مــن غَزّي إلــى وصـفـي
عمر كلاب
صباح الخير يا وصفي، صباح تتجلى فيه روحك حائمة على الفقراء والمهمشين واللاجئين، نعلم يقينا انك ترقب الاحداث والانواء، وتستمع الى أنّات الفقراء والمعذبين واللاجئين، ونستذكر قولتك عن صمود الاهل وتعزيز الهوية الفلسطينية بالكرامة والعزة، ونستذكر جملتك الاثيرة عن المخيمات وضرورة ان تكون شاهدا كريما لا شهيدة ذليلة على النكبة والنكسة واوجاع قاطنيها بحجّة العودة وحلمها، فأي انسان يحتاج الى الكرامة والعزة كي يتحول الى ثائر
يا وصفي، شفنّا الوجد ولم نجد عباءة نتدثر بها الا ذكراك ولم نجد اذنا تسمعنا الا اذنك، فيا رُبّ حيٌ رخام القبر مسكنه، ورُبّ ميت على اقدامه انتصبا، نبوح لك بقرارات جائرة تستهدف الصمود بدل تعزيزه وتُرطّب قلوب الاعداء بدل كيّها بالنار، فقد تحول اللاجئ الغزيّ الى وافد وصار يبحث عن رسوم تصريح عمل في بلد وهبته العزة والكرامة وطيب المَعشر وحُسن المعاملة، لكن الحكومة لم تعد كما نعرفها ولا الوزراء يفهمون جذر العلاقة ومعدنها
أبا مصطفى، ضاقت بنا الارض بما رحُبت وبتنا نردد : سبايا نحن في هذا الزمان الرخو، سلمّنا الغزاة الى اهالينا، يشبعون فينا حصارا وتنكيلا، فالقطاع يا صانع الحياة محاصر من الاشقاء لا مِنَ الاعداء، وابناء غزة تلتهمهم المنافي وقاعات الترانزيت ويرتحلون من منفى الى منفى الى سجن الى مَخفى، والحكومات تضحك بملء شدقيها، فلم تسمع بما طرحت في القمة ولم تقرأ اوراق الحب الازلي الذي نثرته فكرا قوميا في اوراقك ومطالعاتك، فالبزنس سيد المرحلة، ولم يعد الوزير مَدينا والرئيس لا يحرث الارض .
أبا مصطفى، ثمة سؤال غائر في ثنايا القلب، لماذا تنفلت الامور حين يغادر الملك ارض البلاد، منذ 1989 وحتى يومنا هذا ؟ لم نجد من الاحياء مَن يُجيب، وعلك في قبرك ترشدنا الى جواب يثري الصدور والعقول، ولماذا بأت بأسنا علينا لا على الاعداء، ولماذا باتت الوجوه كالحة والعقول صدئة والامعاء خاوية، شمال القلب حيث كنت، ثمة مخيم ينام على كتف جرش، كانت تهدهده المدينة وتمسح شعره الملتاع وتمسح على وجهه المُغبّر، كانت اعمدة المدينة تحرسه واشجار دبين عسكرا تحمي صغاره، فبات بحاجة الى تصريح دخول وإذن حياة وعمل .
يا وصفي، وانت اول شهداء القضية على الارض العربية، ثمة عبث في الوجدان وفي العلاقة من اجل حفنة دنانير ربما وربما من اجل تذكير اللاجئ بضعفه وقلة حيلته ومن اجل زرع فتنة حمانا الله منها اول العلاقة واول الدفء واول المقاومة التي حرفتها الانواء عن مقاصدها، فصارت سلاما على الاعداء وحدهم ونارا نكتوي بنارها نحن لا غيرنا، فالصدر مليئ بالوجع من القرار الذي طال اهلك من اللاجئين والنازحين دون ذكرى لواجب قومي وحق انساني صغته انت ذات مساء على حواف القلب في رئاسة الوزراء .
أبا مصطفى يا اخر الراحلين من الذاكرة واول حُرّاسها، تصفعنا الايام بقرارات جائرة وحدود مقفلة وعقول ترانا رقما على دفتر المحاسبة، وابناء غزة يا وصفي على عهدهم مع حق العودة الى كرومهم واراضيهم ويعلمون ان هذه الارض ممرا للعودة لا مقر، لكنها ممر آمن لاحلامهم وصغارهم ووظائفهم وتعليمهم وصحتهم، لا يريدون اكثر من بكب يسير على الديزل ومقعد جامعي ووظيفة تُقيم الأود مثل اشقائهم الاردنيين، ويعلمون ان في الاردن ملكا هاشميا لا يُظلم عنده أحد، ويتقنون الفرق بين الحقوق المدنية التي يحلمون بها والحقوق السياسية التي كفاهم الله شرّها وتبعاتها، فهم قبلوا بالتابعية الاردنية بإمتنان لهذا الوطن وهذا الشعب وهذه القيادة، فماذا جرى لتنقلب الحكومة عليهم ؟ سؤال يا وصفي على امل الاجابة ودمت نبراسا للحق والنزاهة والعدالة ونظافة اليد والعقل والوجدان .