منتدى الشنطي
سيغلق هذا المنتدى بسبب قانون الجرائم الاردني
حيث دخل حيز التنفيذ اعتبارا من 12/9/2023
ارجو ان تكونوا قد استفدتم من بعض المعلومات المدرجة
منتدى الشنطي
سيغلق هذا المنتدى بسبب قانون الجرائم الاردني
حيث دخل حيز التنفيذ اعتبارا من 12/9/2023
ارجو ان تكونوا قد استفدتم من بعض المعلومات المدرجة

منتدى الشنطي

ابراهيم محمد نمر يوسف يحيى الاغا الشنطي
 
الرئيسيةالرئيسية  البوابةالبوابة  الأحداثالأحداث  أحدث الصورأحدث الصور  التسجيلالتسجيل  دخول  

 

 قبسات من العلوم الكونيه

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75523
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

قبسات من العلوم الكونيه Empty
مُساهمةموضوع: قبسات من العلوم الكونيه   قبسات من العلوم الكونيه Emptyالجمعة 22 يناير 2016, 8:07 am

قبسات من العلوم الكونيه

ثَمّة أسئلة كثيرة ما زالت تطارد كل من يتأمل الكون من حوله، والإنسان منذ بدء الخليقة يبحث عن إجابات لهذه الأسئلة، فالكون من حولنا لا زال باعثًا على إثارة الدهشة، فمنذ قديم الأزل والظواهر البيئية مثل الزلازل والبراكين والأعاصير.. إلخ، قد حيرت الإنسان في الوصول للأسباب التي تؤدي إليها، ومن الذي يتحكم فيها، وفي هذا الكون من حولنا، إلى أن وصل الإنسان إلى الفضاء الخارجي وأعماق البحار وانفتح على عوالم أكثر رحابة واتساعًا وإثارة للدهشة. ويأتي كتاب «قبسات من العلوم الكونية» للدكتور السيد عبد الستار المليجي، والذي صدر حديثًا في القاهرة، ليقدم بعضًا من الإجابات التي ربما تشفي العليل، مدللاً عليها بآيات من القرآن الكريم، وشواهد من آخر ما توصلت إليه علوم الكونيات الحديثة، بعد أن اقترب الإنسان من الفضاء الخارجي عبر التكنولوجيا، وسعيه الدائم إلى التعرف على الكون من حوله، وما يجري فيه، وتطلعه إلى عوالم أكثر اتساعًا.
في البداية يبين المؤلف أنه يتّبع في كتابه مدرسة علمية جديدة، أطلق عليها الإشارات العلمية في القرآن الكريم، وذلك تميزًا لها عن مدرستين علميتين في هذا المجال، المدرسة الأولى: ويطلق عليها الإعجاز العلمي في القرآن الكريم، وهي المدرسة التي تعني بإبراز ما ورد في القرآن الكريم من آيات تتعلق بالأسرار الكونية، وهي المدرسة التي لم تكن معروفة في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، ولا في العصور التي سبقت ذلك، وتهدف هذا المدرسة إلى إثبات أن القرآن من عند الله، وليس من عند محمد صلى الله عليه وسلم، بدليل ورود هذه الآيات المعجزات التي لا علم لمحمد صل الله عليه وسلم بها.
أما المدرسة الثانية، فيطلق عليها: التفسير العلمي لآيات القرآن الكريم، وهي مدرسة تعني بمحاولة تفسير آيات القرآن الكريم في ضوء النظريات العلمية البشرية، وما توصل إليه الناس من اكتشافات، وهي محاولة لإثبات علمية القرآن، أملاً في إقناع المثقفين في عصرها بعظمة القرآن وسبقه، وذلك لتأثّر البيئة الثقافية في هذا الوقت بأوربا الغربية ومكتشفاتها.
ثُمّ يبيِّن أن المدرسة الجديدة (الإشارات العلمية في القرآن الكريم) تتميز عن مدرسة الإعجاز العلمي من ناحية الموضوع، حيث تتناول، بالشرح والبيان، كل لفظة تتعلق بالعلوم الكونية أو التجريبية وردت في القرآن، وأيضًا من ناحية الهدف، حيث إن هدف مدرسة الإعجاز العلمي إثبات صدق النبوة وإثبات أن القرآن من عند الله، وأما هذه المدرسة فهدفها نشر الثقافة العلمية وتوسيع مدارك القراء لكتاب الله في مجال العلوم البحتة والتطبيقية في جو من الإيمان وظل من التقوى والخشوع لله رب العالمين.
في الباب الأول تحدث عن نشأة الأرض والسماء والماء، وبيّن أن من بديع القدرة الإلهية، ومن الشهادات الناطقة لله بالوحدانية المطلقة، بغير شريك ولا شبيه ولا منازع، أن يلتقي الكون في أكبر وحداته معه في أدَقّ دقائقه، فيلتقي علم الكون الحديث بعلم الفيزياء الجزئية أو فيزياء الجسيمات الأولية للمادة، حيث بدأت دراسات الجسيمات الأولية في داخل الذرة تعطي أبعادًا مبهرة لتفهُّم عملية خلق الكون ومراحله المختلفة..
ويورد المؤلف الآيات القرآنية التي تتحدث عن قصة السماء والأرض بتفصيل بديع، وتوضح تتابع العمليات العلمية الدقيقة من لحظة إلى أخرى. ويذكر المؤلف أن قصة خلق الأرض والسماء والماء في القرآن قصة كلها عجب في عجب، وستبقى أبد الدهر دليلاً على أن القرآن حقًّا من عند الله بما جاء فيه من تفاصيل دقيقة حيّرت العلماء، وعلى الرغم من كل ما يملكون اليوم من تقنيات ومعامل وإمكانات، فإن القرآن الكريم يقدم هذه العمليات مبسوطة سهلة ميسرة لمن أراد أن يذكر أو أراد شكورًا.
وفي الباب الثاني يتحدث المؤلف عن علوم البحار، ويبيّن أن القرآن الكريم- الذي أنزل قبل أكثر من 1400 سنة- تضمن معلومات دقيقة عن ظواهر بحرية لم تكتشف إلا قريبًا بواسطة الأجهزة المتطورة، ومن هذه المعلومات وجود حواجز مائية بين البحار، قال تعالى: {مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ * بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لَا يَبْغِيَان} [الرحمن:19،20].
ويؤكد أن علوم البحار لم تتقدم إلا في القرنين الأخيرين، وخاصة في النصف الأخير من القرن العشرين، وقبل ذلك كان البحر مجهولاً مخيفًا تكثر عنه الأساطير والخرافات، وكل ما يهتم به راكبوه هو السلامة والاهتداء إلى الطريق الصحيح أثناء رحلاتهم الطويلة، وما عرف الإنسان أن البحار مختلفة إلا في الثلاثينات من القرن العشرين الميلادي، وما عرف أن البرزخ الذي يفصل بين البحار المالحة موجود إلا بعد إقامة المحطات البحرية لتحليل عينات من مياه البحار، حيث قاسوا في كل منها الفروق في درجات الحرارة ونسبة الملوحة ومقدار الكثافة ومقدار ذوبان الأكسجين. ويؤكد في نهاية الفصل أن هذا العلم الذي نزل به القرآن يتضمن وصفًا لأدق الأسرار في زمن يستحيل على البشر فيه معرفتها ليدل على مصدره الإلهي، كما قال تعالى: {قُلْ أَنْزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا} [الفرقان: 6]. كما يدل على أن الذي أنزل عليه الكتاب رسول الله يوحي إليه وصدق الله القائل: {سَنُرِيهِمْ آَيَاتِنَا فِي الْآَفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ} [فصلت: 53].
ويتحدث المؤلف في الباب الثالث عن الفلك وعلوم الفضاء، ويبيّن أن المتتبع لآيات القرآن الكريم يجد ما يبصّر الإنسان بالقواعد الكلية التي انبنَى عليها علم الفلك والفضاء، وأن المسلمين الذين اعتنوا بالقرآن في القرون الأولى قد تأثّروا كثيرًا بالنصوص القرآنية المتعلقة بالفلك والفضائيات، فبرع منهم علماء أفذاذ في علوم الفلك، حتى صاروا سادة العالمين في هذا التخصص الدقيق، ورسموا خرائط دقيقة لمواقع النجوم ومنازل القمر، واستخدموا ذلك كله في ضبط مواقيت الصلاة، وتسهيل رحلات المسافرين بالبحر ليلاً أو نهارًا..
ويؤكد المؤلف سبق القرآن للعلم الحديث في الاهتمام بالفضائيات والكونيات اهتمامًا بالغًا والدليل على ذلك ورود عدة سور بأسماء تلك الكونيات، مثل سورة الرعد والنور والنجم والقمر والمعارج والتكوير والانفطار والفجر والضحى
والعصر والزلزلة والبروج والانشقاق، وغير ذلك من السور التي اتسمت بأسماء كونية..
ثم تحدث في الباب الرابع عن علاقة الأحياء بالأموات.. وفي الباب الخامس والسادس تحدث عن علوم النبات والحيوان وأكد على اهتمام القرآن الكريم بهذين العالمين، ومدى علاقتهما بالإنسان، وأوضح الإشارات العلمية التي وردت في كثير من الآيات القرآنية التي تتحدث عن هذين العالمين.
أما في الباب السابع فتحدث عن عالم الإنسان وعلومه، وفيه تناول بعض جوانب الإعجاز المتعلقة بالجانب المادي وتطور خلق الإنسان طورًا بعد طور، وكيف كان القرآن سابقًا- بالعلم الدقيق المبهر حول هذه التطورات- ذلك العلم الذي بقي فوق طاقة البشر، حتى اختراع الميكروسكوبات، ليكون آية دالّة على أن القرآن من عند الله..
ثُمّ تحدث في الباب الثامن عن علوم الذَّرَّة والمعادن والألوان، وبيّن أن القرآن الكريم زاخر بآيات الإعجاز العلمي وبالحقائق العلمية المتعلقة بالعلوم الكونية..
ثمّ ناقش في الباب التاسع والأخير حماية البيئة؛ فوصف بعض الناس الذين فسدت طبائعهم، فأفسدوا الحياة من حولهم، فإذا صارت إليهم الولاية على الناس ازدادوا فسادًا حتى أهلكوا الحرث والنسل، وكذلك ظهور الفساد في البر والبحر على يد الإنسان، فالآية القرآنية {ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} [الروم: 41] تعَدّ ملخصًا وافيًا وكافيًا لكل ما يتعلق بموضوع البيئة، وكل ما أنتجه العقل البشري من علوم حول قضايا البيئة المختلفة
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75523
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

قبسات من العلوم الكونيه Empty
مُساهمةموضوع: رد: قبسات من العلوم الكونيه   قبسات من العلوم الكونيه Emptyالجمعة 22 يناير 2016, 8:12 am

أقباس من الإعجاز العلمي في القرآن والسنة
قبسات من العلوم الكونيه 2013-06-24_144015
أقباس من الإعجاز العلمي في القرآن والسنة

·       الإعجاز العلمي في القرآن والسـنة.
·       بشارات الكتب المقدسة بنبي الإسلام.
·       دلائل النـبـوة في القرآن والسـنة.

نسـخة مجانيـة
علاء الدين المدرس

جماعة الإعجاز العلمي في بغداد
يشير الأستاذ محمد أحمد الراشد إلى جماعة الإعجاز العلمي في بغداد، التي انطلقت للعمل الدعوي والتبشير بأهمية الإعجاز العلمي بفروعه المختلفة في أواخر القرن الماضي، في كتابه الرصين الذي يحمل رقم (7) في سلسلة إحياء فقه الدعوة.. الموسوم (منهجية التربية الدعوية)، والتي كان من أبرز أعضائها: الدكتور أنيس مالك الراوي والدكتور محمد جميل الحبال والاستاذ رعد عبد عون والدكتور عبد الحميد العبيدي والدكتور خالد العبيدي والدكتور محسن عبد الحميد والدكتور وميض العمري والدكتور عمر عبد الستار والدكتور أحمد عدنان والدكتور صبحي الراوي.. فضلاً عن العبد الفقير مؤلف الكتاب..
والتي كان مركز نشاطها معهد الشرق وجمعية الشبان المسلمين وبعض الفضائيات العربية المعروفة والجامعات والمنتديات العلمية والأدبية والدواوين والمنابر في بغداد وباقي مدن العراق الأخرى..
يقول الأستاذ الداعية والمفكر الإسلامي المعروف الشيخ الراشد:
زرت حدائق (وزلي) في ضواحي لندن مرتين، فرأيت عشرات ألوف أنواع النبات، من فواكه وورود وحشائش، وجملة ما فيها أكثر من مائتين وعشرين ألف شكل من النبات، تنطق بتسبيح الله تعالى خالق الأنواع ومصور الجمال، ويمكنك أن تركب الباص الريفي الأخضر إليها من عند ركن المتكلمين في الهايد بارك.
وما زال التلفزيون يعرض لنا في برنامج عالم البحار، عجائب الأسماك ومخلوقات الماء ولا تنفد العجائب.
ومفردات الإعجاز القرآني وإعجاز بعض أقوال النبي r كثيرة، وفيها ما يحير الألباب، وكلام زغلول النجار ومحسن صالح وعبد المجيد الزنداني، وأضرابهم فيه كلام رصين مؤيد بالبرهان، ويقود علاء الدين المدرس اليوم ببغداد جناحاً إعجازياً آخر..
فهذا كله من منهج تربيتنا الدعوية، لكن ليس الإنصات لهذه العلوم، وإنما المطالعة المستوعبة لكتب كثيرة، قدح زناد البداية فيها الدكتور أحمد زكي في كتاب (مع الله في السماء)، مع مشاهدة عشرات أفلام فيديو، خاصة تلك التي صدرت عن مراكز الإعجاز، وفيديو محاضرات الإعجاز، ووسائل إيضاح علم الذرة والفيزياء، مما أنتج الغرب، مع مقتبسات مما تعرضه قنوات ديسكفري والجغرافية[size=20][1]...[/size]
م/ توصية

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد المرسلين وعلى اله وصحبه أجمعين.. وبعد
أكتب هذه السطور عن الأخ الداعية المهندس علاء الدين المدرس والذي ركز اهتمامه بكتاب الله سبحانه، على الرغم من أن معظم الجيل الحالي الذي جاء بعد جيلنا، يفرط في وقته ويقضي ساعاته الطوال في اللهو الفارغ، وغير ذلك من مشاغل الحياة الدنيا. فأن الدنيا الحلوة الجميلة المغرية لم تأخذ منه شيئا حيث أنصهر في كتاب الله ينهل منه ما يفيضه الله عليه من قبسات نورانية، وهو يغوص في كتاب الله وآياته العلمية يستخرج منها اللآلئ والعبر، فأخرج لنا خلال السنين الماضية كتب عديدة في مجال الإعجاز العلمي والتاريخ والتراث وغيرها من المواضيع القرآنية.
ولا أريد أن أزكّي على الله أحداً، ولكني أرى من باب الإنصاف والوفاء لمن يخدم القرآن، أن نكتب عنه شيئاً بما هو عليه حقيقة، فقد عرفته ـ من خلال العمل في ميدان الإعجاز العلمي والدعوي ـ أخاً طيباً صادقاً مرهف الحس وجداني المشاعر، يبحث عن الحقائق العلمية في كتاب الله تعالى، يتحرى الدقة، ولا يخلط مع كتاب الله شيئاً مما دخل فيه بعض المغالين وبعض المتسرعين في ربط الآيات القرآنية العلمية بالعلم المعاصر، حيث أن بعضهم أخذ يلوي آيات القرآن الكريم حتى تتماشى مع ما يكتشفه العلم الحديث، دون الاستناد إلى الأصول والضوابط اللغوية والعلمية. وإن الأخ علاء الدين المدرس هو أحد الداعين إلى تأصيل الإعجاز العلمي والالتزام بالأصول والضوابط التي يحددها علماء التفسير واللغة العربية.
وللشهادة الصادقة أقول، إني أرشح كتاب المدرس الجديد الموسوم (أقباس من الإعجاز العلمي في القرآن والسنة) للنشر، لما فيه من منفعة عالية للشباب الباحث في ميدان إعجاز القرآن وعلومه.
ولا شك إن الإعجاز العلمي في القرآن والسنة، دخل عالمنا اليوم من أوسع أبوابه، بعد أن تسابق العلماء بكشوفاتهم التي أذهلت الجميع.
حيث إن القران الكريم هو معمار متكامل رائع من الحروف والكلمات والجمل والآيات والسور، وإنه كلام الله المعجز الذي لا تنقضي عجائبه، وهو ـ بفضل الله ونعمته ـ يعطي كل جيل من الأجيال حصته من العلم، ويخاطب جميع العقول في مختلف مستوياتهم في كل زمان ومكان، حتى يرث الله الأرض ومن عليها وهو خير الوارثين.. قال تعالى: }سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق أو لم يكف بربك أنه على كل شيء شهيد{[size=21][2].[/size]
وأخيراً ـ وليس آخراً ـ أوصي الشباب المسلم المؤمن، أن يبادر إلى كتب الأخ الداعية الأستاذ علاء الدين المدرس لاقتنائها، لما فيها من صفاء ودقة وشفافية وسهولة فهم، سواء في مجال الإعجاز العلمي أو مجال التاريخ والتراث، بما يخدم منهج الوعي الإسلامي وتوحيد الأمة ومعالجة عللها وأمراضها المزمنة، وفي فهم واستشراف مستقبلها أو آثارها التي تركتها للنظر والفهم والتذكرة.
قال تعالى: ) قل سيروا في الأرض فانظروا كيف بدأ الخلق..([size=21][3].[/size]
قال تعالى: ) قل سيروا في الأرض ثم انظروا كيف كان عاقبة المكذبين. ([size=21][4].[/size]
كتب الله ذلك في ميزان حسناته.. وأثابه عن هذا الجهد المبارك خير الثواب.



الدكتور أنيس مالك الراوي
رئيس جماعة الإعجاز العلمي
في
معهد الشرق وجمعية الشبان المسلمين/ بغداد
3/ 8/ 2001م







سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم  حتى يتبن لهم أنه الحق.

 أولم يكف بربك أنه على كل شيء شهيد.

سورة فصلت/ 53

المقدمة

لكل عصر لغة خاصة به، ويبدو أن لغة عصرنا الحاضر هي لغة العلم المادي والاكتشافات العلمية والتكنولوجية، والتطور الهائل الذي شهده العصر الحديث في ميادين الفيزياء والكيمياء والبايولوجيا والتقنيات المختلفة في عالم الحاسبات والاتصالات والانترنت وغيرها، مما أبهر العقول بقدرة الإنسان غير المحدودة التي وهبها الله له وعلمه ما لم يعلم. ومن هنا تأتي أهمية موضوع الإعجاز العلمي ودوره الدعوي والإيماني في عصر ساد فيه أثر العلوم المعاصرة في ميادين الطب والفلك والآثار والتكنولوجيا والحاسبات والأتمتة الحديثة. والقرآن الكريم -كما نعلم- ليس كتاب علم أو طب أو فلك أو غيرها من العلوم والمعارف التي طورها الإنسان عبر تاريخه الطويل، بل هو كتاب نور وهداية ودستور للحياة، ليحكمها بمنهج الله سبحانه، ولكن المتأمل فيه والمتدبر لآياته سيجد فيه إشارات علمية غير قليلة، وتلميحات واضحة الدلالة حول العلوم المشار إليها آنفاً، وذلك لأن القران الكريم -بكل بساطة- هو كتاب الله المقروء، والكون هو كتابه المنظور، ولا بد أن يتطابق كونه المنظور مع كونه المقروء، دون أي تعارض أو تباين، بالنسبة للمؤمنين بالخالق الواحد بديع السماوات والأرض.
إن هذا الكتاب يتكلم عن الإعجاز العلمي في القران الكريم والسنة النبوية، من خلال خمسة محاور رئيسية تدور حول، مختارات من الإعجاز العلمي في القران والسنة، في المواضيع الطبية والفلكية والطبيعية الأخرى، وبشارات الكتب المقدسة السابقة بظهور نبي الإسلام، مما يسلط الضوء على تفرد القرآن الكريم بالهيمنة والتفوق المطلق على الكتب السماوية الأخرى، بما أصابها من تحريف وتزوير وأخطاء دخلتها، بسبب تدخل يد النسّاخ وتحريفها للكلم عن مواضعه، كما أقر بتلك الحقيقة العلماء والباحثين، سواء المسلمين أو علماء اللاهوت والتوراة أنفسهم، وهذا ما سيجده القارئ واضحاً ومسطوراً في ثنايا الكتاب، في العديد من البشارات التي وردت في التوراة والإنجيل رغم التحريف الذي لحق بهما. كما يتضمن الكتاب سياحة في دلائل النبوة في القرآن والسنة، والملامح المعجزة في شخصية نبي الإسلام وأثر النبوة والوحي فيها، بما لا يقبل الجدل في صدق نبوته وإعجاز الكتاب المنزل على صدره، وإعجاز كلامه حديثه الشريف، وهي تعرب عن مختلف الحقائق والمعارف الكونية والطبية والغيبية والتشريعية، بنظم وعجز وكلام محكم، بعد أن أعطاه الله قدرة التعبير والنصح والهداية وجوامع الكلم إيجازاً وفصاحة وعلم دقيق منقطع النظير. وهكذا سيجد القارئ تلك المحاور الاعجازية الرئيسية منثورة في الكتاب، بنسق جديد وثوب معاصر وأمثلة حديثة، في ضوء منهج الإعجاز العلمي وضوابطه وأصوله المعروفة. ويعرج الكتاب على محور التعصب الأوربي تجاه الشرق والعالم العربي، بعد أن أصبح اتهام الإسلام بالتخلف واللاعلمية واللاموضوعية وتبني العنف والإرهاب من أبجديات الثقافة المعادية للإسلام واتهامه بكل الصفات المذمومة، والتي لا تتفق مع العلم والحق في شيء، ليكون هذا المحور أحد الأدلة على أن تهمة التعصب والتطرف التي وصم بها الإسلام، ما هي إلا صفة ملاصقة لتاريخ خصومه ومتهميه، لا سيما في أوربا والغرب عموما. وأخيراً ومسك الختام يحاول المؤلف أن يجعل القارئ الكريم يعيش لحظات هانئة مع تأملاته في رحاب الحج والعمرة، وآثار تراث الأنبياء الخالد، ومعرجاً على مهد الرسالة –بعجالة- تتسق مع الفقرات السابقة التي تحدثت عن قصص الأنبياء والإعجاز الآثاري، مقارنة بينها وبين ما ورد في التوراة حول تراث الأنبياء، ومحتكماً إلى العلم الحديث للوقوف على الأخطاء التاريخية واللغوية التي وقع فيها النص التوراتي. إن الإعجاز الآثاري يعد أحد محاور الإعجاز الرئيسية في إثبات ربانية النص القرآني، لاسيما تلك الآثار الخالدة التي  نلمسها ونجدها شاخصة في المشرق العربي مهد الأنبياء وتراثهم. ويتحدث هذا المحور عن موطن الرسالة وجغرافية الأنبياء وتراثهم ومساجدهم المأثورة، لاسيما المساجد التي أشار إليها النبي r في حديث شد الرحال، وهي المسجد الحرام في مكة والمسجد النبوي في المدينة والمسجد الأقصى في بيت المقدس، وغيرها من مواضيع الإعجاز العلمي المهمة. وهي مواضيع علمية إيمانية شيقة مطروحة بأسلوب معاصر مبسط، وفق منهج تأصيل الإعجاز العلمي وأسلمة العلوم، وضوابطه الشرعية. والكتاب يعد آخر حلقة في سلسلة كتب المؤلف حول موضوع الإعجاز العلمي التي جاوزت عشرة عناوين، والتي ابتدأت بكتاب الظاهرة القرآنية والعقل ثم النبوة والإعجاز في القران والسنة ثم تراث الأنبياء بين العلم والقران والتوراة والوصايا الخالدة في القرآن.
نسأل الله أن يوفقنا لخدمة دينه الحنيف، وأن يكون هذا الكتاب ثمرة طيبة في ميدان الإعجاز العلمي، والنص القرآني وصلته بالعلوم المعاصرة.





