الخيل في الإسلام
كرّم الإسلام الخيل أِيما تكريم، ونص على أهميتها البالغة، بوصفها رمزاً للمنعة والقوة، والوسيلة العظمى لنشر الرسالة السماوية في الآفاق، حتى إِن الله سبحانه وتعالى أقسم بها في محكم تنزيله حين قال: ]وَالْعَادِيَاتِ ضَبْحًا (1) فَالْمُورِيَاتِ قَدْحًا (2) فَالْمُغِيرَاتِ صُبْحًا[ (العاديات: 1-3). فالعاديات هي الخيل التي تعدو في سبيل الله، والضبح هو الصوت الذي يُسمع من الفرس، يتردد في صدره، حين يعدو. والموريات قدحاً: أي اصطكاك حوافر الخيل بالصخور عند عَدْوها، فتقدح النار؛ والمغيرات صُبحاً أي التي تندفع مُغِيرةً عند الصباح، كما كان يفعل رسول الله r، يغير صباحاً، فإن سمع الآذان كفّ، وإلاّ أغار. وبين المفسّرين خلافٌ في العاديات: أهي الخيل أم الإبل؟.
أدرك المسلمون أهمية الخيل ودورها في نشر الدين الجديد، فحرصوا على اقتنائها وإكرامها. وكان الرسول ـ r أول من بادر إلى حَثّ المسلمين وتشجيعهم وتحفيزهم على اقتنائها، لاستخدامها في الجهاد. وقد خُصت الخيل المعدة للجهاد بالعناية الفائقة، والرعاية والتكريم، كما خٌص الذين يعتنون بها بمزيد الأجر. وقد فرض الرسول ـ r سهمين في الغنيمة للفرس وسهماً واحداً لفارسه، بينما جعل للمقاتلين من المشاة سهماً واحداً.
فإن كان الواقع الاجتماعي في الجاهلية، جعل العناية بالخيل أمراً لازماً، فقد تضاعفت تلك العناية في ظل الإسلام، إذ أصبح اقتناء الخيل ـ وهو مثال على المعنى العام لإعداد القوة ومُضاعفاتها في العصر الحديث ـ فرضاً دينياً امتثالاً لقوله تعالى: ]وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللهِ وَعَدُوَّكُمْ[ (الأنفال: 60). ولقول الرسول ـ r ] الْخَيْلُ مَعْقُودٌ فِي نَوَاصِيهَا الْخَيْرُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ[ (رواه البخاري، الحديث الرقم 2638) وعلى الرغم مما اشتُهرت به الإبل من قدرة التكيف مع قسوة الصحراء، وتحمل الجوع والعطش، إلا أنها فشلت في الحرب أمام الخيل، ولم تستطع منافستها في سرعة الحركة، والإقبال على العدو، والثبات في خضم المعارك وصليل السيوف، الذي يشكل عاملاً أساسياً في سرعة تهيج الإبل وفرارها.
وهكذا أصبح الحصان أمضى وسيلة في الحرب، فانطلق الفرسان المسلمون على صهوات خيولهم الأصيلة فاتحين الدنيا المعمورة حولهم. وفي أقل من ثلاثين عاماً كان المسلمون قد فتحوا العراق والشّام، وفارس، ومصر ومع انتشار المسلمين والإسلام، انتشر الحصان العربي. ففي سنة 711م دخل الأندلس بعد أن امتدت الفتوحات إلى شمالي أفريقيا، وتجاوزتها إلى الأصقاع، وربما كانت تلك المرة هي الأولى، التي وطأت فيها سنابك الخيل العربية القارة الأوروبية.
الخيل في القرآن الكريم
أكرم الله عزّ وجل الخيل حيث ورد ذكرها في عدة مواضع من القرآن الكريم، واعتبرها من مصادر القوة والجاه ومتاع الحياة الدنيا.
يقول الله سبحانه وتعالى: ]زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ[ (آل عمران: 14). والخيل المسوَّمة كما قال ابن عباس "هي الراعية والمطهمة الحسان".
