لماذا فشل "داعش" في استهداف الأردن؟
التاريخ:20/2/2016 - الوقت: 11:01ص
تناول تقرير لمجلة "فورين أفيرز" الأسباب الموضوعية التي جعلت تنظيم الدولة "داعش" يفشل في ضرب أهداف داخل الأردن، رغم قيامه بعمليات حيوية في دول محيطة بالأردن.
وسلط التقرير الضوء على عدة عوامل أهمّها إقدام داعش على جريمة إحراق الطيار الأردني معاذ الكساسبة، الأمر الذي زاد حجم العداء داخل المجتمع الأردني ضد التنظيم باعتباره إرهابيا، حيث ارتفعت النسبة من 72% إلى 95%.
وأثنى التقرير على الحرفية العالية التي تتمتع بها الأجهزة الأمنية في الأردن من حيث التعامل بهدوء مع مختلف التحديات التي واجهت الدولة الأردنية.
(البوصلة) رصدت التقرير الذي ترجمته صحيفة "عربي21"، ولأهميته نضع الترجمة كاملة بين يدي القراء.
فورين أفيرز: لماذا لم يستهدف تنظيم الدولة الأردن؟
نشر موقع مجلة "فورين أفيرز" تقريرا للصحفي آرون ماغيد، يتحدث فيه عن السبب الذي منع تنظيم الدولة من استهداف الأردن، مع أنه ضرب جيرانه وأماكن أبعد منه.
ويقول ماغيد: "في النظرة الأولية، يبدو الأردن الهدف الرئيسي لما يطلق عليها الدولة، فقد ضرب تنظيم الدولة جيران الأردن كلهم"، مشيرا إلى أنه في أيار/ مايو 2015، نفذ التنظيم هجوما دمويا في مسجد في السعودية، وفي تشرين الثاني/ نوفمبر، ضرب طائرة روسية في مصر، وضرب التنظيم في العراق مركز تسوق في كانون الثاني/ يناير 2016، واستهدف قوات النظام لأكثر من عامين. ومنذ عام 2014 قتل تنظيم الدولة أكثر من 18 ألف عراقي، وفي عام 2015 قتل حوالي ألفي سوري.
ويشير التقرير إلى أن الأردن تواجه مشكلات اقتصادية خانقة، حيث ترتفع نسبة البطالة إلى حوالي 28.8%، بحسب أرقام منظمة العمل الدولية، مبينا أن الأوضاع الاقتصادية دفعت عددا من الأردنيين للانضمام لتنظيم الدولة، ويقدر عددهم بحوالي ألفي مقاتل، وأشارت دراسة لبنانية حديثة إلى ما قاله مساعد وزير الدفاع الأمريكي مايكل لامبكين، إن الاعتبارات المالية هي عامل مهم، لكنها بالتأكيد ليست العامل الأهم الذي يدفع المدنيين للانضمام إلى تنظيم الدولة.
وتقول المجلة: "بعبارات أخرى، فإن الأردن في ظروفه الاقتصادية وموقعه، يبدو الهدف الرئيسي لتنظيم الدولة، لكن الأخير لم ينفذ فيه أي عملية، ولا يزيد عدد القتلى في حوادث مرتبطة بالتنظيم على خمس حالات، مع أن الظروف المحيطة به تظل محلا للجدل، والسؤال: ماذا فعلت السلطات الأردنية كي تمنع وصول التنظيم إلى أراضيها؟".
ويجيب الكاتب عن هذا السؤال بالقول إن "حرق الطيار معاذ الكساسبة عام 2015 في سوريا كان لحظة وحدت البلد، وقبل الحادث بأشهر كانت نسبة 72% من الأردنيين تعتقد أن تنظيم الدولة هو تنظيم إرهابي. وارتفعت النسبة بعد مقتل الكساسبة إلى 95%، ووصفت جماعة الإخوان المسلمين المؤثرة القتل بـ(الجريمة الشنيعة)، لكن الغضب الشعبي على مقتل الكساسبة لا يفسر نجاح الحكومة الأردنية في منع هجمات التنظيم، فبعد هذا كله كشف التنظيم عن وحشية في كل مكان ذهب إليه".
