانب الإقبال على الذهب كادخار، فإنه مطلوب بشدة في الأفراح والمناسبات الاجتماعية مثل الزواج؛ حيث إن له أهمية خاصة عند الأفراد والمجتمعات؛ بسبب ندرته ولخواصه الفيزيائية الفريدة، فهو مقاوم للتلف والصدأ، ويحتفظ ببريقه المميز على مدى الزمن لمئات وآلاف السنين.
المستويات غير المسبوقة التي شهدتها أسعار الذهب خلال السنوات العشر الماضية لم تعد عائقا أمام تقديم كميات منه في صورة تجهيزات للزفاف، وذلك بعكس انحسار المبيعات في هذا الاتجاه قبل أعوام قليلة؛ كون القناعة بأن الأسعار لن تعود للهبوط مجددا باتت راسخة لدى المتعاملين.
الذهب هو فلز ثمين جداً وعنصر كيميائي يرمز له بالرمز Au، وعدده الذري في الجدول الدوري 79. وهو معدن لين لامع أصفر اللون، استخدم كوحدة نقد عند العديد من الشعوب والحضارات والدول، كما إنه يستخدم في صناعة الحلي والجواهر.
يوجد في الطبيعة على هيئة حبيبات داخل الصخور وفي قيعان الأنهار، أو في شكل عروق في باطن الأرض، وغالباً ما يوجد الذهب مع معادن أخرى كالنحاس والرصاص، وقد اكتشفت أكبر كتلة من الذهب في أستراليا العام 1896، وكان وزنها 2.280 أونصة. ويمتاز الذهب بقلة التآكل والنعومة، كما أنه من أكثر العناصر الكيميائية كثافة.
الذهب استعمله الفراعنة بكثرة فهم كانوا يصنعون منه توابيت ملوكهم وعرباتهم، كما أنهم صنعوا منه قناعاً من أجمل الأقنعة التي عرفتها البشرية للفرعون توت عنخ أمون.
يشكل الذهب قاعدة نقدية مستخدمة من قبل صندوق النقد الدولي «IMF» وبنك التسويات الدولي «BIS»، كما أن للذهب استعمالات أخرى، فهو يستعمل في طب الأسنان والإلكترونيات.
الخصائص الفريدة للذهب متمثلة في ليونته وقابليته للسحب والتشكيل، ومقاومته للتآكل، جعلته مناسباً لكثير من الأغراض، فهو يخلط مع فلزات أخرى كالنحاس أو الفضة أو النيكل للحصول على سبائك أكثر متانة، ومع البلاتين يدخل في صنع الألياف الصناعية؛ نظراً لكونها مقاومة جداً لفصل المواد الكيميائية.
والذهب هو المعدن المفضل في العديد من المجالات مثل: استخدامه في مجوهرات الزينة في ما يعرف بالذهب الأصفر، ويتم ذلك عن طريق خلط الذهب مع النحاس والفضة والخارصين بنسب متفاوتة ما ينتج عيارات متعددة منه، ويتم قياس درجة نقاوة الذهب بالأجزاء؛ «جزء من الألف»، أو بالعيار بحسب المقياس الأميركي، فمثلاً درجة النقاوة 1000 تقابل العيار 24، ودرجة النقاوة 875 تقابل العيار 21، بينما 750 تقابل العيار 18. وعموماً، يميل لون الذهب إلى الشحوب كلما تم إنقاص رقم العيار، أي كلما نقصت كمية الذهب في السبيكة. أما الذهب الأبيض فهو ذهب ممزوج بالقصدير أو البلاديوم من أجل إكسابه اللون الأبيض، ويستخدم الذهب الأبيض عادة لأطقم المجوهرات.
تقرير صادر عن مؤسسة «إي سي إن» للدراسات الاقتصادية يشير إلى أن وتيرة هبوط سعر الذهب تتسارع بشكل كبير لتقترب من المستوى النفسي وهو 1000 دولار للأونصة مما يزيد من خطورة المستويات الحالية للذهب بالتالي عدم الرغبة في الاستثمار بهذا المعدن الثمين. وأوضح أن تداولات الأسبوع الماضي دفعت بأسعار المعدن الأصفر إلى أدنى مستوياتها منذ عام 2010 ليسجل أدنى مستوى له بعد أن ارتفع الدولار الأمريكي مقابل سلة العملات الرئيسة ويسجل أعلى مستوى منذ ثمانية أشهر «مما يزيد الضغط السلبي على أسعار الذهب».
المعدن النفيس بدأ يفقد ميزته في الأسواق المالية كملاذ آمن لرؤوس الأموال حيث أصبح معظم المستثمرين يبحثون حاليا عن استثمارات ذات عائد مرتفع وليس مجرد مخزن للقيمة. ولفت إلى استمرار المخاوف بشأن معدلات التضخم الحالية التي تمر في مرحلة تراجع مما يؤثر سلبا على أداء سعر الذهب في البورصات العالمية، مؤكدا أن المعدن فشل في الارتفاع بشكل مناسب بعد حادث هجمات باريس وحادثة سقوط الطائرة الحربية الروسية مما يدل على عدم ثقة الأسواق المالية العالمية في الذهب كملاذ آمن بعد الآن.
وأكد أن الأسواق العالمية على أعتاب تغير في السياسة النقدية للولايات المتحدة الأمريكية لذلك يفضل المستثمرون عدم تخزين استثماراتهم في الذهب ما قد يؤدي إلى هبوط الأسعار لأقل من 1000 دولار للأونصة خلال المرحلة المقبلة. وقال التقرير إن الإغلاقات العديدة للمراكز المالية الموجودة عند المستوى النفسي (1000 دولار للأونصة) من شأنها أن توقف حركة الهبوط أو تدخل الذهب في اتجاه صعودي مؤقت لن يستمر لأن أسباب الهبوط أكبر بكثير من عوامل الارتفاع.
وأضاف أن محاولات ارتفاع الذهب كلها بقيت محدودة جدا خلال الفترة الماضية منذ أن عاد السعر إلى التداول دون مستوى 1100 دولار للأونصة ولم يستطع تحقيق أي صعود فوق هذا المستوى، موضحا أن هذا الهبوط مرتبط مباشرة بقوة الدولار الأمريكي مقابل سلة العملات الأجنبية.
وبين أن استمرار الانخفاض في سعر الذهب «احتمال وارد» لان الظروف الاقتصادية في العالم تظهر أن مستويات التضخم لن ترتفع بشكل كبير بالدرجة التي تتطلب استخدام الذهب لتغطية مخاطر ارتفاع التضخم، إضافة إلى انخفاض القدرة الاستهلاكية لدى الأفراد في الدول الناشئة على رأسها الهند وهذا أيضا سبب من أسباب قلة الطلب على المعدن الأصفر «فالاقتصاد العالمي يعاني تباطؤا مرتكزا على أداء الدول الناشئة».