ماذا سيكشف ربع الساعة؟
ثمة ما هو مهم وخطير يتوارى خلف ربع الساعة الذي يمثل عمر زيارة فريق التعداد السكاني إلى كل بيت أردني، كما قال رئيس الوزراء د. عبدالله النسور.
في تقديري، فإن التعداد الذي بدأ أول من أمس ينطوي على أهمية ذات صلة بتحديات العقد الأخير التي دفع ثمنها الأردنيون من جيوبهم وقلقهم ونبض قلوبهم. فآخر تعداد كان في العام 2004، وقد أجري بعد الاحتلال الأميركي للعراق. وكلنا يعلم حجم الخراب الذي لحق بالجارة الشرقية، لاسيما بعد أعمال التهجير الطائفي في العام 2006. وفي السنوات الخمس الأخيرة، واجهت الجارة الشمالية؛ سورية، مصيرا مشابها متخما بالفوضى والخراب والتدمير. وفي خضم هذه التحديات، كان الاقتصاد الأردني رهينة لتشوهات ما وراء الحدود، وتدفق ملايين اللاجئين تبعا لكل تلك التطورات.
حتما سيكشف لنا التعداد حقيقة وتداعيات هذه السنوات العجاف. بيد أن الأكثر أهمية يكمن في كشف ملامح الغلاء الذي يلف العاصمة عمان، ويجعلها أغلى مدن الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وفقا لما أوردته وحدة الاستخبارات الاقتصادية في "إيكونوميست" صيف هذا العام.
وأتوقع من التعداد أن يجيب عن سؤال انهيار الطبقة الوسطى، وما الذي فعله الغلاء لهذه الطبقة بعد ان تلاشت تدريجيا لصالح طبقتين؛ الأولى غنية ومعزولة عن محيطها، والثانية معدمة فقيرة.
لن يكتفي التعداد بترديد ما تقوله الحكومة بأن نسبة الفقراء هي حول 14 % من السكان، بل ستبحر الأرقام أكثر في أوضاع الشريحة السفلى مما تبقى من الطبقة الوسطى، ونسبتها أكثر من 18 %، وهي التي انتبهت إليها دراسة البنك الدولي العام الماضي، وقالت إنها تنجرف إلى مستوى الفقر بمجرد أن تزول المواسم التي تعمل فيها هذه الشريحة على نحو محدود ومؤقت.
هذا الحديث يقود بالضرورة إلى الكشف أيضا عن عدد القوى العاملة البالغة رسميا مليونا ونصف المليون عامل وعاملة إلى أكثر من مليونين ونصف المليون وفقا للتقديرات والدراسات غير الرسمية، وصولا إلى عدد فقراء جديد، إذا ما علمنا أن نحو 60 % من العاملين يتقاضون رواتب تقل عن 300 دينار شهريا.
كلها مؤشرات ذات دلالات بالغة التأثير في حياة الأردنيين، وتقف في مقدمتها أيضا نسبة البطالة التي تؤكد دراسات غير حكومية أنها تتجاوز ربع قوة العمل في البلاد. ويأتي بعد ذلك ارتفاع معدل الإعالة بالنسبة للأردنيين؛ إذ ينفق شخص واحد على أربعة أفراد في عائلته!
الأرقام والبيانات والمؤشرات الآنفة، أساسية في فهم مسارات النجاح والفشل في أداء القطاعين العام والخاص، وأثر ذلك على مستوى الحياة الاقتصادية. فالكل يبحث عن إجابات لتقييم تلك المسارات، لكي نعرف ما ستكون عليه عمان في المستقبل القريب، وهل ستكون طاردة أم جاذبة لأبنائها، علاوة على مصير الأطراف أيضا وعلاقتها بالمركز، وفقا لشكل التخطيط الاستراتيجي الحالي وكذلك المستقبلي.
تبعا لكل ما سبق، فإن للتعداد قيمة عليا في رسم ملامح المرحلة المقبلة، شريطة أن يتعامل معه الأردنيون بدقة وإحساس عال من المسؤولية، بعيدا عن منسوب الثقة المنخفض في العلاقة بينهم وبين الحكومات. في المقابل، فإن المطلوب من الحكومة التعامل بنزاهة ومسؤولية أيضا مع نتائج التعداد، والتي ستأتي صادمة في بعض جوانبها الاقتصادية، وفقا لتعقيدات السنوات العشر الماضية.