ويكشف التقرير عن أن الحقيقة الثانية التي حمت الأردن مرتبطة بقدرة المؤسسة الأمنية، وينقل عن المؤلف المشارك في كتاب "تنظيم الدولة" حسن أبو هنية، قوله: "لدى الأردن خدمات أمنية وعسكرية قوية، رغم ما يعانيه من مشكلات اقتصادية".
وتلفت المجلة إلى أن المخابرات الأردنية تعد السابعة في العالم، بحسب تصنيف وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية، ولدى الأردن 100 ألف جندي في الخدمة الرسمية و 65 ألف جندي احتياط، مشيرة إلى أن المخابرات الأردنية لديها خبرة تعود إلى عقود في التعاون مع الأجهزة الأمنية الغربية في مجال مكافحة الإرهاب، ولدى "سي آي إيه" عناصر "مرفقة افتراضيا" مع المخابرات العامة الأردنية، وتتعاون الوكالتان في إدارة عمليات مشتركة في المنطقة وخارجها.
ويذكر المحلل ماغيد أن إحدى العمليات المهمة التي نفذتها المخابرات الأردنية، هي تزويد "سي آي إيه" بمعلومات قادت إلى مقتل زعيم تنظيم القاعدة في العراق أبي مصعب الزرقاوي، لافتا إلى أن المسؤول البارز السابق في الاستخبارات الأمريكية مايكل شوير أثنى على المخابرات الأردنية في صحيفة "لوس أنجلوس تايمز"، قائلا إن "المخابرات العامة في الأردن ذات نفوذ واسع في الشرق الأوسط أكثر من الموساد". وفي مقال كتبه جيفري غولدبيرغ في مجلة "ذا أتلانتك"، وصف المخابرات الأردنية بأنها "الأكثر قوة واحتراما بين المخابرات العربية".
ويستدرك التقرير، بأن الشجاعة العسكرية الأردنية لا تكفي لتقديم توضيح كامل للطريقة التي نجا فيها الأردن من هجمات تنظيم الدولة، فمصر لديها قوات عسكرية أكبر وذات تدريب عال، لكن هذا لم يمنع فرع تنظيم الدولة من رسم حدود له في سيناء.
وتعتقد المجلة أن الفضاء السياسي المفتوح نسبيا هو المفتاح الذي منع من هجمات التنظيم، مشيرة إلى أنه في أثناء الربيع العربي تبنى الأردن اتجاها سلميا من الثورات العربية، وقلل من وقوع الضحايا، خلاف ما حدث في سوريا وليبيا، اللتين استخدمت فيهما المؤسستان الحاكمتان الخيار الأمني، وهو ما أدى إلى تنفير قطاعات واسعة من السكان، وفتح المجال أمام ظهور تنظيم الدولة.
وينوه الكاتب إلى أن الملك عبدالله الثاني رد على التظاهرات المناهضة للفساد بحل حكومة سمير الرفاعي، وعقد الانتخابات البرلمانية عام 2013، فيما تجنبت الأجهزة الأمنية سياسة اليد الحديدية، على خلاف دمشق وبنغازي.
ويورد التقرير أنه "في مدينة معان، عندما اندلعت الاحتجاجات ضد قمع الشرطة، استقال وزير الداخلية حسين المجالي، وقامت الحكومة بعزل مدير الأمن العام توفيق الطوالبة، وبهذا الحسم تجنبت الحكومة توسع الاحتجاجات. وبعبارة أخرى، فقد تجنبت الحكومة توسع الاحتجاجات وتحولها إلى مواجهات دموية يستغلها المتطرفون، وردت على بعض مطالب السكان، ونشرت قوات الأمن في المنطقة".
وتنقل المجلة عن مدير مركز القدس في عمان عريب الرنتاوي، قوله: "يعد الأردن من بين عدد قليل من الدول العربية، رغم كونه ليس ديمقراطيا، ومع ذلك فإن لديه مساحة يمكن من خلالها للناس التعبير عن مطالبهم ومظاهر قلقهم".
