رسالة مفتوحة إلى أمين عام الأمم المتحدة
0
المصدر: "النهار"
28 آذار 2016 | 20:42
سعادة الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون،اسمح لي ان ألفت نظركم إلى ان وطني الصغير لبنان لديه حدود مع
#إسرائيل، وهي قوة مجاورة لجنوبه لكنها أكبر منه مساحة وقدرة اقتصادية وعسكرية، وقد استخدمت هذه القوة ضده عشرات المرّات في خلال العقود القليلة الماضية، وفرضت احتلال مناطق من جنوبنا العزيز بشكل أساسي لمدّة 28 عاماً. وتسبّبت هذه الاعتداءات بموت عشرات الآلاف من الأشخاص وتشريد مئات الآلاف منهم، ونشر الخوف والرعب في قلوب ونفوس الملايين. وبلغت تكلفة الدمار جراء هذه الاعتداءات عشرات المليارات من الدولارات، بالاضافة الى تباطوء النمو الاقتصادي الذي ساهم في زيادة تكاليف الدّمار. فضلاً عن عدد لا يحصى من اللبنانيين الذين اضطروا للبحث عن عمل وفرص للعمل في الخارج، مما اضطر العديد من الأسر إلى أن يعيش أفرادها بعيداً عن بعضهم لسنوات عديدة وهذا الامر لا يمكن احتساب تكلفته من النّاحية النّقدية.
ورغم أنّه مرّ أكثر من عقد منذ المواجهة الكبرى الأخيرة بين البلدين، يستمرّ الجيش الإسرائيلي في انتهاك الأراضي اللبنانية – برّاً وجوّاً وبحراً - بشكل يومي، وبالتالي فإن التهديد بمزيد من العدوان ليس بعيداً ابداً عن الشعور اللبناني.
ومع وجود مكامن ممكنة للنفط والغاز وبكميات كبيرة في حقول تتداخل في المنطقة الاقتصادية الخالصة مع اسرائيل بسبب عدم ترسيم الحدود ما يحوّل أسباب الاحتفال بهذه الاكتشافات الى قلق داهم من اندلاع حرب جديدة قد تشنها اسرائيل على لبنان.
سعادتك،كما نعلم جميعاً، فإنّ الأمم المتحدة بنيت على أنقاض أكثر الحروب تدميراً في التّاريخ البشري، وأصرّ مؤسّسوها على الحدّ من نطاق النّزاعات المستقبليّة من خلال توفير منتدى دولي لتسوية النّزاعات بالوسائل السلمية. لسوء الحظ، في حين أن لبنان لا يزال يفتخر في أنّه كان أحد المؤسّسين الـ 51 من الدول الأعضاء الأصليين للأمم المتحدة في العام 1945، إلاّ أنّه قضى معظم العقود السبعة الماضية يعيش في حال من الحرب أو من التهديد شبه المستمرّ بنشوبها. وقد كانت دبلوماسية الأمم المتّحدة وحفظ السلام والمساعدة الإنمائية التي تقدّمها منظمتكم ضرورةً لا غنى عنها لتخفيف بعض آثار هذه الحروب، واليوم هنالك فرصة حقيقية لتلعب الامم المتحدة دورًا كبيرًا لمنع نزاع قد يندلع لأي سبب، خصوصا ان الحقائق واضحة ولو نسبيّاً. فالتداخل بين المطالبات البحرية اللبنانية والإسرائيلية تشكّل حوالي 840 كيلومتراً مربّعاً، أي أقلّ من 10% من المنطقة الاقتصادية الخالصة اللّبنانيّة برمّتها ونسبة أصغر من حصّة إسرائيل، ولكن إمكانات النفط والغاز في هذه المنطقة كبيرة، وحالة عدم اليقين بشأن هذه الرقعة الصّغيرة من قاع البحر تحمل آثارًا غير مفيدة بل خطيرة على مساحة أوسع بكثير. الحل الواضح هو تسوية النزاع في الوقت المناسب، مما يقلّل من خطر الحرب، ويشجّع الاستثمار، والبدء بالعمل على تنمية المورد الذي يوفّر إعانات اجتماعية واقتصادية هائلة.
وتشير مصادر دبلوماسية غربية أن إسرائيل سبق أن اعترفت بشكل غير رسمي أن ثلثي التداخل هو من حصة لبنان، لذلك الصيغة المطلوب إقرارها على المدى القصير من قبلكم تكون بإعلان الثلث الباقي والمنطقة المحيطة به خارج حدود الاستكشاف والانتاج حتى التوصل إلى حل دائم. كون المشكلة هي أن لبنان وإسرائيل لا يمكن أن يتوصلا إلى مثل هذا الاتفاق من تلقاء نفسيهما. فالبلدان من الناحية القانونية والواقعية في حالة حرب منذ عام 1949، وليس بينهما علاقات دبلوماسية، وبسبب التاريخ الدامي الذي عرضناه في مقدمة هذا الكتاب تغيب الثقة بينهما، خصوصا ان لبنان كان دائما في موقع الضحية اتجاه اطماع اسرائيل.
من هنا تبقى المفاوضات غير المباشرة الخيار الوحيد، وفي حين أشارت التقارير الى تقدّم مسؤولين من الولايات المتحدة في مناقشات منفصلة مع نظرائهم اللبنانيين والإسرائيليين، الا ان عقبة أخرى تعيق هذا الجهد أيضاً: فإسرائيل هي واحدة من ثلاث دول في المنطقة– بالاضافة الى
#سوريا و
#تركيا - التي لم توقّع أو تصدّق على اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار، وهي اﻵلية نفسها التي تعتمد عليها معظم الحكومات لتسوية المنازعات البحرية. ما يستدعي العودة الى جهود منظمتكم الديبلوماسية الحثيثة لتخطي كل هذه العقبات والإفراج عن ثروة تحتاجها المنطقة لتعزيز الأمن والسلام والبحبوحة الاقتصادية.
مواطن مهتمّ، الجمهورية اللبنانية