درس في النقد
عن واقع النقد الأدبي في الثقافة العربية في اسرائيل
بقلم: نبيل عودة
كتب الزميل الناقد الدكتور بطرس دلة ( من قرية كفرياسيف في الجليل - بدأ يكتب النقد وبكثرة بعد تقاعده من سلك التعليم ) مراجعات نقدية عن ديوانين شعريين للشاعر رشدي الماضي ( من سكان مدينة حيفا , بدأ كتابة الشعر بعد ان تقاعد هو أيضا من سلك التعليم ) الذي ينشر في الفترة الأخيرة بكثرة وفي عدة صحف محلية .
يقول الزميل الناقد في بداية مقالة نقدية عن ديوان للشاعر رشدي الماضي : " وهو في جميع ما يكتب تتجلى شاعريته بخصوبة الفكر والكلمة التي باتت تميز ما يكتب . وهو انسان واسع الاطلاع مثقف وقاريء كثير القراْة والمطالعات . ونحن نلمس ذلك من خلال قصائده والتلميحات الكثيرة لمصطلحات ادبية عالمية ولأسماء لامعة في الابداع في أدب الغرب والشرق على حد سواء , وهو الى جانب ذلك متبحر في قواعد اللغة العربية وبحور الشعر على مختلف تفعيلاتها ."
امام هذه المقدمة للمقال "النقدي ", لم نقرأ نقدا , انما سجودا وتأليها , وهذا حق مشروع للناقد على المستوى الذاتي , ولكن عندما تتحول هذه " الفتوى" الأدبية الى مقال نقدي ينشر كنقد ادبي موضوعي , يصبح من حق القاريء ان يفهم القاعدة التي ينطلق منها هذا التأليه وعبادة الصنم المتمثل بالشاعر وشعره موضوع " النقد ".
الملفت ايضا ان الناقد يثبت في نقده مسائل شخصية تماما قبل الحديث عن المنقود . يكتب : " واسع الاطلاع مثقف " ( هل هناك شعراء غير مثقفين ؟- ن.ع. ) و " نلمس من خلال قصائده التلميحات الكثيرة لمصطلحات ادبية عالمية ولأسماء لامعة في الابداع " ( من يستعمل الاصطلاحات الأدبية العالمية ويكرر اسماء ادباء لامعين يصبح شاعرا كبيرا ؟ أصلا لم أجد في شعره لا اصطلاحات ولا اسماء لامعة – ن.ع .) و " متبحر في قواعد اللغة " ( هل من شعر بلا قواعد عربية ؟ - ن . ع . ) ونجيء للسؤال الأساسي : هل حقا عثر الناقد على كنز شعري .. وهل في كتابات رشدي الماضي شيء من الشعر يستحق هذا المديح المنفلت والتقريظ غير المعقول ؟
تعالوا نقرأ القصائد التي الهمت الناقد هذه الفتوى النقدية التأليهية , وهي القصائد التي اعتمدها الناقد في " دراسته الموضوعية " وذلك حتى لا يتهمني بسوء النية في اختيار النماذج . يقول رشدي :
واذا انتابتك ؟! ( علامتا السؤال والتعجب في الاصل وليسا من اضافتي)
فائض من شهوة
فاجعل رأسك منجنيقا
سيظل فينا طفل
يأبى ان ينحني
وأن يركع
هل أطربكم هذا الشعر ؟ ما العلاقة بين الشهوة التي تنتابك والطفل الذي يأبى ان ينحني ؟ لا تسألوني الآجابة واقسم بكل الأنبياء اني لاأعرف . بالطبع لا ترابط بين المعاني .. وهي امور لا يفهمها الا ناقد هذه القصائد , بارك الله فية وبجهوده النقدية , وأمد في ابداعه النقدي ! وجاء في قصيدة اخرى :
البس قميص الغدر !!
