كيف لا تكون أبا شكليا؟
يُعتبَر الأب أحد العناصر الأساسية في التكوين الأسري؛ فله أدوار مختلفة في أداء الأسرة لوظائفها؛ فدور الأب في الأسرة من المحاور الأساسية، ويعدُّ هذا الدور دورًا مركزيًّا داخل الأسرة تكاد تَنبثِق منه وتتجمع عنده بقية الأدوار في الأسرة، فبالإضافة إلى أنه مسئول عن الإنفاق، وتوفير الحماية لزوجته وأبنائه، نجد أن له دورًا في وظيفة التنشئة الاجتماعية والضبط الاجتماعي.
ويمكن القول بوجه عام:
إن الأب هو حلقة الوصل بين الأسرة والعالم الخارجي؛ فالأب هو الوسيط الذي يتدرج من خلاله الطفل في المحيط الاجتماعي الأوسع، وعلى أساس نوع العلاقة والتفاعل بين الطفل والأب تتحدد كفاءة علاقات الطفل بالكبار والرفاق فيما بعد؛ حيث يعتبر الأب من أول العناصر المؤثرة في شخصية الابن، وفي تحديد الشكل الذي سوف تتخذه هذه الشخصية، وهذا يؤكد إسهام الأب بشكل فعَّال ومؤثر في قدرة الأبناء على التعامل مع الغرباء والمواقف الجديدة، فعن طريق مشاركة الأب في رعاية الأبناء، فإنهم يصبحون أكثرَ قدرةً على مواجهة التوتر في المواقف الجديدة، وأقل خوفًا في تعاملهم مع الغرباء، وهذا من شأنه أن يجعل الأبناء أكثر كفاءةً في علاقاتهم مع الآخرين.
ويُعتبَر دور الأب في الأسرة على درجة كبيرة من الأهمية؛ حيث يوفِّر لها دعمًا ماديًّا واجتماعيًّا يَنعكِس إيجابيًّا على علاقة الأم بالأبناء، ويزداد دور الأب أهمية وخطورة في تنشئة الطفل، خاصة في الأسر التي تَخرُج فيها الأم لميدان العمل.
فدور الآباء في عملية التنشئة الاجتماعية والتربية له أهمية كبيرة ومباشرة؛ حيث إن الأب يمنح أطفاله الشعور بالتقارب والالتصاق والمحبة، وتهيئة الجو المناسب لتنمية مواهب الطفل وقدراته، وإشباع الحاجة إلى التقدير، وتعلُّم كيفية التعامُل مع الآخَرين، وتكوين الاتجاهات النفسية نحو الناس والأشياء والمبادئ.
كما أن الأب يُمثِّل للأبناء نموذجًا للكفاح والمثابَرة في العمل؛ مما يُتيح الفرصة أمامهم لتقليده، ويَنعكِس ذلك على التحصيل الدراسي؛ فالأب يساعد الطفل على خَلقِ الدوافع التي تعمل على إبراز قدرات الطفل نحو التعلم واكتساب المعرفة الجديدة، كما أن الأب يعمل على أن يكون جهد الأبناء موجهًا نحو الواجبات المدرسية، كما أنه يُتيح للأبناء فرصة التحدُّث عن خبراتهم المدرسية ومشكلاتهم ومخاوفهم؛ مما ينعكس على مستوى تحصيلهم الدراسي؛ حيث إن الأبناء يَكتسِبون من خلال الأب العديد من الخبرات التربوية التي تجعل لديهم خبرات مختلفة تعمل على توجيه نشاطاتهم.
ولكي تستطيع القيام بهذه المهام بنجاح، وكي لا تكون أبًا شكليًّا؛ فهناك بعض النصائح التي يجب الالتزام بها في علاقتك مع أبنائك:
• لا تتحدَّث مع أبنائك مِن برج عاجيٍّ، بل انزل لمستواهم جسديًّا وفِكريًّا، فإذا كان يلعب على الأرض بلعبة مثلاً، فلا تقف شامخًا بجواره وتسأله: ماذا تفعل؟ بل اجلس بجواره، وأبدِ له مدى إعجابك بهذه اللُّعبة.
• لا تنهَ أبناءك عن شيء وتفعل أنت هذا الشيء، كأن تقول لابنتك مثلاً: إنه لا توجد صداقة بين بنت وولد، وتطلب منها عدم التحدُّث مع زملائها الذكور في الدراسة، في حين تتَّصل بك بعض زميلاتك في العمل على الهاتف في المنزل أمام ابنتك للتهنئة في بعض المناسبات المختلفة، فهنا تظهر وكأنك تقول ما لا تفعل.
• لا تأمر أبناءك بشيء ولا تُتابعهم في أدائه، كأن تقول لابنك - مثلاً -: اذهب وحلَّ عددًا من المسائل في الكتاب، ثم لا تُتابعه إلى أين وصل، وما الإجابة التي كتبَها، فهنا تبدو أمام ابنك بصورة مُتذبذِبة؛ لأنك تأمر دون متابعة، كأنك تقوم بتلك التوجيهات لمجرَّد أنك والدهم دون مبالاة بأهمية أو خطورة الأمر.
