ماذا يعني انهيار الجنيه المصري؟
محمد عايش
MARCH 16, 2016
دخل الجنيه المصري في نفق مظلم، وانزلق نحو تدهور مستمر، فيما تتسع الهوة سريعاً بين سعر الصرف الرسمي، والسعر في السوق السوداء، في تعبير واضح عن أزمة اقتصادية خانقة لا يعلم الكثيرون معناها، ولا يعلم معظم الناس «الغلابة» في مصر إلى أين ستؤدي بهم، في الوقت الذي تتفاقم فيه الأزمة ككرة الثلج مهددة بكارثة اجتماعية ومعيشية في حال استمرت الأوضاع على حالها.
اضطر البنك المركزي المصري لخفض سعر الجنيه أمام الدولار الأمريكي، بواقع 1.12 جنيه، ليصبح الدولار بـ8.85 جنيه كسعر رسمي، وهو الأدنى في تاريخ البلاد منذ ما قبل عهد الملك فاروق، بل هو الأدنى على الإطلاق منذ عهد الفراعنة، ومنذ ما قبل اكتشاف الولايات المتحدة الأمريكية ودولارها الأخضر!
في السوق السوداء تجاوز سعر الدولار مستوى العشرة جنيهات، حيث يواصل الجنيه التدهور، وهذا السعر هو السعر الحقيقي للدولار أمام الجنيه، بسبب أنه «سعر السوق»، أي القيمة السوقية العادلة والطبيعية للجنيه، أما السعر الرسمي الذي يحدده البنك المركزي فلا معنى له بسبب أن البنك المركزي غير قادر أصلاً على تزويد المصريين بدولارات أمريكية مقابل جنيهاتهم، لا بهذا السعر ولا بغيره. ثمة العديد من الأسباب لانهيار الجنيه، ولأزمة الاقتصاد المصري، وقد استعرضناها طوال الأسابيع والشهور الماضية عبر أكثر من عشرة مقالات، والمستويات الراهنة لسعر صرف الجنيه كانت متوقعة منذ العام الماضي، بل كانت نتيجة حتمية للبيانات المتوافرة عن الاقتصاد في مصر، لكن السؤال المهم اليوم، هو ماذا يعني انهيار الجنيه؟ وما تداعيات هذا الانهيار على الغلابة المنهكين والمتعبين من ذوي الدخل المحدود والحيل المهدود في مصر؟
يمكن تفسير هبوط الجنيه المصري، أو انهياره، وتأثيرات ذلك على المصريين عموماً، بجملة الحقائق التالية:
أولاً: في الثالث من يوليو 2013 كان الدولار الأمريكي يساوي 6.3 جنيه مصري، بينما هو يترنح حول الـ10.2 جنيه، وهو ما يعني أنه فقد نحو 40٪ من قيمته خلال عامين فقط، أي أن 40٪ من مدخرات وأموال الناس وتحويشات أعمارهم تبخرت خلال عامين فقط، فضلاً عن أن التوقعات بمزيد من الهبوط يعني أن التبخر مستمر. وهذا ينسحب أيضاً على الرواتب والدخول المالية والإيرادات، فمن كان يتقاضى راتباً مقداره ألف جنيه في عام 2013 يحتاج لرفعه إلى 1400 جنيه حتى يحافظ على دخله المالي كما هو.
ثانياً: هبوط سعر صرف العملة المحلية في أي بلد، يؤدي إلى ارتفاعات حادة في أسعار السلع والمواد الأساسية، نتيجة أن عمليات التبادل التجاري الخارجي تتم بالعملة الصعبة وليس بالعملة المحلية، وهو ما يؤدي إلى ارتفاع كل السلع في نهاية المطاف، بما في ذلك السلع المصنعة محلياً، بسبب أن المنتج المحلي يحتاج لسلع مستوردة، ويضطر عاجلاً أم آجلاً لرفع أجور العاملين لديه، ما يعني في النهاية أن مصر بانتظار موجة جديدة من الارتفاع الحاد في الأسعار.
ثالثاً: ارتفاع أسعار السلع الأساسية يؤدي بالضرورة إلى اتساع رقعة الفقر، وزيادة نسبة الفقراء، وتقلص الطبقة المتوسطة التي تنتقل أعداد كبيرة من أبنائها إلى طبقة الفقراء المعوزين، وفي الوقت ذاته يزداد الأثرياء ثراء، لأنهم الوحيدون الذين يتنعمون بإيداع أموالهم في البنوك الخارجية، ولا يتأثرون بكوارث الداخل ولا مصائبه، وإنما فقط يستفيدون من السوق الضخمة التي يشكلها هؤلاء المستهلكون الفقراء. وفي بلد مثل مصر يرقد أكثر من 26.3٪ من سكانه تحت خط الفقر (إحصائية رسمية) ويعيش أكثر من ثلاثة ملايين منهم في المقابر، فإن ارتفاع الأسعار وانهيار العملة المحلية سيؤدي إلى ارتفاع هذه النسبة، وقد يصبح بسهولة نصف المصريين تحت خط الفقر!
رابعاً: انهيار العملة المحلية وأزمة الدولار يعرقلان تدفق الاستثمار الأجنبي، ففي بلد لا تستطيع فيه أن تسحب من حساباتك المصرفية أموالك بالعملة الأجنبية، ولا تستطيع تحويلها للخارج، كيف يمكن أن يقتنع مستثمر أجنبي بالعمل فيه؟ وأزمة شركات الطيران خير دليل على أن أزمة الدولار تخلق بيئة غير صديقة للمستثمرين الأجانب.
خامساً: أزمة الدولار في مصر أدت إلى قيود على الصرف والتحويل والسحب بالعملات الأجنبية، وهو ما أدى إلى عرقلة العديد من الأنشطة التجارية المرتبطة بالخارج، وهي مشكلة مرشحة للتفاقم خلال الفترة المقبلة ما لم يتم تدارك الوضع في البلاد.
خلاصة القول، إن انهيار الجنيه المصري يعبر عن أزمة عميقة وخطيرة، وهي أزمة تمس الفقراء و»الغلابة» في مصر، ويمكن أن تؤدي إلى اضطرابات اجتماعية جديدة، وانتكاسة للطبقة المتوسطة، أما «إبر المسكنات» التي كان الاقتصاد المصري يتعاطاها عبر منح وودائع خليجية فلا يمكن أن تكون حلاً للأزمة، حــــيث أن الحل الوحيد لأزمة اقتصاد مصر هــــو برنامج إصلاح شامل يقوم على استئصال الفساد وإعادة الحـــياة المدنية للبلاد، بما يتيح للاقتصاد أن يعمل بقواعده وأصوله الطبيعية، كاقتصاد حر.
٭ كاتب فلسطيني
محمد عايش