واغسل لونه الأحمر (اللون الحمر لون الغدر ام لون الثورة ؟ - ن .ع)
أنا ... وان رميتني في برية
الموتى
انا هنا قيثارة صبر لنواح
الذاكرة
انا هنا وقد عدت الى هاتيك الحكاية
سأظل في غيابته
"يوسف " يمسك ...
بالخروج
حتى مرور المعجزة...
حتى مرور المعجزة...
فهمتم شيئا ؟! الناقد فهم وطرب وكتب : "الشاعر في هذا الديوان انسان مرهف الحس , فكل كلمة لديه لها وزن خاص ووقع خاص ايضا "
بالله عليكم اعيدوا قراءة ما يسمى شعرا . هل لمستم شيء من الحس المرهف للشاعر ؟ وهل باستطاعتكم الان معرفة الوزن الخاص لكل كلمة ووقعها الخاص أيضا ؟!
لا تضيعوا وقتكم في القراءة للمرة الثالثة , يكفي اني ضيعت وقتي وجلبت لنفسي وجع الرأس .
عن ديوان آخر لنفس الشاعر ( رشدي الماضي )يكتب الزميل الناقد ما يلي ببداية المقال "النقدي الموضوعي ":
عزيزي الاستاذ الشاعر الكبير رشدي الماضي "!!" أنت تفاجئنا من حين لآخر بهذا الابداع الزاخر وهذ الاطلالة المشرقة في عالم الشعر المحدث , حتى باتت قصائدك التي تنشرها في صحفنا المحلية محط أنظار الجميع , تلفت الانتباه بشكل كبير , فيهتم بها القراء الذواقة , ويحتفظون بها الى أن ترى النور في ديوان من بنات افكارك !"
ماذا تبقى للنقد بعد هذه المقدمة التي شمل فيها كل القراء ( وانا منهم ) وادعى اننا نحتفظ بقصائد الشاعر المنشورة حتى تصدر في ديوان . لماذا لا تتحدث باسمك عزيزي الناقد ؟ وأي ابداع زاخر واطلالة مشرقة ؟؟ بحثت وقرأت , وللأسف لم أجد الا قصائد ما دون المتوسط بكثير ... ولو كنت محررا ادبيا لما نشرتها .
الأمر الأخير عزيزي الناقد الدكتور بطرس دلة , انت تتحدث عن " شعر محدث ", أي حداثة هذه التي تعنيها ؟! وهل حقا تفهم ما هي الحداثة ؟! ام ان استعمال الاصطلاحات بات لعبة أدبية في ظروف الأزمة الأدبية الشاملة التي تعيشها ثقافتنا المحلية ( داخل اسرائيل )؟ حقا لماذا التردد في الكتابة , ولماذا التفكير النقدي العقلاني ما دام لن يقرأ النقد الا المنقود وبعض الانتحاريين أمثال نبيل عودة , بعد ان انفض القراء عن قراءة الشعر ونقده ؟!
عزيزي الناقد المحترم ... ما كتبته لرشدي الماضي ليس رسالة شخصية اخوانية , انما تقييما ادبيا نقديا , وفي هذه الحالة انت تنطلق من الخاص بينك وبين الشاعر الى العام الذي يخص ثقافتنا (المسكينة) أو خطابنا الثقافي اذا ظل لهذا الخطاب حدودا مدركة... ومع ذلك يفترض الحذر الشديد والالتزام بالمنطق النقدي البديهي , التجرد من العلاقة الشخصية وعدم تحويلها الى قاعدة نقدية اساسية .. او الصمت لمن لا يملك القدرة على الالتزام بالصدق والاستقامة النقدية ... والمهم عدم الرعونة في تتويج الملوك على ثقافتنا , لانه لا ملوك في الثقافة .. ولأن الملوك تسقط ولن يتبقى الا ملوك اوراق اللعب .