الفصل الأول الإعجاز العلمي  فـي القـرآن والسـنة



القران والعلم الحديث


قال تعالى: } وقل رب زدني علماً {[size=21][5][/size]
نزل القران في عصر لم يكن الإنسان يعرف فيه عن الطبيعة إلا القليل النادر، وكان الناس في جهل وفقر للمعرفة وتفكير خرافي عام يطغي عليه السحر والشعوذة والأساطير وكانوا يرون أن مياه الأمطار تقذفها السماء من بحارها السحرية، وأن الأرض مستوية لا نهاية لحدودها، وأن النجوم مسامير لامعة من الفضة مركبة في قبة السماء، أو أنها قناديل معلقة في الفضاء وكان الهنود قديماً يعتقدون بأن الأرض محمولة على أحد قرني البقرة الأم أو قرني ثور كبير، وحين تقوم بنقل الأرض من قرن إلى أخر يحدث زلزال على الأرض وكان اليونان والأوربيون عموماً يعتقدون أن سبب الأمراض والأوبئة هو نزول الأرواح الشريرة وكان السحر والكهانة والشعوذة غالباً على الدين الحق في معظم بقاع العالم الحديث. وهكذا نجد أن التقدم العلمي قد بدأ يزدهر منذ فجر الإسلام وولادة عصر النور وحضارة القران في العصور الإسلامية ثم أخيراً عصر النهضة الأوربية الحديثة، وتقدم العلم رويداً رويداً إلى أن زادت قوة المشاهدة والدراسة لدى الإنسان فكشف عن أسرار كثيرة، واليوم لا نجد جزءاً من معلوماتنا عن أجزاء الجسم وشعب العلم المختلفة إلا وقد تغيرت نظرتنا إليه كلياً، وثبت بطلان عقائد ونظريات العصر القديم.
وذلك يدل على أنه لا وجود لكلام إنساني تدوم صحته كلياً. لأن الإنسان عادة يتكلم عما هو معروف من المعتقدات والعلوم في عصره، ويسرد ما هو موجود في زمنه سواء وقع كلامه في دائرة الشعور أو اللاشعور، ولذلك لا تجد كتاباً مضى عليه حيناً من الدهر، إلا وهو مملوء بالأخطاء من سائر نواحيه، نظراً إلى الكشوف الجديدة في كل الميادين.
ولكن مسألة القران الكريم تختلف تمام الاختلاف عن هذه الكلية فهو حق صادق في كل ما قاله، كما كان في القرون الغابرة ولم يطرأ على ما قاله أي تغيير رغم مضي قرون وعصور طويلة وهذا في نفسه دليل على أن منبعه ذات علمية تحيط بالأزل والأبد علماً، وتعلم سائر الحقائق في صورها النهائية والحقيقة، وهو الله I الذي لا يخضع علمه لحواجز الزمان والمكان والأحوال، ولو كان هذا الكلام صادراً عن بشر محدودي النظر والعلم لكان الزمان أبطله منذ عصور عديدة، كما يحدث لكل كلام بشري في مستقبله..
إن المحور الحقيقي لرسالة القران هي السعادة الأخروية فهو بذلك لا يدخل في دائرة أي من علومنا وفنوننا الحديثة ولكن حيث أن القران يخاطب الإنسان في حقيقة الأمر فهو يمس كل ما هو متعلق بالإنسان وتلك مسألة دقيقة وخطيرة، إذ أن المرء حين يكون جاهلاً أو ناقص المعلومات حول مشكلة ما، ثم يتجرأ ليتكلم عن تلك المشكلة ولو إجمالاً فلا بد أن يكبو في حديثه، وذلك حين يستخدم كلمات أو عبارات لا علاقة لها بالواقع والحقائق.
ولكن من المدهش حقاً كما أكده الكتاب الغربيون قبل المسلمون أن القرآن لا يحتوي كلمة ما اثبت العلم فيما بعد، إنها من صنع رجل لا علم له بذلك الموضوع. حتى فيما يمس أكثر العلوم الحديثة من ناحية أو أخرى، وهذا يوضح صراحة أنه كلام عالم الغيب والشهادة، ممن هو على معرفة تامة بكل شيء على حين لم يكن أحد يعلم شيء.
ومما سيأتي في حلقات الإعجاز العلمي القادمة سنرى أمثلة عديدة تدل صراحة على أن القران الكريم يحيط بالحقائق التي لم تعرف إلا في عصرنا هذا، وفي فروع العلم كافة، وإن كانت إحاطته هذه ضمن إشارات غير مباشرة وغير مقصودة لذاتها أحياناً. وهذا النوع من الآيات ذات الإشارة إلى الإعجاز العلمي جعل المفسرين الأقدمين أحياناً يبقون متحيرين أمام المعاني التي لم يكن باستطاعتهم فهمها إلا في عصرنا الحديث. كما في الأرض والشمس والجبال وانكسار ضوء الشمس ومراحل النمو الجنيني وتفسير العلقة والمضغة على سبيل المثال لا الحصر مما جعلهم يبتعدون عن الصواب والتفسير الصحيح أما الآن فقد تهيأت أجواء وفرص علمية مناسبة لمعرفة أن ما في القران من علوم وأخبار تتوافق مع معطيات العلم الحديث وحقائقه الثابتة وفي نفس الوقت خالية من الأساطير التي كانت منتشرة في عصر تنزيله، وذاك هو باختصار ما يعرف اليوم بالأعجاز العلمي.
ولقد كتب الكثير من الكتاب المعاصرين في هذا الموضوع خلال العقود الأخيرة، بحيث أصبحنا بفضل تلك الجهود أمام موسوعة ضخمة حول هذا الموضوع، ومن الطبيعي أن نرى أن من بين هؤلاء الكتاب من أجاد وأبدع ومن تطرف أو تعسف في التفسير تحت مختلف الدوافع ولذلك ينبغي الأخذ بنظر الاعتبار النقاط والملاحظات التالية قبل الولوج في هذا النوع من الإعجاز القرآني بغية تجنب الأخطاء التي وقع بها من قد سلف، أو الأحكام المتطرفة بين رافض له دون مبرر وبين مسهب فيه بغير ضابط أو أساس من اللغة والعلم والمنطق، فجعل البعض هذا السلاح الذي لا يرد لإثبات وإظهار المعجزة القرآنية سلاحاً مضاداً، يمكن أن يستخدمه الأعداء للتوهين من أهمية هذا اللون من ألوان الإعجاز وإلغاء دوره، بسبب بعض التفسيرات المتعسفة والمتطرفة والظنية للآيات القرآنية ذات الطابع الحسي، ويمكن تلخيص هذه الملاحظات في ما يأتي:-
1.   أن القران هو دستور الإسلام، وكتاب الله المعجز، الكتاب الذي تحدى به الله I الأنس والجن على أن يأتوا بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيراً. أو أن يأتوا بعشر سور بل سورة من مثله، فبهت العرب جميعاً وهم أهل البلاغة والفصاحة، أمام بلاغته المعجزة.
2.   انه الكتاب الخالد إلى يوم القيامة: } لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم{[size=21][6]  الذي تعهد الله بحفظه من عبث العابثين: }إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون{[7] . وهو الكتاب الذي فيه ذكرنا أي شرفنا وعزنا:[/size]
    } ولقد أنزلنا إليكم كتاباً فيه ذكركم أفلا تعلقون {[size=21][8][/size]
أن القران الكريم لم ينزل على قلب الرحمة المهداة r ليكون كتاباً في الطب أو الفلك أو العلوم الطبيعية أو غيرها من العلوم، ولكنه أنزل كتاب هداية ونور ورحمة ليخرج الله به الناس من الظلمات إلى النور ويهديهم به سبل السلام والصراط المستقيم. قال تعالى: }الر. كتاب أنزلناه إليك لتخرج الناس من الظلمات إلى النور بإذن ربهم إلى صراط العزيز الحميد{[size=21][9].[/size]

} قد جاءكم من الله نور وكتاب مبين، يهدي به الله من أتبع رضوانه سبل السلام. ويخرجهم من الظلمات إلى النور بأذنه ، ويهديهم إلى صراط مستقيم.{ [size=21][10].[/size]

أن القران نزل خاتماً للكتب السماوية مصدقاً لما قبله ومهيمناً عليه ونزل على خاتم الأنبياء ليكون خاتم الشرائع: }وأنزلنا إليك الكتاب بالحق مصدقاً لما بين يديه من الكتاب مهيمناً عليه{[size=21][11]. فدين الله واحد، ورسالته واحدة إلى الناس، وهي رسالة التوحيد والعبودية لله، والقران هو النسخة الأصلية والصحيحة المنزهة عن التحريف والمهيمنة على الكتب السماوية السابقة، التي نالها التبديل والتغيير والتحريف لأنها أوكلت إلى الناس لحفظها، فقصر في حفظها والمحافظة عليها من البشر فيما مضى فجاء القران ليمثل الرسالة الخالدة إلى يوم الدين.[/size]

3.    وأمة القران العاملة به، تكون شاهدة على الناس ويكون الرسول شاهداً عليها: }وكذلك جعلناكم أمة وسطاً لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيداً{[size=21][12].[/size]
4.          أما الخطاب القرآني فقد تميز بملامح عديدة أهمها:
أ- أنه خطاب الله الخالق لعباده في كل مكان وفي كل زمان.
ب- أنه خطاب موجه أصلاً إلى العربي والبدوي البسيط في الجزيرة العربية فهو يتحدث بمفردات سهلة يمكن للبدوي البسيط فهمهما واستيعابها ويؤهله للإيمان بالرسالة وحملها إلى العالم من حولها.
جـ- أنه يتحدث إلى الإنسان على الأرض باعتبارها المحيط الحيوي لنشاطه وخلافته ورسالته، مشيراً إلى دوره وتكريمه وتسخيرها له، باعتبارها الأرض المسخرة والمعدة له ولكل ما يحتاجه في مسيرته الطويلة.
د- أنه خطاب الله العليم الحكيم الخالق البارئ البديع البصير السميع إلى البشر بكل صنوفهم، عامة وعلماء وحكماء وحكام وأغنياء وفقراء، وبساط، مختصين وغير مختصين، ويفهمه الجميع دون لبس، وهو يخاطب عقولهم وأرواحهم ونفوسهم وفطرتهم، خطاب الحكيم اللطيف الخبير، فيدرك الجميع ما يرمي إليه فتستجيب بعض النفوس وتنفر أخرى، نفور الهائجة من المصيدة: } كأنهم حمر مستنفرة، فرّت من قسورة {[size=21][13].[/size]
والخلاصة من ذلك، أن القران كتاب هداية، ومجاله النفس الإنسانية والحياة البشرية، وأن وظيفته أن ينشئ تصوراً عاماً للوجود وارتباطه بخالقه، ولوضع الإنسان في هذا الوجود وارتباطه بربه، وأن يقيم على أساس هذا التصور نظاماً للحياة يسمح للإنسان أن يستخدم طاقاته، ومن بينها طاقته العقلية.
فإذا ما تحدث القران عن آيات الله في الآفاق وفي الأنفس، فإن ذلك لا يجعله كتاباً حاوياً لجميع العلوم، كما أدعى البعض من الحريصين على الإسلام، وإذا ما ورد في القران بعض التصريحات أو التلميحات العلمية، فذلك لا يجعله كتاباً في علم الفلك أو الطب أو غيرهما كما يحاول بعض المتحمسين أن يسهبوا في متابعة ذلك، أو كما يحاول بعض الحاقدين أن يلتمسوا فيه مخالفته لتلك العلوم البشرية.
لذلك فإن من الأسس الصحيحة التي ينبغي مراعاتها في التفسير العلمي هي عدم التكلف المخل في تأويل الآيات الكريمة، وعدم تعليق الحقائق القرآنية النهائية (القاطعة والمطلقة) بفروض العقل البشري ونظرياته، وذلك لأن الحقائق العلمية لا يمكن أن تتقاطع مع الحقائق القرآنية بخلاف الفرضيات والنظريات التي من سماتها البارزة أنها ظنية، وعرضةً للتغير تبعاً للتطور العلمي وتكامل المعرفة البشرية.
إن محاولات التأويل المتكلف دون التحصن بضوابط اللغة والعلم ومحاولة تعليق المفهوم القرآني الواضح بالفروض والنظريات العلمية الظنية، تنطوي على معان عديدة منها الهزيمة الداخلية أمام العلم المادي الحديث فتخيل البعض أن العلم هو المهيمن والقران تابع له، وهم يحاولون تثبيت القران بالعلم، في حين أن القران هو كتاب الله المقروء والكون كتاب الله المنظور، وأن التعارض بينهما محال لأنهما يعبران في النهاية عن حقيقة واحدة، والقران فوق ذلك كتاب كامل في موضوعه ونهائي في حقائقه، والعلم لا يزال في موضوعه ينقض اليوم ما أثبته بالأمس. كما أن ذلك المنهج يعبر عن سوء فهم لطبيعة القران، ووظيفته، وهي أنه حقيقة نهائية مطلقة تعالج بناء الإنسان.. حتى لا يصطدم الإنسان بالكون من حوله، بل يصادقه ويعرف بعض أسراره ويستخدم نواميسه في خلافته، وفق ما يهديه إليه عقله الموهوب له ليعمل لا ليستلم المعلومات المادية جاهزة.
ومع ذلك يجب أن لا ننسى في خضم نقد التكلف في التأويل غير الدقيق، أن في القران الكريم الكثير من الآيات العلمية التي سبقت العلم بأربعة عشر قرناً من الزمان، كما سنلمس لاحقاً إنشاء الله- مما زاد المؤمنين إيماناً ويقيناً وخشوعاً وتدبراً للقران. ودفع كذلك أناساً من غير المسلمين إلى اعتناق الإسلام أمثال:
ليو بولد فايس (الهولندي) وروجيه غارودي وموريس بوكاي (الفرنسيان) واللورد هدلي (الإنكليزي) وغيرهم كثير، وذلك مصداق للآية الكريمة:
 }سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق أو لم يكف بربك أنه على كل شيء شهيد{[size=21][14].[/size]
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75523
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

قبسات من العلوم الكونيه Empty
مُساهمةموضوع: رد: قبسات من العلوم الكونيه   قبسات من العلوم الكونيه Emptyالجمعة 22 يناير 2016, 8:15 am

التقويم الشمسي والتقويم القمري
لقد أعتاد العرب خاصة والساميون عامة منذ القدم على اعتماد التقويم القمري في تحديد أيامهم وأشهرهم وفصولهم خلال السنة القمرية والتي تتمثل بدوران القمر حول الأرض اثنتا عشر مرة أو مراقبة منازل القمر شهرياً منذ ميلاده هلالاً ثم تربيعاً ثم بدراً ثم تربيعاً ثانياً وأخيراً يدخل في مرحلة المحاق قبل اختفائه ليولد من جديد، وتستغرق هذه المراحل في الشهر القمري بين 29-30 يوماً والذي يؤكد أن بقية الأقوام السامية ومن بينهم يهود المدينة أنهم كانوا يستخدمون التقويم القمري، وأن اليهود كانوا يصومون يوم العاشر من محرم لأنه ذكرى نجاة موسى u وقومه من فرعون وجنوده وفيها انشقاق البحر وعبور موسى وهلاك فرعون وجنوده، كما هو مذكور في القران والتوراة، أما في أثار وأدبيات ومدونات باقي الأقوام السامية كالبابليين والآشوريين والفينيقيين والكنعانيين والسبأيين والحميريين وغيرهم من الشعوب القديمة، فقد كانوا يستعملون النظام القمري وكانوا يضيفون شهر كل فترة زمنية قد تحدد بربع قرن أو أقل من ذلك تقدم علم الفلك عند تلك الشعوب أما أشهر التقويم القمري فهي المحرم –صفر- ربيع الأول- ربيع الثاني-جمادي الأولى- جمادي الآخرة - رجب- شعبان- رمضان- شوال- ذي القعدة - ذي الحجة.
 ويبدو من أسماء هذه الأشهر العربية القمرية، أنها كانت في القديم ثابتة لا تدور مع مواسم وفصول السنة، ومما يؤيد هذا التفسير معاني بعض الأشهر، فرمضان يعني الرمضاء وشدة الحر مشيراً إلى فصل الصيف، وكذلك ربيع الأول والثاني تشير إلى فصل الربيع، وكذلك بالنسبة لجمادي الأولى والثانية تشير إلى الانجماد في الشتاء، ورغم حدوث تغيير في مواقعها وفي عدد أيامها أيضاً، وهذا الاستنساخ يحتاج إلى البحث والتقصي للتأكد منه، وحينما جاء الإسلام أقر هذا التقويم وأتخذه الرسول الكريمr والخلفاء الراشدين من بعده تقويماً إسلامياً، جعله الخليفة الثاني عمر بن الخطاب tمبتدأ بالهجرة النبوية المباركة فكانت سنة الهجرة أول سنيه والشهر المحرم أول شهور السنة الهجرية، وهكذا سار المسلمون على ذلك التقويم الإسلامي في تحديد المناسبات والأعياد، وفي القران الكريم إشارة في سورة الكهف –كما سنذكره أدناه- إلى جواز استخدام التقويم الشمسي، مع إعطاء الأولوية والأفضلية للتقويم القمري باعتباره تقويماً إسلامياً شرعياً معتمداً.
أما التقويم الشمسي ويسمى أيضاً التقويم الميلادي المسيحي فليس له علاقة بمراقبة الأجرام أو الأقمار أو النجوم الفلكية وإنما هو حساب نظري للمدة التي تدور فيها الأرض حول الشمس أو حساب عودة أي يوم من السنة إلى بدايته مرة أخرى وعدد أيام السنة الشمسية 365 يوماً مع إضافة يوم السنة الكبيسة كل أربع سنوات وذلك لضمان ثبات التقويم الشمسي بالنسبة إلى الفصول الأربعة وأشهر التقويم الشمسي الاثنا عشر هي: كانون الثاني-شباط-آذار-نيسان-مايس-حزيران-تموز- آب- أيلول-تشرين أول-تشرين الثاني- كانون أول.
وعدد أيام الأشهر بين 30-31 يوماً عدا شهر شباط الذي يكون 28 يوماً ويضاف له يوم آخر في السنة الكبيسة.
وربما نجد البعض ينتقد التقويم القمري ومنهجه في حساب الزمن باعتباره قديم بالغ القدم وغير عملي ولا علمي (حسب ظنهم) بالمقارنة مع المنهج المتبع الآن عالمياً والذي يعتمد على دوران الأرض حول الشمس والذي يعرف حالياً بتقويم جوليان السنوي ولرد هذا النقد أو الفهم الخاص نورد الملاحظات الآتية:
1.   توجه القران منذ أربعة عشر شهراً تقريباً إلى سكان شبه الجزيرة العربية الذي كانوا يستخدمون الحساب القمري للزمن. إذن فقد كان من المناسب مخاطبتهم بالخطاب الوحيد الذي كانوا يستطيعون فهمه، وإلا تبلبلت عادتهم في اتخاذ الإشارات المكانية والزمانية، فقد كانت عادةً فعالة تماماً، فمن المعروف أن سكان الصحراء خبيرون بتمرس السماء، وفي الاستدلال بالنجوم وتحديد الزمن على حسب مراحل القمر وقد كانت كل هذه المفردات هي أبسط الوسائل وأكثرها فاعلية بالنسبة لهم.
2.    لقد أختار الله I الإنسان على هذه الأرض عدد الشهور، أثنا عشر وأختار منها أربعة حرم وفق التقويم القمري رجب، ذي القعدة، ذي الحجة محرم، وهذه هي أشهر السلام وتحريم القتل والدم والظلم والاعتداء منذ عهد إبراهيم u وأخذها عنهم العرب الحنفاء من نبيهم إسماعيل بن إبراهيم u وأخذها عنهم بقية، ويعبر القران الكريم عن ذلك وعن أهمية التقويم القمري وأن هذا النظام في عدة الشهور قد جعلها الله I أحد أسس النظام الكوني والأرضي الذي تكون الأرض محط أنظار العناية الإلهية لاستقبال الإنسان وخلافته على الأرض قال تعالىSmile إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهراً في كتاب الله يوم خلق السماوات والأرض، منها أربعة حرم([15].
3.    أن من المعروف بأن التقويم الشمسي يحتاج إلى تصحيح كل أربع سنوات وهو مما يعرف بالسنوات الكبيسة، أما في التقويم القمري فهو لا يحتاج إلى تصحيح إلا كل 19 سنة حيث يتم التصحيح مرة واحدةً.
4.    أن التقويم القمري واضح لمن يريد مراقبته، وبذلك فهو يشد الإنسان إلى الكون ونظامه ومراحل القمر في السماء في حين أن التقويم الشمسي ليس فيه شيء من ذلك، فهو حساب رياضي يتابع ذهنياً فحسب باستثناء المتخصصين في مجال الفلك.
5.    أن دوران المناسبات والأعياد الدينية وعدم ثباتها مع مرور السنين ودورانها على كافة الفصول يضفي عليها طابع الحركة وعدم الجمود وينسجم مع الفطرة وميول النفس الإنسانية.
6.   هنالك إشارة في القران الكريم وهي مع ما بها من أعجازٍ وتعبير عن العلم الإلهي اللامحدود تشير إلى العلاقة الفلكية بين التقويم القمري والشمسي وبشكل ظل مبهماً في وقت نزول الآية، من عصر النبوة حيث أنه عندما سأل اليهود عن فترة نوم أهل الكهف أجاب القرآن الكريم: } ولبثوا في كهفهم ثلاث مائة سنين وازدادوا تسعاً {[16] فتحير اليهود من هذه التسعة الزائدة حيث أن المثبت عندهم هو 300 سنة فقط، فلما أنكروا هذه التسعة الزائدة وسألوا عنها، أجابهم القرآن: } قل الله أعلم بما لبثوا{ [17] وأغلق الجدل وقتها فيما بين المسلمين واليهود، ونحن نعلم الآن بحساب الفرق بين التقويمين أن ثلاثة مائة سنة شمسية تعادل بالضبط 309 سنة قمرية، ويمكن أن يستنتج هذه الإشارة القرآنية البليغة والمعجزة، أنه في حالات الضرورة يمكن استخدام التقويم الشمسي ولا سيما مع من يستخدم ذلك التقويم كاليهود والنصارى وغيرهم، مع العلم بأن التقويم الإسلامي الموجب الإتباع والتطبيق شرعاً.
7.    يتصف التقويم القمري الهجري بأنه تقويم واحد لم يختلف المسلمون على بدايته أو نهايته أو أشهره الحرم وغير الحرم أو كيفية مراقبة مطالعه ومخارجه وتحديد عدد أيام أشهره وفق الأصول الشرعية ويثبتون شهادتهم أمام القاضي باعتبار أن تحديد بداية الشهر القمري مسألة شرعية وليست فلكية فحسب في حين أن الأشهر الشمسية ثابتة وجامدة لا تحتاج إلى جهد أو متابعة أو شهادة أو غيرها، كما تعددت التقاويم الشمسية باختلاف المذاهب والأديان والملل، فهناك التقويم الميلادي الغربي، وهناك تقويم الكنيسة الشرقية وهناك التقويم الشمسي المجوسي وهكذا.


