رجال الأسد.. أسرار اختراق النظام السوري للعقوبات الدولية
تحقيق - نزار الغزالي
5 أبريل 2016
أعلنت وزارة الخزانة الأميركية في يوليو/تموز من عام 2014 عن أول ثلاث شركات مرتبطة ضمن شبكة من شركات ورجال أعمال متهمين بتقديم الدعم النفطي والتكنولوجي للحملة العسكرية التي يقودها نظام بشار الأسد ضد الشعب السوري بحسب البيان الرسمي لوزارة الخزانة.
الشبكة بحسب البيان تكونت من شركات وسفن انطلقت من سورية، وعملت في الإمارات العربية المتحدة وسويسرا وتركيا وهولندا، ويعد أبرز لاعبيها شركة سورية تسمى "مجموعة عبد الكريم". وزوّرت هذه الشبكة، بحسب الخزانة الأميركية، عقوداً وبيانات للشحن واستخدمت سفناً وغيّرت وجهات سيرها، واختفت ثم ظهرت على الرادار لتتهرب من الرقابة على العقوبات المفروضة على مؤسسات سورية من الولايات المتحدة وأوروبا وكندا، ولتقدم الدعم النفطي والمعدات للنظام السوري وآلته العسكرية، بما فيها تموين الطائرات والسفن التابعة للنظام السوري بحسب قرارات العقوبات الأميركية.
بهذا الكشف أعلنت "إدارة الأصول الأجنبية" المسؤولة عن العقوبات في وزارة الخزانة الأميركية والتي تسمى "أوفاك OFAC" فرض العقوبات على هذه الشبكة وشركاتها، فأدرجت على اللائحة السوداء شركتي Expert Partners ومقرها سورية، إضافة إلى شركة Megatrade لقيامهما بأعمال تجارية "لصالح أو بالنيابة عن (مركز البحوث العلمية) التابع للحكومة السورية والذي يطور أسلحة غير تقليدية وصواريخ بالستية" بحسب القرار.
كما أدرجت على اللائحة السوداء شركة: Pangates International Corporation Ltd، ومقرها دولة الإمارات العربية المتحدة، لكن القرار الأميركي لم يتعرف على مالك هذه الشركة حتى أواخر عام 2014، فأدرج مدير الشركة ومالكها، وائل عبد الكريم (41 عاماً)، وهو فلسطيني سوري الجنسية، على لائحة العقوبات. وأضاف شركة أخرى تتبع له ضمن الشبكة تدعى MAXIMA. كما شمل قرار العقوبات مساهمي هذه المجموعة وشركائها، ومنهم: أحمد برقاوي (31 عاماً)، وهو فلسطيني سوري الجنسية، إضافة إلى الشركات ورجال الأعمال المتورطين من الجنسيتين السويسرية والهولندية.
عالم الملاذات الآمنة
لكن هل كشفت السلطات الأميركية حقاً كل أفراد هذه الشبكة ومساهمي شركاتها؟ الجواب بالنفي. ففي آذار/مارس من العام الماضي 2015، أي بعد قرار العقوبات الأميركية الثاني بنحو ثلاثة أشهر، اكتشفت السلطات في واشنطن مزيداً من المتورطين في هذه الشبكة، وهم ست شركات وأربعة رجال أعمال أتراك ونحو 10 سفن مسجلة في بنما وسيراليون، إضافة لمؤسسات حكومية سورية كشركة النفط وشركة الموانئ.
الاكتشاف الجديد في الحزمة الثالثة من العقوبات ضد "شبكة عبد الكريم"، هو أنّ السلطات الأميركية بدأت تتوصل إلى ما تسمى شركات "الأوف شور" أو الملاذات الآمنة، التي تعمل ضمن مجموعة عبد الكريم، من خلال شركات صممت لهذه الغاية، بحيث لا تُكشف أسماء أصحابها لغايات قد يستفاد منها للتهرب الضريبي أو التهرب من المسؤولية.
