الحرم الإبراهيمي بين جرائم الاحتلال وخطايا أوسلو
بمرافقة أفواج من قادة الاستيطان في الضفة الغربية المحتلة اقتحم رئيس دولة الاحتلال الإسرائيلي الحرم الإبراهيمي الشريف في مدينة الخليل، متذرعاً بإضاءة شمعدان يدشن احتفالات ما يسمى «عيد الأنوار» اليهودي. وكما يحدث في كل اقتحام مماثل أغلقت سلطات الاحتلال المسجد أمام المصلين والزوار طوال ساعتين، كما منعت رفع أذان العصر والمغرب.
وفي أواخر أيلول/ سبتمبر الماضي كان جيش الاحتلال قد عمد أيضاً إلى إغلاق الحرم الإبراهيمي احتفاء بما يسمى «عيد العُرُش» واستمر الإغلاق يومين، وترافق مع إزالة سجاد المسجد، وتعليق رفع الأذان، وفتح أقسام الحرم أمام قطعان المستوطنين لأداء صلوات تلمودية صاخبة. ويعاني الحرم إجراءات تنكيل إسرائيلية متنوعة خلال العديد من المناسبات الدينية اليهودية، وخاصة أعياد السنة العبرية، والغفران والتوراة.
لكن الأحقاد الإسرائيلية ضد الحرم الإبراهيمي ومدينة الخليل عموماً لا تقتصر على سلطات الاحتلال وحدها، بل تضرب بجذورها عميقاً في نفوس غالبية المستوطنين الـ400 الذين يحتلون المدينة تحت حراسة 1500 جندي إسرائيلي. وليست بعيدة في التاريخ مجزرة الحرم التي ارتكبها باروخ غولدشتاين يوم 25 شباط/ فبراير 1995، بمشاركة مستوطنين آخرين وتحت سمع وبصر جيش الاحتلال، وسقط فيها 29 شهيداً فلسطينياً وجُرح العشرات.
كذلك لا تتوقف الأحقاد عند انتهاكات الاحتلال الفاضحة لحقوق الإنسان وحرمة بيوت العبادة، بل تتعداها إلى خروقات أكثر استهتاراً بالقانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة وبنود اتفاقية أوسلو واتفاقية الخليل وسواها من تفاهمات أبرمتها دولة الاحتلال مع السلطة الوطنية الفلسطينية. وضمن عمل منهجي مدروس لتبديل هوية المسجد الإبراهيمي التاريخية والدينية والمعمارية، كانت وحدات الهندسة التابعة لجيش الاحتلال قد باشرت سلسلة مشاريع لإقامة مصعد وجسر ومسالك اقتحام.
ولم يكن غريباً أن تبدأ تلك المشاريع بقرار من نفتالي بينيت حين كان وزير الدفاع في حكومة بنيامين نتنياهو، وأن تستمر اليوم بقرار من وزير دفاع الاحتلال الراهن بيني غانتس في حكومة بينيت. ومن المعروف أن لجنة التراث العالمي التابعة لمنظمة اليونسـكو كانت منذ عام 2017 قد أدرجت الحرم الإبراهيمي على لائحة التراث العالم، أسوة بالبلدة القديمة في الخليل.
وهذه الانتهاكات تبرهن مجدداً على أن للاحتلال سياسة واحدة متشابهة بصدد الحرم ومدينة الخليل وسائر مدن وبلدات وقرى الضفة الغربية، بصرف النظر عن تبدل الحكومات وتغيّر اسم هذا الوزير الإسرائيلي أو ذاك. الأمر ينطبق أيضاً على موقع رئيس الدولة، الذي يحرص التطبيل الصهيوني لـ«ديمقراطية» الاحتلال على تنزيهه عن خلافات الأحزاب وسياسات الحكومات، إذ برهن اقتحامه للمسجد الإبراهيمي بهدف إشعال شمعدان ديني على أنه ليس سوى رئيس كيان عنصري ديني متجرد من كل «علمانية» مزعومة، وأول من ينتهك الحقوق ويخرق القانون.
جدير بالتذكير أيضاً أن ما عانته وتعانيه مدينة الخليل والحرم الإبراهيمي ليس نتاج سياسات احتلال استيطاني عنصري هو الأسوأ على مدار التاريخ فقط، ولكنه أيضاً أحد مساوئ التفاوض الفلسطيني الذي أنتج اتفاقيات أوسلو وترك من خلالها عشرات الثغرات والقضايا المعلقة، وهذا رغم أن الاحتلال الإسرائيلي لا يحتاج إلى ذرائع تبرر جرائمه.