ويعلم ما في الأرحام
قال تعالى: } إن الله عنده علم الساعة وينزل الغيث ويعلم ما في الأرحام وما تدري نفس ماذا تكسب غداً وما تدري نفس بأي أرض تموت إن الله عليم خبير { [18].
مما شاع عند كثير من الناس أن هناك مغيبات أستأثر الله U بعلمها، ولا يعلمها غيره، في حين استطاع العلم التطبيقي الحديث معرفة بعضها بل والتحكم بها قبل حدوثها بتوجيهها باتجاه محدد معين، كالتحكم بنوع الجنين.. ذكر أم أنثى، وذلك قبل اختلاط النطف في الأرحام، وقام بخلطها صناعياً بما يؤدي إلى أحد الاتجاهين، كما استطاع العلم التطبيقي الحديث إنزال المطر الصناعي.. فتوهم البعض بأن هناك تناقض بين هذه النصوص والعلم بسبب التعارض الظاهري بين الآية أعلاه وما استطاع العلم الحديث القيام به من تسخير وكشف للقوى الكامنة في الطبيعة سواء في الآفاق أو الأنفس، فإنكار النص كفر، وإنكار الواقع الثابت يقيناً مكابرة وتخلف، لذلك قامت الحاجة إلى تفسير معاصر وعلمي وإلى التوفيق الذي يوضح التوافق الحق رغم ما يظهر من تعارض ظاهري وقد قال الغزالي ومن بعده الألوسي في هذه الموضوع، ما مختصره:
نحن مع الظواهر حتى يقوم الدليل القطعي على خلافها، وحينئذ نميل إلى التأويل وبابه الواسع، وإنما جاز تأويل النص (ظاهر المعنى) لأن الجمود على اعتقاد لمعنى المتبادر منه، ورفض ما يدل عليه الدليل العقلي القاطع، يقتضي هدم الأصل وهو (العقل) الذي ثبتت به رسالة الرسول ص المتكلم بتلك النصوص الشرعية. إذ لولا العقل لما وصلنا إلى الاستدلال على صدق دعوة الرسالة، فإذا هدم الأصل هدم الفرع لا محالة، وهكذا الحكم في كل نص (ظاهر المعنى) ناقضه الدليل العقلي القاطع. أما فيما يخص النظريات والفروض العلمية التي هي غير قطعية -كما نعلم- فإنه إذا كان الدليل الذي قام على ما يناقض ظاهر المعنى دليلاً (غير قطعي) فلا يسوغ تأويل النص وصرفه إلى معنى أخر. وكما هو معلوم أن هناك من النصوص ما هو (متعين المعنى) وقطعي الدلالة، فإن هذا النوع من نصوص القران لا يقبل التأويل وقد أستند العلماء في كل ذلك على إحدى أبرز خصائص التصور الإسلامي وهي أنه ليس هناك من القران والسنة الصحيحة ما يناقض العقل ونتاج العلمي الدقيق، فجاز لذلك في الشريعة الإسلامية، تأويل النص (ظاهر المعنى) وعدم جواز تأويل النص (متعين المعنى) وسنرى أن علم ما في الأرحام ظاهر المعنى ويمكن صرفه إلى عدة وجوه يقبلها العقل والعلم والدين.
ماذا يقول السلف الصالح من المفسرين في تفسير الآية..
جاء، في تفسير الخازن: } ويعلم ما في الأرحام {[19] أذكر أم أنثى، أحمر أم أسود تام الخلقة أم ناقص..
وجاء في تفسير النسفي: } ويعلم ما في الأرحام { ذكر أم أنثى تام أم ناقص؟ وكذلك ما سوى ذلك من الأحوال..
وقال ابن كثير في تفسيره: وكذلك لا يعلم ما في الأرحام مما يريد أن يخلقه تعالى سواه.. ولكن إذا أمر بكونه ذكرا أم أنثى أو شقياً أو سعيداً علم الملائكة الموكلون بذلك، ومن شاء من خلقه.
هذه نماذج من أقوال السلف الصالح، فمن أين جاء الذين قالوا إن هذا العلم هو مما أستأثر به الله تعالى؟ وإن من أدعى بأنه يستطيع تشخيص جنس الجنين قبل ولادته فقد كفر؟..
وإذا رجعنا إلى تفسير الآية بما يفسرها من الآيات القرآنية الأخرى ثم الأحاديث النبوية الصحيحة ثم أقوال الصحابة والسلف الصالح، نقرأ قوله تعالى: }الله يعلم ما تحمل كل أنثى، وما تغيض الأرحام، وما تزداد وكل شيء عنده بمقدار، عالم الغيب والشهادة الكبير المتعال{[20].
إننا نفهم  من هذه الآية ما يأتي:-
1.   أن علم الأرحام عالم شامل لكل أنثى من البشر والمخلوقات الأخرى.. وأن هذا العلم بهذا الشمول لا يمكن أن يحيط به أحد إلا الله تعالى.. فهو –إذن- في شموليته علم إلهي أستأثر به الله تعالى لنفسه.
2.   إن علم ما في الأرحام لا يتعلق بالجنس فقط ولكن بكل الصفات الخلقية كالكون والجمال والطول والقصر والذكاء، والمواصفات الجينية الكثيرة، وكذلك كل الأقدار التي ستكون من شقاء أو سعادة أو حوادث أو مستقبل وهذا ما تعنيه كلمة (ما) في الآيتين السابقتين }ويعلم ما في الأرحام{ و }الله يعلم ما تحمل كل أنثى{ وقوله تعالى في تقدير صفات وأقدار الجنين }من نطفة خلقه فقدره{[21]. وإن استخدام (ما) لغير العاقل يدل على تلك المعاني بخلاف كلمة من التي تستخدم للعاقل فتفسير علم الأرحام الإلهي لا ينصرف إلى معرفة ذات الجنين من ذكورة أو أنوثة وإنما ينصرف بشموله إلى جميع الصفات والأقدار التي ستكون واقعاً بعد ولادته بإذن الله تعالى وعلمه.
كما يؤكد الرسول r ذلك المعنى بقوله: أن أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه أربعين يوماً نطفة، ثم يكون علقة مثل ذلك، ثم يكون مضغة مثل ذلك، ثم يرسل إليه الملك فينفخ فيه الروح، ويؤمر بأربع كلمات: بكتب رزقه، وأجله، وعمله، وشقي أم سعيد[22].     
فشمولية (ما) هذه لا يمكن أن يحيط بها أحد غير الله تعالى، وهي من العلم الذي أستأثر به الله تعالى لنفسه.
3.   حتى فيما يخص الذكورة والأنوثة تلك الصفة التي تتبادر للذهن أول وهلة عند المرور على هذه الآيات الكريمة فإنه من المستحيل على أحد من خلق الله أن يعلم في كل لحظة أجناس كل أجنة المخلوقات والأحياء عموماً..
وهكذا فإن مسالة الذكورة والأنوثة بشموليتها هذه علم أستأثر به الله تعالى لنفسه، وهو علم البديع المصور الخالق لما أبدع وصور وخلق من خلق جديد في كونه الفسيح، فسبحان الله الخلاق العظيم..
قال تعالى: }لله ملك السماوات والأرض يخلق ما يشاء، يهب لمن يشاء إناثاً ويهب لمن يشاء الذكور، أو يزوجهم ذكراناً وإناثاً ويجعل من يشاء عقيماً. أنه عليم قدير{ [23].
4.   ويشير مقطع الآية }وما تغيض الأرحام وما تزداد{ إلى أن علم ما في الأرحام لا يقتصر فقط على الذكورة والأنوثة، بل هو أشمل وأوسع بكثير وأن كل عمل الرحم الحامل وغير الحامل أيضاً يندرج تحت هذه الآية الكريمة.. وأنه علم مستحيل على البشر وغاية ما نستطيع أن نعلمه أن الرحم يغيض ويزداد، ولكن ماذا يغيض وماذا يزداد في كل لحظة، فهذا هو العلم المتعذر معرفته مهما تطور العلم والطب.
غاية معرفتنا العلمية أننا ندرس آثار هذه التبادلات على الجنين (أي ما يطرح من الجنين أو يزداد عبر المشيمة داخل الرحم) فندرك بما آتانا الله من علم، إن هذا الجنين بخير وإن ذلك الجنين بحالة خطرة، لأن عملية الغيض والازدياد هذه قد حصل لها ما يعيقها في سياق الحمل فمرض لنقص أوكسجينه أو نقص غذائه أو ما سوى ذلك.. أما علم كمية ما يصل إلى الجنين وما يصدر عنه في كل لحظة وتعميم هذا العالم على كل أرحام المخلوقات فهو ما أستأثر به الله تعالى لنفسه.
5.   إن الله تعالى يشير بأعجاز إلى كل ما يجري في هذه الأرحام محسوب بدقة، وذلك بقوله تعالى: }وكل شيء عنده بمقدار{ [24]وقد أصبح واضح بعد هذا التقدم العلمي ومعرفة بعض ما يجري داخل الأرحام أن أحداً لا يستطيع القيام بهذه الحسابات المعقدة والدقيقة لأي رحم من الأرحام.. فكيف بكل الأرحام.. والله وحده يستطيع ذلك لأنه خالق الرحم والجنين وما حوله.
6.   أما قوله تعالى }عالم الغيب والشهادة الكبير المتعال{[25] فيوحي لنا أن علم ما في الأرحام ليس محظوراً على البشرية وأنه لا مانع إطلاقاً من متابعة التطور العلمي حتى النهاية، فبعد أن أخبرنا الله تعالى بأن علمه U متعلق بكل أنثى من بشر وغيرهم، وبأن علمه U يتعلق بما تغيض الأرحام وما تزداد وهو ما يحيط بكل ما يجري في الأرحام من عمليات بايولوجية وكيمياوية وتحولات في الأنسجة والأعضاء، ذكر الله Iأن كل شيء عنده بمقدار أي بحسبان وقدر وليس هكذا جزافاً ولا صدفة ولا فوضى بل وفق أسس جينية وراثية ومخططات محسوبة لها علاقة بالنسل والأجيال التي جاء منها ذلك الجنين سواء أكان إنسان أو حيوان ثم قال تعالى في نهاية الآية: }عالم الغيب والشهادة الكبير المتعال{.
فقد أشار الله تعالى إلى الغيب والشهادة في سياق الكلام عن الأرحام وعلم ما في الأرحام، ليقول لنا أن هذا العلم وإن كان من العلوم الغيبية الخمسة في سورة لقمان/ آية 34 والمشار إليها في البداية، فإن بعضاً منه متاح للبشر في عالم الشهادة، ليقوموا برعاية الحوامل ومخاضاتهم على الوجه الأسلم والأيسر، كجزء من تسخير العلم والطب لخدمة الإنسان، والحفاظ على نسله ليقوم بدوره في خلافة الأرض، وقد وردت الآثار على أن الله تعالى ييسر لبعض عباده ما يشاء من هذا العلم كما ذكر ابن كثير وغيره في تفسير هذه الآية الكريمة.
إن الإسلام يدعو المسلم إلى أن يفرح بالنظرية الجديدة أو الاكتشاف الجديد الذي يتحقق في الطب وغيره من فروع العلم المختلفة، لأننا على يقين أنه لا تعارض بين الإسلام والعلم أو بين الكون المقروء (أي القران) وبين الكون المنظور لأن الحقائق في كليهما من الله الخالق، وإن هذا التعارض الظاهري يظهر في عقولنا أحياناً حين نعجز عن فهم النص أو في جعل الاحتمال والنظرية حقيقة مطلقة نحال أن نفسر النص على ضوئها.
إن الإنسان لا يلبث أن يكتشف إننا في أي اكتشاف علمي قد أضفنا أكثر بكثير لما نجهل فإن العلم قد دأب وهو يفتح باب في العلم وإذا به يفتح عشرة أبواب من المجاهيل والأسرار سواء في مجال الفلك وعالمه الواسع أو الذرة وعالمها الصغير أو الخلية في الأحياء وعالمه السحري المرصع بالأسرار والمجاهيل. إن عالمي الغيب والشهادة في الأرحام كغيره في العوالم الأخرى، كالليل والنهار، كلما لحق النهار بالليل لحق بالنهار، وكلما زادت معلوماتنا ازدادت مجهولاتنا ولن يستطيع الإنسان مهما تطور أن يحضر علم الأرحام كله، من عالم الغيب إلى عالم الشهادة ولن يزيد يوماً ما عن الإمساك بالمفتاح، وذلك لسبب بسيط هو أننا بشر وإننا ما أوتينا من العلم إلا قليلاً.
أما العليم القدير الذي أحاط بكل شيء علماً، والذي هو على كل شيء قدير، والذي يحفظ عنده أسرار العلوم الكونية ويعطي منها ما يشاء من عباده حين يشاء فإنه جل وشأنه يتعالى ويتكبر على عباده وخاصة علمائهم حيث يصف نفسه U بأنه الكبير المتعال.
أنه تعالى يخاطب بها عباده جميعاً ولا سيما العلماء: }إنما يخشى الله من عباده العلماء{[26] الذين يتوصلون بأسلوبهم العلمي إلى معرفة إن ما عند الله من العلم الذي جهلوه لا ينضب ولا ينتهي، العلماء الذين مهما كبروا في العلم والمعرفة يظلون صغاراً ولا يملكوا إلا أن يقولوا: }سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العزيز الحكيم{[27]وثمة كلمة أخيرة يمكن أن نقولها إلى المسلمين عموماً لا سيما المشتغلين بالعلم والدعوة هي: إن الإسلام والعلم لا يمكن أن يختلفا أبداً، فإذا تراءى لأحد أي تباين ظاهر بينهما، فيجب أولاً أن نمحص القناعة التي جاء بها العلم الحديث، ثم لنمحص معلوماتنا بدقة عن دين الله، فسنجد حينئذ الوفاق التام الذي لا يمكن أن ينفصم، وهل تحصل هذه الاكتشافات العلمية إلا بأذن الله تعالى وتقديره..؟. قال تعالى: }شهد الله أن لا الله إلا هو والملائكة وألوا العلم قائماً بالقسط لا إله إلا هو العزيز الحكيم{ [28].
وقال: }ويرى الذين أوتوا العلم الذي أنزل إليك من ربك هو الحق ويهدي إلى صراط العزيز الحميد{[29]


الطب النبوي
قال تعالى: }وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين{ [30].
وقال: }وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى{[31] لقد قام الإمام ابن القيم الجوزية في كتابه المعروف (الطب النبوي) بجمع الأحاديث النبوية التي تهتم بالصحة الوقائية والعلاجية وقد ذكر في هذا الكتاب المئات من الأحاديث الطبية الصحيحة وجعلها في متناول الإنسان المسلم. كما قام الكثير من العلماء والكتاب الأقدمين والمعاصرين في الكتابة في هذا الموضوع ومتابعة النصائح النبوية الطبية، ومقارنتها مع المعارف الحديثة فوجدوا فيها التطابق والتوافق مع الأصول الطبية والضوابط الصحية، سواء في مجال الوقاية أم العلاج، وقد وجدنا من خلال الإطلاع على هذه المجاميع والأزاهير النبوية ما يدعو إلى الأركان الصحية التالية:-
  ·          التأكيد على النظافة وأهميتها الصحية وجعلها رديفة الإيمان.
 ·   الحث على التداوي والأخذ بالأسباب كما في قوله r: أن الله جعل لكل داء دواء، علمه من علمه وجهله من جهله، إلا السأم، (أي الموت) فتداووا ولا تداووا بحرام.
  ·          التأكيد على مبدأ الوقاية خير من العلاج.
  ·          ذم السحر والشعوذة والاستعانة بالجان والتنجيم كما في قوله r:
   كذب المنجمون ولو صدقوا.
 ·   السماح بالرقية بالقران بقراء كلام الله على المريض بنية الدعاء دون تحديد للشخص الراقي وهيئة محددة لذلك، وإنما يستطيع أي مسلم عنده شيء من الصلاح والتقوى أن يرقي المريض ويقرأ ما تيسر له من القران للمريض.
  ·          ذكر بعض الأطعمة المفيدة صحياً وعلاجياً كالعسل والحبة السوداء والثوم والبصل وغيرها.
ونذكر أدناه بعض الأحاديث والنصوص النبوية في موضوع الطب النبوي، وهي في حقيقتها لا تلغي دور الطبيب بل على العكس تؤكد دوره وأهميته في تشخيص الأمراض وعلاجها وتوجيه المريض لطرق العلاج الصحيحة وفق الإرشادات العلمية.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75523
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

قبسات من العلوم الكونيه Empty
مُساهمةموضوع: رد: قبسات من العلوم الكونيه   قبسات من العلوم الكونيه Emptyالجمعة 22 يناير 2016, 8:17 am

الأحاديث النبوية الطبية
قال تعالى: }وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا{ [32].
الأحاديث النبوية في الطب الوقائي
الأحاديث الواردة في النظافة والحث عليها كثيرة، ومنها:
  قال رسول الله r: النظافة من الإيمان.
وقال: تنظفوا فإن الإسلام نظيف، وإنه لا يدخل الجنة إلا نظيف وقال: إذا جاء أحدكم الجمعة فليغتسل.  وقال: حق الله على كل مسلم أن يغتسل في سبعة أيام يوماً يغسل فيه رأسه وجسده.
وقوله r: إذا أستيقظ أحدكم من نومه فلا يغمس يده في الأكل حتى يغسلها، فإنه لا يدري أين باتت يده. وقوله r: من أحب أن يكثر الله خير بيته فليتوضأ إذا حضر غذاؤه وإذا رفع.
وهذه الأحاديث واضحة المعنى في أهمية النظافة والتنظيف بالماء ودور كل ذلك في الصحة الوقائية للفرد والمجتمع المسلم.
وقاية الموارد
قال رسول الله r: لا تبولوا في الماء الراكد ثم تتوضؤا فيه.


وقال: اتقوا الملاعن الثلاث: البراز في الموارد، والظل، وقارعة الطريق.[33]
ويدعو النبي r الناس إلى حفظ الماء والأكل من التلوث والتعرض للجو، وذلك بأن يحفظ الماء في أوانيه والأكل في أوعيته وهي أهم موارد الإنسان حيث يقول: خمروا الآنية وأوكثوا الأسقية. فلقد دعا r بهذا الحديث إلى تغطية أواني الأكل.. وإلى ربط فم قربة الماء، وذلك حرصاً على نظافتها، وعملاً على سلامتها، وبعداً بها من أي تلوث قد يصيبها لو تركت الأواني مكشوفة والأسقية مفتوحة وهذا ما وصل إليه وأكده علم الطب الوقائي أخيراً.
وقال أيضاً توكيداً لنفس هذا التوجيه النبوي الصحي:
غطوا الإناء وأوكثوا السقاء فإنه في السنة ليلة ينزل فيها وباء لا يمر بإناء لم يغط ولا سقاء لم يول إلا وقع فيه ذلك الوباء.
أما غسل الإناء لا سيما الذي ولغ الكلب فيه، فيقول عنه r: إذا ولغ الكلب في أناء أحدكم فليغسله سبعاً إحداهن بالتراب.
وعدد السبعة المذكور هو لتحقيق تكرار الغسل مرات عديدة، وليس العدد مقصود لذاته تحديداً والله أعلم أما التراب فهو أقرب المواد المنظفة للإنسان وأيسرها وهي بلا مقابل، وذلك حتى لا يتأخر أي إنسان في غسل إنائه إذا ولغ فيه الكلب انتظارا لتوافر المنظف أو ما يشابهه.
ولا شك أن العلم الحديث قد أوضح أن لعاب الكلب يحمل من الميكروبات والجراثيم كميات لا تخطر على بال، ولعل ذلك يرجع إلى دوام شم الكلب لكل ما يعترضه على الأرض من طعام أو أشياء أخرى، لا سيما القمامة والفضلات بأشكالها وكذلك لدوام فتح فمه، وإخراج لسانه، فهو لا يغلق فمه أبداً مما يعرضه أكثر للميكروبات.. أما أخطر من ذلك كله فهو مرض الكلب، الذي ينقله الكلب للإنسان وهو أخطر الأمراض وأكثرها فتكاً بمن تصيبه وينتقل مرض الكلب عن طريق اللعاب سواء بواسطة العض أو بدونه، ولذلك فإن الوقاية من هذا المرض وغيره من الأمراض التي تنتقل عن طريق لعاب الكلب يمكن أن يتم بغسل كل ما يلعقه أو يقترب منه لعابه، غسلاً جيداً وهذا لا يتأتى إلا بتكرار الغسل، وباستعمال مطهر، وأرخصه وأكثره توافراً هو التراب، كما أن هناك رأي علمي يقول أيضاً أن هناك أنواع من الأتربة لها خاصية التغلب على بعض الميكروبات منها ميكروب داء الكلب، وذلك بتوليد مضادات حيوية تفتك بهذه الميكروبات كالبنسلين وأمثاله منها تراب المقابر.




الذباب ودوره في نقل الأمراض إلى الإنسان
أن الذباب هو ناقل جيد ووسط مهم في نقل العديد من الأمراض إلى الإنسان وهذا الشيء أصبح الآن معروفاً لدى الجميع، فهو ناقل جراثيم من النوع الممتاز، وهو ما لم يكن معروفاً قبل قرنين فقط وليس قبل أربعة عشر قرناً. حيث كان الناس يتصورون أن الأمراض تنتقل بواسطة الجن والأرواح الشريرة وتعتمد على ظاهرة السحر والشعوذة والكهنة والتنجيم الذي كان شائعاً في أوربا خلال العصور الوسطى، بينما حرم الإسلام تلك الأساليب ودعا إلى التداوي واستخدام الطب والأعشاب والأدوية المؤثرة على المرض والمعالجة له، كما يقول النبي r:
أن الله جعل لكل داء دواء، فتداووا ولا تداووا بحرام.
ولذلك فإن الكشف عن دور الذباب في نقل الأمراض يعد من معجزات النبي r ويعطي تصور دقيق عن التوجيهات النبوية والطب النبوي الذي نحن بصدده.
قال رسول الله r: إذا وقع الذباب في إناء أحدكم فليغمسه كله ثم ليطرحه فإن في أحد جناحيه شفاء وفي الآخر داء[34].
وقد حاول البعض جهلاً أو عمداً التشكيك في هذا الحديث، رغم أنه من الأحاديث الصحيحة المشهورة المعتمدة في كتب الحديث.
والحديث إضافة إلى أشارته إلى دور الذباب في العدوى وأنه ناقل للجراثيم من النوع الممتاز وهي حقيقة علمية وطبية أضحت معروفة لدينا اليوم، فإنه يشير إلى حقيقة علمية ثانية لا تقل أهمية عن الأولى، وهي أن الذباب يحمل مضادات للجراثيم، وهي ما تسمى طبياً الآن المضادات الحيوية المعروفة والتي انتشرت خلال النصف الثاني من هذا القرن. فإشارة الحديث إلى الجراثيم وإلى مضاداتها الحيوية هي من المعجزات النبوية العلمية والطبية، التي ينبغي أن نقف أمامها بكل تواضع أعجاباً وإجلالاً لهذا الدين ونبيه الكريم الذي لا ينطق عن الهوى، وإنما يستمد علمه من الوحي الصادق ومن الغيب الذي أكرمه الله تعالى به.
أما الآلية التي يذكرها الحديث في غمس الذباب في السائل ثم طرحه، والتي استشكلها البعض جهلاً وعناداً أمام الاستسلام لهذا النبي العظيم وتوجيهاته الرشيدة، فهو ما سنحاول أن نفصله لينجو من ينجو ويهلك من هلك عن بينة، وتطمئن النفس والفطرة إلى عظمة الإسلام وحكمته في كل تشريعاته وإرشاداته..
وهذا موجز لتحقيق كتبه الدكتور عز الدين جوالة حول هذا الموضوع ننقل منه ما يهمنا هنا:-
يقول الدكتور جوالة:
1.   إن من المعروف أن بعض الحشرات والأحياء المؤذية يكون في سمها نفع ودواء كما في سم الحية والعقرب وغيرها، فقد يجتمع الضدان في حيوان واحد كما في النحل مثلاً، فلا عجب أنه يوجد في الذباب جراثيم خطرة ومضادات لهذه الجراثيم والميكروبات.
2.    إن الطب الحديث استخرج من مواد مستقذرة أدوية حيوية قلبت فن المعالجة رأساً على عقب، فالبنسلين ومشتقاته أستخرج من العفن، والستربتومايسين من تراب المقابر.. الخ وحشرة الذباب ليست أكثر قذارة من هذه المواد المستقذرة فليس هناك ما يمنع أن يكون في الذباب طفيلي أو جرثوم يخرج منها أو يحمل دواء يقتل هذا الداء الذي تحمله؟.
وبعد هذا الكلام للدكتور عز الدين يستمر في تحقيقه حول الموضوع فينقل تحقيقاً للطبيبين محمود كمال ومحمد عبد المنعم في إثبات الحقائق العلمية التي وردت في الحديث الشريف، فيذكر نقلاً عنهما:- يقولان: في سنة 1891 وجد العالم (بريفلد) الألماني من جامعة هال بألمانيا أن الذبابة المنزلية مصابة بطفيلي من جنس فطر (أميتوزا) وهو يعيش في جسم الذبابة على الدوام، ويقضي حياته في الطبقة الدهنية في بطن الذبابة، بشكل خلايا مستديرة فيها خميرة، ثم لا تلبث هذه الخلايا المستديرة أن تستطيل فتخرج من الفتحات أو من بين مفاصل حلقات بطن الذبابة فتصبح خارج جسم الذبابة. ودور الخروج هذا يمثل الدور التناسلي لهذا الفطر، وفي هذا الدور تتجمع بذور الفطر داخل الخلية فيزداد الضغط الداخلي للخلية من جراء ذلك، حتى إذا وصل الضغط إلى قوة معينة لا يحتملها جدار الخلية انفجرت الخلية وانطلقت البذور إلى خارجها بقوة دفع شديدة، تدفع البذور إلى مسافة 2 سم خارج الخلية على هيئة رشاش مصحوب بالسائل الخلوي فإذا أمعنا النظر في ذبابة ميتة متروكة على الزجاج نشاهد مجالاً من بذور هذا الفطر حول الذبابة المذكورة.
وقد جاءت مكتشفات العلماء الحديثة لتؤكد ما ذهب إليه (بريفلد) ومبينة خصائص عجيبة لهذا الفطر الذي يعيش في بطن الذبابة، ومن تلك الخصائص:-
1.      في سنة 1945 أعلن أستاذ علم الفطريات (لابخرون) إن هذا الفطر الذي يعيش دوماً في بطن الذبابة على شكل خلايا مستديرة فيها خميرة خاصة (أي أنزيم) قوية تحلل وتذيب بعض أجزاء الحشرة الحاملة للميكروبات.
2.      وفي سنة 1948 تمكن عدد من العلماء وهم (بريان وكوريتس وهيمونغ وجيفري وماكجوان) من بريطانيا من عزل مادة دوائية (مضاد حيوي) أسمها (كولتيزين) وقد عزلوها عن فطريات تنتمي إلى نفس فصيلة الفطريات التي تعيش في الذبابة وتؤثر في جراثيم جرام السالبة (كالتيفوئيد والديزنتريا).
3.      وفي سنة 1949 تمكن العالمان الإنكليزيان (كرمس وفارمر) وعلماء آخرون من سويسرا هم (جرمان وروث وبلاتز وانلنجر) من عزل مادة مضادة للحيوية أيضاً أسموها (ايتابتين) عزلوها من فطر ينتمي إلى فصيلة الفطر الذي يعيش في الذباب ووجدوا لها فعالية شديدة وتؤثر بقوة على جراثيم جرام موجب وسالب وعلى بعض مكروبات أخرى كالزحار والتيفوئيد والكوليرا.
والخلاصة التي نستدل بها مما سبق ذكره:- 
1.      يقع الذباب على الفضلات والمواد القذرة وما شابه ذلك فيحمل معه كثيراً من الجراثيم المرضية الخطيرة. ومما يجعلها وسط ناقل للأمراض.
2.       فإذا سقط الذباب في إناء للطعام أو الشراب وحملت الذبابة وألقيت خارج الطعام دون غمس، بقيت هذه الجراثيم في مكان سقوط الذباب، فإذا تناولها شخص وهو لا يعلم (بالطبع) دخلت الجراثيم إليه، فإذا وجدت أسباباً مساعدة تكاثرت ثم أحدثت المرض، فلا يشعر الإنسان إلا وهو فريسة للحمى طريحاً للفراش.
3.      أما إذا غمست الذبابة كلها ونحن نتكلم هنا فيما إذا كانت كمية الطعام كبيرة أو غالية الثمن لوليمة كبرى أو كان دواءاً ضروري لمريض أو أي طعام أو شراب يرجح المعني أو صاحبه تناوله على إتلافه، أما إذا كان طعام بسيط أو كمية محدودة من الماء المتوفر فهنا يكون الإتلاف أولى حسب قاعدة النظافة من الإيمان، وهكذا ينبغي أن نرجح في أمور الدين والدنيا أخف الضررين وأكبر المصلحتين في أي قضية فيها مقارنة واختيار –فإذا غمست الذبابة كلها، أحدثت هذه الحركة ضغطاً داخل الخلية الفطرية الموجودة في جسم الذبابة، حسب قاعدة توازن التركيز داخل وخارج الخلية، فيزداد توتر البروز والسائل داخلها زيادة تؤدي إلى انفجار وخروج الأنزيمات الحاملة للجراثيم والمضادات الحيوية والقاتلة للميكروبات المرضية، فتقع على الجراثيم التي تنقلها الذبابة الملوثة وتبيدها ويصبح الطعام، خالياً من الجراثيم المرضية.
وهكذا يكشف العلماء النقاب عن تفسير هذا الحديث الشريف الذي أكد على حقيقتين علميتين لم تعرف إلا في العصر الحديث بعد التقدم العلمي والاكتشافات الحديثة لعالم الميكروبات والمضادات الحيوية الموجودة في جسم الذبابة وآلية القضاء عليها، فأكد العلم الحديث التوجيه النبوي بضرورة غمس الذبابة في السائل والطعام ليخرج من بطنها الدواء الذي يكافح ما تحمله من داء إذا ما أراد الإنسان تناول ذلك الغذاء أو الدواء.
   قال تعالى: } يا أيها الناس ضرب مثل فاستمعوا له، إن الذين تدعون من دون الله لن يخلقوا ذباباً ولو اجتمعوا له وأن يسلبهم الذباب شيئاً لا يستنقذوه منه ضعف الطالب والمطلوب {[35].


