لا تعرف الدول العربية نبتة الكاكاو بسبب الأحوال الجوية غير المناسبة لزراعتها، ومع هذا كالكثير من دول العالم، تعتبر من الدول المغرمة بشراب الكاكاو الساخن والأهم من هذا مادة الشوكولاته، التي تصنع من حباتها، ولا تحتاج إلى تعريف، ويصعب تخيل العالم ومطابخه المتعددة وحلوياته من دونها.
ورغم التحذيرات الكثيرة من آثار الإكثار من تناولها على الصحة فإن هناك الملايين من الناس المدمنين على الشوكولاته ويعجزون عن الإقلاع عن عادتهم أو التخلص من إدمانهم.
وفيما هناك الكثير من الدول التي تنتج أنواعه الفاخرة مثل فنزويلا ومناطق المايا وساحل العاج والكاريبي، فإن هناك الكثير من الدول التي اتقنت صناعة الشوكولاته وأخذت قطاعها إلى أعلى المراتب، ومن هذه الدول بالطبع سويسرا وإيطاليا وألمانيا والنمسا وفرنسا وإسبانيا.
تعرف نبتة الكاكاو Cacao)) علميا باسم «ثيوبروما كاكاو» (Theobroma cacao) ، وهي من جنس «ثيوبروما» (Theobroma)، الذي يعود إلى العائلة «مالفاكيا» (Malvaceae) النباتية، التي تضم حوالي 2300 نوع من أنواع نبات الخباز (mallow) أو ما يعرف بـ«النباتات المزهرة».
ويعني الاسم العلمي للكاكاو «ثيوبروما» «طعام الآلهة»، وكلمة كاكاو نفسها جاءت من كلمة cacahuatl في لغة Nahuatl الازتية (Aztec) (تعني الماء المر ). وبدأ استخدامها بكثرة بعد وصول الإسبان إلى القارة الأميركية.
وفي لغة ألمايا القديمة، خصوصا في مناطق «ميسو- أميركا» (Mesoamerica)، كان يطلق عليها أيضا اسم كاكاو (kakaw)، وهناك أسماء مشابهة استخدمت في إسبانيا منذ قرون طويلة.
ومع هذا لم يعتمد الاسم العلمي للكاكاو إلا عام 1735.
وهناك خلاف بالطبع حول أصل النبتة، التي يتراوح معدل طولها بين 4 و8 أمتار ، كما هو الحال مع الكثير من النباتات، لكن من المؤكد أنها من المناطق الاستوائية في أميركا الوسطى وجنوب المكسيك.
وكان يعتقد البعض أنها انتقلت من جنوب شرقي المكسيك إلى حوض الأمازون، حيث تمت زراعتها على نطاق واسع في منطقة لاكاندون في المكسيك والمناطق المنخفضة في أميركا الجنوبية.
وتقول الأبحاث الجينية الأخيرة، إن النبتة جاءت من مناطق الأمازون ومن هناك نقلها الناس إلى أميركا الوسطى وما يعرف بـ«ميسو- أميركا»، (التي تمتد من وسط المكسيك إلى هندوراس ونيكاراغوا.
وتتوفر النبتة حاليا بكثرة في سفوح جبال الإنديز، خصوصا حوضي نهري الأمازون وارينو كو، لأنها مناطق حارة تتلقى ما يكفي من الأمطار.
ويستخدم من النبتة، التي تعتبر صغيرة نسبيا وتفضل الظل، حباتها الموجودة في القرون الكبيرة التي تنتجها.
وعادة ما يحمل القرن بين 30 و50 حبة كاكاو غنية بمادة «ثيوبرومين»، التي تشبه الكافيين في مفعولها، وهي موجودة أيضا في أوراق الشاي.
وعادة ما تحتاج النبتة أو شجرة الكاكاو إلى خمس سنوات لتبدأ بالعطاء، ويقال إن الشجرة الناضجة والقوية تنتج حوالي 6 الآف زهرة أي ما يكفي للحصول على 20 قرنا.