من حقك عزيزي الناقد ان تطرب لقصائد زميلك في التعليم والتقاعد رشدي الماضي , ولكن ليس من حق أحد ان يفرضه ملكا للأبداع الشعري " مهما تجلت شاعريته بخصوبة الفكر " كما كتبت .
للأسف لا شعر في كتابات رشدي الماضي ولا حتى نثر قريب للشعر او للأدب . ومع ذلك الموضوع ليس موضوع رشدي الماضي , انما نهج خاطيء ارجو ان يكون زلة قلم وحماسة زائدة مصدرها الزمالة التاريخية في سلك التعليم , وما يميز الناقد والمنقود كونهما من جيل "اكتشف" الأدب ," ابداعا ونقدا" بعد التقاعد من سلك التعليم .
تحياتي للناقد والمنقود ... والموضوع ثقافي عام ويخصنا جميعا . لذا اقتضى التنويه !!
2
لا اريد ان يتوهم القاريء اني استاذ في النقد الادبي , انا قاريء متذوق للأدب , وحسب مارون عبود , الذائقة الأدبية هي أفضل معيار نقدي , وعلى اساسها مارس أعظم النقاد العرب ( مارون عبود ) عمله النقدي الثقافي الابداعي الخالد , ونفس الظاهره نجدها لدى الناقد الكبير محمد مندور .
يؤلمني حتى النخاع التضليل الأدبي الذي يقوم به بعض مثقفينا , تحت نصوص تسمى بالنقد , يغيب عنها النقد , وتغيب عنها الذائقة الأدبية البديهية, وأكثر ما يغيب عنها المصداقية والاستقامة الادبية , وهذه الظاهرة تتسع باضطراد في الثقافة العربية داخل اسرائيل , ويساعد على ترويجها في الفترة الأخيرة بعض الأدباء العرب في مقدماتهم التي تفيض بالمدائح غير المعقولة لبعض الكتب لأدباء من العرب في اسرائيل .
لست ضد رعاية الناشئين من كتاب وشعراء , بل هو واجب مقدس . ولكن بين الرعاية والدعم , والمديح المنفلت لدرجة تنمية الوهم المجنون , بانهم بلغوا قمة الابداع الأدبي , ببعض النصوص التي تفتقد لأي لون أدبي حقيقي , ولا تتعدى كونها تجارب ومحاولات لصياغة ادبية , بات يشكل في ثقافتنا ظاهرة مقلقة , أصبح الصمت عليها جريمة أدبية وأخلاقية .الناقد الذي لايفقه مهمته وأثرها الكبير على مسار ثقافتنا , يجب ان يصمت , وأن يمارس ما يشاء من الالوان الثقافية ... ليلعب لعبته بعيدا على ان لا يتسلل لتوجيه الأهداف غير المشروعة , التي تكرارها يشكل خروجا عن المفاهيم الأدبية وأخلاق الابداع الأدبي .
وحتى لا يفهمني خطأ الذين اتعرض لهم بكتاباتي في اطار حرية الرأي والتعددية الفكرية والذوقية ,اود ان اوضح باني أحب كل المساهمين ببناء صرح أدبنا , كتابا وشعراء ونقاد , لا فرق بين الذين يوفقون في ابداعهم او يتعثرون ... طريق الابداع ليست " اوتسترادا "للانطلاق السريع ,انما طريق جبلية بالغة الصعوبة , وتفترض مسوى من الوعي وتطوير الوعي , الى جانب تطوير الخصائص الشخصية , خصائص السيطرة على النص وقيادته , بدل ان يقودنا , وخصائص تنمية الملكات العقلية , وهذا ليس وقفا على المثقفين الشباب , بل وعلى كل مثقف يزين صدره بالألقاب الأكاديمية العليا أيضا .. لأنه ببساطة لا حدود للوعي والادراك في العقل البشري .
