البان« محنطة» .. ورقابة متواضعه
<< الأربعاء، 23 ديسمبر/كانون الأول، 2015
احمد حمد الحسبان
بعد أيام من ضبط معمل البان في عين الباشا يستخدم مادة لتحنيط الموتى في صناعة الالبان، ضبطت إدارة الصحة في محافظة مادبا مخالفة مماثلة، حيث أغلقت مصنعا يستخدم مواد التحنيط في انتاج مشتقات الالبان بهدف « إطالة عمر «تلك المنتجات، ومصنعا آخر يستخدم حليب البودرة الفاسد في انتاج مشتقات الالبان.
وهذا يذكرني بحادثة اكتشفتها جمعية حماية المستهلك قبل عدة سنوات ـ وكنت نائب رئيس الجمعية آنذاك ـ وتتمثل باستخدام بعض المخابز مادة تسمى» الشيفارو ـ وهي من مواد التحنيط في انتاج الخبز. ويقال انها تعطي الخبز لونا وتبقيه طريا لفترة أطول، مع انها من المواد السامة والمسرطنة على المدى الطويل، وفيما اذا اخذت بكميات اكبر . وتبين انه يتم احضارها من إسرائيل.
اللافت هنا، ان الجهات المختصة تتعامل مع هكذا» حالات»، على أساس انها مخالفات، رغم توفر كافة العناصر لتوصيفها كجرائم، وغالبا ما تتم تسويتها بغرامة تدفع للخزينة، او بتعهد ينص على عدم تكرار المخالفة، وسط شكوى رسمية من ان التشريعات لا تسعف الجهات المعنية باتخاذ إجراءات اكثر مما تتخذه حاليا، ما يطرح ملف التشريع الغذائي على المشرحه، ويفتح باب النقاش حول التشريعات التي تعالج مثل تلك الملفات.
وبالتوازي، الاسئلة هنا كثيرة ومتعددة، بدءا من كيفية السماح بإدخال ما يطلقون عليها « المحسنات»، ومنها مواد التحنيط هذه، وجعلها بين يدي من يتاجرون بارواح الناس، يحصلون عليها بيسر وسهولة، وانتهاء باعمال الرقابة على تلك المنتجات، وبخاصة تلك التي تتعامل بالغذاء اليومي والاساسي للمواطن وعلى نطاقات واسعة جدا، مثل مادة الالبان التي تشكل المادة الغذائية الرئيسية لكل المستهلكين.
وبكل الأحوال، اذا كان استيراد هذه المواد القاتلة متاحا، اعتقد انه لا بد من التسريع باجراءت منع الاستيراد، اما في حالات التهريب ـ ان كانت تدخل تهريبا ـ فهذا يؤكد وجود خلل كبير في عملية الرقابة الجمركية، وعمليات منع التهريب، لا بد من معالجته، فالمستهلك غير معني بالنظام الجمركي المطبق، والأسلوب العشوائي لفحص العينات بقدر ما هو بحاجة الى حمايته من اخطار تهدد حياته.
في ذات السياق، فإن الحالات المكتشفة تؤشر على وجود مخالفات من النوع الخطير، واكتشاف حالتين او ثلاث حالات او اكثر لا يعني ان الأمور تحت السيطرة الكاملة، او انه لا توجد مخالفات مماثلة، أو اشد خطرا.
ما يدفع الى هذا الاعتقاد ان المعامل او المصانع او المخابز التي تم كشف مخالفاتها ضبطت وهي تمارس العمل، وتبيع انتاجها الى عموم المستهلكين، وقد يكون مضى على المخالفة سنوات طويلة، واعتقاد أيضا بان هناك معامل أخرى ترتكب نفس المخالفات ولم تكتشف بعد، وتخوفات من انها لن تكتشف ابدا.
وما يعزز القناعة بذلك، المعلومات المؤكدة حول تواضع عدد المراقبين، و» ضياع « المسؤولية الرقابية على الغذاء بين المؤسسة العامة للغذاء والدواء ووزارة الصحة، فالمؤسسةـ التي لا اشكك في النقلة النوعية التي احدثتها في مجال الرقابة ـ، ليس لديها كوادر كافية تغطي المحافظات، وتضطر بالتالي الى الاعتماد على وزارة الصحة في هذه المهمة، والتي تعاني اصلا من عدة إشكالات تتراوح ما بين الترهل، ونقص الكوادر.