ولانتاج كيلو واحد من خلاصة الكاكاو أو معجونه يحتاج الفرد إلى 10 قرون أو ما لا يقل عن 500 حبة.
ورغم وجود أكثر من 22 نوعا من أنواع الكاكاو، فإن أكثر الأنواع انتشارا واستغلالا لانتاج الشوكولاته وبودرة الكاكاو، هو «تي كاكاو» (T. cacao).
وكان يعتقد أهل المايا منذ القدم أن «الآلهة» هي التي اكتشفت الكثير من النباتات في المناطق الجبلية العالية ومنها الكاكاو. وأن أحد الآلهة وهو «ثعبان طائر» – حسب ميثولوجيا المايا – وهب الكاكاو للمايا بعد خلق الإنسان من حبة الذرة من قبل جدة الآلهة خموكين.
وأصبح للكاكاو في تلك الخرافات القديمة إله بحد ذاته يدعى «إيك شوا» (Ek Chuah) يحتفل به سنويا في شهر أبريل (نيسان) من كل عام.
وحسب التقاليد يجب تقديم فدية لهذا الإله أو ضحية خلال الاحتفال يستخدم خلالها البخور والريش وأحيانا الحيوانات.
وفي الحضارة الازتية لا تختلف الأمور كثيرا لأهمية النبتة وثمرتها الغالية الثمن تاريخيا وحضاريا بالنسبة للكثير من المجتمعات البدائية، إذ إن الإله «كويتزلكواتيل» هو الذي اكتشف الكاكاو في الجبال إلى جانب النباتات الأخرى، ولطالما قدمت حبات الكاكاو الملونة بالدم للآلهة وللرهبان كأضحية.
وكان يحرم على النساء والأطفال في تلك الأزمنة ملامسة الكاكاو، خصوصا حباته، وكان ذلك حكرا على الرجال لاعتقاد الناس أنه سام وذو مواصفات خارقة.
ولأهميته في تلك الأزمنة أيضا كانت حبات الكاكاو تستخدم خلال الاحتفالات الدينية ولغايات طبية إضافة إلى غاياتها المطبخية أو الشوكولاته لاحقا.
وتقول الموسوعة الحرة في هذا الاطار إن أهل المايا استخدموا الكاكاو مع العسل والحر والذرة والفانيليا.
وهناك إثباتات أثرية جديدة بأن حبات الكاكاو استخدمت في الكثير من الوصفات القديمة في غواتيمالا، وعثر على آثارها في الفخاريات التي عثر عليها في هندوراس، التي يعود تاريخها إلى القرن 1100 ما قبل الميلاد.
كما عثر على الكثير من المواقع التي كانت تركز على انتاج الشوكولاته وشراب الكاكاو من حبات الكاكاو ويعود تاريخها أيضا إلى عام 400 قبل الميلاد.
وفيما كانت تستخدم الحبات للتدخين مع التبغ، عثر على اسم الكاكاو باللغة الهيروغليفية المايية (التي تعبر بالرسوم والحيوانات، كما هو حال لغة الفراعنة)، مما يدل على عمق العلاقة بين النبتة والناس في أميركا الوسطى والكثير من المناطق المحاذية.
وتقول المعلومات المتوفرة تاريخيا، إن الكاكاو استخدم ما قبل الحضارة الكولومبية الميسو- أميركية، كشراب وكعملة يتم التداول بها في الأسواق، وبقي أهل منطقة يوكاتان في المكسيك يستخدمونها كعملة حتى منتصف القرن التاسع عشر.
كما كانت الإمبراطورية الازتية تتسلم 980 مقدارا من الكاكاو (المقدار يضم 8000 قرن).
وكان الفرد بحاجة إلى قرن أو قرنين، أي إلى 50 أو 100 حبة لشراء رداء عادي آنذاك.