"
يجيب هذا التحقيق عن الأسئلة التالية: هل عرفت السلطات الأميركية حقاً كل أسماء الشركات التابعة لمجموعة عبد الكريم؟ ولماذا اكتشفت بعضهم ولم تكتشف بعضهم الآخر؟ ومن هو الشريك الخفي المتصل مباشرة بالنظام السوري
" ويشير مصطلح "الأوف شور" إلى تمركز الشركة في بلد معين، من بلدان مناطق الإعفاء الضريبي والملاذات الآمنة، في حين أنها تنفذ أعمالاً في بلد آخر يخضع لسيادة دولة أخرى من الناحية القانونية. أما الملاذات الآمنة، فهي مناطق تفرض بعض الضرائب أو لا تفرض أي ضرائب على الإطلاق، أو هي دول تتمتع أنظمتها المصرفية بقوانين صارمة لتحافظ على سرية حسابات عملائها الأجانب، فتساعدهم على التهرب من دفع الضرائب في بلادهم الأصلية.
وقد تمكنت السلطات الأميركية من ربط مجموعة عبد الكريم بشركات خفية كان منها: The Eagles LLC وهي شركة مقرها سورية، وشركة Morgan Additives Manufacturing Co في المنطقة الحرة بميناء جبل علي في إمارة دبي ومسجلة في جزر سيشل، وهي إحدى الملاذات العالمية للشركات المخفية "أوف شور".
ويرى المدير الحالي لهذه الشركة ياسر برازي في إجابته عن تساؤلات معد التحقيق أنّ قرار إدراج الشركة ضمن العقوبات الأميركية "استند إلى أساس خاطئ، فالشركة غير مملوكة حالياً ولا تدار من وائل عبد الكريم. بينما بررت وزارة الخزانة الأميركية عند فرض قرار العقوبات أنّ الشركة كانت مملوكة وتدار من قبل وائل عبد الكريم المعاقب أميركياً.
واستطاعت السلطات الأميركية كشف شركة مخفية في الملاذات الآمنة ترتبط بمجموعة عبد الكريم، وتسمى "ملينيوم شيبينغ". وهي شركة نقل بحري تعمل في تركيا، لكنها مسجلة في بنما، والتي هي إحدى أشهر الملاذات الآمنة للشركات الخفية في العالم.
المقر الرئيسي لشركة موساك في بنما (العربي الجديد)
الدائرة الاقتصادية للأسد
يجيب هذا التحقيق الاستقصائي أيضاً عن الأسئلة التالية: هل عرفت السلطات الأميركية حقاً كل أسماء الشركات التابعة لمجموعة عبد الكريم وأسماء مالكيها؟ ولماذا اكتشفت بعضهم ولم تكتشف بعضهم الآخر؟ ومن هو الشريك الخفي المتصل مباشرة بالنظام السوري، والذي لم تستطع تحقيقات الخزانة الأميركية اكتشافه وربطه بمجموعة عبد الكريم؟.
كانت الشركة التي كشفت الوثائق الأميركية أنها قد لعبت دور وسيط النقل البحري لنقل الشحنات إلى مرفأ بانياس، هي شركة لبنانية تأسست بداية عام 2013 ومسجلة ضمن نظام "الأوف شور" في لبنان واسمها EBLA TRADE SERVICES S.A، وعاقبت السلطات الأميركية هذه الشركة ووضعتها على اللائحة السوداء، غير أنّها لم تعلم من هم مالكوها الحقيقيون، وهو الأمر الذي أنقذهم من العقوبة الأميركية.
وبالرغم من أن المرسوم الاشتراعي رقم 2083 لعام 2009 والخاص بتأسيس شركات "الأوف شور" في لبنان، لا ينص على سرية أسماء مالكي الشركات، إلا أن موقع السجل التجاري اللبناني الإلكتروني، لا يتيح في طرق البحث المتاحة الكشف عن هذه الشركات بسهولة، ولا يتيح أي نص قانوني في لبنان إمكانية الحصول على نسخة ورقية من السجل التجاري لشركة، ما لم يكن الطالب من أصحاب العلاقة.
إلاّ أن "العربي الجديد" حصلت على السجل التجاري للشركة، لتكتشف ثلاثة عشر اسماً من السوريين واللبنانيين المساهمين ومفوضي التوقيع في الشركة، على رأسهم اثنان من أبناء رجل الأعمال السوري المفروض عليهم عقوبات أميركية وأوروبية، ومنهم محمد حمشو، حيث ظهرت أسماء ابنيه (أحمد صابر) و(عمرو) في سجلات هذه الشركة، كما يساهم معهما في الشركة أبناء رجل الأعمال اللبناني ذي الأصل السوري محمد هاشم الصوفي. وللمفارقة، فإن الصوفي قد أسس جمعية أهلية عام 2006 في لبنان، تعنى بالترويج لـ"محاربة الفساد".