الثقافة لها مدلولات ابعد كثيرا من مجرد الابداع الأدبي , الأدب هو الجانب الروحي للثقافة ,والثقافة بمفهومها التاريخي تشمل الابداع المادي ايضا ,أي انجازات الانسان العمرانية في الاقتصاد والمجتمع والسياسة , وهذا يحمل الناقد على الاخص , وكل المبدعين في مجال الثقافة الروحية , مسؤولية كبيرة ان لا يغرقوا في المبالغات المرعبة في بعدها عن الواقع , تماما كما في العمليات الاقتصادية والاجتماعية , ولا يمكن تجاوز الواقع بالكلمات الجميلة فقط
هذه المقدمة الطويلة كان لابد منها, لأهمس في أذن الزميل الدكتور منير توما
, ما سبق وقلته لزميل آخر . من حقك أن تطرب لقصائد شاعر او شاعرة معينة , ولكن ليس من حق أحد أن يفرض ملكا جديدا , ما تكتبه عزيزي الناقد د. منير , ليس رسالة شخصية , انما تقييما ادبيا نقديا , وعندما أقرأ القصائد التي أطربتك اصاب بالصدمة والذهول , اذ لا شيء من الشعر فيها ... مجرد محاولات كان من المبكر جدا ان تجمع في ديوان , وحتى يكون كلامي واضحا أعني ديوان الشاعرة آمال عواد – رضوان : " بسمة لوزية تتوهج ".
أتمنى لآمال رضوان مزيدا من الابداع الشعري , ولكن ديوانها لم يتجاوز كونه تجربة شعرية , قد تبشر بالخير , أما ان نجعل منه عبقرية شعرية , فأنت تلحق الضرر بآمال نفسها وبمستقبلها الشعري ..
انت تتحدث عن شفافية شعرية .. وأنا في حيرة , لم أجد شعرا , فكيف اهتديت الى
الشفافية ؟ والحمد لله انك لم تستعمل تعبير "الحداثة "أيضا , الذي يحب استعماله البعض بمناسبة وبغير مناسبة .
حتى لو كان الديوان عبارة عن نصوص حب وانصهار وأحلام في الصبابة والغرام , فهذا لايجعله شعرا حتى لو أثار حماستك " الثقافية ", ولا يعني كشف خلجات النفس الانسانية انها شفافية شعرية , ومن , ايها الشاعر باللغتين , العربية والانكليزية , يعرف صحة ذلك أكثر منك ؟!واذا كان لابد فهذا استشهاد من مقالتك "النقدية " عن القصائد التي سحرتك وأمتعتك :
" لم يتأوه حبيبي
والنار تتآكل في دمائه ولا تأكله؟
أما كان الأولى بنيرانه أن تتأوه؟
افتح لي قلبك الذهبي حبيب قلبي
واسكب أحشاءه على راحتي ..
بالأسى,
سمعت وعولك تناغي ظباء حزنك
آه يا رحم روح
أتولد فينا ؟"
حتى لو كانت الفتاة العاشقة كما تقول , التي تتحدث الشاعرة بلسانها : " تجسد بركانا من الألم ولهيبا من النيران ... وبحرا من الدموع " وأن : " صورة الوعول والظباء تمثل الرغبات العاطفية ". ( الويل لنا من هذه الرغبات والويل لنساءنا ) ثم ما الذي أعجبك ناقدنا العزيز بالصورة الشعرية التي تتحدث عن : " واسكب احشاءه على راحتي "؟ طبعا لمنير استنتاجات أمتنع عن ذكرها احتراما للشاعرة , لأنه يسيء اليها في خلطه النقدي .
ومع ذلك هذا لا علاقة له بالشفافية الشعرية , او بالشعر البسيط .
ولابد من سؤال للدكتور الشاعر والناقد منير توما : هل العشق والحب يحولنا الى وعول وظباء ؟ أو ربما يعيد الانسان الذي فينا الى الغابات ؟! وهل ممارسة الحب باسلوب الوعول والظباء هو التعبير كما تكتب في نقدك : " عن خلجات نفس شاعرتنا وأنين مشاعرها "؟!... وهو ما جعلك تختتم نقدك العبقري بالاستخلاص بأن الشاعرة : " تتمتع بموهبة شعرية أنيقة , رومانسية النزعة "؟!
