وداعا لـ«كونسيلا» الأمريكية الاسبانية.. الفلسطينية بنضالها
كتب: كمال زكارنة
رحلت الاسبوع الماضي الامريكية من اصل اسباني كونسيلا التي امضت ثلاثين عاما من عمرها في خيمة صغيرة مقابل البيت الابيض الامريكي وهي ترفع شعارات تطالب بالحرية للشعب الفلسطيني وتدعو الى اقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس وتؤكد على عدم المصالحة على الدم مع اسرائيل التي ترتكب الجرائم اليومية بحق الشعب الفلسطيني قتلا واعتقالا ومصادرة اراض وهدم منازل واقتلاع اشجار واعمال تهويد وتخريب ودمار لا تتوقف .
لم تيأس كونسيلا وواصلت اعتصامها ثلاثة عقود متواصلة، والذي يعتبر الاطول في تاريخ البشرية حتى غادرت الدنيا الى غير رجعة وهي تدافع عن اكثر قضايا العالم عدالة وشرفا قضية فلسطين وعن حقوق اكثر شعوب الارض ظلما وتنكيلا وتشتتا شعب فلسطين.
لقد تركت كونسيلا سيرة نضالية وتضامنية وانسانية لا يمكن ان تمحوها عوامل الزمن والطبيعة وسوف تظل مرسومة مكان خيمتها الصغيرة المتواضعة تذكر الاجيال المتلاحقة بموقف مشرف الى جانب قضية عادلة تعرضت لابشع انواع الظلم والمؤامرات والانحياز مع المحتل ودعمه وامداده بكل ما يحتاج لغرس انيابه وبراثنه في ارض ليست له وتحت سماء لم يحلم يوما بظلها وغطائها.
رغم السنوات الطويلة التي قضتها كونسيلا في خيمة الاعتصام والصمود والعز والشموخ وهي تواجه البيت الابيض بكل ما فيه من مدخلات ومخرجات على مدار الساعة ليل نهار ،فان الكثيرين لم يعلموا ولم يعرفوا عن نضال هذه السيدة من اجل الحرية للشعوب المحتلة والمضطهدة وفي طليعتها الشعب الفلسطيني ودفن الاستعمار وزوال الاحتلال ، الا بعد اعلان خبر وفاتها وكثير من وسائل الاعلام العربية والاسلامية تجاهلت وقفتها وتضامنها ونضالها ضد الظلم والاستبداد والاحتلال.
لم تختر كونسيلا الخيمة لاعلان اعتصامها وتضامنها مع الشعب الفلسطيني كل هذه السنوات لانها لم تجد مكانا يأويها او حضنا يضمها ،وانما التزام اخلاقي منها بعدالة قضية شعب عجز العالم بكل مؤسساته وهيئاته ومنظماته وانظمته من استعادة حقوقه المشروعة ،ودفاعا عن مبادئها التي تؤمن بها بالحرية والديمقراطية وحق تقرير المصير للشعوب ورفع الظلم عنها ،وكان بامكانها ان تعيش ظروفا افضل من ظروف خيمة الاعتصام بكثير ، لكنها اثرت التضحية بكل ملذات الدنيا وامسكت بمبادئها الانسانية السامية التي دفنت معها.
كونسيلا حالة عالمية فريدة من نوعها لا تشكل ظاهرة لكنها اضاءت شمعة للحرية في ظلام دامس يلف العالم سوف تبقى مشتعلة رغم ان الكثيرين لا يرونها .
تقدمت كونسيلا على شعوب ودول باكملها وكان فعلها وسيظل مؤثرا وعميقا وقصة عشق للحرية والعدالة تتناقلها المجتمعات التي ناضلت وتناضل من اجل الحرية وستبقى صورتها محفورة في قلوب الملايين من احرار العالم ومحبي الحرية .
لقد جمعت كونسيلا في جسدها النحيل بمظهره القوي بارادته ابهى صور ومعاني التضحية والفداء، كانت ام الاسرى والشهداء والجرحى والايتام وعميدة الثكالى، كانت فلسطينية بامتياز قلبا وقالبا رغم اختلاف جنسيتها، وداعا كونسيلا..لن نصالح على دم!!