أنتم أعلم بأمور دنياكم
لقد فرق النبي الكريم والرحمة المهداة بين أقواله وأفعاله باعتباره نبي مرسل من الله سبحانه لا ينطق عن الهوى، وإنما وراءه الوحي الذي يعصمه من الخطأ، وبين كلامه كبشر له خبرات وقناعات شخصية ومزاج ورغبات قد تختلف بين إنسان وأخر فيما يخص أمور الدنيا والخبرات العامة التي لا تتعلق بتشريع أو توجيه نبوي. فرغم العلم النبوي وأثر الوحي والنبوة في توجيه أحاديثه r إلا أنه ترك للخبرة والتجربة البشرية الأفضلية حتى على آراءه وخبراته الشخصية فيما يخص أمور الحياة الدنيا الخاصة، حيث أن هناك الكثير من الأمور التي لا بد للتخصص والخبرة والتجربة البشرية أن يكون لها الرأي الأول، والتي قد تفوق خبرة النبي نفسه باعتباره بشر له من الخبرات البشرية بحسب الحياة التي كان يحياها والزمن الذي عاش فيه، والوسط الذي تأثر به فيما يخص أمور الحياة العامة كالزراعة والصناعة وغير ذلك.
إن حادث تأبير النخل (تلقيحه) يلقي الضوء ويوضح هذا الأمر المهم الذي يجب أن يستقر في ضمير المسلم للتمييز بين السنة النبوية المرادفة للقران وجزءاً من الوحي، وبين الخبرات الشخصية والرغبات والعادات التي كان يفضلها النبي r كإنسان أو يتصورها كفرد عاش في ذلك الزمان والمكان.
وفي ذلك يقول r: إذا أمرتم بشيء من دينكم فخذوا به وإذا أمرتم بشيء من رأيي فإنما أنا بشر. [36]
كما نقل الأمام السرخسي في أصوله قول النبي r: إذا أتيتكم بشيء من أمر دينكم فأعملوا به، وإذا أتيتكم بشيء من أمر دنياكم فأنتم أعلم بأمور دنياكم.
وأصل قصة تأبير النخل هي: ورد في صحيح مسلم جـ/4 تحت عنوان (باب وجوب امتثال ما قاله r مشرعاً دون ما ذكره من معايش الدنيا على سبيل الرأي: عن موسى بن طلحة عن أبيه قال: مررت مع رسول الله r بقوم على رؤوس النخل فقال: ما يصنع هؤلاء؟
فقالوا يلقحونه، يجعلون الذكر في الأنثى فتلقح.
فقال رسول الله r: ما أظن يغني شيئاً.
قال: فأخبروا بذلك فتركوه، فأخبر رسول الله r بذلك فقال: إن كان ينفعهم ذلك فليصنعوه فأني إنما ظننت ظناً: فلا تؤاخذوني بالظن، ولكن إن حدثتكم عن الله شيئاً فخذوا به، فإني لن أكذب على الله U.
وفي رواية أخرى عن السيدة عائشة وعن ثابت وأنس رضي الله عنهم أن النبي r مر بقوم يلقحون فقال: لو لم يفعلوا لصلح.. قال فخرج شيصاً فمر بهم فقال: ما لنخلكم؟ فقالوا: قلت كذا وكذا.
قال: أنتم أعلم بأمر دنياكم.
وهكذا نرى أن هذه الأحاديث النبوية توضح الفرق بين الوحي الإلهي في القران والسنة وبين خبرة النبي r الشخصية، ومن البديهي نسبة الأحاديث العلمية والطبية والتنبؤية إلى الوحي لأنها مرتبطة بحقائق لا يعلمها إلا الله وبالعقيدة والقناعة المطلقة بصحتها، كما أنها مرتبطة بمستقبل الإنسان وصحته والتطابق المعجز بينها وبين العلم المبني على التجربة والبراهين والأبحاث العلمية الدقيقة، وهي في ذلك شأنها شأن القران الكريم وأعجازه العلمي فهي من ذات المصدر الإلهي.
أنزل القران بشرط ثبوت صحة سندها إلى النبي r كما أن النبي r يذكرها لأصحابه على سبيل الجزم والأخبار وليس الظن كما في حالة خبراته الشخصية غير المرتبطة بالوحي.


الخسوف والكسوف
وفي حالة الكسوف الذي حدث في عصر الرسالة مثال آخر يوضح التمايز بين كلامهr كجزء من الوحي، وبين علمه الشخصي وخبرته من جهة أخرى، ورفضه مجارات الأفكار والعقائد السائدة في عصره والخرافات والأساطير التي كان الناس يتصورها عن الحوادث الكونية وربطها بالناس على الأرض كما في حادثة الكسوف.
ففي اليوم الذي مات فيه إبراهيم بن النبي من السيدة مارية القبطية، وهو طفل صغير لا يتجاوز بضع سنين، حدث كسوف في الشمس فظن الناس أن الشمس كسفت لموت إبراهيم، وبلغ ذلك النبي r فجمع الناس في المسجد النبوي وصعد المنبر وقال: إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله U لا يخسفان لموت أحد ولا لحياته، فإذا رأيتموهما فأفزعوا إلى الصلاة[37].
فالمسألة هنا إذن مسألة عقيدة وليست مسألة دنيوية عامة لكي يقول للناس: أنتم أعلم بأمور دينكم فليس للظن هنا مكان، ولكن يجب أن توضح التصورات والعقائد حول الشمس والقمر كآيتان لله لا دخل لهما بحياة الناس وموتهم، وإنما على المسلم حينما يرى الخسوف أو الكسوف أن يفزع إلى الصلاة والدعاء والتأمل واستشعار عظمة الخالق وبديع صنعه كما حدث في أيلول الماضي حينما كسفت الشمس كسوفاً كلياً في مدينة الموصل في العراق وفي أماكن أخرى من العالم فهب المسلمون للصلاة وعبادة الواحد الأحد خالق الشمس والقمر رب العالمين.
وقد كان بوسع النبي r أن يتساهل في ذلك ولا يرد الخبر ولا ينقض تفسير الناس للكسوف وربطه بموت إبراهيم ابن النبي r وفقيده العزيز فيكون نوع من التكريم للنبي ولأبنه وكان ذلك سيبقى دهراً طويلاً دون أن يكتشف خطأه بدل نقد الفكرة من أساسها وبهذه الشدة والوضوح لولا أن ذلك الذي فعله النبي r هو ما يستدعيه الوحي وأمانة النبوة التي لا تعرف الكذب أبداً. وما يحتمه الإسلام من ضرورة تصحيح أي خلل أو انحراف في العقائد وفي فهم الظواهر الكونية وفق ما أرسله الله I من تعاليم وعقائد في كتابه الكريم وهدي نبيه الأمين الذي أرسله رحمة للعالمين.
قال تعالى: } لقد من الله على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولاً من أنفسهم يتلوا عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين { [38].


الإسلام وتقديس الأرقام
إن غير المسلمين يتفاءلون ويتشاءمون ويقدسون أعداداً وأرقاماً معينة، وقد جعلوا في عقائدهم جزءاً خاصاً بالأرقام يستجلون به مغاليق الغيب.
أما في الإسلام فليس الأمر كذلك وقد وردت أعداداً كثيرة في القران لمجرد أنها أعداد لا لقدسية خاصة تحملها كما لم يخصص القران الكريم ولا السنة النبوية الشريفة عدداً معيناً بذاته يحمل أسراراً خاصة. وكذا الأمر بالنسبة للحروف، فهي الأخرى لا تحمل دلالات غير دلالاتها اللفظية واللغوية أما ما وراء ذلك فليس من الإسلام في شيء، والموضوع الذي أثاره د. رشاد خليفة حول أهمية الرقم  19 في القرآن الكريم وتكراره في عدد من الكلمات والحروف ضمن بحثه الذي نشرته مجلة آخر ساعة قبل أكثر من عشرين عاماً وأحدثت ضجة حوله، موضوع خاطئ من أساسه لأن الأساس الذي بنا عليه هذا الرجل بحثه هو حروف البسملة التي ظن أنها (19) حرفاً بينما هي في الواقع واحد وعشرون حرفاً.
وإذا كان الأساس خطأ فمعنى ذلك أن الموضوع كله خطأ ومع ذلك كان بحث د. رشاد خليفة مليء بالمغالطات والكذب والتدجيل والاستنتاجات الخاطئة كما سنرى.
وكمقدمة لهذا الموضوع ينبغي أن نضع أمامنا تلك الحقائق:-
- اليهود يتفاءلون بالرقم (7).
- والنصارى يتشاءمون من العدد (13).
- والبابيون والبهائيون يقدسون الرقم (19).
- والمانويون والمجوس يقدسون الرقم (6).
- وليس في الإسلام تقديس للأعداد والأرقام.
- وإن البسملة تحتوي على (21) حرفاً لا (19).
- وإن الإسلام يعتمد على العقائد الراسخة ويحترم العقل البشري ولا يشجع الخرافة والشعوذة بشتى أنواعها ولا يعتمد التضليل العلمي في نشر مبادئه وعقائده ورسالته الإلهية الخالدة لبني البشر.
لقد نشرت مجلة أخر ساعة المصرية في عددها المرقم 2149 في 31/12/1975 تحقيقاً حول العدد (19) للمدعو د. رشاد خليفة عنوانه: في أمريكا يفسرون القرآن بالعقول الإلكترونية، ادّعت فيه وجود أسرار لهذا الرقم العجيب ذات علاقة بتفسير القران.
في الإسلام قلنا أنه ليس فيه تقديس للأرقام وليس فيه رقم معين له ميزة معينة أو قدسية خاصة يوقف عندها فمن أين جاء خليفة بهذا اللغو؟
في القران أعداد كثيرة وردت على سبيل العدد لا أكثر ولا اقل، فالله تعالى خلق السموات وجعلها سبعاً والأرض كذلك في ستة أيام وجعل للنار سبعة أبواب وللجنة ثمانية، وعدد حملة العرش ثمانية والطواف حول الكعبة سبعة أشواط وكذا السعي بين الصفا والمروة والتروية يوم الثامن من ذي الحجة والوقوف بعرفة يوم التاسع منه، والسنة أثنتا عشر شهراً في كتاب الله والشهر ثلاثون يوماً أو تسعة وعشرون يوماً، والأسبوع سبعة أيام، والصلوات خمس في اليوم، وهي بين ركعتين وثلاث وأربع، ومجموعهما سبعة عشرة ركعة، والزبانية الموكلون على جهنم (19) }عليها تسعة عشر{ [39]وردت أعداد المائة والألف وكسور العدد من النصف والثلث والربع والسدس والثمن في القران الخ.. ولم يشر القران إلى سر معين في عدد معين كما لم يشر في السنة الصحيحة إلى ذلك، ولم يرد في كتب الفقه وغيرها من الكتب العلمية الإسلامية المعتمدة ما يشير إلى ذلك.
وما يقال عن الأرقام والأعداد يقال عن الحروف أيضاً فمن أين جاءت هذه الأباطيل والخرافات وكيف دخلت في الفكر والتراث الإسلامي؟.
إسرائيليات اليهود، ما يزال التخريب الذي يزاوله اليهود تجاه التراث الإسلامي باقياً حتى الآن، وهو ما يعرف باسم الإسرائيليات فقد حاولوا عن هذا الطريق إدخال الكثير من آرائهم الباطلة في العقيدة الإسلامية وتفسير القران والسيرة والتاريخ والحديث وغيرها من العلوم.
وتقديس الأرقام أحد مكونات الدين اليهودي، فقد ورد تقديس الرقم (7) في التوراة لذلك فهم يتفاءلون به، وليس اليهود وحدهم ينفردون بهذا التقديس بل يشاركهم فيه السومريون والبابليون بينما تؤكده الديانة المانوية (المجوسية) على الرقم (6)([40]).
وقد أورد الأستاذ محمود شيت خطاب أمثلة حول تقديس اليهود لهذا الرقم (7) وتفاؤلهم به، من ذلك مثلاً وعد بلفور المشؤوم كان سنة 1917 وإعلان قيام إسرائيل كان سنة 1947 وهزيمة حزيران والعدوان الإسرائيلي سنة 1967([41]). وعن اليهود أخذ المسلمون حساب الجمل أو حساب أبي جاد.
أما النصارى فإنهم يتشاءمون من العدد (13) وسبب تشاؤمهم من هذا العدد راجع إلى كونه رقم يهوذا الأسخريوطي المنافق الذي وشى بالسيد المسيح، وكان ثالث عشر الحواريين الذين حضروا العشاء الرباني الأخير (المائدة التي أنزلت من السماء بناء على سؤال المسيح وحوارييه لربهم).
أما في الإسلام فإن فكرة تقديس بعض الأرقام دخلت عن طريق: الفلسفة والفاطميين واليهود (الإسرائيليات):
أما الفلسفة فلأنها مستوردة من اليونان، وقد ذكر ابن خلدون أن الحساب الذي يسمونه (النيم) مذكور في آخر كتاب السياسة المنسوب لأرسطو يعرف به الغالب من المغلوب. وهو قائم على حساب الحروف وأعدادها([42]) وقد شرح ابن خلدون هذا الموضوع الذي يعتمد المنظور الخرافي الفلسفي والذي يحاول استكناه الغيب عن طريق التنجيم أو الرمل أو الأعداد أو الحروف، ولكنه سخر منها واعتبرها من المغالط التي تجعل وتوضع بشكل مرتب لتكون كالمصايد لأهل العقول المستضعفة، وهي لا تختلف كثيراً عن فكرة الأبراج وعلاقتها بأرقام وحروف معينة كتاريخ الميلاد وأسم الأم وغير ذلك من الخرافات الفنطازية التي تستميل من يستمع إليها.
ومع موقف ابن خلدون المتشدد من هذا الموضوع لم ينجو من نسبة كتاب بأكمله إليه، فيه فصل عن أسرار الأرقام والحروف وهو يخالف مذهبه المشار إليه في مقدمته، مما يؤكد تزويره واختراعه من قبل بعض خصومه ونسبته إليه زورا.
أما ابن سينا فإنه يذكر أن الحروف الهجائية كلها تتضمن أغراضاً خاصة وله تفسير في معاني الحروف الهجائية التي في فواتح السور القرآنية([43])، وتقوم هذه الفكرة على إعطاء الحروف الأبجدية أرقاماً بين الواحد إلى الألف.
ومن الأمور التي أعتمدها الفلاسفة المتأثرين بأرسطو في أسرار الأرقام والحروف وما أورده في كتاب (عجائب الخواص) وهو شكل مربع فيه تسع مربعات فيها رقوم مخصوصة يكون مجموع ما في جدول واحد خمسة عشر وهو يعطي النتيجة نفسها إذا جمع طولاً وعرضاً وزعم هؤلاء أنه يساعد الحامل على الوضع بسهولة. وقد حاول الغزالي أن يرد على الفلاسفة في كتابه (المنقذ من الضلال) بأسلوبهم نفسه، فذكر ذلك الشكل الهندسي وقال: فيا ليت شعري من يصدق بذلك ثم لا يتسع عقله للتصديق بأن تقدير صلاة الصبح بركعتين والظهر بأربع والمغرب بثلاث هي لخواص غير معلومة بنظر الحكمة([44])، وقد ظن البعض خطأً أن الغزالي يؤمن بالأرقام وأسرارها بناء على ما جاء في كتابه أعلاه، وهو غير صحيح.
ومن الفلاسفة وأهل الكلام الذين اعتمدوا على هذا الباب جماعة (أخوان الصفا)، وفي ذلك يقول أحمد أمين: وغلا أخوان الصفا فزعموا أن للحروف أسراراً دالة على معان وأن هذه الحروف يمكن أن يفهم منها ميعاد ظهور المهدي، واستدلوا على الآية: وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو. وادعوا أن الله تجلى بعلمه على من يشاء من عباده. وقد نسب إلى الفيلسوف الكندي رسالة تتضمن دلالة الحروف وأسرار الأعداد، وقد ذكر أخوان الصفا (وهم من فلاسفة الغلاة والقرامطة والإسماعيلية كما يعتقد) أن ظهور المهدي يتوقف على حركات النجوم وقراناتها، مقلدين في ذلك اليهود في قولهم: إن موعد ظهور المسيح يتبع القيمة العددية لكلمتي (هستير استير) وقد شاع بين الباطنية وغيرهم ارتباط حركات الأرض وإحداث الكون بحركات النجوم، حتى أنه لا يحدث حدث بالأرض إلا بقراءات في نجوم السماء، ووضعوا في ذلك علماً سموه (علم البازرجة) فما يحدث للإنسان من سعادة وشقاء وغنى وفقر مرجعه إلى حركات النجوم والقرانات.
ولإخوان الصفا في عدد السبعة هيام وأوهام كما يقول الدكتور أحمد أمين([45]).
أما الفاطميون فقد أحاطوا فكرة ظهور المهدي بقدرته على الأخبار بالغيب والتنبؤ بالأحداث وإن ذلك جاء من كتاب (الجفر) الذي تركه الإمام علي، وزعموا أنه علم أسره النبي r إلى علي وأمره بتدوينه، فكتبه الإمام حروفاً متفرقة، وهو يحيط بكل شيء وفيه تفسير باطن كلمات القرآن وظاهر عباراتها كما يرتبط الجفر بعلوم الكيمياء وحساب الجمل وهو معادلة حروف أبجدية بأعداد حسابية ويطلق على العلوم الغيبية والحوادث المستقبلية وأشتق من كلمة الجفر (الذي هو لغة جلد الماعز). أسم الشفرة.


نظرة تحليلية لفكرة تقديس الأرقام
يقول الدكتور أحمد أمين في كتابه المهدي والمهدية عن موضوع أسرار الأرقام والحروف ما يلي: وعلى هذه العقائد (أي أسرار الأرقام والحروف) ظهر في البيئة الفارسية شاب متحمس أسمه (ميزرا، علي أحمد الشيرازي) ولد سنة 1820 ..  وأعلن أنه المهدي المنتظر.. ولم يكن يؤمن بشعائر الإسلام كلها وتفاصيلها، ويرى أنها مرهقة، وأنها فوق طاقة البشر في الوقت الحاضر.. وقد أضاف مؤسس البابية هذا أيضاً، تعاليم تتعلق بالحروف والأعداد، وجعل للحروف جملاً لها دلالتها الرمزية، وكان مما قدسه وأمر أتباعه بتقديسه العدد (19) وأستند في ذلك ما جاء في القران الكريم: (عليها تسعة عشر) وأستند على هذا العدد في تنبؤاته وأفكاره.
وأدعى الميزرا على أحمد الشيرازي، أنه ولد في التاسع من الشهر، لهذا كانت السنة البهائية (وهم الذين ورثوا فرقة البابية) تسعة عشر شهراً، والشهر تسعة عشر يوماً ومجموع ذلك كله 361 يوماً، والبهائية مثل البابية يؤمنون أيضاً بتقديس الرقم (7) وقد أيدت الوقائع والأحداث والوثائق السرية التاريخية صلتهم بالدول الاستعمارية وبالصهيونية، فقد تسابق الإنكليز والفرنسيين وقياصرة روسيا في دعم الميرزا علي الباب ومحاولة إنقاذه من الإعدام قبل تنفيذه، ثم بعد ظهور البهائية انضمت الحركة اليهودية الصهيونية في فلسطين في دعم حركة البهاء وأبنه وخليفته من بعده عباس بن البهاء، وجعلت البهائية قبلتها في عكها متجه إلى قبر مؤسسها البهاء وأبنه من بعده، وتقوم إسرائيل اليوم بدعم الحركة البهائية بالمال والدعاية والخطط والبرامج على مستوى العالم الإسلامي وأوربا وأمريكا وغيرها وتنسق معها لنشر مبدأ وحدة الأديان الهدام ومحاولة نسخ رسالة الإسلام برسالة جديدة هي خليط بين عقائد ومفاهيم الديانات الثلاث وبلباس بهائي إباحي معاصر، ويحاول البهائيون جمع التوراة والإنجيل والقران في كتاب واحد يمثل العهد القديم والجديد الحالي مع القران الكريم: ولكن هذه المحاولات المشبوهة لم تلق من المسلمين إلا الاحتقار والرفض والتصدي الواعي مما أدى بتلك العلاقة المشبوهة بين البهائية والصهيونية أن تخنس بعد كل نشاط محموم للتآمر على الإسلام وأهله.
ولعل من أكثر من قاوم البهائية وحاربها باعتبارها فرقة منحرفة غالية خارجة عن الدين هم الشيعة ثم أهل السنة، وغالباً ما كان يتعاون الشيعة والسنة لفضح تآمرهم وزيفهم ودسهم في التراث والعقائد والأفكار، ومن ذلك شبهة تقديس الأرقام والحروف وبالذات الرقم (19) الذي هو موضوع هذا البحث.
ويشترك مع البهائية واليهود في تقديس الرقم (7) بعض الطوائف والفرق المنتشرة في زوايا العالم الإسلامي، من الغلاة والأقليات الدينية في الشرق، التي تؤمن بالخرافة والهرطقة والأساطير الدينية منهجاً ومسلكاً، للترويج والإقناع  بين معتنقيها، وتدعيماً للعقائد القديمة المتجمدة والمتخلفة، التي عفا عليها الزمن، محاولين من منهج التقديس والتعصب والتقليد الأعمى، المحافظة على وجودهم الديني بين الأكثرية المنفتحة والمتحررة من العقد الدينية والأفكار الأسطورية، التي تنشأ عادة في الظلام والخفاء والتقوقع والانكفاء على الذات.
أما أثر الإسرائيليات في التراث الإسلامي فيما يخص موضوع تقديس الأرقام والحروف، فهو واضح في كتب التراث، والإسرائيليات هي القصص والأخبار التي دسها أهل الكتاب في التراث الإسلامي، فيما يخص تراث الأنبياء، وعقائد أهل الكتاب وأخبارهم، وقد امتلأت بها كتب التفسير والسير والرقائق والمواعظ وقد ورد في تفسير الطبري كما ورد في سيرة ابن هشام حديث حي بن أخطب اليهودي في المدينة مع النبي r عن سورة البقرة ففسر حيي بن أخطب الأحرف (ألم) بأن الألف واحدة واللام ثلاثون والميم أربعون، فهذه إحدى وسبعين سنة، أفندخل في دين نبي إنما مدة ملكه وأجل أمته إحدى وسبعون سنة؟..
 ثم يسأل النبي عن سور أخرى، ويحسب الحروف بحساب الجمل أو ما يسمونه (حساب أبي جاد) أي الأبجدية ويضيفها إلى عمر الإسلام في الأرض وهذه القصة واضحة الوضع والصناعة، وتهدف إلى الإيحاء إلى المسلمين بأن الإسلام سينتهي من الأرض بعد عدد من السنين طالت أو قصرت، وإذا سرت هذه النزعة في مشاعر المسلمين فستموت في نفوسهم روح المقاومة، معتقدين أن هذا قدر الله الذي لا يرد يستسلمون للأمر الواقع وكما نجد اليوم أصداء هذه الأفكار من تحديد عمر أمة الإسلام وتحديد عمر وجود إسرائيل بسنة 2023 أو غيرها من الأساطير التي يحاول اليهود بثها بين المسلمين وربما بأقلام عربية أو إسلامية.
وقد قال ابن حجر عن هذا الحديث هذا باطل لا يعتمد عليه، فقد ثبت عن ابن عباس الزجر عن عد أبي جاد، والإشارة إلى أن ذلك من جملة السحر والتنجيم، وليس ذلك ببعيد، فأنه لا أصل له في الشريعة، وفي الحديث الشريف الذي يذم التنجيم والتحدث عن الغيب والمستقبل: كذب المنجمون وأن صدقوا.
كلما رفض الحديث الذي حدد فيه حي بن أخطب اليهودي عمر الإسلام بالحساب الأبجدي للحروف، العلامة المؤرخ ابن كثير، قائلاً في تفسيره: وأما من زعم أنها (أي فواتح السور من الحروف) دالة على معرفة المدد، وأنه يستخرج من ذلك أوقات الحوادث والفتن والملاحم، فقد ادعى ما ليس له، وطار في غير مطاره.
وقد ورد في ذلك حديث ضعيف وهو أدل على بطلان هذا المسلك من التمسك به على صحته، وهو ما رواه ابن إسحاق صاحب المغازي (ويعني به حديث اليهودي حيي المتقدم ذكره)
وفي ختام هذه الجولة وهذا الاستعراض يظهر بوضوح أن موضوع الأرقام والحروف وأسرارهما وما فيها من أخبار الغيب أو الاختصاص بقدسية خاصة، لا أصل له في الإسلام، وإنما هو دخيل على التراث الإسلامي.
وإذا كان هناك باب خاص عن الحروف والأرقام، فإنما هو من خصائص الأدب والشعر، فقد جعل بعض الشعراء والأدباء للحروف الأبجدية أرقاماً لغرض التاريخ واصطلحوا على أن حروف الهجاء العربية (28) حرفاً كما اصطلحوا على إعطاء كل حرف رقماً خاصاً بحيث يصل عدد هذه الحروف الثمانية والعشرين إلى الألف، فإذا أراد شاعر أن يؤرخ حادثة من الحوادث أورد بيتاً أو شطر بيت يكون مجموع حروفه بالأرقام هو التاريخ بالسنين ليسهل حفظه أما غير ذلك من تنبؤ بالغيب أو إيجاد صلة بين رقم وقضية أخرى غير التاريخ الشعري فهو لغو وعبث ينزه عنه الإسلام.
أما محاولة الدكتور رشاد خليفة البائسة فهي غير جديرة بالنظر والمتابعة لما أكتنفها من تكلف وزيف وكذب وتلاعب بالأعداد، أثبتها العلماء المختصين بعد أن قام هذا الرجل بنشر ادعاءاته الهزيلة، إن الخطر في  بحث رشاد خليفة ليس في الضعف القاتل في التدليل على نوع جديد من الإعجاز للقرآن الكريم وهو الإعجاز العددي إن صح أن نطلق عليه، وإنما في جعل المسلم يؤمن بالقران على حرف، وعلى أساس رخو، حتى إذا أنهار ذلك الأساس أنهار إيمان المسلم بكتابه المقدس، فضلاً عن الدعاية والتطبيل للعقيدة البهائية وتقديسها للرقم (19) وأن القران الكريم يؤيد العقائد البهائية من خلال عمليات التكرار والقسمة المزعومة على الرقم (19) ويمكن أن نضيف أن مثل هذه الأفكار والبحوث القلقة قد تثير الفتن والخلافات وتثير الجدل بين المسلمين حين يستطيع أن يوجدوا بين المسلمين من يؤيد ذلك التوجه أو ما يعارضه في حين أن المسلم في غنى عن هذا الهراء وهذه الموجة البهائية الجديدة التي قد تتبعها موجات وأفكار عديدة ما دام التنسيق قائم بين هؤلاء اليهود وبقية أعداء الإسلام.
وللإنصاف نقول أن استخدام هذا الرجل للعقل الإلكتروني أو الكمبيوتر ليس فيه خطأ بل لقد أصبح الآن استخدام الحاسبة في علوم القران والسنة شائعاً وأساسياً بين المسلمين وأصبحت الحاسبة اليوم ومنها الانترنيت من العوامل المساعدة والمهمة لنشر رسالة الإسلام وحضارة القرآن إلى العالم أجمع، ولكن الذي أثار الضجة في حينها حول هذه النتائج هو تلاعب المسئول عن إعطاء المعلومات للحاسبة، وإعطائها معلومات خاطئة ثم ساق هذا التزوير في موكب صاخب وفرقعة قوية استهدفت إثارة الحماسة الدينية لدى القراء، بل بعض الكتاب المخلصين أيضاً، بحيث أغمضوا عيونهم عن سلبيات الموضوع ولم يحاولوا التفتيش عن صحة المعلومات وعن علامات الاستفهام التي فرضت نفسها على الموضوع بأكمله، وقد قام الأستاذ إدريس الكلاك يساعده السيد فيصل وفيق/ كلية العلوم في جامعة الموصل، بمتابعة وتدقيق النتائج التي نشرها رشاد خليفة فوجدا أن أغلب الأعداد التي أعطاها كانت خاطئة ومخالفة لما هي عليه في العقل الإلكتروني.
أن المعجزة القرآنية أصبحت من أبرز معالم القران الكريم وهناك عدة مجالات في مواضيع الإعجاز سواء البلاغي أو التنبؤي أو العلمي أو التشريعي وغيره بل حتى الإعجاز العددي نفسه ضمن أصول وضوابط لغوية ومنطقية وعلمية صحيحة، يمكن أن يستعين بها الباحث لإثبات المعجزة القرآنية وليس بالدجل والشعوذة والتلاعب والزيف الذي أقحم دعاة تقديس الرقم (19) أنفسهم به بدعوى خدمة القران وإظهار آياته الجلية، التي يظهرها الله دائماً بجهد المخلصين والمجاهدين من دعاة الإسلام، قال تعالى: }سنريهم آياتنا في الأفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق أو لم يكف بربك أنه على كل شيء شهيد{ [46].
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75523
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