كريستوفر كولومبس، كان أول أوروبي يرى النبتة، وتم ذلك عن طريق المصادفة، وبعد عثوره على حبات الكاكاو في أحد القوارب المحلية القريبة من خليج غواناجا في الهندوراس عام 1502 (البحر الكاريبي).
واعتقد كولومبوس في البداية أنها نوع من أنواع اللوز، قبل أن يتعرف على حقيقة النبتة ومصادرها الغنية.
وبالطبع جلب كولومبوس الثمرة الممتازة إلى إسبانيا ومنها إلى الكثير من البلدان الأوروبية، إلا أن الأوروبيين لم يتعرفوا على الشوكولاته التي كانت تعد على شكل شراب في البداية، إلا في عام 1519 وأثناء اجتماع بين الإسبان وإمبراطور الازتاك في العاصمة تينوشتيتلان.
وسجلت الأوراق التاريخية أن الإمبراطور كان يشربه بكثرة وكان الناس يحاولون التقاط بقايا الشراب في أو فرصة تسنح لهم، لكن شراب الكاكاو أو الشوكولاته لم يصل إلى إسبانيا إلا بعد ذلك بسنوات طويلة وبالتحديد عام 1544، وتم ذلك أثناء تقديم الهدايا إلى الملك فيليب من قبل نبلاء المايا.
ولم يبدأ استغلال الكاكاو أو الشوكولاته في الطبخ والمطبخ ولغايات طبية، في أوروبا بشكل عام إلا بعد قرن على تلك الهدية الثمينة، حيث انتشر في فرنسا ثم بريطانيا وبعدها بقية الدول الأوروبية الغربية التي بدأت تخلطه بالسكر والحليب.
وبسبب ارتفاع الطلب على مادة الشوكولاته في فرنسا، بدأ الفرنسيون يستغلونه على نطاق واسع عبر الزراعة المكثفة في جزر الكاريبي، التي تناسب النبتة من حيث الأحوال الجوية المطلوبة.
ووسع الإسبان أثناء ذلك مزارعهم الكثيرة في الفيليبين في القارة الآسيوية.
ولا يزال الكثير من المكسيكيين يشربون شراب الشوكولاته الذي كان يستخدم قبل وصول الإسبان إلى القارة الأميركية، ومنه مشروب شهير يطلق عليه اسم «تيجاتي».
وحتى عام 2002 كانت ساحل العاج أكثر الدول المنتجة للكاكاو في العالم، إذ حازت آنذاك 43 في المائة من الإنتاج العالمي بـ1.1 مليون طن.
وكانت إندونيسيا وراء ساحل العاج بنسبة 15 في المائة ( 420 ألف طن)، وبعدها غانا بنسبة 13 في المائة ( 350 الف طن)، ومن ثم نيجيريا بنسبة 6 في المائة (170 الف طن)، والبرازيل والكاميرون كل منهما بنسبة 4 في المائة (125 ألف طن).
أما بقية الدول المهمة من ناحية الإنتاج فهي ماليزيا والإكوادور وجمهورية الدومينكان وكولومبيا والمكسيك بابوا نيو غينيا وتوغو والهند والفيليبين والكونغو وجزر سولومون وسيراليون وفنزويلا والبيرو حسب المعلومات المتوفرة من المنظمات الدولية المعنية.
وتشير الأرقام إلى أن إنتاج الكاكاو في العالم ارتفع من 1.5 مليون طن بين 1983 و 1984 إلى 3.5 مليون طن عام 2004.
ويعود هذا الارتفاع إلى زيادة مساحة الأراضي المزروعة في تلك الفترة، ومن الكثير من المزارع الجديدة، ما هو مختص باستخدام التقنيات الزراعية الأخيرة لإنتاج أكبر كمية ممكنة في أقصر وقت ممكن، أي أن هذه المزارع للانتاج المكثف والصناعي والاستهلاكي، لكن لا تزال معظم المزارع القديمة تتبع الوسائل التقليدية في إنتاج الحبة الطيبة والغالية الثمن.
