سميح القاسم شاعر المقاومة لن يسكت أبداً
عمّان ـــــــ كوثر حمزة
لن أنسى ذلك الحدث الذي حصل لي مع الشاعر الفلسطيني سميح القاسم حين زار عمّان مع وفد من فلسطين، وكنت حينها لا أعرف عن سميح القاسم الشيء الكثير سوى من كتب المدرسة ضيقة الأفق.
لقد كنت صدفة في نفس المكان الذي تواجد فيه القاسم مع بعض الصحفيين وصديق له وكنت أنا غير مكترثة بهذه الشخصية التي أمامي، إلى أن مر هذا اليوم وأخبرت الآخرين أنني رأيت سميح القاسم فانطلقت منهم صرخة وفرحة "سميح القاسم مرة واحدة...ماذا فعلتِ" ولكني لم أفعل شيئا، وحين مرت الأعوام التي عرفت فيها عملاق الشعر الفلسطيني سميح القاسم أدركت سذاجة تلك اللحظة.
ولد سميح القاسم في قرية الرامة عام 1939 ويعتبر من أهم الشعراء العرب والفلسطينيين الذي ارتبط اسمهم بالمقاومة من داخل أراضي الـ48 والذين أغنوا الثقافة العربية بأشعار خالدة.
حين كان سميح طفلا حصلت معه حادثة رويت له حين كبر، وقد تركت أثرها في نفسه إذ كان والد سميح القاسم يعمل ضابطا برتبة كابتن في الأردن وكان يعيش مع عائلته، وفي طريق عودة العائلة إلى فلسطين في القطار وفي فترة الحرب العالمية الثانية التي كان يشهدها العالم آنذاك وفي القطار بكى سميح الطفل بكاء شديدا مما أصاب ركاب القطار بالذعر خوفا من أن تهتدي لهم الطائرات الألمانية فهددوا بقتل الطفل لكن والده أشهر سلاحه لردعهم، وحين سمع سميح القاسم هذه القصة قال "حسنا.. لقد حاولوا إخراسي منذ الطفولة، سأريهم، سأتكلم متى أشاء وفي أي وقت وبأعلى صوت، لن يقوى أحد على إسكاتي".
وكتب سميح القاسم 60 عملا عن المعاناة والكفاح في فلسطين وعن الحب والألم والأمل، يقول في قصيدة "للذين أبصروا" من كتاب النصف المعتم من التفاحة.. النصف المضيء من القلب:
أعددت للملائكة
حديقة فسيحة في جسدي
وللنفوس الهالكة
مقبرة في جسدي
أعددت للعميان يومي كله
وللذين أبصروا
تركت أمسي وغدي
ويقول في قصيدة الظل والاستثناء معبرا بطريقة عبثية عن الحياة:
لحظات وتقبل الأسماء
لحظات وترحل الأسماء
فاسمعوني
ملء الزمان اسمعوني
لم تلدني أمي
ولم تبصروني
أنا ظلي
وأنتم استثناء
سجن سميح القاسم أكثر من مرة لآرائه السياسية والوطنية من قبل الاحتلال الإسرائيلي، كما وضع رهن الإقامة الجبرية والاعتقال.
وكتب في الشعر والقصة والمسرح والمقالة والترجمة، كما وترأس سميح اتحاد الكتاب العرب والاتحاد العام للكتاب العرب الفلسطينيين في فلسطين منذ تأسيسهما ورئس تحرير المجلة الفصلية الثقافية "إضاءات" .
نال سميح القاسم عديدا من الجوائز وشهادات التقدير فحصل على جائزة غار الشعر من إسبانيا وجائزة البابطين وجائزتين من فرنسا وحصل على وسام القدس للثقافة من الرئيس ياسر عرفات وحصل على جائزة نجيب محفوظ من مصر وجائزة السلام من واجة السلام وجائزة الشعر الفلسطينية.
ومن منا لا يعرف قصيدة "منتصب القامة أمشي، مرفوع الهامة أمشي، في كفي قصفة زيتون وعلى كتفي نعشي، وأنا أمشي وأنا أمشي"، التي كتبها الشاعر سميح القاسم بروح المناضل والإنسان صاحب القضية التي حملها على كاهله شعريا في البداية مع الشاعران محمود درويش وتوفيق زياد إلى أن غادر الشعراء الثلاثة أرض المعركة تاركين مقولاتهم أغانٍ تتردد في ذهن الجيل الذي تربى على الشعر منبرا للتعبير