قبسات من العلوم الكونيه Empty
مُساهمةموضوع: رد: قبسات من العلوم الكونيه   قبسات من العلوم الكونيه Emptyالجمعة 22 يناير 2016, 8:20 am

الأعجاز العددي في القران
لم يكن بحث الدكتور رشاد خليفة حول تقديس الرقم (19) جزءاً من الإعجاز العددي للقران الكريم، فهو محاولة للدعاية للعقائد البهائية والتشكيك بالإسلام ورسالته، وجعل القران أداة لدعم المذهب البهائي المشبوه، ورغم أن هذا البحث قد ظهر قبل ربع قرن في أمريكا وشرقي مصر ولبنان وغيرها، وخدع خلال هذه الفترة عدد من القراء والكتاب وبسبب الجهود التي بذلت لنشره والتبشير به وإضفاء العلمية عليه، وربطه بآلة العصر الفائقة السرعة والدقة، والمحببة للقلوب والنفوس في عصرها الذهبي ألا وهي الحاسبة الإلكترونية، إلا أن ذلك لم يستمر طويلاً حيث أنكشف الزيف والكذب والتلاعب بالمعلومات والنتائج والأعداد لإصناع نتيجة مزيفة تخدم فكرة تقديس الأرقام التي ليس من الإسلام في شيء. وبعد أن تم فضح هذه الأكذوبة وهذه الفتنة الفكرية، بحيث أصبح أمر تقديس العدد (19) في خبر كان، ولا يوجد بيننا من يشك في زيفه إلا جاهل أو مدسوس، يبقى سؤال حول هذا الموضوع وهو هل هناك شيء فيما يخص الظاهرة القرآنية يمكن أن نسميه الإعجاز العددي في القرآن، يضاف إلى أبواب الإعجاز الأخرى، أن الجواب ببساطة هو الإيجاب إذ يمكن لدراسة علمية متأنية هادفة متجردة أن تكشف صوراً مشرقة من الإعجاز العددي في القران الكريم، ذلك لأن هذا الكتاب العزيز الذي هو أصح الكتب المقدسة على الإطلاق قد أنزله الله I على قلب محمد r بسوره وآياته وكلماته وحروفه وتم جمعه وتدوينه بكل دقة وأمانة تدويناً متواتراً تضافر الصحابة على خدمته والعناية به حتى أصبح الكتاب الوحيد في العالم الذي يوجد منه مئات الملايين من النسخ لا تختلف أي نسخة منه عن غيرها.
ولهذا فأن أية دراسة لنصوصه وكلماته وحروفه وأرقامه وأعداده لا بد أن تستخلص لنا نتائج مهمة في مجال التنافس والتناظر والإبداع والجمال والتصوير الفني والحس الموسيقي لكلمات الله المعجزة، ومن ذلك يمكن أن ينشأ الإعجاز العددي للقرآن. 
وفي هذا المجال وأهمية العدد في القران جعلت أحد أصحابي من طلبة الدراسات العليا في الآداب أن يكتب رسالته البحثية لنيل درجة الماجستير، موضوعها وعنوانها (العدد في القران الكريم) وقد حاول هذا الباحث أبراز الإعجاز العددي أسلوبه ومنهجه في التعامل مع العدد، كما أشار كل من مصطفى صادق الرافعي في كتابه (أعجاز القران) وسيد قطب في كتابه (التصوير الفني في القران) إلى موضوع العدد والحرف واللفظ والكلمة والعبارة القرآنية وعلاقتها بالأعجاز البلاغي والمعجزة القرآنية عموماً. كما أشار آخرون إلى ذلك ولكنهم لم يوفقوا تماماً لأنهم خلطوا بين موضوع الإعجاز العددي ومفهومه العلمي والموضوعي الدقيق حسب ما تحدده نتائج البحث العلمي الصحيح وبين غلو البهائية ومن وراءهم من اليهود وأصحاب المصالح وطلاب الشهرة، والمبهورين باستخدام العقل الإلكتروني والحاسوب في معالجة النصوص والوقوف على المكرر من الكلمات والحروف وربطها بالأرقام والأعداد المقدسة عند الملل الأخرى مع شيء من التلاعب والافتعال لإبهار القارئ بنتائج منسقة وغير متوقعة بدعوى خدمة الدين وإثبات الإعجاز القرآني ولكن وفق أسس واهية ومزيفة لأغراض عديدة ومشبوهة. ومن هؤلاء الدكتور مصطفى محمود في كتابه (حوار مع صديق ملحد) و(من أسرار القرآن) ولقد حاول مصطفى محمود متابعاً رشاد خليفة، أن يميز بين الحروف العربية في القران فكان يسمي الحروف التي في فواتح بعض السور الحروف النورانية، لكنه مثل رشاد خليفة لم يشر إلى بقية الحروف تسمى الحروف الظلمانية.
ونحن مع د. مصطفى محمود في متابعة عجائب القران التي لا تنقضي والتي لا نراها تصرف القارئ عن تدبر معاني القرآن الكريم، ولكن الذي لا نوافقه فيه ولا نرضى عليه هو أسلوب التضليل والكذب في موضوع يخص أقدس مقدسات المسلمين وهو القران لأن ظهور الحقيقة فيما بعد يؤدي إلى عكس النتيجة فيكون سبباً من البعد عن القرآن والإيمان برسالة الإسلام على أن مصطفى محمود حينما أومأ إلى التفوق العددي في الحروف النورانية كان يعلم وربما لا يعلم أن الأقدمين قد نوهوا عنها فقد ذكر الزركشي كما ذكرت الدكتورة بنت الشاطئ في كتابها (الإعجاز البياني للقران) حول هذا الموضوع فقال: وذلك أن كل سورة بدئت بحرف منها، فإن أكثر كلماتها وحروفها مماثل له. فحق لكل سورة ألا يناسبها غير الواردة فيها فلو وضع (ق) في موضع (ن) لم يكن لعدم التناسب الواجب مراعاته في كلام الله ورسوله وسورة (ق) بدئت به لما تكرر فيها من الكلمات بلفظ القاف من ذكر: القرآن، الخلق، وتكرار القول، وكذلك سورة (ن والقلم) فان فواصلها كلها على هذا الوزن مع ما تضمنت من الألفاظ النونية.
وممن ماثل مصطفى محمود في متابعة رشاد خليفة حول علاقة القران بتقديس الأرقام ومحاولة وضع القواعد لذلك ولم يصبوا الهدف الأستاذ علي نصوح الطاهر، الذي نحا هذا المنحى أيضاً، وهي طريقة حساب الأحرف والكلمات عددياً للربط بينها وبين رقم أو عدد ما ولكن محاولته كما تذكر بنت الشاطئ لم تسلم له بعد الجهد المضني.
وبالنسبة للأحرف التي ذكرها الله سبحانه في فواتح السور، والتي حاول الكثير من العلماء والكتاب والباحثين الوقوف على تفسير محدد لها سواء تفسير عددي حسابي كما حاول المذكورين أعلاه دونما نتيجة صحيحة أو تفسير أشاري كما حاول المتصوفة والفلاسفة والمتكلمين قديماً وحاول بعضهم أن يستخرج منها أسم الله الأعظم، وحاول آخرين إدخال الموضوع في مجال السحر والشعوذة بعد الاستعانة بتراث الإسرائيليات وغيرها من التراث الخرافي الأسطوري التي ما أنزل الله بها من سلطان ولا أيدتها النصوص الصحيحة سواء عن طريق الوحي (القرآن والسنة) أو التراث الصادق للسلف الصالح من أهل البيت والصحابة ومن على منهجهم وخطاهم من التابعين والأئمة المجتهدين، وغيرها من الآراء والتفاسير الظنية والحدسية، وقد يكون في عدم الاهتداء إلى رأي ثابت فيها هو الانتصار للرأي القائل بأن هذه الحروف من المتشابه الذي لا يعلمه إلا الله.. كما هو رأي أغلب المفسرين قديماً وحديثاً.
أما الدكتور عبد الرزاق نوفل في كتابه (الإعجاز العددي للقران) والدكتور فاضل صالح السامرائي في كتابه (التعبير القرآني) فقد أثريا موضوع المعجزة القرآنية عموماً والأعجاز العددي بشكل خاص بمادة مهمة ومفيدة حين اعتمدا في ذلك على مصادر الأقدمين والمصادر الموثوقة والصحيحة، فيما عدا إشارة الدكتور فاضل السامرائي إلى موضوع علاقة الرقم (19) بفواتح السور وتقديس هذا الرقم الذي يقدسه البهائيون وحاول رشاد خليفة أن يقدم لهم دعاية مجانية أو ربما غير مجانية في كتابه السيئ الصيت والذي أثبت الباحثين خطأ جوهره، وشيوع الكذب والتلاعب المتعمد في الأعداد والنتائج التي أرادها المؤلف مسبقاً، فضلاً عن أن محوره الأساس يعتمد على فرضية أن عبارة (بسم الله الرحمن الرحيم) مكونة من (19) حرفاً بينما الواقع أن عدد حروفها هو (21) حرف، والكتاب عنوانه (معجزة القرآن الكريم) للدكتور رشاد خليفة/ نشر دار العلم للملايين/ بيروت 1983م.
أما ما عدا ذلك فقد قدم الدكتور فاضل زبدة رائعة عن الإعجاز العددي في القران مستنداً على سابقه الدكتور فاضل عبد الرزاق نوفل في كتابه (الأعجاز العددي للقرآن) فضلاً عن مصادر قديمة وعديدة أخرى، كالكشاف للزمخشري/ وملاك التأول/ للغرناطي والبرهان/ للزركشي والبيان والتبيين/ للجاحظ ونحاول أن نوجز بعض ما ذكر:
أن التعبير القرآني تعبير فني مقصود كل لفظة بل كل حرف فيه وضع وضعاً فنياً مقصوداً ولم تراع في هذا الوضع الآية وحدها ولا السورة وحدها بل روعي في هذا الوضع التعبير القرآني كله. ومما يدلل على ذلك الإحصاءات التي يمكن أن تراها حين تعالج النص القرآني بالكمبيوتر كما هو شائع اليوم، فيظهر لك بوضوح أن  القران الكريم قد حسب لكل حرف فيه حسابه، وأنه لا يمكن أن يزاد فيه أو يحذف منه حرف واحد فضلاً عن الكلمة.
ولقد أنتبه القدماء إلى أن السور التي بدأت بالحروف المفردة بنيت على ذلك الحرف فإن الكلمات القافية قد ترددت في سورة (ق) كثيراً والكلمات الصادية ترددت في سورة(ص) كثيراً وهكذا([47])، وجاء في ملاك التأويل للغرناطي في السور التي تبدأ بالأحرف المقطعة:
إن هذه السور إنما وقع في أول كل سورة منها ما كثر ترداده فيما تركب من كلمها([48])، وأستند القدماء أيضاً إلى الإحصاء عند البحث عن سبب بدء سورة (لقمان) بـ (الم) وسورة يونس بـ (الر) بسبب كثرة الميم في كلمات السورة الأولى وكثر الراء في الثانية. كما جاء في ملاك التأويل وغيره وذكر بعض العلماء لطيفة أخرى حول هذه الأحرف في فواتح السور، وهي أن عدد هذه الحروف أربعة عشر حرفاً أي بمقدار نصف حروف المعجم (تقريباً) ترددت في تسع وعشرين سورة بما يماثل عدد حروف المعجم بتميز الهمزة عن الألف وفي هذه الحروف نصف المهموسة ونصف المهجورة ونصف الشديدة ونصف الرخوة ونصف المطبقة ونصف المنفتحة ونصف المستعلية ونصف المنخفضة ونصف المقلقلة .. فسبحان الذي دقت في كل شيء حكمته([49]).
لقد تبين للعلماء والباحثين في الإعجاز العددي والإحصائي أنه لم توضع الألفاظ عبثاً ولا من غير حساب، بل هي موضوعة وضعاً دقيقاً بحساب دقيق.
قال تعالى:
 )ولقد صرفنا في هذا القران من كل مثل، وكان الإنسان أكثر شيء جدلا{ [50].
لقد تبين لهؤلاء الباحثين:
أن (الدنيا) تكررت في القران الكريم بقدر (الآخرة) فقد تكرر كل منها 115 مرة.
وإن (الملائكة) تكررت بقدر (الشياطين) فقد تكرر كل منها 88 مرة.
وإن (الموت) ومشتقاته (ميت، مات، .. ) تكرر بقدر الحياة فقد تكرر كل منها 145 مرة. وهل الموت إلا للأحياء؟
وإن (الصيف) والحر تكررا بقدر لفظ الشتاء والبرد فقد تكرر كل منهما خمس مرات.
وأن لفظ السيئات ومشتقاتها قد تكررت بقدر لفظ (الصالحات) ومشتقاتها فقد تكرر كل منهما، 167 مرة .
وإن لفظ (الناس) تكرر بعد لفظ (الرسل) فقد تكرر كل منها (241)مرة. وهل الرسل إلا للناس؟
وأن لفظ (الكفر) تكرر بقدر لفظ (الإيمان) فقد تكرر كل منها 17 مرة. وتكرر لفظ (كفراً) بقدر لفظ (إيماناً) بقدر (Cool مرات([51]).
وأنه تكرر لفظ إبليس بقدر لفظ (الاستعاذة) بقدر (11) مرة.
وأن ذكر الكافرين تكرر بنفس عدد النار، وهل النار إلا للكافرين؟
وإن ذكر (الحرب) تكرر بعدد الأسرى، وهل الأسرى إلا من أوزار الحرب ؟
وإن لفظ قالوا تكرر (332) مرة وهو بقدر تكرار كلمة (قل) الذي هو أمر من الله إلى خلقه فسبحان من قال (قل) (332) مرة فكان، القول (332) مرة.
وأن لفظ (الشهر) تكرر 12 مرة بعدد شهور السنة.
وأن لفظ (اليوم) تكرر 365 مرة بعدد أيام السنة. وأن لفظ الأيام تكرر (30) مرة بعدد أيام الشهر([52]).
ومن يدري ماذا سيجدّ بعد في دراسات القرآن الكريم وماذا سيرى الناس من عجائبه فإن القران كما قال رسول الله r لا تنقضي عجائبه قال تعالى:
 }قل لئن اجتمعت الأنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القران لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيراً{ [53].
وقال النبي r: أن هذا القران مأدبة الله فأقبلوا مأدبته ما استطعتم.
أن هذا القران حبل الله  والنور المبين والشفاء النافع: عصمة لمن تمسك به ونجاة لمن أتبعه لا يزيغ فيستعتب ولا يعوج فيقوم ولا تنقضي عجائبه ولا يخلق من كثرة الرد أتلوه فإن الله يأجركم على تلاوته كل حرف عشر حسنات([54]).
وقال الوليد بن المغيرة وهو على كفره في القران بعد أن سمعه والله أن لقوله حلاوة وأن عليه لطلاوة وأنه ليعلو وما يعلى عليه([55]).
وهكذا نجد أن الإعجاز العددي للقران هو أحد الأوجه العديدة للمعجزة القرآنية وهو أعجاز لا يزال أمامه الباب مفتوحاً مقارنة مع أنواع الإعجاز الأخرى، بعيداً عن لوثة تقديس الأرقام التي حاول الغلاة والبهائيون وأعداء الإسلام دسها ضمن مواضيع الإعجاز القرآني بغية تشويهها والتشكيك بها من جهة، والدعوة إلى مذاهب وتيارات لا تمت إلى الإسلام وعلوم القران بصلة، ولكن ذلك النهج الخاطئ قد ولد حالة معاكسة حيث دفع الباحثين والعلماء للعمل الدؤوب والتدقيق العميق لخدمة القران وتعضيد أي طرح أو فكرة لها صلة بمواضيع الإعجاز وزاد من جهدهم لاستقصاء عجائب القران ودلائل النبوة، ومتابعة معالم المعجزة القرآنية في كل صورها، فتتوج عملهم بترصين الإعجاز البلاغي الذي اشتهر به القران وإظهار درر الإعجاز العلمي الحديث في كافة فروع العلم ومنها الفلك والطب والتشريع والتاريخ والآثار فضلاً عن الإعجاز العددي الذي هو أحد ثمار وفروع الإعجاز البلاغي والفني للقران وقد تضمن هذا الجهد المبارك مزيداً من استخدام الوسائل المعاصرة لتنبيه صرح الإعجاز المعاصر وأبرزها استخدام الحاسبات والمعاجم، وأجهزة الفحص سواء الفلكية أو الدقيقة (المجهر الإلكتروني). فاضحين في نفس الوقت التزييف والتآمر على الإعجاز القرآني سواء في مسألة تقديس الأرقام المشار إليها، أو مسألة الشعر الجاهلي التي آثار فتنة التشكيك بصحته المستشرقون في مطلع هذا القرن للوصول إلى هدف التشكيك في الإعجاز البلاغي للقران الذي كان الشعر الجاهلي يُعدّ ابرز ركائزه، والمقياس الأمثل لبلاغة القران باعتبار الشعر الجاهلي أبلغ كلام عربي وصلنا من تراث العرب في عصر الرسالة وما قبله إذ كان العرب حينذاك في قمة الفصاحة والبلاغة، فإذا نجحوا في التشكيك بهذا التراث الأصيل أمكن التشكيك ببلاغة القران المعجزة، لكنهم فشلوا في ذلك كما فشلوا في غيره، والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75523
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

قبسات من العلوم الكونيه Empty
مُساهمةموضوع: رد: قبسات من العلوم الكونيه   قبسات من العلوم الكونيه Emptyالجمعة 22 يناير 2016, 8:21 am