ويبين ماغيد أن "دور الإسلاميين الأردنيين مهم، فقد رفض عدد من السلفيين البارزين، مثل أبي قتادة وأبي محمد المقدسي، إصدار فتاوى تدعو إلى ممارسة العنف ضد النظام الأردني، بل شجبوا علنا تنظيم الدولة، وكان المقدسي المرشد الروحي للزرقاوي، لكنه يعد تنظيم الدولة يتبع أيديولوجية (منحرفة)، وفي السياق ذاته، فإن أبا قتادة، الذي يدعم بحماس جبهة النصرة في سوريا، كان من الذين هاجموا بعنف قيام تنظيم الدولة بقتل الصحفيين الأجانب، ووصفه بأنه عمل (غير إسلامي)".
وبحسب التقرير، فإن هنالك علاقة متسامحة بين النظام الملكي وجماعة الإخوان المسلمين، وذلك على خلاف المعركة الدموية في مصر بين السلطة وجماعة الإخوان المسلمين، مستدركا بأنه رغم دعوة الجماعة إلى الإصلاح، إلا أنها لم تطالب بنهاية الحكم الهاشمي، ولم يتبع الملك خطى السعودية ومصر بتصنيف جماعة الإخوان بأنها جماعة "إرهابية".
وترى المجلة أن غياب القمع ضد الإسلاميين في الأردن منح الأفراد محفزا للبقاء في البلاد ومواجهة الحكومة، بدلا من ترك البلاد والمشاركة في معركة خارجه.
ويجد الكاتب أنه من المنطقي أن يسافر ألفا مقاتل أردني للقتال في سوريا، التي قتل فيها بشار الأسد أكثر من 100 ألف مدني، بدلا من العمل في المملكة الهاشمية، التي تعيش سلاما نسبيا، موضحا أنه لهذا السبب، فإن الأردن ليس على قائمة أولويات تنظيم الدولة، فأهدافه موجودة في دول أخرى، ورغم وجود مقاتلين له في معظم أنحاء الشرق الأوسط، إلا أنه لم يعلن عن فرع له في الأردن.
ويعرض التقرير لوجهة نظر رئيس الديوان الملكي السابق وسفير الأردن السابق في الأمم المتحدة عدنان أبو عودة، الذي يرى أن عدم وجود طائفة شيعية في الأردن ربما كان سببا في ضعف وجود تنظيم الدولة، فقد استهدف المتطرفين الشيعة في لبنان واليمن، كما أنه يخوض معركة مع الرياض حول من يمثل الإسلام، ولهذا السبب فإن السعودية تعد هدفا مهما له.
وتذهب المجلة إلى أنه رغم هذا كله، فإن المملكة لم تتجنب العنف بشكل كامل، ففي حادث لا يزال يثير الجدل، قتل شرطي خمسة مدربين متعاقدين مع الأمن العام في تشرين الثاني/ نوفمبر، وأثنى التنظيم في العدد (12) من مجلة "دابق" على الهجوم، إلا أن وزير الداخلية سلامة حماد قال إن الهجوم عمل فردي نفذه ما يطلق عليه "الذئب المتوحد"، وأشار إلى مشكلات مالية ونفسية كان يعاني منها الشرطي. ولا تزال أهداف ودوافع الهجوم غير واضحة.
وتختم "فورين أفيرز" تقريرها بالإشارة إلى أنه لا يوجد دولة في العالم تستطيع منع حدوث العنف وللأبد، لكن الأردن استطاع، من خلال الحفاظ على مستوى عال من الحرفية بين مؤسساته الأمنية، وتعامله الهادئ مع التظاهرات المطالبة بالإصلاح، وإقامة علاقات بناءة مع الإسلاميين، أن يحد من تهديد تنظيم الدولة، وفي منطقة تتداعى فيها الدول، فإن هذا يعد إنجازا يستحق الاعتراف به.