الاقتصاد الأردني يحتضر.. وخبراء يحذرون من "سيناريو 89"
عمان – ربى كراسنة
حذر خبراء اقتصاديون من خطورة الوضع الاقتصادي الذي يمر به الأردن واحتمالية العودة إلى سيناريو عام 1989 الذي شهد أزمة حقيقية في الاقتصاد الأردني عندما تعرض الدينار إلى انخفاض فعلي بنسبة 40%.
وحمل الخبراء في تصريحات إلى "البوصلة" مسؤولية خطورة الوضع الاقتصادي في المملكة إلى الحكومة والفريق الاقتصادي الذي خلف وضع ماليا وحالة اقتصادية معقدة.
وبينما ربط بعض الخبراء الأزمة الاقتصادية في البلاد بالأزمة السياسية المرتبطة بالنار الملتهبة في الإقليم، دعوا إلى ضرورة تغيير الفريق الاقتصادي وإعادة النظر بالسياسية الاقتصادية برمتها للحد من تفاقم الأزمة الاقتصادية والعودة إلى سيناريو عام 1989.
الأزمة الاقتصادية سياسية بامتياز
الخبير الاقتصادي محمد البشير قال في تصريح إلى "البوصلة" بان اقتصاد المملكة مرتبط بالموقف السياسي وما يحدث في المنطقة من نار ملتهبة حيث انه ساهم بشكل كبير في تفاقم الأزمة الاقتصادية وما تبعها من اضطراب بالأسعار وارتفاع نسب الفقر والبطالة.
ومن هنا يصف البشير الأزمة الاقتصادية في المملكة بأنها سياسية بامتياز معتبرا انه لن يكون هناك أي إصلاح سياسي دون أي تغيير اقتصادي.
وأكد على أن صندوق النقد الدولي والبنك الدولي لم يتمكنا من تقديم أي علاج حقيقي للاقتصاد الأردني محملا مسؤولية الأزمة الاقتصادية في البلاد إلى الفريق الاقتصادي.
ودعا البشير إلى ضرورة تغيير السياسات المالية في المملكة من خلال فريق اقتصادي جديد قادر على حل الأزمة الاقتصادية في المملكة وتجنب الذهاب إلى سيناريو أزمة عام 1989.
مخاطر اقتصادية غير مسبوقة
بدوره أكد الخبير الاقتصادي فهمي الكتوت في تصريح إلى "البوصلة" أن الأردن يمر بمخاطر اقتصادية غير مسبوقة تهدد بعودة البلاد إلى أزمة عام 1989.
وقال الكتوت إن الأردن يمر بأزمة اقتصادية لا يمكن احتمالها ولها تداعيات ومخاطر سلبية حيث أن العبء الضريبي أصبح مرتفعا جدا والإيرادات المحلية وصلت إلى 84% من جيوب المواطنين مما أسهم في ارتفاع معدلات الفقر من 14 إلى 20% وفق تقديرات رسمية وكل ذلك أدى إلى تراجع في النمو الاقتصادي.
ورفض الكتوت تحميل الحكومة مسؤولية الأزمة الاقتصادية المعقدة في المملكة على "مشجب" الغاز المصري، وقال انه تبرير غير دقيق والأصل يكمن في استخدام الحكومة الموارد بشكل سليم، ولا سيما أن الإيرادات التي حصلت عليها الحكومة كان من الممكن أن تحد من تفاقم الأزمة.
ودعا إلى ضرورة إعادة النظر في السياسية الاقتصادية بالمملكة برمتها لتجنب العودة إلى سيناريو أزمة عام 1989.
وضع مالي شائك وخطير
وفي ذات السياق ترى رئيسة تحرير صحيفة "الغد" جمانة غنيمات في مقال نشرته اليوم أن المعطيات المعبر عنها بالأرقام الختامية العامة للسنة المالية 2015 تشير إلى أن الأردن يواجه وضعا ماليا شائكا معقدا وخطيرا، يستحضر في الأذهان سيناريو أزمة العام 1989.
ويبدو أن برنامج التصحيح الاقتصادي المقترح من صندوق النقد الدولي وفق الكاتبة غنميات، غير كاف لتغيير واقعنا الاقتصادي نحو الأفضل ولا يقدم الحلول لكل مشكلاتنا.
وترى غنميات أن أهم من ذلك وأخطر أنه يُسقط البعد المجتمعي من حساباته. وهو ما يعني أنه يتوجب على مسؤولينا وضع وصفة أردنية للعلاج، تقوم على مرتكزات وطنية تقدر أحوال الأردنيين، كما حال الأهداف والحلول المتوخاة أيضا، وبحيث يتحقق النجاح في بعض ما فشلت فيه الحكومة الحالية خلال السنوات الماضية.