فصل الثاني
بشارات الكتب المقدسة
 بظـهـور نـبـي الإسـلام



الهيمنة القرآنية على الكتب المقدسة


قال تعالى: }وأنزلنا إليك الكتاب بالحق مصدقاَ لما بين يديه من الكتاب ومهيمناَ عليه فاحكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم عما جاءك من الحق لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا{ [56].
في هذه الآية المباركة والآيات التي تليها في سورة المائدة يتمثل الحق في صدوره من جهة الإلوهية، وهي الجهة التي تملك حق تنزيل الشرائع، وفرض القوانين للبشر، ويتمثل الحق في محتوياته، وفي كل ما يعرض له من شؤون العقيدة والشريعة، وفي كل ما يقصه من خبر، وما يحمله من توجيهه }مصدقاً لما بين يديه من الكتاب ومهيمناً عليه{فهو الصورة الأخيرة لدين الله، وهو المرجع الأخير في هذا الشأن، والمرجع الأخير في منهج الحياة وشرائع الناس، ونظام حياتهم.
ومن ثم فكل اختلاف يجب أن يرد إلى هذا الكتاب ليفصل فيه سواء كان هذا الاختلاف في التصور الاعتقادي بين أصحاب الديانات السماوية، أو في الشريعة التي جاء هذا الكتاب بصورتها الأخيرة، أو كان هذا الاختلاف بين المسلين أنفسهم، والمرجع الذي يعودون إليه بآرائهم في شأن الحياة كله هو هذا الكتاب، ولا قيمة لأراء الرجال ما لم يكن لها أصل تستند أليه من هذا المرجع الأخير. لقد كُمل هذا الدين، وتمت به نعمة الله على المسلمين، ورضيه الله لهم منهج حياة للناس أجمعين، ولم يعد هنالك من سبيل لتعديل شيء منه أو تبديلهِ، ولا لترك شيء من حكمهِ إلى حكم أخر، ولا شيْ من شريعتهِ إلى شريعة أخرى، وقد علم الله حين رضيه للناس أنه يسع الناس جميعاً، وعلم الله حين رضيه مرجعاً أخيراً، أنه يحقق الخير للناس جميعاً، وأنه يسع حياة الناس جميعاً، إلى يوم الدين…
أما الهيمنة القرآنية، وهينة القرآن على الكتب السماوية التي سبقتهُ فيمكن تتبعها في محاور كثيرة، سواء في صحتهِ المطلقة وتواتر تدوينهِ وخلوهِ من التحريف، واختصاصه بالحفظ من ذلك، وأعجازهِ البلاغي والعلمي والتاريخي والحسي (النبوات) والتشريعي، ومهيمناً عليه أي مؤتمناً عليه وحاكماً على ما قبله من الكتب، قال الزمخشري: أي رقيباً على سائر الكتب، لأنه يشهد لها بالصحةِ والثباتِ([57])، وفي ابن كثير: اسم المهيمن يتضمن ذلك، فهو أمين وشاهد وحاكم على كل كتاب قبله، جمع الله فيه محاسن ما قبله وزادهُ من الكمالات ما لم ينزل في غيرهِ([58]).
وليس أدل على هيمنة القرآن الكريم على الكتب المقدسة الأخرى من أنه دستور المسلين ولا يوجد له نظير وشبيه في الكتب الأخرى، وأن المصحف الذي لدى المسلمين هو واحد لم يتغير ولم يتبدل منذ أن نزل على صدر محمد  rحتى اليوم، ولا توجد نسخة في العالم الإسلامي والعلم أجمع لا تشابه النسخ الأخرى، بينما تعددت نسخ التوراة بين العبرية والسريانية واليونانية (السبعينية) وتعددت النصوص والروايات في النسخة الواحدة فهناك الرواية الإيلوهيمية  والرواية اليهوية والرواية الكهنوتية وغيرها، أما الأناجيل فالقانونية منها التي اتفق عليها بعد القرن الرابع الميلادي هي أربعة: إنجيل لوقا ومتي ويوحنا ومرقس، مع مئات أخرى لم يعترف بها وأهملت بسبب عدم تبني الكنيسة لها عبر التاريخ، وحتى هذه الكتب تعدل وتبدل وتحدث كل فترة من الزمن لمعالجة التناقضات والتعارضات، وحسب ما تراه الفرق والطوائف التي تدين بها. وأما القرآن الكريم فأنه رغم تنحي المسلمون عن موقع الصدارة بين الأمم وانحطاطهم في القرون الأخيرة، مازال كتابهم هو الزاد والمنهل لدعاة المبادئ والأخلاق  والحضارة والتطور في كافة الميادين الحضارية والعلمية والاجتماعية، وتراث حضارة القرآن سواء في بغداد ومصر والأندلس هو التراث الثر الذي يقبل عليه أصحاب المبادئ والمنشدون لتحرير البشر من طغيان أقرانهم واستضعافهم واسترقاقهم، مستلهمين قول أحد تلامذة القرآن وهدي نبي الإسلام، وهو الصحابي والخليفة عمر t وهو يقول: متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً.
كما نجد من معالم الهيمنة القرآنية على الكتب المقدسة، هيمنة قصص القرآن وشمولها وتوافقها مع معطيات العلم الحديث بدرجة مذهلة مقارنة مع الأخطاء العلمية والتاريخية التي نجدها في التوراة والأناجيل الموجودة حالياً. ورغم ذلك التحريف نجد من ملامح الهيمنة القرآنية تلك البشارات العظيمة برسالة الإسلام ونبيه وظهورهِ وانتصارهِ مصدقاً لقوله تعالى في القرآن الكريم:
 }الذين يتبعون الرسول النبي الأمي الذي يجدونهِ مكتوباً عندهم في التوراة والإنجيل يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث ويضع عنهم إصرهم والأغلال التي كانت عليهم{ [59].. وقال تعالى: }وإذ قال عيسى ابن مريم يا بني إسرائيل أني رسول الله إليكم مصدقاَ لما بين يدي من التوراة ومبشراً برسول يأتي من بعدي أسمه أحمد فلما جاءهم بالبينات قالوا هذا سحر مبين{ [60]. وقال: }الذين أتيناهم الكتاب يعرفونه كما يعرفون أبنائهم{ [61].
والدارس للنصوص التاريخية التي تتحدث عن فترة ما قبل البعثة وأثنائها يلاحظ أن الناس الذين كانت لديهم صله بكتاب سماوي، كان واضحاً في أذهانهم أنه سيبعث نبي، وكانوا يترقبون ظهوره وأن بعضاً من علمائهم قد أعلن إسلامه بمجرد اجتماعهِ بهذا النبي وهو الرحمة المهداة محمد r.
فمن ذلك قصه سلمان الفارسي t المشهورة كما تذكرها كتب السيرة وتنقّله من عالم إلى عالم في النصرانية، إذ كان سلمان من أبناء الكهنة المجوس عبدة النار، فهجر دين قومه وهرب من فارس إلى شمال العراق (الموصل) ثم تركيا ثم دخل أرض الشام (دمشق)، فكان يبقى في خدمة راهب حتى إذا مات أوصاه قبل موته أن يذهب إلى راهب أخر وهكذا، حتى دله أخرهم على الترقب لنبي كاد أن يبعث من أرض العرب وأعطاه دلائل نبوته وكان ذلك سبب مجيئه إلى أرض العرب وسكناه المدينة المنورة. ومن ذلك قصة هرقل مع أبي سفيان في بلاد الشام حين كان قائداً للشرك في مكة ضد دعوة المصطفى r  فسأل هرقل وهو الحاكم الرومي في بلاد الشام أبا سفيان عن النبي r وصفاتهِ، فقال هرقل في أخر اللقاء: وقد كنت أعلم أنه خارج نبي ولم أكن أعلم أنه منكم[62].
ومن ذلك ما ذكرته صفية بنت حيي زوج النبي r عن أبيها وعمها اليهوديين، فقالت: سمعت عمي أبا ياس يقول لأبي (حيي بن أخطب) أهو هو؟ أي المبشر به في التوراة، قال نعم والله، قال: أتثبتهُ وتعرفهُ؟ قال: نعم، قال: فما في نفسكَ منه؟ قال: عداوتهِ ما بقيتُ أبداً.
ومن ذلك قصة إسلام عبد الله بن سلام (الذي كان كاهن يهودي) حيث يروي ابن إسحاق قصة إسلامه، وكان حبراً عالماً، حيث أستقبل النبي في هجرتهِ من مكة إلى المدينة، وكبر للهِ فرحاً حين رآهَ وهو في رأس نخلة كان يعمل فيها، فنهرتهَ عمته خالدة بنت الحارث، وقالت: والله لو كنت سمعت بموسى بن عمران قادماً ما زدتَ، قال أبن سلام: أي هو والله أخو موسى بن عمران وعلى دينهِ بُعث بما بُعث بهِ،  فقالت: فذاك إذاً ؟ قال: ثم خرجتُ إلى رسول الله r فأسلمتُ ثم رجعت إلى أهلِ بيتي فأمرتهم فأسلموا.
ومن ذلك قصة النجاشي ملك الحبشة وموقفهُ من الصحابة الذين هاجروا إلى الحبشةِ، وقوله لجعفر بن أبي طالب أمير مهاجري الحبشة بعد نقاشٍ وعرضٍ، عندما أوفدت قريش عمارة بن الوليد وعمرو بن العاص لإخراجهم: أشهد أنهُ رسول اللهِ، وأنه المبشر به عيسى في الإنجيل. وقد أشتهر حديث اليهود للأوس والخزرج عن خروج نبي وكان ذلك من جملة العوامل التي جعلت هذا الاستعداد الكبير للأوس والخزرج للأيمان بدعوة الرسول r ورسالتهِ بعد أن هجرهُ قومهُ وحاربوه.
أما البشارات الموجودة في التوراة والإنجيل عن النبي محمد -rرغم التحريف الذي أصاب الكتب المقدسة- فهي كثيرة وقد استخرجها العلماء من هذه الكتب، وليس هذا مجال أستعرضها، ولكن يمكن أن نشير إلى بعض منها.
ومن ذلك ما جاء في العهد القديم: أن النبي محمدا هو المقصود في سفر التثنية -إصحاح 33: جاء الرب من سيناء وأشِرف لهم من سعير، وتلألأ من جبل  فاران وأتى من ربوات القدس وعن يمينهِ شريعة لهم.و جاء في النص العبري ما ترجمتهُ : أنه الرب جاء من سيناء ونهض من سعير لهم وسطع من جبل فاران، وجاء مع عشرة آلاف قديس، وخرج من يمينهِ نار شريعة لهم. والمعلوم عند الجميع أن فاران هي مكة، والشواهد القديمة تشير إلى وجود فاران في مكة، وقد قال المؤرخ جيروم واللاهوتي يوسيفوس: أن فاران بلد عند العرب على مسيرة ثلاثة أيام إلى الشرق من أيله، ونقل مولانا عبد الحق فديارتي في كتابهِ القيّم (محمدٌ في أسفار الدينية والعالمية) عن ترجمة التوراة السامرية التي صدرت في سنة 1851: أن إسماعيل سكن برية فاران وأخذت له أمهُ امرأة من أرض مصر. كما أن سفر العدد في العهد القديم يفرق بوضوح بين أرض سيناء وأرض فاران،  إذ جاء فيه إن بني إسرائيل ارتجلوا من برية سيناء، فحلّت السحابة في برية فاران. و لم يحدث قط أن نبياً سار بقيادة عشرة آلاف قديس (صحابي) غير النبي محمد r، كما لم يحدث أن نبي قط جاء بشريعة متكاملة بعد موسى u غير محمد r، وفي ذلك تقول التوراة عن موسى u: أن نبياً مثلي سيقيم لكم الرب إلهكم من أخواتكم أبناء إبراهيم. وهذا يصدق على النبي العربي صاحب الشريعة ولا يصدق على نبي من أبناء إبراهيم تقدمهُ من الزمن([63]).




بشارات الكتب المقدسة بنبي الإسلام
إن القرآن الكريم يذكر بوضوحٍ في العديد من سورهِ وآياتهِ إن الكتب السماوية السابقة قد بشرت بمحمد r فإذا علمنا بأخبار القرآن بذلك وبأيمان الكثير من أهل الكتاب في عصر الرسالة بنبوة محمدr ورسالتهِ،  كقصة سلمان الفارسي وإسلام عبد الله بن سلام وإسلام ملك الحبشة النجاشي وموقفهُ المساند للمهاجرين من السابقين من الصحابة في العصر المكي، فما على الباحث إلا أن يبحث في الكتب المقدسة -رغم تعرضها للحذف والتحريف والتبديل والإضافة- وسيجد الكثير من هذه الإشارات والبشارات بظهور المصطفى r وانتصار دينهِ ودولتهٍ على باقي الأديان والدول. وسيرى أن الأخبار الواقعة بحق محمدr موجودة وكثيرة إلى حد الآن.
ونحاول أن ننقل في هذا الباب عن الكتب المعتبرة عندهم بعض البشارات الواضحة مستثنين بعض البشارات ذات الدلالات المكررة والبشارات الثانوية وهي كثيرة طلباً للاختصار:


بشارات العهد القديم بنبي الإسلام


البشارة الأولى
جاء قي سفر التكوين/ إصحاح 21:
(نادى ملاك الله هاجر من السماء وقال لها :ما لكِ يا هاجر؟ لا تخافي لأن الله قد سمع صوت الغلام حيث هو: قومي احملي الغلام وشدي يدك بهِ لأني سأجعلهُ أمةً عظيمة، وكان الله مع الغلام وسكن في البرية، وكان ينمو رامي قوسى وسكن في برية (فاران) وأخذت له أمهُ زوجةً من أرض مصر).
والغلام المذكور هو إسماعيل كما جاء في سفر التكوين/ 16.
(فولدت هاجر لإبرام أبناً، ودعا إبرام أسم أبنهِ الذي ولدتهُ هاجر إسماعيل) وإبرام هو إبراهيم في سفر التكوين/ 17.
(فلا يدعى اسمكَ بعد (إبرام) بل يكون اسمكَ (إبراهيم) )، وإسماعيل هو أبو العرب العدنانيين وهو جد النبي محمد r ، فسمى النص أعلاهُ أمة محمد عظيمة.
وجاء في سفر التكوين / 17:
(وأما إسماعيل فقد سمعتُ لكَ منهَ وأنا أباركهُ وأكثرهُ كثيراَ جداَ). وفي النص العبراني يختم النص بكلمة (بمادماد)، ويفسر أبن القيم الكلمة (بمادماد) (بمحمد) أي (أكثرهُ بمحمد) فأن الباء تمنع ما ذكرهُ المترجمون من أن المعنى (بجداً جداً) فأنه لا يُقال: وأكثرهُ بجداَ جداً، بخلاف أعظمهُ بمحمد وإن (مادماد) هي أقرب كلمة إلى أسم (محمد) r.


البشارة الثانية
جاء في سفر التثنية/ إصحاح 18:
(أقيم لهم نبياً من وسط إخوتهم مثلكَ، وأجعل كلامي في فمهِ فيكلمهم بكل ما أوصيهِ بهِ،  ويكون إن الإنسان الذي لا يسمع لكلامي الذي يتكلم بهِ باسمي أنا أطالبهُ،  وأما النبي الذي يطغي فيتكلم باسمي كلاماً لم أوصيه أن يتكلم بهِ أو الذي يتكلم باسم إلهة أخرى فيموت ذلك النبي).
في هذا النبي أمارات توضح هذا النبي المبشر به وهو محمد r منها:
أ-قولهِ ((أقيم لهم نبياً من وسط أخوتهم)) ولم يقل منهم أي ليس من بني إسرائيل وأخوتهم هم بنو إسماعيل أو العرب،  قال تعالى:
 }لقد من الله على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولا من أنفسهم{ [64] ولم يقل من أخوتهم فدل على أن المقصود أن النبي الذي يقيمهُ الله من وسط بني إسماعيل، وهو محمد r،  وهو أوسط العرب نسبا..ً أي أحسنهم،  كما قال المغيرة بن شعبة للمقوقس حاكم مصر حين سألهُ: كيف نسبه في قومهِ؟ قال: هو أوسطهم نسباً!
ب- قولهِ (مثلكَ) أي صاحب شريعة مثل موسى، ولم يقم في بني إسرائيل نبي مثل موسى كما جاء في سفر التثنية / 34.
جـ- قولهِ ((أجعل كلامي في فمهِ فيكلمهم بكل ما أوصيهِ بهِ)) أي يكون أمياً يقرأ كتاب الله في فمهِ لا من الصحف التي تنزل عليهِ ألواحاً،  كما أنزل التوراة على موسى، فأنها نزلت مكتوبة في الألواح [الخروج/31]. وقال تعالى: }وكتبنا لهُ في الألواح من كلِ شيءِ موعظةً وتفصيلاً لكل شيءٍ{ [65].
وهو مصداق قولهِ تعالى:
}الذين يتبعون الرسول النبي الأمي الذي يجدونهِ مكتوباُ عندهم في التوراة والإنجيل{ [66].
د- وقولهِ: (الذي لا يسمع لكلامي الذي يتكلم باسمي أنا أطالبهُ) وهذه علامة من علامات صدق رسول الله r فقد أنتقم الله من الذين حاربوهُ ولم يسمعوا لكلام الله الذي تكلم بهِ من المشركين ومن أهل الكتاب فتحققت هذه النبوءة.
هـ- وقوله: ((وأما النبي الذي يطغي… أو الذي يتكلم باسم آلهة أخرى فيموت ذلك النبي)) والنص الأصلي للعبارة: فأما النبي الذي يجترئ الكبرياء ويتكلم في اسمي ما لم أمرهُ بأنهُ يقول، أمر باسم آلهة أخرى فيقتل)) وقد بدلوها إلى (يموت) لسبب معروف. وهذه آية من آيات صدق محمد r فأنه لم يُقتل على كثرة المحاولات، وهي مصداق قولهِ تعالى:
 }ولو تقول علينا بعض الأقاويل لأخذنا منه باليمين ثم لقطعنا منهُ الوتين{ [67].
   أن سبب تبديل كلمة (فيقتل) بكلمة (فيموت) من قِبل النساخ والطباعين النصارى، لأن عيسى قُتل وصلب كما يزعمون،  وهم يريدون أن يفسروا هذا النص بحق عيسى بدون دليل معقول، ذلك لأن عيسى u من بني إسرائيل وليس من إخوتهم،  وهم يزعمون أنه إله، فهو ليس مثل موسى حيث هو نبي وصاحب شريعة، فضلاً عن عقبهِ قتله الذي زعموهُ،  فلم يجد نفعاً تغيير الكلمة إلى (فيموت) لأن كل إنسان يموت، فتصبح العبارة غير ذات معنى،  في حين أن النص يذكرها في باب العقاب والتوعد الإلهي للنبي الكاذب فتأمل.


البشارة الثالثة
البشارة الثلاثة جاء في سفر التثنية / 33:
(جاء الرب من سيناء وأشرق لهم من سعير وتلألأ من جبل فاران وأتى من ربوات القدس وعن يمينهِ نار شريعة لهم).
وفي طبعة رتجارد واطس في لندن سنة 1822م:
(جاء الرب من سيناء وأشرق لنا من ساعير، واستعلن من جبل فاران،  ومعهُ ألوف الأطهار من يمينهِ سنة النار).
وهذا النص بشكليهِ ينطبق انطباقاً تاماً على سيدنا محمد r،  فقد هذه البشارة مواطن الرسالات الثلاث.  فقد ذكرت (سيناء) وهو الجبل الذي كلم الله تعالى عليهِ موسى u، و(ساعير) جبل في أرض الخليل وهو موطن عيسى uو(فاران) وهي جبال مكة وأرض مكة بشكل عام، كما هو معلوم من كتب اللغة وكتب أهل الكتاب([68]).
فذكر النص أن الرب استعلن من جبل فاران أي من جبل مكة،  وهذا ما حصل فقد نزل الوحي على سيدنا محمد من أعلى جبال فاران وهو حراء الذي فيهِ غار حِراء. كما قال (ومعه ألوف الأطهار)، وهذا على محمدr وأصحابه، فقد كانوا ألوفاً أطهاراً، قال تعالى في وصف أصحابه:
 }فيهِ رجال يحبون أن يتطهروا والله يحب المتطهرين{ [69].
جاء في (الأجوبة الفاخرة): سيناء هو الجبل الذي كلم اللهُ تعالى فيهِ موسى uوساعير هو جبل الخليل في الشام، وكان المسيح u يتعبد فيه ويناجي ربه، وفاران هو جبل بني هاشم الذي كان محمد r يتحنث فيه ويتعبد… وفاران مكة باتفاق أهل الكتاب.و قال :وعلى ذلك يكون قد ذكر الجبال الثلاثة.. وذلك المكان (الذي فيه غار حراء) يسمى فاران إلى هذا اليوم، والبرية التي بين مكة وطور سيناء تسمى برية فاران، ولما كان النص يشير إلى ظهور نبي من فاران بعد عيسى، عُلم أن ليس المراد باستعلانه جبل فاران إلا إرسال محمد r. وقد علم بالتواتر وباتفاق الأمم أن إسماعيل إنما ربى بمكة هو وأبوهُ إبراهيم بنيا البيت، فعلم قطعاً أن فاران هي أرض مكة([70]).
وقال الماوردي: وإشراقهُ من ساعير إنزاله الإنجيل على عيسى لأنه كان سكن ساعير أرض الخليل في قرية الناصرة، واستعلائه من جبال فاران إنزالهُ القرآن على محمد r وفاران هي جبال مكة في قول الجميع.
و ذكرت التوراة: وسكن (إسماعيل) في برية فاران وأخذت له أمه زوجة من أرض مصر [التكوين /21] ومعلوم أن إسماعيل سكن مكة بالإجماع وفي التوراة السامرية التي صدرت سنة 1851 إن إسماعيل: (سكن برية فاران بالحجاز وأخذت له أمه امرأة من أرض مصر).
وفي ذلك قال تعالى في القرآن الكريم:
 }التين والزيتون وطور سينين وهذا البلد الأمين{ [71] فذكر التين والزيتون هما موطن عيسىu وكثيراً ما تردد في الإنجيل ذكر جبل الزيتون، وذكر طور سيناء وهو الذي كلم الله عليهِ موسى u، وذكر مكة وقال هذا البلد الأمين مجمع المواطن الثلاث كما في نص التوراة.


البشارة الرابعة
وجاء في سفر أشعيا / إصحاح 21:
(وهي على الغرب من بلاد العرب في الوعر في بلاد العرب، تبيتين يا قوافل الردانيين، هاتوا ماءً لملاقاة العطشان يا سكان أرض تيماء وأوفوا الهارب بخبزه، فأنهم من أمام السيوف قد هربوا من أمام السيف المسلول، ومن أمام القوس المشدودة ومن أمام شدة الحرب، فأنه هكذا قال لي السيد في مدة سنة كسنة الأجير يفنى كل مجد قيدار، وبقية عدد قس أبطال بني قيدار تقل لان الرب إله إسرائيل قد تكلم).
وهذا النص فيه دلالة صريحة على نبوة محمد r فقد نزل الوحي على محمد في الوعر في بلاد العرب في غار حراء، وهو جبل وعر ولم ينزل في السهل كما ذكرت البشارة هجرة محمد من مكة إلى المدينة، وتيماء من أعمال المدينة إلى الشرق منها وإشارة الهرب من أمام السيوف المشدودة وشدة الحرب تصور اجتماع قريش لقتل النبي فأنجاه الله منهم وقد حاربته قريش حرباً شديدةً لا هوادة فيها مدة ثلاثة عشر عاماً.
ثم يشير النص إلى غزوة بدر التي وقعت بعد سنة واحدة من الهجرة وذكر انتصار الرسول r فيها، وبنو قيدار هم العرب كما هو معلوم لأن قيدار هو ابن إسماعيل.[72]
وجاء في (الفارق): أن هذه النص إشارة هجرة الرسول من مكة إلى المدينة واستقبالهم له وإضافتهم إياه وقيامهم بخدمته، وخص أهالي تيماء لأنهم صالحوا النبي r، وتيماء هي في وادي القرى من أعمال المدينة كما ذكر ياقوت الحموي في معجمه.


     البشارة الخامسة
جاء في سفر أشعيا/ الإصحاح 9:
(يولد لنا ولد ونعطي ابناَ وتكون الرياسة على كتفه ويدعى اسمه عجيباً مشيراً إلهاً قديراً أباً أبدياً رئيس السلام، لنمد رياسته وللسلام لا نهاية على كرسي داود وعلى مملكته، ليثبتها ويعضدها بالحق والبرّ من الآن إلى الأبد).
في هذا النص التوراتي إشارات إلى محمد r من وجوه:
1-  قوله: (وتكون الرياسة على كتفه) ويعني بهذا خاتم النبوة الذي على كتف النبي محمد r، وفي النسخ القديمة (والشامة على كتفه) وهي علامة بدنية جعلها الله في بدنه زيادةً في التوضيح فضلاً عن علامات أخرى، عن جابر بن سمرة قال: رأيت خاتماً على ظهر رسول الله r كأنه بيضة حمام[73]. وفي قصة إسلام سلمان الفارسي الذي كان يبحث عن أدلة نبوته التي ذكرها له أحد علماء النصارى الذين خدمهم، كان أحدها خاتم النبوة في ظهره حين كشفه له النبي r فأسلم.
2-  وقوله: (ويدعى اسمه عجيب)، أي ليس له نظير بين الأسماء سواء عند أهل الكتاب أو حتى عند قومه الذين عجبوا من عبد المطلب حين سماه بهذا الاسم.
3- قوله: (مشيراً إلها قديراً)، وفي طبعة لندن 1822: (مشاوراً لله) أي لا يقول من نفسه ولا يصدر عن هوى كما قال تعالى: }وما ينطق عن الهوى{[74].
4-  (أباً أبدياً)، أي لا تنقضي طاعته ولا تنسخ شريعته إلى الأبد، وهذه هي شريعة محمد r خاتم الأنبياء.
5-  قوله: (رئيس السلام) أي يقر السلام ويدعمه وينشره، ودور النبي محمد r في ذلك مشهود، وكذلك فإن دين الإسلام مشتق من لفظ السلام، وتحية الإسلام هي (السلام عليكم). وهناك آيات عديدة تدعو إلى السلام والجنوح للسلم، قال تعالى تأكيداً لمعنى السلام ومنع الإكراه: }لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي{ [75]. وكان نصارى الشام وغيرهم ينعمون ويأمنون في ظل الإسلام ما لم ينعموا في ظل نصارى الروم، ولذلك قالوا للمسلمين: (أنتم أحب إلينا من الروم وإن كانوا على ديننا).
6-  أما المقطع الأخير فيشير إلى أن القدس تكون جزءً من مملكته، وهو يقيمها يعضّدها بالإنصاف والعدل، فإن القدس وفلسطين أصبحت جزءً من دار الإسلام وآفاقها وعضّدها وستكون كذلك إلى الأبد. وأما سيطرة اليهود الحالية فهو سيطرة مؤقتة كسيطرة الصليبيين، كما تنبأ الرسول الكريم عن مقاتلة المسلمين اليهود والانتصار عليهم، حتى يقول الحجر والشجر: يا مسلم هذا يهودي خلفي تعال فاقتله.


البشارة السادسة
جاء في سفر التثنية / إصحاح 32
(هم أغاروني بما ليس إلهاً. أغاظوني بأباطيلهم. فأنا أغيرهم بما ليس شعباً. بأمةٍ غبية أغيظهم)، وفي طبعة أخرى:
(وهم أغاروني بغير إله وأغضبوني بمعبوداتهم الباطلة، وأنا أيضاً أغيرهم بغير شعبٍ وبشعب جاهلٍ أغضبهم).
والمراد بالشعب الجاهل (العرب)، وقد كان يسمى عصر ما قبل الإسلام بالجاهلية. قال تعالى: }هو الذي بعث في الأميين رسولاً منهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين{ [76].


البشارة السابعة
جاء في سفر حزقيال:
(قال حزقيال في نبوته يتهدّد اليهود: إن الله مظهرهم عليكم وباعث فيهم نبياً، وينزّل عليهم كتابا، ومملكهم رقابكم، فيقهرونكم ويذلونكم بالحق، ويخرج رجال بني قيدار في جماعات الشعوب معهم ملائكة على خيل بيض متسلحين فيحيطون بكم وتكون عاقبتكم إلى النار). وقد نقله صاحب (الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح) عن النبي دانيال، وجاء فيه: وقال: تنزل الملائكة على خيل بيض. وهذا ما جاءت به الآثار والأخبار المتواترة إن الملائكة كانت تنزل على خيل بيض، فإنها نزلت يوم بدرٍ لنصرة النبي r وأمته، ونزلت يوم الأحزاب، وأحاطت ببني قريظة، كما تحدث القرآن، قال تعالى في وقعة بدر: }إذ تستغيثون ربكم فاستجاب لكم أنّي ممدكم بألف من الملائكة مردفين{ [77]، وقال في الأحزاب: }فأرسلنا عليهم ريحاً وجنوداً لم تروها{ [78].


البشارة الثامنة
جاء في سفر ملاخي / إصحاح 4:
(ها أنذا أرسل إليكم إيلياء النبي قبل مجيء يوم الحرب العظيم والمخوف، فيرد قلب الآباء على أبناء وقلب الأبناء على آبائهم لئلا آتي وأضرب الأرض بلعن). و(إيليا) ليس علماً على شخص، بل هو رمز كما جاء في (إنجيل مرقس/ إصحاح Cool.
ونحن نرى أن المقصود بإيلياء محمد r لأمور منها:
1-  قوله (ها أنذا أرسل إليكم إيلياء النبي قبل مجيء يوم العظيم المخوف) ومحمد خاتم النبيين، وهو قد أرسل بين يدي الساعة كما هو معلوم.
2-  قوله (فيرد قلب الآباء على الأبناء…) هذه صفة محمد r الذي ردّ قلب الآباء على الأبناء فمنع قتل الأولاد خشية الفقر، ومنع وأد البنات وأمر بتربيتهم وتعليمهم. وردّ قلب الأبناء على الآباء، فجعل طاعة الوالدين بعد طاعة الله. وأمر بحسن صحبتهما ولو كانا مشركين.
3-  إن إيلياء رمز عن أحمد، حسب طريقة بني إسرائيل في حساب أحرف الكلمات، وإذا حسبنا قيمة حروف إيلياء وأحمد نجد أن كلا منهما ثلاثة وخمسون، وكان من طبيعة بني إسرائيل إخفاء الاسم برمزه بما يكافئه في حساب الأبيجاد.