• لا تقارن بين ابنك وغيره من الأقارب والإخوة، خصوصا إذا كانت هناك فروق فردية في المستوى بينهم، فعلى سبيل المثال لا تقل له: إن فلانًا أفضل منك، ويَحصل على أعلى الدرجات، وهو يعلم أن "فلانًا" يجلس معه والده ليَستذكر له دروسه، وأنه يأتي له بالمُدرِّسين الذين يُساعدونه في تحصيل دروسه، أما أنت فلا تهتمُّ به، وتركِّز كل اهتمامك على أمره بالمذاكرة وكتابة الواجبات.
• حاول أن يكون حديثك مع أبنائك بسيطًا ومختصَرًا، وليس معقَّدًا؛ لأن الأطفال بصفة عامة قليلو التركيز، ويتشتَّت انتباههم بسهولة وسرعة.
• احرص على مناداة أبنائك بأسمائهم عندما تتحدَّث معهم، وليس مثلاً بـ (يا ولد أو يا شاطر)؛ لأن عالم الطفل يَنحصِر في نفسه والمُحيطين به مِن العائلة والأهل والأصدقاء المُقرَّبين، واذكر لهم طبيعة صلتك بالمُقرَّبين،؛ فمثلاً الطفل دائمًا يُردِّد كلمة "جدِّي"، ويُحبُّه، ولكن لا يَخطر ببال الأب أبدًا أن الطفل لا يعرف أن الجدَّ هو والد الأب أو والد الأم، فقد يُفاجأ الأب يومًا، وفي أثناء حديثه - وبالصدفة - عن علاقته بوالده "الجد" أن الطفل الصغير يسأله: هل جدي يكون والدك يا أبي؟ لذلك يجب أن يشرح الأب لابنه علاقته بهؤلاء الأقارب.
• لا تستخدم لغة الطفل وصوته في الكلام؛ فالطفل رغم أنه لا يستطيع بعدُ أن يتحدَّث مثل الكبار، إلا أنه يَفهمهم جيدًا؛ لذلك لا تقلِّد نطق الطفل الغريب لبعض الحروف والكلمات؛ لأن ذلك قد يُعوِّد الطفل على الخطأ.
• لا تَزِد على ابنك من الأعباء إذا وجدته مُرهقًا مِن عمل معيَّن، وتترك إخوته الذين كانوا في راحة ولعب، كما لا تُحمِّله ما لا طاقة له به.
• لا تُكثِر مِن أمره بالمذاكرة، بل احرص على تنظيم وقته، وعوِّده أن هناك وقتًا للمُذاكَرة وآخَر للراحة واللعب.
• لا تُكثِر مِن كلمات: "إني أتعب مِن أجلكم"، أو "إني أقضي اليوم كله في العمل مِن أجل توفير المال والراحة لكم"؛ لأنهم يعلمون أن كل الآباء يَتعبون مِن أجل أبنائهم، ولكن عليك ببثِّ روح الأمل فيهم، كأن تقول لهم: "أحب أن أراكم أفضل مني"، "أحب أن أراكم متفوِّقين"، وهكذا.
• اعلم أن الابتسامة، أو التحية البسيطة، لها أثر كبير عند معظم الأطفال، كما أن لقِطعة الحلوى أو الشيكولاتة أثرًا كبيرًا في كسر الجمود الذي قد ينشأ بينك وبين ابنك، ولا تنسَ أيضًا كلمات التشجيع والاحترام.
• يجب ألا تغيب عن الأسرة طويلاً وتترك كل التربية للأم؛ فتغيُّب الأب عن الأسرة وتركه كل التربية للأم قد يسبِّب القلق والحزن للأطفال.
• يجب أن تكون سلطة الأب هادئة وعادلة، وتَسير على الصواب؛ حتى ينشأ الأبناء على الحب والودِّ والتعاون وعدم الخَوف، وعلى العكس فشخصية الأب الدكتاتور الذي يتولى كل شيء في المنزل بنوع مِن القَسوة والعِقاب والحِرمان، هذا الأب في الواقع ضعيف ويريد أن يُثبِت وجوده باتباع أسلوبه الخشن مع زوجته وأطفاله، ويَميل أبناء مثل هذا الأب إلى القلق والشعور بالكَبت؛ مما يؤدي إلى الثورة والتمرُّد في وجه السلطة الأبوية.
وعلى كل حال، فالجو الأسري المتكيِّف السليم يلعب دورًا مهمًّا في تكيُّف الطفل في المُستقبَل، فيجب أن يكون جو المَنزل جوَّ هدوء يُساعد على راحة الأعصاب وممارسة الهوايات؛ مثل القراءة والكتابة والألعاب.