جان جاك روسو
أما جان جاك روسو (1712 – 1778) رائد المدرسة الطبيعية، فكان يعتقد
بأن وسيلة التربية هى النمو الحر الطليق لطبيعة الطفل وقواه وميوله
الفطرية. فالتربية فى مرحلة الطفولة يجب ألا تعدو تربية الحواس كتلك التربية
الناتجة عن الاحتكاك بقوى الطبيعة ومظاهرها. ويلخص روسو فلسفته التربوية
فى قوله: (إن الطبيعة ترغب فى أن يكون الأطفال أطفالا قبل أن يكونوا رجالا) ،
ومن أجل ذلك ينبغى عدم لإكراه الأطفال على الدراسة النظامية قبل الأوان،
وعدم لنظر إلى التربية على أنها إعداد لتربية مستقبلية، لأن التربية الحقة
فى نظر روسو مشاركة الحياة. وقد طالب روسو فى كتاباته التربية (وخاصة
كتابه "إميل") أن تتاح للطفل فرصة النمر بشكل طبيعى من خلال الحرية
والتعلم والتعليم بالخبرة مثل هذه الآراء التربية التى كانت سابقه لعصره، دفعت
البعض إلى اعتباره مؤسسا ليس للمدرسة الطبيعية فحسب بل ولمدرسة
(التمركز حول الطفل) أيضا.
بستالوتزى:
جاء بستالوتزى (1746 – 1827) ليضع الكثير من الأفكار التى عبر عنها
روسو موضع التنفيذ فى مدارس الأطفال التى أنشأها فى ستانز وبرجدورف
وإيفردون بويسرا. فقد طالب بستالوتزى بإطلاق قوى الطفل الطبيعية والاهتمام
بتربية أبناء جماهير الشعب تربية عقلية وخلقية وجسمية شاملة بغض النظر
عن إمكانياتهم المادية أو استعدادهم الفطرى، وطبق أفكاره هذه فى المدرسة
التى افتتحها عام (1798) لتربية الأطفال الفقراء والأيتام فى(ستانز) ثم فى قرية
برجدورف عا (1799). وكان هدفه أن يجمع بين النشاط التربوى والصناعة
اليدوية. وقد وصف تجربته التربية بقوله : (إن المبدأ الذى سرت عليه هو أن
أبحث عن مفتاح قلب الطفل ثم أحققرغباته اليومية ثم أشعره بالحب والعطف فى
كل أعماله حتى تنغرس هاتان الصفتان فى نفسه، ثم أعوده طلب العلم والمعرفة
والمثابرة عليهما حتى يستطيع استخدام هذا الحب بحكمة فيما يعود على مجتمعه
بالفائدة) . (محمود شفشق ، 1978 ، 291).
وأهتم بستالوتزى بتربية الطفل فى حديثه بدفع خبراته الشخصية وتنمية العلاقة
بين قدراته الطبيعية والبيئة الطبيعية من حوله حيث يقول: (مهما حاول الإنسان
أن فعل فى تربية الطفل فلن يستطيع أن يعمل أكثر من أن يساعده فى جهوده
التى يبذلها هو فى سبيل تنمية شخصيته، وإن سر التربية العظيم هو ان نفعل
ذلك بحيث يكون تأثير التربية متناسباً دائماً مع نمو الملكات التى لم تفتح بعد)
(شفشق 1978 ، 291).
إلا أن إسهام بستالوتزى الأكبر كان افتتاحه معهداً لإعداد معلمى الصفار فى
فردان (إفردون) وكان هفه من وراء ذلك إعداد المدرس (الصالح) وإصلاح طرق التدريس
وتأليف الكتب المدرسية المناسبة. وقد اجتذب معهده ، الذى استمر
يعمل به معه وتتلمذوا على يديه فريدريك فروبل المؤسس الحقيقى لرياض
الأطفال .
فريدريك ولهلم فروبل
ولد فروبل (1782 – 1852) فى الريف الألمانى وبدأ حياته العملية مدرساً فى
فرانكفورت. ثم زار بتسالوتزى فى معهده فى (إيفردون) وأمضى الفترة من عام
1808 إلى 1810 مطالب ثم كمدرس فى ذلك المعهد. ثم عاد إلى بلاده وافتتح
مدرسة خاصة طبق فيها آراء بستالوتزى فى التربية، وخاصة فيما يتعلق
باستغلال الموسيقى واللعب فى تعليم الصغار. إلا أنه اضطر إلى إغلاق المدرسة
لسوء أحواله المالية، وكرس وقته لكتابة أشهر كتبه (تربية الإنسان) (
The man Education Of Man). . سافر بعد ذلك مرة أخرى إلى سويسرا
للترديس هناك عاد إلى ألمانيا وقد تبلورت أفكاره التربية وأفتتح مدرسة للأطفال فى
بلاكنبرج (Blankenburg) عام 1837 أسمها (معهد تربية الأطفال الصغار).
وفى عام 1840 أنشأ أول روضة للأطفال (Kindergarten) لتعرف بهذ
ا الاسم حتى يومنا هذا (هدى الناشف ، 1980).
تقوم أفكار فروبل على أسس فلسفية وسيكولوجية، يتجلى فيها بوضوح تأثير
نشأته الدينية التى انعكست على أعماله ومؤلفاته.
تناول فروبل فى كتابه (تربية الإنسان) قانون الوحدة الذى حاول من خلاله أن
يفسر جميع مظاهر الوجود الحقيقى. فالإنسان من خلال اشتراكه واندماجه فى شتى
مظاهر الحياة حوله يحقق وحده الذات , وهذه الذات فى حالة نشاط دائم، نابع من
الداخل، أطلق عليه فروبل اسم (النشاط الذاتى) (self – activity).
والنشاط الذاتى، هو النشاط الذى تسيطر عليه دوافع الفرد النابغة من ميوله
الخاصة لذا فإن الفرد لا يستجيب إلا لنداء القوى التى يشعر بها نابغة من
أعماق نفسه، ولا يلبى نداء القوى المفروضة عليه من الخارج. ولا يعنى ذلك أن
الطفل لا يرغب فى الاندماج فى الحياة المحيطة به أو المساهمة فيها، بل على
العكس من ذلك، نجد لدى الطفل يجب أن تكون نقطة البداية لأى نوع من أنواع
التعليم.
والتربية، فى رأى فروبل، ليست إعدادا لحياة فى المستقبل، وليست الحياة
التى يعمل الطفل على الاندماج فيه هى حياة البالغين، ولكنها الحياة التى
يراها من خلال ذاته فى الأشياء المحيطة به. وعندما يندمج الطفل بكل قواه
وبتلقائية كاملة فى وحدة مع الحياة حوله فإنه يحقق النمو, وهذا هو هدف
التربية.
وقد أكد فروبل على الناحية الخلقية فى التربية، واعتبار التربية فى حد ذاتها خلقية
لأنها تعمل على ربط الطفل بالحياة وتكشف عن طبيعته الباطنية عن طريق العمل.
مثل هذه المبادئ والأفكار كانت وراء تفكير فروبل فى إنشاء (روضة) أطفال، يترك
فيها عن نفسه، وبذلك بحدث النمو. ولكى مصل إلى هذا، يقول فروبل: يجب أ نبدأ
بميوله الطبيعية ونزعاته للعمل، والعمل المدرسى يجب أن يبنى على مبدأ (النشاط
الذاتى) وصور تعبير الطفل عن طبيعته أفضل ما يكون فى الحركة أو الإشارة
التعبيرية وفى الغناء، وأخيرا فى اللغة. لهذا كرس فروبل حياته لتنظيم المواد
التعليمية ولإبرازها فى أشكال مختلفة كاللعب أو النشاط التركيبى والقصصى وما شابه
ذلك مما يعمل على مساعدة الطفل ويزود المدرس بالمادة التى يستطيع معها أن يوجه
ميول الطفل وأعماله.
فاللغة مثلا، عندما ينطق بها المدرس يجب أن يعبر عنها الطفل لا فى لغته الخاصة
فحسب ولكن عن طريق الأغانى أو الحركات أو الصور أو تكوين الأشياء البسيطة
المصنوعة من الورق أو الصلصال أو غيرها من المواد المناسبة.
بالإضافة إلى الأغانى أهتم فروبل باللعب التى أطلع عليها اسم ( الهدايا).
وتتلخص الأسس التى تقوم عليها رياض الأطفال عند بروفيل فيما يللا:
جعل الطبيعة مجالا لتربية الطفل لأنها ملائمة لنموه وتعلمه القوانين التى تتحكم فى
الكائنات الحية، والتى ترجع جميعها إلى قانون احد هو القانن الأبدى الذى يشير إلى
وحدانية الله وقدرة الخالص.
تنمية الحواس التى هى أساس تنمية الطفل جسميا عقليا وانفعاليا
مبدأ (اللعب) أمر ضرورى للطفل، لأنه يمكن من خلاله تنمية تهذيب الحواس
العامل الخلقى بصورة عامة والدينى منه، بصفة خاصة، أساسى فى تربية الطفل
فى مرحلة الرياض
النشاط الذاتى والتلقائى للطفل يعتبر من أهم أركان التربية فى رياض الأطفال لهذا
يجب ألا نحمل الطفل على القيام بعمل لا ينبع من تلقائيا لأنه يكون ضد طبيعته وبعيدا
عن فطرته
التعاون اتجاه اجتماعى يجب الاهتمام به فى رياض الأطفال والعمل على تنمية صله
الطفل بأقرانه شئ حيوى وضرورى.