البشارة التاسعة
جاء في سفر أشعيا / إصحاح 42:
(لترفع البرية ومدنها صوتها، الديار التي سكنها قيدار، لتترنم سكان سالع. من رؤوس الجبال ليهتفوا، ليعطوا الرب مجدا ويخبروا بتسبيحه في الجزائر).
يشير هذا النص بوضوح إلى بلاد العرب وهي الديار التي سكنها قيدار وطلب فيها أن تبتهج. ثم ذكر المدينة المنورة، فقال: (لتترنم سكان سالع) وسالع هو (سلع) وهو جبل في باب المدينة لا يزال يحمل نفس الاسم.
وهكذا من خلال متابعة بشارات التوراة التي ذكرت أعلاه، فإننا نرى أن الكتب السماوية ذكرت اسمه ونشأته ومكان نزول الوحي وهجرته وخصّ المدينة بالذكر لأنها دار هجرته ومستقره، فهل هناك بشارات وإشارات أوضح من ذلك رغم التبديل والتحريف والحذف والإضافة والتغيير التي تعرضت لها الكتب المقدسة قبل ظهور الإسلام وبعده عبر القرون؟!.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75523
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

قبسات من العلوم الكونيه Empty
مُساهمةموضوع: رد: قبسات من العلوم الكونيه   قبسات من العلوم الكونيه Emptyالجمعة 22 يناير 2016, 8:22 am

بشارات العهد الجديد (الإنجيل) بنبي الإسلام


أما في الأناجيل فليس الأمر فيما يخص البشارات بنبي الإسلام r، بأقل مما في بشارات التوراة، ونذكر جزءً منها على سبيل المثال لا الحصر:


البشارة الأولى
جاء في إنجيل يوحنا / إصحاح 14/15/16
(وأنا أطلب من الأب فيعطيكم فارقليط آخر ليثبت معكم إلى الأبد، روح الحق الذي لا يستطيع العالم أن يقتله لأنه لا يراه ولا يعرفه.. والفارقليط روح القدس الذي يرسله الأب باسمي هو يعلمكم كل شيء ويذكركم كل ما قلته لكم(14).. وإذا جاء الفارقليط الذي أرسله إليكم من الأب روح الحق الذي من عند الرب فهو يشهد لي(15).. إن لم أنطلق لا يأتيكم الفارقليط. ولكن إن ذهبت أرسله إليكم، ومتى جاء ذاك يبكت العالم على خطيه وعلى بر وعلى دينونه.. ومتى جاء ذاك روح الحق فهو يرشدكم إلى جميع الحق.
هذه النصوص من طبعة الموصل 1876. والفارقليط هو الحامد أو الحمّاد أو أحمد. قال ابن تيمية في الأجوبة الفاخرة: والفارقليط عند النصارى الحمّاد أو الحامد وعند جمهورهم: المخلّص. وذكر الأستاذ عبد الوهاب النجار صاحب (قصص الأنبياء) أنه سأل الدكتور كارلو نليتو المستشرق الإيطالي المتخصص في الآداب اليهودية واليونانية القديمة، ما معنى بيريكلتوس أو فارقليط فأجابني: إن علماء اللاهوت يقولون إن معناها (المعزّي)، فقلت: إني أسألك أنت يا أستاذ كارلو نليتو، فقال: معناها (الذي له حمد كثير)، فقلت: هل يوافق أفعل التفضيل من (حمد) أي (أحمد) مثلاً. قال: نعم. فقرأت له قوله تعالى:
 }ومبشراً برسول يأتي من بعدي اسمه أحمد{ [79].
وهناك دلائل أخرى في النص تدل على إنه بشارة من الإنجيل بنبي الإسلام محمد rمنها قوله: (ليثبت معلم إلى الأبد) وهي تدل على أن رسالته خالدة إلى يوم الدين. وقوله: (فهو يعلمكم كل شيء) ينطبق على النبي r كما قال تعالى: }ونزلنا عليك الكتاب تبياناً لكل شيء وهدى ورحمة وبشرى للمسلمين{ [80].. وهكذا.


البشارة الثانية
بشارات إنجيل برنابا: وهناك كتاب ظهر في أوربا وأحدث ضجة وأخذاً ورداً ثم أهمل هذا الإنجيل بعدها. هذا الكتاب يسمى (إنجيل برنابا) وهو من ضمن الأناجيل الكثيرة التي أوقف العمل بها والتي تزيد على المائة، بعد أن اختارت الكنيسة أربعة منها، وهي الأناجيل القانونية، ولم تعترف بما سواها. وذلك بعد القرن الخامس الميلادي. إن هذا الإنجيل قد أعطى قولاً فصلاً في المسائل الثلاث الأساسية وهي رسالة المسيح ورسالة محمد وعدم صلب المسيح، بما يوافق التصور القرآني تماماً. وقد عُرف هذا الإنجيل في التراث المسيحي قبل الإسلام، حيث أصدر البابا جيلاسيوس (492م) أمراً ينهى فيه عن مطالعة كتب معينة من جملتها إنجيل برنابا. ويؤكد د. فرنسيس بوتر: إن إنجيلاً يدعى برنابا استبعدته الكنيسة في عهدها الأول!.
وقد عُثر في القرن الثامن عشر على نسختين منه إيطالية وأسبانية، ثم ترجم في أوربا إلى لغات عديدة. كما إن الحواري (برنابا) هو قديس ممتليء من الروح القدس، تجلّه الكنيسة وتعظمه، وهو مذكور في (أعمال الرسل) بالتجلّة والإكبار. إن إنجيل برنابا يذكر محمداً r باسمه وصفته ورسالته ودوره في العالم مرّات كثيرة، ويحثّ العالم على الإيمان برسالته مبشراً به أوضح البشارات، وهو مما لا يتسع المجال لذكره، وللخلاف حوله اكتفينا بالبشارات أعلاه في التوراة والإنجيل[81]. إن هذا التطابق المعجز بين ما أورده القرآن الكريم من أن محمداً r مبشراً به في الكتب المقدسة وبين البشارات التي نقلنا جزءً منها لا تدع مجالاً للشك في نبوة المصطفى وعلى الهيمنة القرآنية على الكتب المقدسة وعلى المصدر الرباني للقرآن الكريم.


خلق العالم بين العلم والقرآن والتوراة
يختلف القرآن عن العهد القديم (التوراة) من حيث أنه لا يقدم رواية كاملة عن الخلق، فبدلاً عن الرواية الواحدة المستمرة –كما في التوراة- نجد في أماكن متعددة فقرات تذكر بعض جوانب رواية الخلق، ولابد من تجميع هذه الآيات للحصول على فكرة واضحة عن الطريقة التي سيقت بها هذه الأحداث وليس ذلك الأمر موجود في القرآن، أي تناثر روايات متعددة حول موضوع واحد، يختص بموضوع خلق العالم فقط، وإنما نجد هذه الظاهرة تمثل إحدى الملامح والأساليب القرآنية البارزة في مواضيع كثيرة، كما في قصص الأنبياء أو موضوعات تخص الإنسان أو الحيوان أو النبات وغيرها..
تذكر رواية التوراة تمام الخلق في ستة أيام يتبعها يوم راحة هو يوم السبت، وذلك بالتجانس مع أيام الأسبوع، فيبتدئ الأسبوع بيوم الشمس (الأحد) ثم يوم القمر (الاثنين) حتى يوم السبت. وقد ظهر نتيجة البحث العلمي المقارن للنصوص التوراتية المتعددة والاستقراء أن مفهوم الراحة يوم السبت قد أدخل إلى الفكر اليهودي من قبل كهنة القرن السادس قبل الميلاد، أثناء فترة السبي البابلي كما تسمى في الأدبيات الإسرائيلية، والتي تحث على ممارسة سبت الراحة للتفرغ للعبادة لشد اليهود إلى دينهم وحثهم على الاستمساك بالتعاليم اليهودية التي يشرعها الكهنة في ذلك الوقت من التاريخ اليهودي. فعلى كل يهودي أن يستريح يوم السبت كما فعل الرب بعد أن عمل طيلة أيام الأسبوع الستة.
إن كلمة يوم كما يُفهم من التوراة تُعرّف بأنها المسافة الزمنية بين إشراقين متوالين للشمس أو غروبين متواليين، وذلك بالنسبة لسكان الأرض أن إدراج مراحل الخلق المتعاقبة في إطار أسبوع، وذلك بهدف الحث بين الخلق كما تبدو لمن يطالعها، كبناء خيالي مبتكر كان يهدف إلى شيء آخر غير التعريف بالحقيقة فضلاً عن الخلفية الأسطورية للموضوعات المختلفة التي تعالجها.
إن اليوم على وفق التعريف العلمي يرتبط وظيفياً بدوران الأرض حول نفسها. على حين أن العملية المركبة في خلق العالم (السماوات والأرض معاً) ستؤدي إلى ظهور الأرض ودورانها حول الشمس، والتي لم تكن قد أُنشأت بعد عند أولى مراحل الخلق، وذلك بحسب رواية التوراة.
أما إذا رجعنا إلى آيات القرآن حول الموضوع فإننا نقرأ فيها التجانس مع ما تعلمنا التوراة به، إن القرآن يقول أيضاً بامتداد عملية الخلق على مدى ستة أيام.. قال تعالى: }إن ربكم الله الذي خلق السموات والأرض في ستة أيام{ [82].
فما معنى كلمة يوم الواردة في القرآن؟ هل هو اليوم المكون من الليل والنهار أم يريد القرآن به مراحل وعصور زمنية؟.
إن كلمة (يوم) المفردة تدل على النهار أكثر منها على اليوم الزمني المكون من الليل والنهار، أما إذا جمعت على (أيام)، فإنها لا تعني فقط وحدات زمنية كل منها مكون من أربع وعشرين ساعة، بل تعني أيضاً دهراً طويلاً أو فترة من الزمن غير محددة وإن طالت، ويشير القرآن إلى ذلك المعنى لليوم في قوله تعالى: }في يوم كان مقداره ألف سنة مما تعدّون{ [83] ، وهذه الآية تأتي مباشرة بعد الآية التي تتحدث عن خلق السموات والأرض في ستة أيام في قوله تعالى:
 }الله الذي خلق السموات والأرض وما بينهما في ستة أيام ثم استوى على العرش ما لكم من دونه من ولي ولا شفيع أفلا تتذكرون{ [84].
وفي آية أخرى يتحدث القرآن عن الفكرة الزمنية بمعنى العصور والمراحل لمعنى اليوم، فيقول: }في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة{ [85].
وهكذا فسر العلماء الأيام الستة في خلق العالم الواردة في القرآن الكريم، فقالوا: إن من الواجب تصور تقسيم (مراحل) وليس إلى أيام بالمعنى الذي فهم عادةً، بل إلى (نوبات) كما يراه المفسرون الأقدمون. أما المفسرون المعاصرون فيفسرون الأيام التي تذكر في مراحل الخلق بمعنى (فترات طويلة) أو (عصور). وعدد هذه العصور أو الفترات الطويلة أو الدهور هو ستة كما جاء في القرآن أو التوراة. والعلم حالياً لم يسمح للناس بتقرير إن عدد المراحل المختلفة للعمليات الكونية المعقدة التي أدت إلى تشكل العالم هو ستة مراحل، ولكنه قد أثبت بشكل قاطع أنها فترات زمنية طويلة تتضاءل إلى جانبها الأيام كما نفهمه وتصبح شيئاً تافهاً. يقول القرآن عن خلق العالم في أطول نص حول الموضوع:
}قل أئنكم لتكفرون بالذي خلق الأرض في يومين وتجعلون له أندادا ذلك رب العالمين وجعل فيها رواسي من فوقها وبارك فيها وقدر فيها أقواتها في أربعة أيام سواء للسائلين ثم استوى إلى السماء وهي دخان فقال لها وللأرض ائتيا طوعا أو كرها قالتا أتينا طائعين فقضاهن سبع سماوات في يومين وأوحى في كل سماء أمرها وزينا السماء الدنيا بمصابيح وحفظا ذلك تقدير العزيز العليم { [86].
إن أهم النقاط التي أشارت لها هذه الآيات، الحالة الغازية الأولية (الدخان) للمادة السماوية، والتعريف الرمزي للسماوات بالعدد (7)، والحوار الرمزي بين الله وبين السماء والأرض في بداية خلقها وهو رمز يعبر عن خضوع السماوات والأرض للأوامر الإلهية بعد تشكلها.
إن هذا النص القرآني الذي يدعو الإنسان لتأمل القدرة الإلهية ابتداءً من الأرض وحتى يكمل تأمله الخاص بالسموات، يقدم جزأين معطوفين لكلمة (ثم)، التي تعني (زيادة على ذلك) وان عنت أيضاً (من بعد) والمعنى المقصود هنا، مجرد الإشارة إلى أحداث مرتبة جنباً إلى جنب دون قصد إدخال معنى التوالي على هذه الأحداث، إذ تستطيع فترات خلق السماء أن تكون مصاحبة لفترتي خلق الأرض، وهو ما يتفق مع المفاهيم الحديثة من أن خلق الأرض هو جزء من خلق الكون وإن مراحل تشكلها هي جزء من تشكل الكون عامة. وهذا ما يفسر وجود ثمان مراحل في الآيات أعلاه، ثم تحدد إجمالاً بستة مراحل في آيات أخر، من خلال التداخل المتوقع بين مراحل خلق الأرض ومراحل خلق السماوات، إذ إن مرحلتي تشكل الأرض تقع ضمناً مع مراحل تشكل الكون الستة، علماً بأن فكرة التداخل بحد ذاتها تبين الإعجاز القرآني في طرحه لخلق العالم، فضلاً عن أنها تفسر التناقض الوهمي والظاهر بين المراحل الثمانية والمراحل الستة في خلق العالم.
إن القرآن لا يحدد ترتيباً في خلق السماوات والأرض، أي أيهما أسبق وجوداً السماوات أم الأرض، فهناك آيات تشير إلى الأرض أولاً، كما هو الحال في سورة البقرة آية 229 وسورة طه آية 4 التي تشير إلى خلق الأرض قبل السماوات، كما توجد آيات أخرى أكثر عدداً يشار فيها إلى خلق السماوات قبل الأرض (الأعراف/ 54، يونس/ 3، هود/ 7، الفرقان/ 59، السجدة/ 4، الحديد/ 4، النازعات/ 27-33، الشمس/ 5-10، ق/ 38).
إذن ليس في القرآن ترتيب لخلق العالم، فحرف العطف (و) هو الذي يربط طرفي الجملة، أو حرف (ثم) والذي يشير إلى التوالي والتراخي، أو إلى مجرد وضع عنصر بجانب آخر، قال تعالى: }أأنتم أشد خلقا أم السماء بناها. رفع سمكها فسواهاوأغطش ليلها وأخرج ضحاها. والأرض بعد ذلك دحاهاأخرج منها ماءها ومرعاها  والجبال أرساها.متاعا لكم ولأنعامكم { [87].
إن وصف نعم الله الدنيوية على الناس ذلك الذي يعبر عنه القرآن في لغة تناسب مزارعاً أو بدوياً في شبه الجزيرة العربية، مسبوقاً بدعوة للتأمل في خلق السماء، ولكن مرحلة مدّ الأرض وإخصابها تأتي في الآيات بالتحديد من الناحية الزمنية بعد إنجاز عملية توالي الليل والنهار، وذلك يعني بالضرورة أنّ الأرض كانت موجودة قبل أن تمدّ، وعليه فقد كانت موجودة حين بنى الله السماوات، وينتج من هذا فكرة التداخل والمصاحبة الزمنية لنمو كل من السماوات والأرض، وبناء على ذلك فلا يجب أن نرى أي دلالة خاصة في إشارة النص القرآني إلى خلق الأرض قبل السماوات أو خلق السماوات قبل الأرض، لتتداخل الظاهرتان خلق الأرض وخلق السماوات كونياً وكذلك فمواضع الكلمات في القرآن لا تبين وجود ترتيب تحقق الخلق في إطاره، إلا أن تكون تفصيلات أخرى معطاة، قال تعالى:
 }أو لم ير الذين كفروا أن السموات والأرض كانتا رتقاً ففتقناهما وجعلنا من الماء كل شيء حي أفلا يؤمنون{ [88].
إن كلمة (دخان) في الآية 11 من سورة فصلت، تدل على القوام الغازي للكون (السماوات والأرض) قبل تشكيلها، وتدل أيضاً على أن هذا القوام الغازي قد علق به جزيئات دقيقة قد تنتمي إلى حالات المواد الصلبة أو السائلة مع درجة في الحرارة قد تقل أو تكثر.
أما الفتق الوارد في الآية أعلاه من سورة الأنبياء فتشير إلى عملية الفتق للكتلة الفريدة الأولى التي كانت عناصرها في البداية ملتحمة (كما تدل كلمة رتق). أما الرقم (7) الذي يخص السماوات المشكلة حسب قول القرآن، فقد يكون معني تحديداً بذاته سبع سماوات، وقد يكون معناه رمزياً ليدل على تعدد السماوات، حسب عادة العرب في استخدام الرقم سبعة والرقم سبعين ليدلّوا على التعدد دون تحديد ثابت للعدد، كما في قوله تعالى: }إن تستغفر لهم سبعين مرة{[89]، وقوله: }الذي خلق سبع سموات طباقا ما ترى في خلق الله من تفاوت{ [90].
السماوات إذن متعددة وكذلك الكواكب المشابهة للأرض، كما في قوله تعالى: }الله الذي خلق سبع سموات ومن الأرض مثلهنّ ينزل الأمر بينهنّ لتعلموا أن الله على كل شيء قدير وأن الله قد أحاط بكل شيء علما{ [91].
وهناك مفهوم آخر يتكلم عنه القرآن حينما يتحدث عن خلق العالم، هو وجود المادة البينية (بين السماوات والأرض)، كما في قوله تعالى:
 }له ما في السموات وما في الأرض وما بينهما وما تحت الثرى{ [92].


خلق الكون بين العلم والقرآن والتوراة
قال تعالى: }الذي خلق السموات والأرض وما بينهما في ستة أيام{ [93] أما التعب والراحة التي ذكرتها التوراة وتنسبها إلى الله سبحانه، فقد رد القرآن الكريم على هذه الفكرة التي أقحمها الكهنة اليهود في نص التوراة، قال تعالى: }ولقد خلقنا السموات والأرض وما بينهما في ستة أيام وما مسنا من لغوب{ [94]. واللغوب وهو التعب، وتبدو هذه الكلمة التي تصرح بأن الخلق لم يتعب الله مطلقاً، كأنها ردّ واضح على فقرة التوراة التي تقول بأن الله استراح في اليوم السابع، بعد العمل الذي أنجز في الأيام التي سبقت، تعالى الله عن ذلك علواً كبيرا.
إن الإشارة في القرآن إلى: }ما بين السموات والأرض{ قد تكررت في آيات القرآن، حيث ذكرت في الآيات: الأنبياء/16، الدخان/7، 37،  النبأ/، الحجر/85، الأحقاف/3، الزخرف/85، وهذه الفكرة القرآنية تشير بوضوح إلى مفهوم علمي معاصر لم يكن معروفاً فيما سبق، وهو وجود مادة كونية (خارج المجرات وهي ما تسمى المواد البينية المنتشرة في الكون). ويمكن أن نلخص المفاهيم القرآنية ذات الطابع العلمي والأعمال المتوافق مع المفاهيم العلمية المعاصرة، فيما يخص خلق العالم والكون والفلك بالآتي:


1-  وجود ست مراحل للخلق عموماً.
2-  تداخل مراحل خلق السماوات مع مراحل خلق الأرض.
3-  خلق الكون ابتداءً من كومة أولية فريدة كانت تشكل كتلة متماسكة تجزأت بعده.
4-  تعدد السماوات وتعدد الكواكب التي تشبه الأرض، (أي تعدد العوالم).
5-  وجود خلق وسيط ومادة بينية كونية (بين السماوات والأرض).
إن مقابلة هذه المعطيات القرآنية مع العلم الحديث عن الخلق، تشير للتطابق والتأيد الكبير الذي تلقاه المعطية القرآنية إزاء المكتشفات المتلاحقة عن خلق الكون وما فيه من ظواهر ومخلوقات. فالمراحل والعصور أو الأيام الست في خلق العالم يمكن معادلتها بسهولة بالعصور الجيولوجية التي شهدها الكون منذ نشأته ولحد الآن، كما إن مفهوم السديم الأول في العلم الحديث يقابل مفهوم الدخان في القرآن، وكذا التداخل بين الشمس كنجم والأرض باعتبارها إحدى الكواكب التابعة لها، يقرب من المفهوم القرآني للتداخل بين خلق السماوات والأرض. وكذا تعدد العوالم والأفلاك والمجرات والشموس والكواكب الشبيهة بالأرض كلها تدعم المفهوم القرآني لتعدد العوالم. أما الخلق الوسيط بين السماوات والأرض في القرآن، فهناك جسور المادة البينية المكتشفة خارج النظم الفلكية المنظمة والتي أصبحت من المفاهيم والحقائق الشائعة بين علماء الفلك والفضاء.
بناءً على ما تم استعراضه من نصوص ومفاهيم ومعطيات بين العلم والقرآن والتوراة، فقد بات واضحاً أن المسائل والمعطيات القرآنية إن كانت لم تتلق تماماً توكيداً من المعطيات العلمية حتى يومنا هذا بسبب عدم قدرة الإنسان حتى الآن على استيعاب وتفسير الظواهر الكونية المعقدة ولاسيما خلق العالم وتطور الأجرام السماوية والمجرات الكبيرة جداً. فإنه لا يوجد على أي حال أقل تعارض بين المعطيات القرآنية الخاصة بالخلق وبين المعارف الحديثة عن تكوين الكون. وذلك أمر يستحق الالتفات إليه فيما يخص القرآن، على حين قد ظهر بوضوح أن نص العهد القديم الذي نملك اليوم، قد أعطى هذه الأحداث معلومات غير مقبولة من وجهة النظر العلمية، ومن ذلك (على سبيل المثال لا الحصر) بعض نصوص التوراة التي تقول عن الخلق: (ليكن نوراً فكان نوراً.. وكان مساء وكان صباح اليوم الأول. ليكن جلد في وسط المياه وليكن فاصل بين مياه ومياه.. وكان صباح اليوم السادس، فأكملت السماوات والأرض.. وفرغ الله في اليوم السابع من عمله الذي عمل، فاستراح في اليوم السابع من جميع عمله.. وبارك اليوم السابع وقدسه لأن فيه استراح من جميع عمله للخلق، هذه مبادي السماوات والأرض حيث خلقت)[95].
إن وجود هذا الاختلاف بين رواية التوراة والمعطيات القرآنية عن الخلق جدير بالتنويه أمام الاتهامات الاستشراقية المغرضة، والتي تقول باقتباس معطيات القرآن من التوراة، فيما يتعلق بموضوع الخلق الذي نبحثه الآن، فإن هذا القول المزعوم لا يتمتع بأي أساس. كيف يمكن لأي إنسان أن يصحح إلى هذا الحد الرواية الشائعة في عصر الرسالة. وذلك باستبعاد أخطاء علمية، وبإضافة تفصيلات مهمة، بمبادرته وحده بمعطيات أثبت العلم أخيراً صحتها في عصرنا الحاضر!! إن هذا فرض لا يمكن الدفاع عنه. إن القرآن يعطي عن الخلق رواية تختلف تماماً عن رواية التوراة وعن الروايات الأسطورية التي كانت جزءاً من الثقافة الشائعة في عصر الرسالة، إن القرآن بذلك ليدهش العقل البشري المعاصر بطرحه الإعجازي، ويؤكد مصدره الرباني[96].