وأكدت أن غياب حساسية برامج "الصندوق" للجانب الاجتماعي المؤثر، لا يعني مطلقا عدم استمرار العمل معه، لأن الضرر المتأتي عن عدم التنسيق مع المؤسسة الدولية كان ليكون أكبر بكثير مما هو الوضع الآن، لاسيما على المستوى المالي.
وبين ضرورة معالجة التشوهات وضرورة الحفاظ على التوازنات التنموية والاجتماعية بل وتعزيزه وطرح الأبعاد الخطيرة لفكرة التخلص من الدعم نهائياً، يبرز جلياً وجود تضارب كبير بين الضرورتين، بحسب غنميات.
وقالت الكاتبة إنه: "لا يبدو ممكناً أن تسعى الحكومة إلى التخلص من التشوهات فحسب، تاركة المواطن وحيدا لمواجهة مصيره؛ لأن ذلك يعني بالنتيجة ترك البلد ككل لمصير مجهول، بحكم التبعات الاجتماعية الكبيرة والخطيرة لتخلي الدولة المفاجئ عن دورها الاقتصادي-الاجتماعي "التاريخي"، على ما فيه من اختلالات وتشوهات".
ما هو الحل؟
وترى الكاتبة غنميات أن الوصفة الوطنية المطلوبة لا تقدر ربما حكومة د. عبدالله النسور على تنفيذها، نتيجة ما فقدته من شعبية، بحيث غدت الحكومة الأكثر عرضة للنقد شعبيا، بعد أن دمغت نفسها بقرارات الجباية، ولم تُحدث في الوقت ذاته اختلافا في واقع المالية العامة فإن بعض الحل، ولربما منطلقه أيضا، وجود حكومة جديدة تحوز ثقة الناس، بإيمانهم أن هدفها هو تحسين حياتهم، وليس تنفيذ أجندات مؤسسات دولية لا تدرك الأبعاد الحقيقية لسياساتها المفروضة على البلد وأهله.
حالة مرضية
من جهته، وصف الكاتب فهد الخيطان في مقال نشره الاثنين في صحيفة الغد الاقتصاد بالمريض وقال "ينبغي التذكير أولا أن الأردن لجأ لوصفة "النقد الدولي" بعد أن بلغت الأزمة عنق الزجاجة. ومثل أي مريض يتأخر في العلاج، فإن عليه أن يقبل جرعات دواء شديدة المرارة، ستترك من دون شك أعراضا جانبية، وخطيرة أحيانا".
ويرى الخيطان أن الأمر الذي فاقم من الحالة المرضية فيروسات خارجية ضربت جسدا يعاني من نقص شديد في المناعة؛ فوضى الإقليم، وحدود مغلقة في وجه التجارة، وإرهاب من حولنا يدفع المستثمرين إلى تجنب العبور من منطقتنا.
تخبط في التشريعات
وقال الخيطان "لقد شهدنا حالة تخبط في التشريعات، وبعض التجاوزات في مجال الإنفاق، وتراجعا في الإيرادات. لكن لو افترضنا عدم حدوثها، فهل كان الاقتصاد سيتعافى حقا وينهض ليخترق الحدود المغلقة، ويجذب الاستثمارات الضخمة؟".
ويرى انه من المهم جدا أن ينخفض عجز الموازنة العامة إلى أدنى نسبة ممكنة، وأن لا ترتفع المديونية، ويسجل النمو ارتفاعا ملموسا. لكن تحقيق هذه "الأمنيات" محكوم بعوامل كثيرة، لم يتوفر أغلبها للاقتصاد الأردني في السنوات الأخيرة.
بارقة أمل
ويبدو وفق الخيطان أن الحاجة لمقاربة اقتصادية جديدة وخلاقة أمست مطلبا حيويا. لكن ينبغي الحذر من رفع سقف التوقعات في المرحلة المقبلة. هناك بارقة أمل بتحسن في الظروف الإقليمية في النصف الثاني من العام الحالي، ربما ينعكس بشكل تدريجي وبطيء على الأوضاع الاقتصادية، بحيث يستعيد الاقتصاد بعضا من حيويته، وتنفتح أمامه أسواق مغلقة، وتتوفر فرص جديدة للاستثمار في مجالات عديدة.
أزمة 1989
يشار إلى أن الفترة بين عامي 1989 - 1999 شهدت أزمة اقتصادية صعبة على المملكة بسبب أزمة الكويت وما ترتب عليها من تقلص تحويلات المغتربين، وتقلص المساعدات الدولية في إطار السياسة الأمريكية لتسريع الخصخصة وتغطية الإنفاق الحكومي بالضرائب، كما ترافقت مع اتفاقية أوسلو واتفاقية وادي عربة.
وأدت تلك الأزمة إلى الانخفاض الفعلي الاسمي للدينار بنسبة 40% إلى زيادة الدين القومي الأردني وتخفيض مستوى معيشة الأردني العادي بمقدار النصف تقريباً.
(البوصلة)