ويعد محمد حمشو أحد رجال الرئيس، وينتمي للدائرة الاقتصادية الضيقة لبشار الأسد؛ وهو شريك رامي مخلوف، الذراع الاقتصادية للنظام السوري في شركة "شام القابضة"، وكانت العقوبات الأميركية والأوروبية قد طاولته منذ منتصف عام 2011 ووصفته بأنه من الداعمين والمرتبطين بالرئيس الأسد وشقيقه ماهر، غير أن محكمة الاستئناف الأوروبية برّأته ورفعت العقوبات عنه في تشرين الثاني/نوفمبر من عام 2014 لعدم كفاية الأدلة. لكن وبعد أقل من أربعه أشهر على رفعها قدمت بريطانيا أدلة جديدة وأعاد الاتحاد الأوروبي فرض العقوبات ضد حمشو. وكشف قرار العقوبات الجديد عن إمبراطورية حمشو المالية والاقتصادية التي تتضمن شركات اتصالات وتكنولوجيا وسياحة وعقارات.
الاختباء وراء الأبناء
يمكن رسم خارطة العلاقات بوضوح بين نظام الأسد ومجموعة عبد الكريم عبر محمد حمشو الذي استخدم أبناءه واجهة، ليختفي خلفهم اتقاء لقرار العقوبات الغربية. ولكن مرة أخرى، هل استطاعت السلطات الأميركية كشف كل شركات ومساهمي مجموعة عبد الكريم نفسها، وخاصة في سجلات "الأوف شور" الخفية؟.
الوثائق التي حصل عليها معد التحقيق من تسريبات وثائق أكبر شركة عالمية لتسجيل شركات "الأوف شور" وتدعى "موساك فونسيكا" عبر الاتحاد الدولي للصحافيين الاستقصائيين ICIJ وصحيفة SZ الألمانية (زود دويتشه تسايتونغ) من خلال شبكة "إعلاميون من أجل صحافة استقصائية عربية (أريج)"، تكشف شركات ومالكين آخرين لم يرد ذكرهم في الوثائق التي حصلت عليها السلطات الأميركية أثناء تعقبها مجموعة عبد الكريم.
"
لم تردّ وزارة الخزانة الأميركية على أسئلة تم توجيهها لها حول نظام العقوبات المتعلق بهؤلاء الأشخاص. بينما علق مكتب إدارة الأصول الأجنبية في وزارة الخزانة بأنه يبذل كل الجهود "لمعاقبة مخالفي العقوبات ومنتهكيها سواء كانوا أفراداً أم شركات"
" وساهمت هذه الشركة العالمية في عدم كشف مساهمين ومديرين لمجموعة الشركات التي تتبع له. وعلى رأس الهاربين من قائمة العقوبات مؤسس المجموعة ورئيس مجلس إدارتها، جمال عبد الكريم، وهو فلسطيني سوري يحمل جواز سفر سورياً وآخر أميركياً، وجواز سفر من جمهورية سانت كيتس الكاريبية التي تمنح مؤسسي شركات الأوف شور جوازات سفر".
وقد منحت هذه الجزيرة جواز السفر لجمال وولده وائل المعاقب أميركياً نظراً لاستثماراتهم في هذه الجزيرة. وبحسب الوثائق التي حصلت "العربي الجديد" عليها، يظهر اسم جمال عبد الكريم المولود في حيفا 1943 والمقيم في دمشق، إضافة لكونه المساهم الرئيسي في مجموعة عبد الكريم والمعروفة في سورية باسم "عبد الكريم للتجارة"، بحسب سجلاتها على موقع غرفة الصناعة في دمشق. وهو أيضاً مساهم رئيسي في شركة (مورغان) التي عاقبتها الولايات المتحدة الأميركية. لكن اسمه لم يظهر في العقوبات نظراً لاختفاء اسمه من سجلات الشركة المسجلة في جزيرة سيشل في المحيط الهندي والتي هي إحدى ملاذات "الأوف شور".