لا أريد ان استرسل حتى لا أظلم الشاعرة آمال عواد , فنقدك اساء لها كثيرا , وحالنا مع نقدك مثل المثل العربي الذي يقول: "جاء يكحلها عماها ".
وأقول لكل المبدعين الشباب , اياكم والغرور , أفضل ان لايعالج نقادنا الأوادم أعمالكم الأدبية , من أن يعموا عيونكم عن الحقيقة وعن الابداع الأدبي الحقيقي !!
أضيفت في30/01/2007/ خاص القصة السورية / المصدر: الكاتب (للتعليق والمشاركة بالندوة الخاصة حول الأدب الفلسطيني)
الثقافة النقدية والنقد الثقافي
بقلم: نبيل عودة
اشغلني موضوع النقد الأدبي في ثقافتنا العربية في اسرائيل من جوانبه المختلفة ، وخاصة جانب المتابعات النقدية للأعمال التي يصدرها الأدباء المحليين .
ربما يكون بعض الأدباء من المتعاملين مع النقد او الابداع ، ، يرون في كتاباتي ومواقفي اتجاها عكس التيار ، ومهما بدى ذلك صحيحا الا انه بعيد عن الصواب .
لا يستطيع احد ان ينفي الجهود التي كرستها للمبدعين الشباب ، ومتابعة انتاجهم في ظل تجاهل كامل تقريبا ، للحركة النقدية المحلية ، لكتاباتهم ، خلال العقود الماضي ،وكان التجاهل نفسه هو دافعي للتورط في الكتابة النقدية.. واعترف اني غير نادم ( رغم ما تعرضت له من هيجان غاضب ) اذ اعطاني ذلك ادوات عدة في التعامل مع النصوص ، وتطوير قدراتي الذاتية على تحسس الأبداع ، والتمييز بين المبدع الجاد والموهوب وبين مدعي الابداع ، الضحلين نصا وفكرا ، وتشكيل آرائي النقدية والثقافية والابداعية العامة ، حول كل ما يتعلق بالثقافة من امتدادات فكرية واسلوبية ..
كان النقد وقفا على نخبة ، لا انفي اهليتها له ، ولكن ما التزموا به من انغلاق نقدي ثقافي ترك ترسبات سلبية ، وهي تجربة ذاتية عبرتها ، دفعتني في لحظة ما الى الاهتمام بالنقد ، وكتابة المراجعات النقدية والثقافية ، ومحاولة استجلاء العالم الفكري الواسع للثقافة ، ليس بمضمونها الروحي فقط ، كابداع نثري او شعري ، انما بمضمونها الفكري والفلسفي العام .. بصفتها شكل من اشكال الوعي الاجتماعي ، ومحورا للنهضة الفكرية والثقافية العامة لمجتمعنا خاصة ، ولكل المجتمعات العربية التي نتواصل معها بحكم اللغة والواقع السياسي والانتماء القومي والحلم الواحد .
يمكن نصنيف ما قمت به ضمن مفاهيم " الثقافة المضادة " التي تقود الى خلق موجات متعددة من ردود الفعل الثقافية . نسبيا كاد الامر ان يكون قريبا من الانجاز . . لكن غياب المنابر القادرة على التماثل مع هذا الزخم المضاد ، والتلون الفكري لدى العديد من المثقفين ، والجبن الذي يميز البعض ، مع الأسف الشديد .. حال دون تحقيق اندفاعة مؤثرة للثقافة المضادة ، لدرجة تسمح بتحولها الى رافد ثقافي آخر في مواجهة " الثقافة النخبوية " التي روجت عن طريق وكلاء حزبيين ..
