اعترافات إسرائيلية مهمة عن مقبرة «مأمن الله» في القدس
وديع عواودة
March 14, 2016
الناصرة – «القدس العربي»: اعترف مدير سلطة الآثار الإسرائيلية السابق حتى عام 2014، شوقا دورفمان، بتدمير مئات القبور الإسلامية في مقبرة مأمن الله في القدس تمهيداً لبناء «متحف التسامح». ويكشف في كتاب جديد له عن اعترافات خطيرة حول الحفريات التي نفّذتها «سلطة الآثار» في الفترة ما بين 2005 حتى 2006 في مقبرة مأمن الله الإسلامية في مدينة القدس المحتلة تمهيدا لبناء ما أطلق عليه «متحف التسامح» على نحو 25 دونما مما تبقى من أرض المقبرة.
يشار إلى أن مأمن الله تقع في واحد من أحياء الشطر الغربي للقدس المحتلة عام 48 وتقوم المقبرة قبالة عمارة المجلس الإسلامي الأعلى الذي حولته إسرائيليل لفندق.
في كتابه وهو بعنوان «تحت السطح» يوضح دورفمان أنه ما كان ينبغي السماح بإجراء حفريات للجزء المتبقي من مقبرة مأمن الله التاريخية التي أدت إلى تدمير مئات القبور الإسلامية. وكشف المؤلف الذي رحل قبيل صدور كتابه في الوقت ذاته عن ضغوط هائلة مورست عليهم من مستويات عدة كمنظمة «فيزنطال» المبادرة لمشروع «متحف التسامح» ولها ارتباطات قوية بشخصيات إسرائيلية سياسية فاعلة ومقرّها ولاية لوس انجلوس الأمريكية، مما أدى في نهاية الأمر إلى اتخاذ قرارات خاطئة وطمس وتدمير العديد من القبور الإسلامية. ويشير دورفمان في فصل «ديكتاتورية العظام» من كتابه، إلى أن الحفريات في مقبرة مأمن الله تعتبر «من القضايا المثيرة والكئيبة المتعلقة بحفر القبور القديمة التي رافقت الاستعطادات لإقامة متحف التسامح وحفر القبور في مقبرة مأمن الله».
قبور إسلامية تغطي موقع الحفريات
ويعترف دورفمان بأن عمليات فحص أولي تمت في مطلع عام 2005 لتهيئة الأرض والبدء في المشروع، واتضح حينها ليوفال بروخ، مسؤول الآثار لمنطقة القدس أن قبورا إسلامية تغطي كل المساحة تحت موقف للسيارات أقيم على أرض المقبرة، مؤكدا أن بروخ «ليس الوحيد الذي نبّه وحذّر من هذا الأمر». ويقول إنه كان واضحا له أنه من أجل استمرار البناء يتوجب إجراء حفريات في موقع القبور والرفات». ويتابع القول «لم يتوقع أحد من متخذي القرار في حينه أن هذه ستكون بداية قضية ستستمر شهورا طويلة تمت خلالها حفريات واسعة في مقبرة مأمن الله، وهي ليست مجرد بضعة قبور مبعثرة كما توقعنا في البداية»، علماً بأن «مأمن الله» هي مقبرة إسلامية منذ القرون الوسطى بداية العصر الإسلامي الأول وفيها أضرحة لشهداء وأولياء وصديقين كثر.
وبموجب الكتاب الإسرائيلي الجديد بدأت عمليات الحفر ونبش القبور في مقبرة مأمن الله الإسلامية في ذروة موسم شتاء ماطر وعاصف، حيث تغطت الأرض بالأمطار وتحوّلت إلى وحل.
ويوضح دورفمان «بعد بحث مستفيض وطلبات متكررة من المبادرين للمشروع بمواصلته، تم بناء خيمة عملاقة في الموقع وتجفيف الأرض والتراب الرطب بواسطة أفران عالية الحرارة، واستمرت الحفريات بعد تسييج الموقع بسياج حديدي على طول ستة أمتار». ويصف تلك الأيام بالعاصفة جدا، «إن كان ذلك في حالة الطقس أو لدى المبادرين للمشروع»، حيث قامت مجموعة من المستشارين للمشروع ومنظمة فيزنطال وشخصيات نافذة، بالضغط على سلطة الآثار الإسرائيلية بتعجيل الحفريات وإنهائها بأسرع وقت ممكن، مشيرا إلى الضغوطات كانت هائلة ولا تطاق في كثير من الأحيان.
جريمة أثرية
ويواصل اعترافاته بالقول إن الحفريات تواصلت بوتيرة عالية إلى أن قررت المحكمة وقف العمليات في الموقع، حتى إجراء مداولات لفحص قانونية الحفريات الأثرية وشرعية البناء المخطط فيه. وجاء ذلك استجابة للاستئناف الذي تقدمت به مؤسسة الأقصى لإعمار المقدسات الإسلامية لاعتراض الانتهاكات الجسيمة التي تعرضت لها مقبرة مأمن الله الإسلامية. ويشير دورفمان في كتابه إلى أن مشروع «متحف التسامح» المقام على جماجم المسلمين أشغل أطرافا عديدة من بينهم مبادرون أصحاب نفوذ سياسي ومالي وقيادات ومديرو مشاريع وإعلاميون من مشارب متعددة.
كما كشف عن تصريح لعالم سابق في سلطة الآثار هو عالم الآثار جدعون سليماني الذي أدار الحفريات في مقبرة مأمن الله في موسمها الأول، ووصف بعد خروجه من سلطة الآثار الحفريات التي أجراها بنفسه، بأنها «عملية عدوانية لليهود ضد العرب لطمس وتدمير التاريخ الإسلامي»، معتبرا إياها جريمة أثرية وجماهيرية.
ومن أبرز اعترافات دورفمان إدراكه لوجوب إيقاف أعمال الحفريات في المقبرة الإسلامية في مراحلها الأولى. قال «واضح لي كمدير لسلطة الآثار الإسرائيلية أنه كان من الواجب عليّ إيقاف الحفريات في مراحلها الأولى وعدم السماح بهدم هذا الجزء من المقبرة التاريخية. في مراحل الحفريات الأولى لم تكن معروفة لدي المعلومات الدقيقة عن ماهية هذه المقبرة، أضف إلى ذلك أنني لا أنفي دور الضغوطات الهائلة التي مورست علينا وعطلت قراراتنا وحكمنا على الأمور، مما أدى إلى القرار الخاطئ بحفر مئات القبور». ويستذكر المركز الإعلامي لشؤون القدس والأقصى «كيوبرس» الذي نبه لهذه الاعترافات، التحذيرات التي أطلقتها مرارا جهات فلسطينية من أن جرائم اقترفت بمنهجية ضد مقبرة مأمن الله.
وديع عواودة