الحرب البرية
د. رحيّل غرايبة
كثير من المحللين السياسيين يذهبون إلى أن استحقاق الحرب البرية في سورية لا محالة، إذ أن القصف الجوي الذي يقوم به طيران التحالف ضد داعش والمجموعات المسلحة لن يكون حاسماً في نتيجة المعركة حتى لو كان موجوداً ومؤثراً، مما يقتضي التفكير في تحويل التفوق الجوي إلى إنجاز ملموس على وجه الأرض.
يبدو أن هذا الأمر محل اتفاق لدى أصحاب العقل العسكري، ولكن ما هو شكل الحرب البرية؟ وما هي أطرافها؟ ومن هو صاحب القرار بشن الحرب البرية؟ ومن هي الجيوش التي سوف تشكل القوة الضاربة في القوات البرية التي سوف يوكل إليها أعمال الحسم العسكري، في ضوء القرار الأمريكي والدولي، وفي ضوء السياسية الأمريكية بعدم الزج بقوات أمريكية برية في هذه المعركة والاكتفاء بالضربات الجوية، والمشاركة في إرسال الخبراء وعدد من القيادات العسكرية، مما يؤدي بالمحللين السياسيين إلى الذهاب ببعض التوقعات بأن صلب القوات البرية سوف يكون عربياً، مع الأخذ بعين الاعتبار بعض التصريحات الصادرة عن بعض المصادر العسكرية العربية.
هناك تكهنات حول تشكيل قوة عربية برية تتشكل من السعودية والأردن والإمارات قوامها (150) ألف عسكري بقيادة أمريكية، من أجل القيام بمهمة الحسم البري ضد داعش على الأرض السورية.
لكن هناك جملة من الاعتبارات لا يمكن إغفالها، لأن هناك روسيا التي تمارس دوراً عسكرياً مباشراً على الأرض السورية، حيث استطاعت روسيا تغيير موازين القوى بين الأطراف المتصارعة لصالح النظام والجيش السوري النظامي، ويلاحظ أن الجيش السوري يتقدم على الأرض في مناطق مختلفة، سواء باتجاه حلب في الشمال، أو باتجاه درعا في الجنوب، مما يجعل التدخل البري العربي في سوريا محل تساؤل، فهل سيكون بالتنسيق مع روسيا والنظام السوري والجيش السوري وإيران وميلشيات حزب الله الفاعلة في الميدان؟ وهذا يبدو أنه مستغرب، لتناقض المحورين على الصعيد الاستراتيجي والتكتيكي، أم ستكون المواجهة البرية ضد روسيا وحلفائها وهذا اشد غرابة! مما يجعل أمر التدخل البري العربي من خارج حدود سوريا أمراً ضعيفاً إذا لم يكن مستحيلاً،او ربما يكون ذلك احدى الالاعيب الدولية الحديثة.
هناك من يذهب إلى القول أن المسألة لا تعدو كلاماً إعلامياً، لرفع معنويات الجماعات المسلحة وثبوتها في وجه التدخل الروسي، وهناك من يعزز هذه الفرضية في ضوء الدور السعودي العسكري في اليمن؛ الذي يحتاج إلى جهود كبيرة ونفقات باهظة فاقت التوقعات، وما زالت معرضة لزيادة أمد الصراع.
بالنسبة للأردن فهو أمام حسبة معقدة، فهو يجمع بين عقد اتفاق مع الروس، مع موقف مؤيد للخطوات السعودية وتحالفها، في الوقت الذي يعلن فيه الحرب على داعش، وتأييد الحل السياسي في سوريا، بالتنسيق مع الأمريكان، مما يجعل مشاركة الأردن في الحرب البرية محلا لحسبة لا تخلو من المغامرة التي تتسم بالخطورة، مما يقتضي الحرص الشديد على قراءة المعادلة الدولية بدقة وقراءة المعادلة الإقليمية بحكمة ورويّة بالغة الأناة؛ من أجل المحافظة على الدولة الأردنية والمحافظة على مؤسساتها وعى رأسها المؤسسة العسكرية من الانجرار إلى الدخول في الدوامة السورية أو المحرقة العراقية بعيداً عن رؤية استراتيجية واضحة المعالم وجلية الآثار والانعكاسات على مستقبل الأردن.
عن الدستور