دخلت وقتها في نقاشات حادة مع ممثلي تيار الثقافة النخبوية ، كان نقاشا حادا وممتعا كشف الضحالة الفكرية التي يعتمدها ممثلي هذه الثقافة، او من تبوأ "الدفاع " عنها ، دون ان يعي اللعبة الثقافية وراء دوافعي ، حيث انني سياسيا كنت من نفس التنظيم ، وهذا كشف لي حقائق كثيرة ، ساعدتني فيما بعد بتكوين شخصيتي الثقافية والسياسية والفكرية المستقلة ..
من المستهجن انه حتى الذين لهم مصلحة شخصية في ما حاولت ان اعطيه من دفعة للثقافة المضادة ، في مواجهة الثقافة النخبوية ، التي لم تسلم من انتقاداتهم .. لم يصل وعيهم للأسف الى مستوى يجعلهم يشكلون رافدا ثقافيا قادرا على فرض نفسه في الساحة الادبية ، كتيار ثقافي مضاد ، ولا اقول معاد ، لأن الثقافة تفترض التكامل ، وألأضداد في الثقافة تقود الى الوحدة الثقافية ، عبر خلق ديناميكية من النشاط الفكري والثقافي المتعدد الوجوه . هذه هي على الأقل رؤيتي وقناعتي الفكرية ، بدون حوار لا تطور , التماثل المطلق يخلق الركود ( وهذا ما قضى على الثقافة النخبوية ) .. حتى في الفلسفة ، احد القوانين الفلسفية الاساسية ، يتحدث عن وحدة وصراع الاضداد ، وهو بالمفهوم الفلسفي ، قاعدة التطورفي كل مجالات الحياة .. فهل تكون الثقافة شواذا لا تخضع لهذه القاعدة ؟!
من المهم ان يترسخ وعي اساسي بان الثقافة ليست للنخبة الاجتماعية او السياسية ، وليست لنخبة يختارها حزب ما او دولة .. مررنا على هذه التجربة .. وما تركته لنا اليوم فقر فكري وثقافي .. وحياة ثقافية بائسة .
ان العملية النقدية تشترط ما هو أعظم وأكثر امتدادا من مجرد تكرير اصطلاحات ، او الادعاء الذي يكرره البعض: " بأني اكتب واتعامل مع النصوص حسب معايير نقدية .. الخ " . لا يا اصحابي ، هذا ادعاء فارغ !!
العملية النقدية تحتاج الى رؤية اكثر اتساعا من موضوع العمل الذي نتناوله بالتحليل او الاستعراض النقدي . النقد هو عملية فكرية اكثر اتساعا من صفحات الكتب موضوع النقد ، النقد له سياقه الفكري وله امتداداته الاجتماعية . كل التقدير والاحترام للمناهج الأكاديمية في النقد ، ولكن هذه المناهج تتحول الى سجون للتفكير وقيود على الوعي وتشتيت للذائقة الادبية ، اذا لم نحولها الى منطلق فكري ننطلق منه نحو الأصالة والتجديد في رؤيتنا الثقافية العامة . ما يحدث في نقدنا المحلي ، بما فيه من يدعون الاكاديمية في نقدهم ، هو خلق نظام نقدي منغلق على ذاته ، ومنغلق على القارئ المفترض ان يتواصل مع الابداع ومع النقد . ما يحدث ان الناقد يكتب رسالة شخصية لصاحب العمل موضوع النقد ، وارضاءه هي المهمة النقدية للناقد ، وهي القيمة الكبرى للكتابة النقدية .
الثقافة ، ابداعا او نقدا ، يجب ان تكون فعل اجتماعي وعمل لاثراء الوعي التقافي والفكري للانسان . والنقد هو احد الادوات الهامة في هذا الفعل . اما نقدنا المحلي في السنوات الاخيرة ، فيتميز بأكثريته المطلقة بالعلاقات العامة ، والتشريفات الاجتماعية والدهلسة والنفاق .. ويفتقد للقيمة الثقافية كمعيار هام للعملية النقدية .