اسم جمال عبد الكريم ما يزال يظهر على موقع (الاتحاد العربي للصناعات الهندسية) كعضو لمجلس الإدارة. وكان أحد أعماله ضمن مجموعته "عبد الكريم للتجارة" حتى بداية الأزمة السورية، هو عمله وكيلاً لشركة (فوكس) الألمانية لزيوت السيارات، وقد سُجل أيضاً رسمياً وفقاً لوثيقة حصل عليها معد التحقيق من سجلات وزارة الاقتصاد السورية وكيلاً لشركتين هما: BOLD ROCCHI SRL الإيطالية للمحركات، وشركة T.W. TECHNOLOGY CORP الأميركية للمعدات والآلات.
ولم تردّ وزارة الخزانة الأميركية على أسئلة تم توجيهها لها حول نظام العقوبات المتعلق بهؤلاء الأشخاص. بينما علق مكتب إدارة الأصول الأجنبية في وزارة الخزانة بأنه يبذل كل الجهود "لمعاقبة مخالفي العقوبات ومنتهكيها سواء كانوا أفراداً أم شركات".
صورة جواز السفر الأميركي لجمال عبدالكريم (العربي الجديد)
العائدون إلى حضن الأسد.. 5 اختراقات إعلامية للثورة السورية
تحقيق - نبيل شوفان
17 ديسمبر 2014
شهدت الثورة السورية حالات "انشقاق عكسي" عديدة من قبل "إعلاميين" عملوا في مؤسسات ثورية إعلامية سورية ثم عادوا إلى وسائل إعلام النظام. وإضافة لامتلاك هؤلاء قاسماً مشتركاً هو الانشقاق عن الثورة التي تبنوا مبادئها، فإن قواسم مشتركة أخرى تجمعهم، منها أن عددا منهم عادوا ليباشروا أعمالا جديدة في مؤسسات إعلامية جديدة ولكن هذه المرة تابعة للنظام، وأن لهم صداقات "وطيدة" مع معارضين ومع صحافيين وناشطين سوريين يعملون على الأرض، من السهل معرفة كل تحركاتهم وأسرار عملهم.
الأولى
آخر من عاد إلى حضن الأسد شابة تدعى لبنى البدوي تعرف نفسها بـ "الإعلامية" كانت تقدم برنامج "خليك أون" في إذاعة (روح) المحسوبة على الثورة حسب الداعمين، والتي تسلك خطاً ثالثاً حسب إدارة الراديو؛ عادت منذ بضعة أيام وبشكل غير مفاجئ هذه المرة إلى حضن النظام.
لبنى حضرت ورشات إعلامية عدة مع منظمات دولية ومؤسسات ثورية في تركيا، بسبب عملها مع أكثر من جهة ثورية، وهي عضو في كثير من الصفحات والنشاطات والمجموعات "الثورية" وصديقة حفظت أسماءهم وأماكن عقد المؤتمرات وكيفية سير العمل وأسراره.
لبنى التي تقول في الحلقة الأولى من برنامجها (خليك أون) "إن المواقف أحيانا تجعل المزاج غير سعيد وتجعل السموم تجري في الدم" كانت تتحدث عن نفسها على ما يبدو، إذ قالت مصادر مطلعة لـ"العربي الجديد" إن الفتاة كانت تتنقل بين دمشق وغازي عينتاب واسطنبول، بعلم الإدارة وأمام أعين الزملاء والنشطاء الذين حذر بعضهم من تصرفات الفتاة مرات عدة دون أن يسمع أحد صوتهم أو يحقق بالموضوع.
"
لم تعد لبنى وحسب إلى حضن الوطن كما قالت، بل التقطت الصور فور عودتها مع أسماء الأخرس زوجة بشار الأسد
"
لم تعد لبنى وحسب إلى حضن الوطن كما قالت، بل التقطت الصور فور عودتها مع أسماء الأخرس زوجة بشار الأسد، وغيرت صورة "بروفايلها" على فيسبوك بصورة مع زوجة الأسد وحذفت أصدقاءها الثوريين منهم، ثم "حمدت الله على عودتها للعمل في كنف العصابة وارتياحها جداً لهذا القرار" كما قالت.