وتشير الأرقام إلى أن 80 في المائة من الكاكاو المستهلك حول العالم من نوع «فوراستيرو جروب» الرخيص نسبيا، ويعني الاسم بالإسبانية «الغريب»، لأنه ينتج في أفريقيا.
ويستغل هذا النوع بكثرة بسبب قوة أشجاره ومقاومتها للأمراض وكثرة إنتاجها، ولأن طعم هذا النوع ليس قويا ما يكفي، تتم إضافة أنواع أخرى (أفخر)، لمنحه بعض الرائحة العطرة والطعم اللذيذ.
ويلي ذلك 10 في المائة من نوع «كريلو غروب»، الذي يعتبر أفخر وأغلى نوع في العالم وينتج عادة في مناطق المايا القديمة، ويعني الاسم «المواطن»، لأن موطنه فنزويلا التي تنتج عادة أفخر أنواع الكاكاو في العالم.
ويزرع هذا النوع في فنزويلا في مزارع صغيرة خاصة بالكاكاو، ورغم أن أشجاره ضعيفة ولا تنتج بوفرة، فإنها الأفضل وحباتها أكثر الحبات احتواء على مادة «ثيوبرومايد» (Theobromide) الأساسية من بين جميع أنواع الكاكاو.
ومن مواصفات هذا النوع المهم أنه «سلس» الطبيعة وقوي المذاق رائحته حلوة خفيفة، ثم نوع «ترينيتاريو»، الذي يعتبر نسخة معدلة من الاثنين بنسبة 10 في المائة.
ويزرع هذا النوع بكثرة في مجموعة جزر الانتيل التي تضم ما يعرف بالـ«وست انديز» في الكاريبي. وهو نوع مقاوم للأمراض، وتحول الكثير من المزارع حاليا إنتاجها من «كريلو» إلى هذا النوع بسبب حسناته التجارية.
وتقول الخرافات إن الإعصار دمر مزارع الإسبان في القرن السابع عشر في جزيرة ترينيداد التي كانت تنتج نوع «كريلو»، ولأن الإسبان اعتبروا أن الأشجار ماتت فقد عملوا على زراعة نوع «فوراستيرو» مكانها، لكنهم انتهوا بالنهاية بنوع جديد بين الاثنين وهو «ترينيتيرو».
و99 في المائة من الكاكاو المستغل بشكل عام يذهب لانتاج الشوكولاته دون غيرها.
ولمعرفة أهمية الكاكاو والشوكولاته بالتحديد، يصرف سكان الولايات المتحدة الأميركية وحدها حوالي 13 مليار دولار في السنة على منتجات الكاكاو المختلفة.
ولأن الكاكاو يحتوي على الدهون وفيتاميني «إيه» و«سي»، وبعض المعادن، خصوصا المغنيزيوم والسلينيوم، أضف إلى ذلك مادتي الثيوبرومين والكافايين، فإن الكاكاو مفيد جدا للكثير من الأعراض والأمراض.
وبسبب هاتين المادتين يعتبر الكاكاو من المنشطات والمواد التي تخلص من آثار التعب والإرهاق، كما يساهم الكاكاو في مساعدة الجهاز التنفسي وعلاج نزلات البرد.
كما يعتبر الكاكاو من المواد المحسنة للمزاج العام والمخفضة لضغط الدم ومن المساعدة للجهاز الهضمي، خصوصا المعدة، كما أن هذه الثمرة القوية تضم الكثير من المواد المضادة للأكسدة والحامية لأنسجة الجسم والقلب.
وفضلا عن حسنات الكاكاو في مواد التجميل وحمايته للبشرة وطراوتها، فإن سكان أميركا الوسطى القدماء استخدموها لعلاج السعال وأثناء الإنجاب وعلاج الحروق، كما هو الحال حالياً مع المراهم.