النقد اذا لم يتحول الى تيار ثقافي قائما بذاته ، وليس كتغطية فقط لبعض الاعمال الادبية ، يظل ظاهرة غير مجدية ومضرة ، تحول النقد الى ظاهرة سلبية يجب مواجهتها ثقافيا .
هناك علاقة عضوية بين النقد والايديولوجيا ، واعني بالايديولوجيا ليس فقط المنظومة الفكرية ، انما القدرة على الربط بين الثقافة والمجتمع ، بين الثقافة والانسان . وهذا هو الغائب الكبير عن الممارسات النقدية .. وعن فكرنا وثقافتنا عامة !!
أضيفت في30/01/2007/ خاص القصة السورية / المصدر: الكاتب (للتعليق والمشاركة بالندوة الخاصة حول الأدب الفلسطيني)
تسالي
بقلم: نبيل عودة
تنتشر في السنوات الاخير , في الثقافة العربية داخل اسرائيل , ظاهرة ادبية لاأظن ان لها رديف في آداب اخرى , لااقصد ابداع نوع ادبي جديد , انما اقصد ادباء بداوا يمارسون ما يقع مجازا تحت صيغة الادب , بعد تفرغهم وخروجهم للتقاعد , وبالأساس تقاعدهم من سلك التعليم .
السؤال الذي يطرح نفسه هنا تلقائيا : هل يفعلون ذلك كنوع من التسلية ؟ هل صمتهم كان خوفا من فقدان وظائفهم ؟.. او تقدمهم في مراتب الوظائف .. فزجروا شيطان الأدب في نفوسهم , وربما اقتلعوه ؟ وهل ما يطرحوه اليوم من شعارات قومية فضفاضة يعبر حقا عن مشاعرهم , أم هي صحوة متأخرة بعد ان استقر امن معيشتهم ؟
انا لااقرر بالحق الانساني المشروع بان يساهم المرء بالابداع الادبي , او المشاركة بالحياة السياسية والاجتماعة , بأي جيل كان ومتى رأى في نفسه القدرة على العطاء . الأدب والحياة الثقافية ليست احتكارا على احد , والمساهة بالحياة السياسية لا يتطلب اذنا من احد , واختيار الموقف القومي والفكر القومي او اي فكر آخر يساري او ديني هو اختيار حر. والجيل ولحظة القرار في المساهمة الثقافية او السياسية هي مسألة ذاتية تفرضها ظروف الانسان ومستوى وعيه وقدراته على العطاء والبذل .
المشكلة التي تطرحها هذه الظاهرة , ليست في اكتشاف البعض لمواهبهم في هذا الجيل المتأخر... ولكن من متابعتي لما ينشرونة من كتابات مختلفة , وفي ظل واقع ادبي مأزوم لأسباب عدة , لست الآن في باب طرحها , لم أجد اية موهبة تذكر , انما اعمال فجة , وكتابات ركيكة المضمون ومهتزة الفكر , بلا رؤية ثقافية واضحة , وبلا مضمون اجتماعي بسيط , وغني عن القول انها تفتقد للعناصر الجمالية البديهية التي يفترض ان تشملها الكتابات الأدبية , وتفتقد حتى للانشاء البسيط .. الخطاب الأدبي شبه غائب ومن الصعب الاشارة الى الخطاب التاريخي .. الا اذا اعتبرنا التلويح بالشعارات القومية الجوفاء والمفردات التراثية او السياسية ابداع بحد ذاته .. الذي اعنيه بوضوح أكبر , نفتقد في اعمال اصحابنا المتقاعدين للعناصر الأساسية في الأدب. ثرثرتهم وشعاراتهم القومية التي يحشون فيها كتاباتهم , في التلخيص الأخير هي بلا اي مضمون انساني وجمالي بسيط , والتفسير الوحيد لها انهم يريدون التعويض لأنفسهم عن فترة " الخوف السياسي "... الآن تقاعدوا وتلقوا تعويضاتهم وأصبحوا "أحرارا" في التعبير عن خلجات نفوسهم التي زجروها أثناء عملهم وزجروا طلابهم من اي تعبير عن مشاعرهم أو القيام بنشاطات يشتم منها رائحة الانتماء الوطني او الثقافي , رغم ان مساحة الحرية التي تتمتع فيها مدارسنا اليوم .. ومنذ عقدين على الاقل .. تفتح ابوابا واسعة للنشاطات السياسية والثقافية الوطنية داخل المدارس .. وللأسف بعض "قوميي" اليوم ظلوا على خوفهم ومنعهم لأي نشاط توعيي ثقافي , واليوم جاؤوا يتاجرون ببضاعتهم التي فات موعد تسويقها .