وأورد ابن كثير في تفسيره هذه الآية قول النّبي: ]ارْمُوا وَارْكَبُوا وَلَأَنْ تَرْمُوا أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ تَرْكَبُوا[ (سنن الترمذي، الحديث الرقم 1561).
كما قال تعالى مخاطباً إبليس، عندما سأل الله أن يجعله من المُنْظَرين ]وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ وَأَجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ وَشَارِكْهُمْ فِي الأَمْوَالِ وَالأَولاَدِ وَعِدْهُمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلاَّ غُرُورًا[ (الإسراء، 64) (واستفزز: ادعوا واستثير، بصوتك: قيل باللهو والغناء، اجلب عليهم بخيلك ورجلك: أحمل عليهم بجنودك خيّالتهم ورِجْلَتَهُم أي الراكبين والسائرين على أرجلهم).
وقال عز من قائل: ]وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً وَيَخْلُقُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ[ (النحل:
.
كما ذكر الله سبحانه وتعالى، الخيل في خبر سيدنا سليمان، وكيف شغلته بجمالها والتأمل فيها عن الذكر والصلاة: ]إِذْ عُرِضَ عَلَيْهِ بِالْعَشِيِّ الصَّافِنَاتُ الْجِيَادُ (31) فَقَالَ إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ عَنْ ذِكْرِ رَبِّي حَتَّى تَوَارَتْ بِالْحِجَاب[ (ص: 31-32). والخيل الصافنات أي التي تقف على ثلاثة قوائم وطرف حافر الرابعة، أو هي الجياد السِراع.
وقال تعالى: ]وَمَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلاَ رِكَابٍ وَلَكِنَّ اللَّهَ يُسَلِّطُ رُسُلَهُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ[ (الحشر، الآية 6) (الفيء كلُ مال أُخذ من الكفّار من غير قتال؛ والوجيف هو عدو الفرس السريع).
خيل النبي
اختلف الرواة في عدد خيله، r كما اختلفوا في أسمائها وألوانها، ولكن المشهور منها والمتفق عليه، ستة خيول هي:
ومعناها في اللغة، الخفيف السريع الجري.
1. السَّكْب:
ويقال غيث مرتجز: ذو رعد، سمي بذلك لجهارة صهيله وحسنه.
2. المُرْتَجز:
اللزز: الشدة. سُمي بذلك لشدته واجتماع خَلْقِهِ.
3. لِزَاَزُ:
سمي بذلك لطول ذنبه، كأنه يلحف الأرض بذنبه أي يغطيها.
4. اللُحَيْف:
من قولهم فرس سابح إذا كان حَسَنُ مدّ اليدين في الجري.
5. سَبْحَةَ:
الظّرب: ما نتأ من الحجارة وحُدّ طرفه، وقيل هو الجبل الصغير، وسمي الفرس الظَّرَب تشبيها له بالجبل لقوته.
6. الِظَّرَبُ:
وحكي عن ابن خالويه قال: كان للنبي، r من الخيل: سَبْحَة، واللْحيف، ولِزَاز، والظَّرِب، والسَّكْب، وذو اللَّمَّة، والسَّرْحَان، والمُرْتَجِل، والأدْهَم، والمُرْتَجز، وذكر في موضع آخر مُلاوح والوَرْد، واليَعْسُوب. وذكر غيره: ذو العُقَّال والسَّكْب، واللْحيف، ولِزَاز والظَّرب، وسَبْحة، والبَحْر، والشَّحَاء.
وعلى هذا فيكون المتفق عليه هو الخيول الستة الواردة أعلاه، بينما المختلف عليه:
1. ذو العُقَّال: والعُقَّال داء يُصيب أرجل الدواب، سمي به لدفع عين السوء عنه.
2. الشّحاءُ: الفرس الواسع الخطو.
3. ذو اللِّمة: اللِّمة شعر الرأس إذا جاوز شحمة الأذن، سميت بذلك لأنها ألمت بالمنكبين.
4. السِرحان: هو الذئب.
5. المُرْتَجِل: الذي يقتدح النار بزنده ويحفيها بين رجليه.
6. الأدهم: الدُّهْمة السواد. والأدهم: الأسود، والعرب تقول ملوك الخيل دهمها.
7. الوَرْد: لون أحمر يضرب إلى صفرة حسنة وقيل فرسين وردين: الكميت والأشقر.
8. اليعسوب: هو قائد النحل وذَكَرُها، ويقال للسّيد يعسوب قومه.
9. البحر: كثير العدو تشبيها له بالبحر.
ويروى عن أسامة بن زيد، عن زيد بن طلحة التيمي قال: قدم خمسة عشر رجلاً من الرّهاويين[1]، وهم حي من مَذْحج، على رسول الله، r فنزلوا دار رملة بنت الحارث[2]، فأتاهم رسول الله r فتحدث عندهم طويلاً، فأهدوا لرسول الله r هدايا، منها فرس يقال له المرْوَاح[3]، فأمر فَشُوِّرِ[4] بين يديه فأعجبه، فأسلموا وتعلموا القرآن والفرائض وأجازهم كما يجيز أهل الوفد.
حديثه r عن الخيل
ورد في الحديث النبوي الشريف الكثير مما يحض على تكريم الخيول والعناية بها، وتشجيع اتخاذها وتملكها؛ فمن ذلك أن النبي، r قال: ]خير مال المرء مُهْرةٌ مأمورة أو سكة مأبورة[ (مسند أحمد، الحديث الرقم 15284) (سكة مأبورة: أي نخل ينبتُ على صفين ملقح).
وروي عن عتبة بن عبد السلمى، رضي الله عنه، أنه قال: سمعت رسول الله، r يقول: ]لا تَقُصُّوا نَوَاصِي الْخَيْلِ وَلَا مَعَارِفَهَا وَلا أَذْنَابَهَا فَإِنَّ أَذْنَابَهَا مَذَابُّهَا وَمَعَارِفَهَا دِفَاؤُهَا وَنَوَاصِيَهَا مَعْقُودٌ فِيهَا الْخَيْرُ[ (سنن أبي داود، الحديث الرقم 2180) (نواصيها: مقدمة رؤوسها، معارفها: شعر عنقها).
وروي أن رسول الله r ]رُئِيَ يمسح وجه فرسه بردائه فسئل عن ذلك؟ فقال: إني عُوتبت الليلة في الخيل[ (موطأ مالك، باب الجهاد، الحديث الرقم 890).
وروي عن أبي ذر الغفاري، رضي الله عنه، أنه قال: قال رسول الله r ]مَا مِنْ فَرَسٍ عَرَبِيٍّ إِلاَّ يُؤْذَنُ لَهُ عِنْدَ كُلِّ سَحَرٍ بِدَعْوَتَيْنِ اللَّهُمَّ خَوَّلْتَنِي مَنْ خَوَّلْتَنِي مِنْ بَنِي آدَمَ وَجَعَلْتَنِي لَهُ فَاجْعَلْنِي أَحَبَّ أَهْلِهِ وَمَالِهِ إِلَيْهِ أَوْ مِنْ أَحَبِّ مَالِهِ وَأَهْلِهِ إِلَيْهِ[ (رواه النسائي، الحديث الرقم 3523).
وفي الصحيح عن جرير بن عبد الله، رضي الله عنه، قال: ]رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَلْوِي نَاصِيَةَ فَرَسٍ بِإِصْبَعِهِ وَهُوَ يَقُولُ الْخَيْلُ مَعْقُودٌ بِنَوَاصِيهَا الْخَيْرُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ الأَجْرُ وَالْغَنِيمَةُ[ (صحيح مسلم، الحديث الرقم 3479).
[1] هم بنو رهاء من قبيلة مُذحَج.
[2] رملة بنت الحارث بن ثعلبة بن زيد، امرأة من الأنصار، من بني النّجار.
[3] المرواح مشتق من الريح وهو من أبنية المبالغة كالمِطْعام والمِقْدام، وقد يكون اشتقاقه من الراحة، يستريح به أو يستريح إليه.
[4] فَشُوِّرِ بين يديه أي عرض عليه، وأقبل به وأدبر به، والمكان الذي تُعرض فيه الدواب يقال له المشوّار.