أما المفاجأة هذه المرة فهي ما نقله لنا أحد الصحافيين من غازي عينتاب حول امتلاكه معلومات موثقة تفيد بأن الفتاة ومنذ البداية، كانت تعمل مع الجيش الإلكتروني الذي تديره المخابرات العامة في نظام بشار الأسد، وأن عملها الجديد في الفريق الإعلامي التابع لجامعة دمشق والأمانة السورية للتنمية التابعة للنظام، ما هو إلا ترقية للبنى على إتمامها مهمتها بنجاح.
الثاني
دلبرين موسى صحافي سوري كردي، عاد أيضا ليلتحق بعمله كمعد برامج في التلفزيون الرسمي لنظام الأسد، بعد أن عمل مع معظم المؤسسات الإعلامية الثورية، وشارك في الكثير من الفعاليات والنشاطات المدنية والندوات الثقافية، فعرف وخبر الكثير عن الناشطين والإعلاميين المناصرين للثورة.
يقول صحافي عمل مع دلبرين لـ"العربي الجديد": "أؤكد لكم أن دلبرين منذ البداية لم يستطع كتمان انتهازيته وجشعه للمال الثوري، وحقده على الثورة التي كان يتهمها بالكراهية والإقصاء والعروبة "الزائدة".
دلبرين الذي عمل لصالح قناة (سوريا 18 آذار) وقناة (سوريا الشعب) وعمل مع إذاعة سورية في تركيا، كان يقدم ملاحظات واستشارات أكثر من العمل والإعداد، ورغم تقاضيه في كل "المؤسسات المذكورة" "رواتب محترمة" لم يحلم بها حين كان يعمل بالتلفزيون السوري، كما قال زميله الذي عمل معه والدعم المستمر الذي قدمه له مكتب الإغاثة في الأردن، إلا أنه عاد بشكل سري ودون أن يعلم أصدقاءه إلى دمشق قبل أربعة أشهر.
ما يدعم فرضية اندساس دلبرين ما قاله المخرج المسرحي الأردني نبيل الخطيب، إن صديقه دلبرين موسى أسرّ له بعدم انقطاع راتبه من التلفزيون السوري طوال فترة مكوثه في عمّان.
الثالثة
ميس كريدي تطلق على نفسها العديد من التوصيفات، فهي مرة سياسية ومرة إعلامية ومرة سيناريست ومؤلفة ومرة فنانة ومرة رسامة ... الخ؛ خرجت من سورية عام 2012 بعد أكثر من سنة على انطلاق الثورة السورية، لتمكّن لنفسها في الأردن وتضرب فروعها في المعارضة بشقوقها السياسية والإعلامية وحتى العسكرية.
اجتمعت كريدي مع معظم ضباط الجيش الحر ومع السياسيين والإعلاميين السوريين المتواجدين في الأردن، ثم عادت فجأة إلى "حضن الوطن" واتهمت الجميع بأنهم باعوا البلاد، وأن ليس لهم أي دور في سورية الجديدة، كما قالت بعد عودتها إلى حضن الأسد.
الرابع
عاد قحطان صليبي إلى "حضن الأسد"، في إطار تسوية مع النظام السوري، تتضمن تحضيرات لعقد مؤتمر وطني عام في الـ 2012 لكن قحطان الذي كان مجرد "موزع جرائد" وصل إلى رتبة مراسل للإخبارية السورية، بعد فرضه من ابن عمّه متزعم اللجان الشعبية في المنطقة الشرقية.
"المراسل الصحافي" الذي لم يحصل على شهادة المرحلة الإعدادية، والذي يرفض الكثير من زملائه تسميته "صحافيا"؛ خرج من سورية بعد أن تراكمت عليه ديون وصلت إلى حدّ ثلاثمئة ألف ليرة سورية، نتيجة استئجاره العديد من المصورين لمرافقته وعمل تقارير كانت ترفض الإخبارية السورية عرضها، بسبب ضعفها حبكةً ولغةً وصوتاً.
"
أعلن قحطان انشقاقه فور وصوله تركيا، وارتدى علم الثورة وأجرت بي بي سي لقاءً تلفزيونيا معه
"
أعلن قحطان "الصحافي الطارئ" انشقاقه فور وصوله تركيا، وارتدى علم الثورة ووثق انشقاقه بفيديو ما زال موجودا على اليوتيوب حتى اللحظة، وأجرت بي بي سي لقاءً تلفزيونيا معه تحدث فيه عن كيفية صنع الفبركات في كواليس إعلام النظام، رغم أن العديد من الصحافيين السوريين حذروا الزملاء في بي بي سي وقتها من الرجل المشكوك في أمره.