لا اعتقد بان ادبنا ستزداد مكانته بمثل اولئك " الأدباء" , كانوا وسيبقون هامشيين , حتى لو بلغ صراخهم القومي في كتاباتهم التافهة اعلى مراتب الزعيق والصراخ. ليس بهذا الشكل نفهم الانتماء للأرض والوطن , وليس بهذا الشكل يبدع الأدب .. حتى لو اصبحت الصفحات "الأدبية " في صحافتنا المحلية المحروسة وقفا على ثرثراتهم العبقرية . للأسف الصحافة اليوم تلعب دورا سلبيا في الحياة الثقافية للعرب في اسرائيل بشكل عام , حتى الصحف التي كان لها دورها الكبير في اعلاء شأن الأدب الفلسطيني للعرب في اسرائيل تتخلى عن طليعيتها ويفقد الأدب مكانته كسلاح ثقافي ساهم في صيانة وتقوية هويتنا الوطنية والثقافية ولغتنا , وصيانة ترابطنا الاجتماعي والسياسي , وهو موضوع يستحق وقفة خاصة .
بالطبع اصحابنا لايكتبون فقط شعارات قومية .. انما شعارات عشق ووله , بعد ان لم يعد ينفعهم عشقهم في الممارسة , تماما كما في السياسة .
المميز في هذه الظاهرة ( غير الأدبية ) هو كونها اضافة مقلقة للرداءة الأدبية , وتحويل الأبداع الأدبي الى ممارسات تسلية . ربما يعتقدون انهم يلحقون انفسهم ويصطفون الى جانب شعبهم , لذلك صارت الشعارات القومية , شعرا ونثرامميزا للتفاهات التي تتراكم تحت صيغة الادب أو السياسة ... كما قلت صحافتنا المسكينة ملومة وتتحمل مسؤولية هذا الاسفاف وهذه الرداءة .ولكن هل توجد لدينا صحافة مسؤولة اليوم ؟وهل من صحيفة تعطي للمواد الأدبية حقها ؟ ما ألاحظه هو السباق على نشر نصوص رديئة, حتى في الصحف التي سمت محررا ادبيا لها .. ام لم تفعل ذلك , الأمر سيان , اكتبوا ما تشاؤون , واياكم ان يكون مفهوما حتى لكم .. وأنا اضمن ان تنشر تفاهاتكم , وأن "تشتهروا " بسرعة البرق ( وقد جربت ذلك باسماء مستعارة وفي عدة صحف ).
أما "الأدباء" بعد طيرت العشوش فراخها .. فأنصحهم بالراحة , التي قضوا زهرة عمرهم تحت خيمتها , خوفا وانكفاء .سيظلون مجرد تافهين فيما ينشرون , فلم يبق من العمر قدر ما مضى , فهل يطمعون بتجديد شبابهم بعد ان اكتشفوا " فجأة" انهم أدباء ؟
أضيفت في30/01/2007/ خاص القصة السورية / المصدر: الكاتب (للتعليق والمشاركة بالندوة الخاصة حول الأدب الفلسطيني)