جاء فريدريك أوبرلين
يعتبر أوبرلين (1740 – 1826) من المربين الرواد فى مجال التربية المبكرة، حيث
أنشأ أول روضة للأطفال فى منطقة الألزاس بفرنسا بمدارس
(الأشغال اليدوية) لاهتمامه بتعليم الأشغال اليدوية للأطفال لما لها من فائده فى
تهذيب خلقهم وتعليمهم الصبر.
ولهذا الغرض، كأن أولرلين يعين مشرفتين فى كل رضة، واحدة لتعليم الأطفال
الأعمال اليدوية والثانية لتسليتهم وتعليمهم. وكان التعليم فى روضات أوبرلين يدور
حول اهتمامات الأطفال جن فرض لجدول يومى محدد أو لموضوعات بعينها، فكان
الأطفال يمارسون الألعاب والتمرينات الرياضي والأعمال اليدوية بقدر كبير من
الحرية، بالإضافة إلى تعليم اللغة عن طريق الصور والنماذج والأشياء نفسها . كما
أتاح أوبرلين للأطفال فرض استكشاف البيئة عن طريق الجولات والزيارات
وقد اجتذب رياض الأطفال التى أنشأها أوبرلين العديد من الهتمين بتربية الأطفال
وكان من بينهم روبرت أوين Deasey, 1979)
ماريا منتسورى
بدأ اهتمام الطبيبة الإيطالية ماريا منتسورى (1870 – 1953)، مثل ديكرولى،
بالتربية على أثر عملها مع الأطفال المعاقين (ذوى العاهات وضعاف العقول) فى
مستشفى للأمراض العقلية. واستعانت منتسورى فى تربيتها لهؤلاء الأطفال بما
قرأته عن أسلوب الدكتور إيتار (Etard) فى التعامل مع الولد المتوحش
(the savage boy) وكتب إدوارد سيجان (Seguin) التى تأثرت بها
مارجريت ماكميلان من قبلها
ولتربية ضعاف العقول، واستخدمت منتسورى مجموعة من الوسائل التعليمية الحسية، وقد نجحت فى ذلك على تجريب وسائلها الحسية مع الأطفال العاديين، وصادفت نفس النجاح مما دفعها إلى تطوير وسائلها وتعميمها على الروضات التى أنشئها فى الأحياء الفقيرة فى روما.
وأبرز ما يميز فلسفة منتسورى التربوية احترامها للنزعة الاستقلالية للطفل ومطالبتها للمعلمة أو المرشدة بألا تتدخل فى عملية التعلم الذاتى لكل طفل، وأن يقتصر دورها على توفير الوسائل التعليمية والتأكد من أن الطفل يستخدم الوسيلة كما خططت لها منتسورى . وتطلق منتسورى على أسلوبها فى التعلم أسم (auto-education) أى (التعليم الذاتى) حيث يقوم كل طفل بالعلن والعمل حسب ميوله معتمدا على (تفتح) قدراته وإمكاناته دون تدخل من الكبار،تماما كما تفتح الزهرة عندما يحين الوقت لذلك. وتتفق فى هذا مع فروبل الذى تحدث كثيرا عن الطبيعة الخيرة للطفل وأهمية النشاط الذاتى التلقائى لنموه.
وتصف منسورى الطفل والحياة الكامنة فيه والقوى الخارقة التى يمتكلها والتى يمكن أن تظهر فى سلوكه دونما تأثيرا كبير من البيئة من حوله، لأن البذور موجودهبداخله ولابد أن تكمل درتها فتتفتح (Monstessori 1958)، وكل ما يحتاجه الطفل أن يعطى الفرصة لأن يندمج فى نشاط من أختياره لفترة منتظمة غيرمتقطعة (Elkind 1969) .
لهذا تقول منتسورى: (على المعلمة أن تكون هادئة، صبورة، متواضعة، وأن تكون حلقة الوصل بين الطفل والوسائل وما زال معظمها يستخدم فى رياض الأطفال حتى يومنا هذا، بل إن الكثير من الوسائل الحسية الحديثة صممت على شكل وسائلمنتسورى مع إدخال بعض التعديلات عليها (Deasey, 1978) إذ يؤخد على وسائل منتسورى أنها جافة وغير جذابة للطفل أنها تحدد مسبقا للطفل كيف يستخدمها ولا تتيح له اى حرية للابتكار.
ومع ذلك فإن طريقة منتسورى، التى انتشرت فى كثير من الدول كطريقة مثالية لتربية الحواس وتنمية الملاحظة وتعويد الطفل الانتباه والصبر والتنمية التربية الاستقلالية لديه، تعتبر إسهاما فيما فى مجال تربية طفل ما قبل المدرسة.