الإسلام وعلم الآثار
إن دراسة الآثار الإسلامية المقدسة كجزء من علم الآثار على ضوء التصور القرآني هو أمر ضروري وجزء من أسلمة العلوم عموماً، ولكي نعطي للآثار والمقدسات الإسلامية البعد الواقعي والعلمي فضلاً عن البعد الغيبي الإلهي الذي ركز عليه علماؤنا فيما كتبوا حول الآثار المقدسة وتاريخ الأنبياء.
قبل بضع سنين وقع بين يدي كتاب اسمه (ألواح سومر) للمستشرق صموئيل كريمر -وهو يهودي الأصل-، يوضح هذا الكاتب فيه أن الحضارة العراقية القديمة حضارة سومر وأكد هي حضارة رائدة في التاريخ البشري، ويبين أنها سبقت الحضارات الأخرى في العلوم الأساسية عند الإنسان، كالكتابة والحساب والفلك وغيرها، ثم يحاول الكاتب أن يربط بين هذه الحضارة ومفرداتها، وبين ما هو موجود في الكتاب المقدس (التوراة أو العهد القديم كما اصطلح عليها اليهود والنصارى) دون أن يحدد بشكل واضح أيهما أشمل. وهذا الكتاب هو من جملة الكثير من الكتب والأبحاث والتحقيقات التي كتبها المستشرقون اليهود والنصارى للعناية بتاريخ الشرق القديم وربطها بعلوم التوراة وأطروحاتها وبتطلعات وآمال اليهود. والملفت للنظر أن كريمر يذكر أن هناك جمعيات علمية أسست في أوربا منذ منتصف القرن الثامن عشر للاهتمام بهذه الدراسات وإبراز الأهمية التاريخية والدينية للكتاب المقدس (التوراة)، ومن هذه الجمعيات جمعية الآداب التوراتية أسست سنة 1850م، وجمعية الآثار التوراتية أسست سنة 1858م. ومن المعلوم إن معظم جهود هذه الجمعيات كانت تهدف بشكل أساسي إلى خدمة التبشير والاستعمار الغربي للشرق الإسلامي، وخدمة الحركة الصهيونية. ولكن بلا شك إن لهذه الجمعيات دوراً مهماً في الإرساليات والاكتشافات الآثارية والأبحاث العلمية لتاريخ الشرق القديم، أي المنطقة الإسلامية والعربية بدرجة أخص، فما هو مجهود علماؤنا وكتّابنا في هذا المضمار يا ترى؟
يجمع علماء الآثار وفلاسفة التاريخ والمختصون – العرب وغيرهم- على ملاحظة ملفتة للنظر، وهي الاهتمام المتزايد لإسرائيل والصهاينة بآثار الشرق بشكل عام، وتخصيص مبالغ طائلة لذلك، وتشكيل هيئات ومؤسسات وشركات علمية وتجارية، لغرض جمع وشراء آثاريات الشرق ودراستها وتحليلها لتخدم في النهاية الأهداف الصهيونية الإستراتيجية، والتي قد تمتد إلى قرن من الزمن. ونظراً لأهمية هذه الظاهرة وخطورتها فينبغي دراستها لكشف أبعادها وأهدافها وأخطارها على تاريخ العرب والمسلمين، والوقوف في وجهها لحماية التاريخ من الدّس والتزييف، وربّ سائل يسأل: لماذا كل هذا الاهتمام يا ترى؟.. هل هو اهتمام علمي بحت، أم وراءه أهداف سياسية ودينية خبيثة؟. في الحقيقة إن عدونا يحاربنا بكافة الوسائل، ويدخلون علينا من كل الجبهات، وإحدى هذه السبل والجبهات، التاريخ والآثار والصراع التاريخي، بل هو من الوسائل المهمة لتزييف الحقائق والاستحواذ على الأرض ومصادرة الحقوق، إن ما يريده اليهود وإسرائيل وكذلك الغرب الاستعماري هو خلق مبررات تاريخية واقعية (بعد تزييف التاريخ والآثار) للمطالبة بالأراضي والبقاع التي يحلمون بها، سواء في فلسطين أو خارج فلسطين، تحقيقاً للشعار الصهيوني المشهور (من الفرات إلى النيل)، الذي لا يزال حتى اليوم يحمله علم الكيان الصهيوني وعملته المعدنية. وكذا فيما يسمى (مملكة سليمان اليهودية) التي تضم اليمن والحبشة والجزيرة، فضلاً عن العراق والشام ومصر، وفق التفسير الصهيوني للتاريخ القديم، فسبأ وأور وحران ودمشق، فضلاً عن القدس وحيفا ويافا وغيرها من المدن الرئيسية في هذه المملكة التي يحلم بها اليهود منذ زمن، فهذه الأطروحات يمدها اليهود وتغذيها الصهيونية وتحاول دعمها بمفردات من الآثار والتاريخ والتراث الديني اليهودي والنصراني (الصليبي)، وربما ستتحول هذه الأحلام إلى واقع في ظل غفلة المسلمين العلمية وبعدهم عن ساحة الصراع التاريخي والآثاري الذي يخوضه الأعداء منذ قرنين ونحن لا نعلم أبعاده، ولقد قالها الوزير الإسرائيلي (شمعون بيريز) صراحةً للوفود العربية في مفاوضات التطبيع بين العرب وإسرائيل: عليكم أن تغيروا ثقافاتكم.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75523
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

قبسات من العلوم الكونيه Empty
مُساهمةموضوع: رد: قبسات من العلوم الكونيه   قبسات من العلوم الكونيه Emptyالجمعة 22 يناير 2016, 8:23 am

ومن الكتب الأخرى التي عنيت بدراسة التاريخ والآثار وعلاقتها بالتوراة، وهي ترى في تراث الشرق وأديانه على أنها أساطير الأولين كتاب (الأساطير بين المعتقدات القديمة والتوراة) للمؤلفين غريفز (بروتستانتي) وباتاي (يهودي)، ونظراً لتنوع الكتابات حول المعتقدات الدينية وعلاقتها بالتاريخ والآثار، نحاول أن نذكر أهم المدارس والاتجاهات التي بحثت في ذلك وهي:


1-  مدرسة المستشرقين اللاهوتيين (الإنجيليين).
2-  مدرسة المستشرقين اليهود الصهاينة (المدرسة الإسرائيلية).
3-  المدرسة الاستشراقية العلمانية (الغربية).
4-  المدرسة الماركسية الإلحادية (الشيوعية).
5-  المدرسة الشعوبية والعرقية الضيقة.
6-  المدرسة القرآنية العربية.
إن هذه المدارس الأولى (الخمس) لا يقابلها إلا المدرسة الإسلامية (القرآنية العربية) لدراسة التاريخ القديم والآثار في شرقنا الإسلامي على ضوء القرآن الكريم والاكتشافات العلمية الحديثة، مع مقارنة ونقد لما موجود في التوراة المحرفة الموجودة بين أيدينا اليوم.
وإنه لمن المناسب جداً قبل ظهور وتبلور المدرسة الإسلامية لدراسة تاريخ الأنبياء والآثار المتعلقة بهم في المستقبل القريب، أن يتم إنشاء جمعية تضم مختلف الاختصاصات والتوجهات للاهتمام بالآداب والآثار القرآنية، ويمكن أن تسمى (جمعية الآداب القرآنية)، ويكون من أهدافها خدمة القرآن ومضامينه بما يستجد من العلوم والآداب سواء اللغوية والبلاغية أو التاريخية والآثارية أو العلمية وغيرها من اختصاصات الأدب والعلم والمعرفة البشرية.
إن عدم تبلور مدرسة إسلامية أو قرآنية لدراسة التاريخ القديم بالذات، قد ولّد عجزاً في الصراع الفكري مع الأعداء أو التحاور بين الحضارة القرآنية وبقية الحضارات البشرية. وجعل المختصين العرب والمسلمين في مجال الآثار والتاريخ القديم بين خيارات لا تخدم الإسلام بحال. بين أن يتبعوا مدارس الاستشراق الإلحادية أو اللاهوتية أو الأسطورية أو العرقية وغيرها، وابتعدوا عن التفسير التوحيدي للتاريخ القديم، ذلك لأن اليهود قد احتكروا التفسير الديني لتاريخ الأنبياء، وأشاعوا فرضية واهية ألا وهي إن التوحيد أصله يهودي، وأن إبراهيم (أبا الأنبياء) هو نبيهم الأكبر، وهو أبو العبرانيين(!)، وبهذا قطعوا الطريق على غيرهم للإدعاء تاريخياً بأن هذا التراث يمكن أن يكون لغيرهم، أو انه تاريخ مشترك للبشرية، ولراية التوحيد والإيمان، وهذا أكبر وأخطر تزييف تاريخي بحاجة إلى تصحيح.
وتصحيح ذلك ليس بالأمر الصعب، بل كل الحقائق التاريخية والآثارية تقول عكس ذلك.. وقد ردّ القرآن الكريم على تلك الفرية بقوله تعالى:
}ما كان إبراهيم يهودياً ولا نصرانياً ولكن كان حنيفاً مسلماً وما كان من المشركين{ [97].
والتاريخ يقول إن اليهود ظهروا بعد إبراهيم بألف عام تقريباً، والنصارى بعدهم.. ومن أكاذيب اليهود وتزييفهم للتاريخ، نفي صفة الذبيح عن إسماعيل (أبو العرب) وإنه ليس الابن المفضل الأكبر عند إبراهيم، كما نفوا خروجه من فلسطين وسكناه في مكة مع أمه هاجر وما تبع ذلك من تفاصيل تاريخية وآثارية قرب الكعبة، كمقام إبراهيم وبئر زمزم وحِجر إسماعيل، والصفا والمروة، فهم يحاولون الطعن في كل تلك الشعائر والآثار بطرقهم الماكرة المعهودة عنهم. وهكذا يحاول الأعداء هدم الإسلام وتحطيم الأساس الديني لقبلة المسلمين ومشروعية ارتباطهم بشجرة الأنبياء وبسيدنا إبراهيم، وإنهم ورثة الأنبياء والسائرين على نهجهم إلى يوم الدين. وقد ردّ على هذه الأكاذيب علماؤنا الأقدمون كالغزالي وابن تيمية، وأثبتوا أنَّ التوراة المحرفة تصرح بهذه الحقائق –رغم تحريفها- واستطاعوا أن يفحموا كل من يقول بخلاف قول القرآن في ذلك.
ولكن الصراع اليوم قد تبدل بين الكفر والإسلام، وظهرت في الآثار قرائن وحقائق هي أسلحة ذات حدين يمكن أن تستخدم لنا أو علينا، فعلى المسلمين الولوج في هذا العلم وأن يكون لهم القول الفصل بإذن الله، غير أن ذلك بحاجة إلى جهود علماء مخلصين وكتّاب ومتخصصين لإظهار الحقيقة وكشف الزيف والدس الذي جبل عليه المتعصبون من اليهود وأصحاب المذاهب الاستشراقية.
وربّ سائل آخر يسأل عن الدليل الشرعي لإنشاء مدرسة قرآنية أو إسلامية تهتم بدراسة التاريخ القديم أو الآثار بشكل عام والآثار المقدسة بشكل خاص على ضوء معطيات القرآن الكريم والمكتشفات الحديثة.
إن الصراع الفكري والحضاري ميدان مهم من ميادين الصراع بين الحق والباطل، وبين الحقيقة والتزييف. وهو الوجه المكمل لنصرة الحق والإيمان، وإذا لم يكن مبدأ الرد بالمثل على الأعداء وهم يحاولون تزييف التاريخ وتسخير المكتشفات والعلوم الحديثة لأغراض خبيثة، هو دليل شرعي كاف على ضرورة استخدام العلم نفسه لنصرة الحق، وإذا كان رد علمائنا الأقدمين على شبهات الفلاسفة في عصرهم وبلغتهم لنصرة الحق والعقيدة الإسلامية، ليس كافياً أيضاً. فهناك أدلة عديدة من القرآن والسنة لاستخدام وتسخير العلوم والمعرفة البشرية، ومنها التاريخ والآثار لنصرة ديننا وعقيدتنا. كقوله تعالى: }قل سيروا في الأرض ثم انظروا كيف كان عاقبة المكذبين{ [98]، وقوله تعالى: }قل سيروا في الأرض فانظروا كيف بدء الخلق ثم الله ينشيء النشأة الآخرة إن الله على كل شيء قدير{[99].
 وقوله تعالى: }إن هذه أمتكم امة واحدة وأنا ربكم فاعبدون{ [100]. وقوله تعالى:
 }ألم تر أن الله أنزل من السماء ماءً فأخرجنا به ثمرات مختلفاً ألوانها ومن الجبال جدد بيض وحمر مختلف ألوانها وغرابيب سود ومن الناس والدواب مختلف ألوانه كذلك إنما يخشى الله من عباده العلماء{ [101]. وقوله تعالى: }سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق أولم يكف بربك أنه على كل شيء شهيد{ [102].
ومن الهدي النبوي، قوله rخيركم من تعلم القرآن وعلمه[103]. وقوله rالأنبياء إخوة ودينهم واحد[104]. وقوله rالناس بنو آدم وآدم خلق من تراب[105]. وقولهrحدّثوا عن بني إسرائيل ولا حرج[106].وقوله rلا تصدقوا أهل الكتاب ولا تكذبوهم[107]. وقوله r في صوم يهود في اليوم العاشر من محرم إحياءً لذكرى نجاة موسى u من فرعون: نحن أحق بموسى منهم لئن بقيت لقابل لأصومن التاسع والعاشر[108].
أما إذا أردنا أن نعرف ما يقول القرآن في الآثار والمكتشفات الآثارية، فحسبنا أن نقرأ في القرآن قصة أصحاب الكهف وأصحاب الأخدود.. وقصة نجاة بدن فرعون وقصة أصحاب الفيل وغيرها من قصص الأنبياء مع أقوامهم وآثارهم عن تلك الأيام الغابرة.


نجاة بدن فرعون وآثار أخرى


قال الله تعالى: }وجاوزنا ببني إسرائيل البحر فأتبعهم فرعون وجنوده بغيا وعدوا حتى إذا أدركه الغرق قال آمنت أنه لا إله إلا الذي آمنت به بنو إسرائيل وأنا من المسلمين. ألآن وقد عصيت قبل وكنت من المفسدين.  فاليوم ننجيك ببدنك لتكون لمن خلفك آية وإن كثيرا من الناس عن آياتنا لغافلون{ [109].
كيف يكون بدن فرعون لمن خلفه آية وقد مات ودمر جيشه وغرق في اليم، وهاجر بنو إسرائيل إلى سيناء، ولم يكن لهم ذكر تاريخي في مصر بعد ذلك؟!.
إن القرآن فقط يذكر أن بدن فرعون أنجاه الله ليكون آية للناس، أما التوراة فتقول أنه غرق بجيشه في البحر وأصبحوا طعاماً لعجول البحر، لذلك نجد المستشرق كروابيه، وهو أستاذ بمدرسة الكتاب المقدس بالقدس يسخر من مقولة القرآن هذه: يشير القرآن إلى موت فرعون في سورة يونس (90-92)، وعلى حسب التعبير الشعبي فإن فرعون قد ابتلع بجيشه، وهو يسكن الآن قاع البحر ويحكم مملكة إنسان البحر أي عجول البحر ولم يستطع أحد أن يكتشف هذا الاختلاف بين القرآن والتوراة حتى جاءت أبحاث علم الآثار ومكتشفات المومياءات المصرية، وبحث العلماء عن فرعون الخروج في زمن موسى u، وإذا علمنا أن موسى قد عاصر اثنين من الفراعنة المصريين خلال حياته، هما فرعون الاضطهاد الذي نشأ موسى u في قصره وشبّ في أحضانه، ثم هاجر إلى مدين بعد أن أصبح خائفاً يترقب بطش فرعون وجنوده، بسبب ردّه اعتداء أحد جنود فرعون على أحد بني جنسه، وبقي هناك سنين حتى عاد ومعه الرسالة السماوية التي كلّف بها في جبل طور سيناء، فعاد موسى u مع أهله وبمؤازرة أخيه هارون u في عهد فرعون آخر، سمتّه التوراة فرعون الخروج، لأن موسى في زمنه اضطر إلى الخروج والهجرة ببني إسرائيل إلى خارج مصر لإنقاذهم من الاضطهاد والتجبّر الفرعوني ومن حياة الوثنية والشرك التي كان الفراعنة في مصر يدينون بها، ولقد حدّد علماء الآثار المعاصرون ستة فراعنة، يكون فرعون موسى أو فرعون الخروج أحدهم، وهم من الأسرة الثامنة عشرة والأسرة التاسعة عشرة، أبرزهم تحتموس الثالث من الأسرة الثامنة عشر، ورمسيس الثاني ومرنبتاح من الأسرة التاسعة عشر، حيث يحدد المؤرخون زمن خروج موسى u في عصر أحد هؤلاء الفراعنة.. والعجيب إن جميع هؤلاء الفراعنة الذين حددهم العلماء على أن أحدهم هو فرعون الخروج، تم حفظ أجسادهم (بدنهم) إلى اليوم بفضل طريقة التحنيط التي اكتشفها المصريون بإلهام من الله تعالى، وبذلك فسر علماء الآثار هذه الآية القرآنية وتعارضها مع التوراة المحرفة في مسألة نجاة بدن فرعون الخروج، والحكمة من هذه النجاة الغريبة بعد أن أغرقه الله في البحر وهو يتبع نبي الله موسى u بجيشه، ليكون آية لنا في القرن العشرين وما بعده إلى يوم القيامة، لنرى بأعيننا عقوبة فرعون الخروج وهلاكه، ونجاة بدنه التي ذكرها القرآن الكريم.. وأياً كان هذا الفرعون فهو الآن في قاعة المومياءات الملكية في المتحف المصري بالقاهرة، ويستطيع الزوار أن يروه، وهكذا يظهر أن آثار الفراعنة تؤيد مقولة القرآن وتوضح التناقض الذي يعيشه الكتّاب التوارتيون واللاهوتيون حينما يتحدثون عن هذه النقطة.
ومن الآيات البينات والأدلة المهمة على اهتمام القرآن الكريم بآثار الأنبياء والصالحين، دعوة الله سبحانه للاهتمام بمقام إبراهيم واتخاذه مصلى، إذ يقول تعالى: }واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى{،[110] إن في هذه الآية الدعوة للمسلمين لاتخاذ مقام إبراهيم مصلى عند الحج والعمرة أو زيارة الكعبة المعظمة، استذكاراً لسيرة سيدنا إبراهيم u أبو الأنبياء، واستذكاراً لدوره في بناء الرسالة الإسلامية في عهدها الأول بعد توبة البشرية بعد نوح u وظهور إبراهيم u برسالة التوحيد من جديد، وذلك هو البعد الديني للاهتمام بمقام إبراهيم u، أما البعد التاريخي -وهو ملازم للبعد الديني، مما يدعو لإبراز دور الأنبياء دينياً وتاريخياً بخلاف المألوف حالياً من تسليط الضوء على الدور الديني للأنبياء وإخفاء الدور التاريخي لهم عن قصد، وتثقيف الناس على ذلك، على يد دعاة المدرسة الاستشراقية الغربية. فنرى أن الدور التاريخي لفرعون وسرجون والاسكندر (مثلاً) أبرز من دور إبراهيم وموسى وعيسى عليهم السلام-، فإن وجود مقام إبراهيم قرب الكعبة المشرفة وذكر القرآن الكريم له يجسد دور هذا النبي التاريخي في بناء الكعبة، كما يجسد سيرته وسياحته في الشرق (من العراق حتى الحجاز مروراً بفلسطين ومصر) بين مدن العالم القديم: من أور فبابل وحرّان ودمشق والقدس ومكة ومصر، فإبراهيم بعد هذا الوصف وهذا المقام، هو أبو الأنبياء وأبو رسالة التوحيد وأبو التاريخ الديني الذي ورثته البشرية اليوم، وذلك لعدم وجود مقام أو أثر تاريخي معلوم لنبي أو مصلح قبله. إن علم الآثار بهذا الوصف هو من العلوم الإسلامية حين يسير على نهج مبادئ الإسلام، وعلى ضوء هدي القرآن الكريم. وان تأمل الآثار جزء من العقيدة الإسلامية متمثلة بالطواف والصلاة والسعي والزيارة وغيرها من مناسك الإسلام العظيمة. والأمر نفسه ينطبق على الحجر الأسود الذي يعود بنا إلى ما هو أقدم من عصر إبراهيم، إنه عصر بداية البشرية وتشييد أول بيت وضع للناس لعبادة الله الواحد الأحد، عهد آدم u. إنه عهد كانت فيه الملائكة تسير جنباً إلى جنب مع الإنسان لإتمام العبودية لله، قبل ظهور المعاصي والآثام والدماء والفساد والأوثان والأساطير التي سطّرها البشر بإيحاء من الشيطان وبغفلة الإنسان واستغراقه في المعاصي. ويقاس على ذلك بقية الآثار والمقدسات التي تضم تراث الأنبياء، كحجر إسماعيل وبئر زمزم والصفا والمروة والمسجد الأقصى، وآثار الأنبياء في بلاد الشام ومصر والعراق، وكذا الآثار الجليلة في المدينة المنورة للنبي r وصحبه y في المسجد النبوي الشريف والبقيع ومساجد المدينة وآثار بدر وأحد وحنين وتبوك، والمساجد والجوامع الإسلامية العريقة ومنها: جامع الكوفة والجامع الأموي في دمشق وجامع الخلفاء وجامع الملوية في العراق والجامع الأزهر في مصر وجامع قرطبة في الأندلس والجوامع العريقة في آسية وأفريقية، فكلها معالم رسالة التوحيد الخالد، ومعالم تمكين الله لجنوده ورسالته.
ومن النصوص القرآنية الأخرى التي تحتاج إلى بحث تاريخي وآثاري لتدعيمها وإظهار الحماية الإلهية للكعبة المشرفة فيها، سورة الفيل، إذ يقول تعالى: }وأرسل عليهم طيراً أبابيلترميهم بحجارة من سجيل . فجعلهم كعصف مأكول{ [111].
إن هذه الآيات تصور واقعة تاريخية وآثارية لحملة فاشلة قام بها ملك الحبشة (أبرهة الأشرم) إذ أرسل جيشاً لهدم الكعبة بيت الله الحرام، فدّمر الله الجيش وهزمه بدون جيش مقابل له، وهذا من آيات البيت الحرام البينات..
}فيه آيات بينات{ [112]وهي الحماية الإلهية لبيته العتيق، ولدينه ولمقدسات المسلمين، وهكذا كان العرب حتى قبل الإسلام، على ثقة من أن الله لا يترك بيته لعبث المشركين، حينما طالب عبد المطلب أبرهة أن يعيد إبله التي احتجزها، فحينما رأى عبد المطلب أنه لا يستطيع أن يردّ جيش أبرهة عن الكعبة قال له: ردّ لي إبلي، فأجاب أبرهة: أنا أكلمك عن الكعبة، وأنت تقول إبلي؟ يا لك من شيخ خرف! فقال له عبد المطلب بثقة: أنا ربّ الإبل، وإن للبيت ربّاَ يحميه. فأرسل الله سبحانه عليه طيراً (أبابيل) ترميه بحجارة من سجيل فأهلكته وجيشه، تماماً كما حصل لفرعون وجيشه وهو يتبع موسى وقومه الضعفاء، حتى إذا أدركهم البحر ظن فرعون أنه أمسك بموسى، فتدخل القدر الإلهي ليحسم الأمر حينما تكون المعركة غير متكافئة، ويكون أهل الحق لا حول لهم ولا قوة في ردع الباطل المتجبّر، وفي القول المأثور: حينما يعجز الناس تنزل سفينة نوح.
قال تعالى: }قل سيروا في الأرض ثم انظروا كيف كان عاقبة المكذبين{[113].                                   






[1] من كتاب: منهجية التربية الدعوية/ محمد أحمد الراشد، ص 128، ط 3. بغداد 2003م/ الناشر دار المحراب/ فان كوفر/ كندا..
[2]  سورة فصلت/ 53.
[3]  سورة العنكبوت/ 20.
[4]  سورة الأنعام/ 11.
[5] سورة طه/114.
[6] سورة فصلت/ 42.
[7] سورة الحجر/ 9.
[8] سورة الأنبياء/10.
[9] سورة إبراهيم/1.
[10] سورة المائدة/ 15-16.
[11] سورة المائدة/ 48.
[12] سورة البقرة/ 143.
[13] سورة المدثر/ 50- 51.
[14] سورة فصلت/ 53.
[15] سورة التوبة/ 36.
[16]سورة الكهف/ 25.
[17] سورة الكهف/ 26
[18] سورة لقمان/ 34.
[19] سورة لقمان/ 34.
[20] سورة الرعد/ 8.
[21] سورة عبس/ 19.
[22] رواه البخاري ومسلم.
[23] سورة الشورى/ 49-50.
[24] سورة الرعد/ 8.
[25] سورة الرعد/ 9.
[26] سورة فاطر/ 28.
[27] سورة البقرة/ 32.
[28] سورة آل عمران/ 18.
[29] سورة سبأ/ 6.
[30] سورة الأنبياء/ 107.
[31] سورة النجم/ 4-5.
[32] سورة الحشر/ 8
[33] رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه وصححه الحاكم.
[34] رواه البخاري وأحمد وأبو داود.


[35] سورة الحج/ 73.
[36] رواه مسلم.
[37] رواه البخاري ومسلم.
[38] سورة آل عمران/ 164
[39] سورة المدثر/ 30.
([40]) انظر: اليزيدية/ صديق الدملوجي.
([41]) انظر مجلة لواء الإسلام المصرية، والوعي الإسلامي الكويتية 1968-1970.
([42]) مقدمة ابن خلدون ص 114.
([43]) الفكر الإسلامي/ محمد حمزة/ فقرة المسائل الفيروزية/ لابن سينا/ ص183.
([44]) المنقذ من الضلال/ الامام الغزالي/ ص 66.
([45]) انظر: المهدي والمهدوية/ لأحمد أمين/ ص20 ، ص 32.
[46] سورة فصلت/ 53.
([47]) انظر: البرهان/ للزركشي 1/169.
([48]) ملاك التأويل 1/30، 1/483، 2/528.
([49]) انظر: البرهان 1/169.
[50] سورة الحجر/ 89.
([51]) انظر في ذلك الإعجاز العددي للقرآن1/15، 21، 35، 58، 70، 124، 180.
([52]) الإعجاز العددي/ د. عبد الرزاق نوفل 20/15، 49.
[53]  سورة الحجر/ 88.
([54]) رواه أصحاب السنن.
([55]) انظر تفسير ابن كثير 4/443، سيرة ابن هشام، 1/175.
[56] سورة المائدة/ 48.
([57]) الكشاف 1/497.
([58]) مختصر ابن كثير 1/524.
[59] سورة الأعراف/ 156.
[60] سورة الصف/ 6.
[61] سورة الأنعام/ 20.
[62] رواه البخاري.
([63]) مطلع النور/ العقاد.
[64] سورة آل عمران/ 164.
[65] سورة الأعراف/ 145.
[66] سورة الأعراف/ 157.
[67] سورة الحاقة/ 44-45
([68]) انظر: تاج العروس/ للزبيري/ مادة فرن.
[69] سورة التوبة/ 108.
([70]) الأجوبة الفاخرة/ لابن تيمية.
[71] سورة التين/ 1.
[72] التكوين/25.
[73] رواه مسلم.
[74] سورة النجم/ 3.
[75] سورة البقرة/ 256.
[76] سورة الجمعة/ 2.
[77] سورة الأنفال/ 9
[78] سورة الأحزاب/ 9.
[79] سورة الصف/ 6.
[80] سورة النحل/ 89.
[81] انظر للتفصيل حول بشارات إنجيل برنابا وغيره، كتاب (إنجيل برنابا) طبع الكويت: 1989م، وكتاب: الظاهرة القرآنية والعقل/ للمؤلف.
[82] سورة الأعراف/ 54.
[83] سورة السجدة/ 5.
[84] سورة السجدة/ 4.
[85] سورة المعارج/ 4.
[86] سورة فصلت/ 9-12.
[87] سورة النازعات/ 27-33.
[88] سورة الأنبياء/ 30.
[89] سورة التوبة/ 80.
[90] سورة الملك/ 3.
[91] سورة الطلاق/ 13.
[92] سورة طه/ 6.
[93] سورة الفرقان/59.
[94] سورة ق/ 38.
[95]  العهد القديم/ سفر التكوين/ 10.
[96] انظر للتفصيل: دراسة الكتب المقدسة/ د. موريس بوكاي، ص 250 وما بعدها.
[97] سورة آل عمران/ 67.
[98] سورة الأنعام/ 11.
[99] سورة العنكبوت/20.
[100] سورة الأنبياء/ 92.
[101] سورة فاطر/ 28.
[102] سورة فصلت/ 53.
[103] رواه البخاري.
[104] رواه مسلم.
[105] رواه الترمذي وأبو داود.
[106] رواه الترمذي وقال حسن صحيح.
[107] رواه البخاري.
[108] رواه أصحاب السنن.
[109] سورة يونس/ 90-92.
[110] سورة البقرة/ 125.
[111] سورة الفيل.
[112] سورة آل عمران/ 97.
[113] سورة الأنعام/ 11.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
 
قبسات من العلوم الكونيه
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» تاريخ العلوم الكونية عند المسلمين
» اسطوانة موسوعة العلوم
» حين تغيب العلوم عن ثقافتنا
» لماذا نتعلم العلوم الشرعية
» موسوعة العلوم والمعارف : المصادر

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتدى الشنطي :: موسوعة البحوث والدراسات :: بحوث ثقافيه :: علم الفلك-
انتقل الى: