بـنـوراما 2016 و بـنـونـاقـا 636…بقلم الدكتور ناصر نايـــف الـبـزور
في تشرين ثاني من عام 636 يقرر بطريرك بيت المقدس صفرونيوس تسليم مفتاح المدينة المُقدَّسة بشرط أن يتسلّمه منه الخليفة الراشد عمر بن الخطاب رضي الله شخصياً! ينطلق ابن الخطاب من المدينة المنوَّرة، و يقود عمر راحلته “البانوراما” موديل 636 الفخمة برفقة غلام.
يتناوب الخليفة والغلام والدابة أشواط الراحة! فيركب عمر الناقة تارة فيما يمشي الغلام، ثم ينزل عمر فيركب خادمه تارة أخرى و يمشي عمر؛ ثم يمشي كلاهما لإراحة الناقة! تستمر هذه العملية مسيرة 2400 كيلومتر بهجيرها ولياليها و تعبها و عطشها: زادٌ قليل، لهيبٌ قاتل، و شُقّة سفرٍ بلا تكييف ولا تبريد ولا تدليك؛ ولا مواكب حراسة؛ ولا ترفيه و لا مؤانسة غير سورة يس و ما تيَسَّر من القرآن الكريم!
و عندما يكاد عمر أن يصل إلى مُعسكر أبي عُبيدة الذي كان يُحاصر المدينة المقدَّسة، يضطر لعبور سبخة من الوحل على قدميه فيخلع نعليه و يحملهما على عاتقه فتتمَرّغ ساقاه بالوحل! فيما يطلبُ عمر من الخادم أن يركب الراحلة! و عندما يراه أبو عبيدة على هذه الحال المزرية يقول له: “يا أمير المؤمنين لو أمرتَ بركوب، فإنهم ينظرون إلينا”! فيغضب عمر و يتمَعَّـر و جهه و يُقرِّع أمين الأمّة وقائد جيوشها ويقول قولته التي تكتب بماء الذهب: “والله لو غيرك قالها يا أبا عبيدة لجعلته عبرة لآل محمد صل الله عليه وسلم!!! لقد كنا أذلة فأعزَّنا الله بالإسلام، فإذا ابتغينا عزاً بغير الإسلام أذلنا الله”!!!
و في المقابل، فقد تابعتُ اليوم موكباً رئاسياً مهيباً في أحد الدول المجاورة؛ لم يكُن هناك فتح لبيت المقدس و لا فتح للأندلس، ولا حتَّى فتح لقرية صغيرة في أدغال الأمازون بل ولا حتَّى فتح علبة سردين؛ بل كانت احتفالية لفتح الافواه بخطابات مكرورة “ما قـتَـلَت يوماً ذبابة” على رأي أحمد مطر! و مع ذلك فقد ضمَّ الموكب عشرات السيارات الفارهة جداً من مرسيدس بنز بانوراما؛ بالإضافة إلى الحراسات المُشَدَّدة من قوات الامن والجيش والمخابرات و “الزيطة والزنبليطة”! و الله إنَّ تكلفة ذلك الموكب قد تكفي لسداد العجز في ميزانية بعض الدول الفقيرة!
سينبري لي شخص من السحّيجة أو مِمَّن يعشقون المراء والمناكفة ليقول: “يعني بدكو رئيس دولة في القرن الواحد والعشرين يعيش مثل شخص في القرن السابع… انتو جماعة فقريّين و مُتخلَّفين”!
لِمِثلِ هؤلاء نقول ما يلي
(1) إنَّ ذلك الشخص الذي ركب “البانوناقة” و ليس “البانوراما” هو قائد اكبر امبراطورية في ذلك الوقت و ليس رئيس دويلة صغيرة؛
(2) لقد كان عمر فاتحاً لبيت المقدس ولو شاء لجاء و بمعيَّته جيشٌ جرّار من الحرس والخيل والخدم و الحشم؛
(3) لقد رأينا مثل هذه النماذج الراقية في القرن الواحد والعشرين في أرقى الدول الأوروبية عندما يركب رؤساء الدول و رؤساء الوزراة هناك عجلاتهم “بسكليتاتهم” للتنقُّل بين بيوتهم و عملهم؛ فهل هؤلاء فقراء أو متخلّفون؟
(4) بل ولقد رأينا ما يشبه ذلك من التقشُّف والتواضع في عالمنا العربي كـالرئيس محمَّد مرسي والرئيس المنصف المرزوقي؛ بل وفي الاردن لدى وصفي التل وسعد جمعة و غيرهِم!
أجَل لقد كنا أذلة فأعزَّنا الله بالإسلام وليس بالمال ولا بالجاه ولا بالمرسيدس ولا بالرولز رويس! الأمّة العربية والإسلامية تحتضر و هي تَمُر بأسوأ مراحل الانحطاط الفكري والعسكري في تاريخها عبر العصور؛ ولن يستقيم أمرُ هذه الامَّة حتّى ترى الشعوب قادتها يأكلون الطعام و يمشون في الأسواق و يقودون الدراجات الهوائية والسيارات غير الفارهة كما يفعل افراد السواد الأعظم من عامَّة الشعب!
و ما دامت الشعوب الكحيانة في واد والقادة البطرانة في واد آخر، فلا نهضة ولا إصلاح ولا عدل ولا تقَدُّم ولا ازدهار!
و عمار يا بلاد العرب عمار؛
و تحيا مرسيدس رمزاً للقوة والوحدة العربية!!!
و اللهُ أعلَمُ وأحكَم