لم تستطع الثورة أن توفر لقحطان ما وفره له النظام، فقرر العودة عن الثورة التي لم ينتمِ إليها أصلا ليمهّد بعد أشهر قليلة لعودة زميله في قناة الدنيا المخرج نزار السعدي.
الخامس
نزار السعدي مخرج سابق بقناة الدنيا التابعة للنظام السوري، انشق عن النظام ليعمل في قناة سوريا الغد في العاصمة المصرية القاهرة، اتهمه نشطاء بالتعرّض للكثير من اللاجئات السوريات في مصر بابتزازهن عن طريق مطالب "دنيئة" مقابل وعود بتوظيفهن كمذيعات في القناة.
صحافي سوري مقرب من نزار فضّل عدم الكشف عن اسمه قال لـ"العربي الجديد": "نزار مخرج لديه مهنية عالية، وبعد أن توفيت زوجته خلال الثورة وفترة انشقاقه، وبعد تدهور قناة سوريا الغد انتقل إلى تركيا ثم باشر عمله مع وكالة مسارات الإخبارية التي يشرف عليها كل من لؤي مقداد وديما داغستاني، تم اتهامه بالعمالة والخيانة من قبل زملائه ثم طرده من قبل الإدارة ما ولّد لدى نزار ردة فعل، جعلته يستمع لنداءات زميله قحطان الذي وعده بتسوية وضعه لدى أفرع الأمن السورية ليترك الثورة ويعود للعمل مع النظام، بعد قرابة سنتين من العمل بمؤسسات الثورة".
ويختم الصحافي السوري المقيم حاليا في تركيا: "نزار عاد بعد أن ظلمه الثوار، أنا لا ألمع ولا أدافع، ولكن ما أعلمه أن هناك من حاصر الرجل وضيّق عليه".
"العربي الجديد" تواصلت مع ديما داغستاني التي أكدت أن نزار لم يعمل معهم نهائيا، وإنما جاء إلى وكالة مسارات فترة تجربة ثلاثة أيام فقط تم رفضه بعدها، بسبب قلّة مصداقيته واختلاقه قصصا.
وتضيف داغستاني أن جهات ثورية نقلت لإدارة مسارات روايات عن قيام الأخير بسرقة وحدات تخزين (هاردات) تحوي معلومات ومواد عن الثورة السورية.
الائتلاف أيضا وقع في الفخ!
حالات اختراق أخرى، لكن هذه المرة إعلامية سياسية وقعت في الوفد الإعلامي التابع للائتلاف والذي ذهب إلى جنيف وترأسه جهاد بلوط اللبناني المؤيد لنظام الأسد، والذي فصله الائتلاف.
باسل كويفي حالة أخرى، بعد أن وصل إلى عضوية المجلس الوطني عاد إلى "حضن الأسد" بعد طرده من المجلس إثر وثيقة مسربة، وصلت إلى يد المعارض السياسي معتز شقلب حول انتهاء دوره الخارجي.
يقول معتز شقلب لـ"العربي الجديد": "كنت أملك هذه الورقة منذ اليوم الأول الذي انضم فيه باسل كويفي إلى المجلس الوطني، وتريثت بإشهارها لمعرفة ماهيّة الدور الذي سيقوم به الرجل المرتبط بالمخابرات السورية، وفعلا ما لبث أن بدأ دعاية رخيصة بين الزملاء لتأسيس جبهة وطنية تحت "سقف الوطن" ولكن محاولاته فشلت مع الجميع تقريبا".
هل من حلول؟!
الطبيب النفسي محمد أبو هلال يقول إن الثوار السوريين غالبيتهم أصيبوا في بداية الثورة بـ "وهم التوحد" أي أنهم وثقوا بجميع من قال أنا ثائر، فظنوه بريئا وساميا مثلهم وهذا يعود لقوة اندفاع الشعب السوري في بداية ثورته، كاسرا كل حواجز الخوف حتى تلك الضرورية منها.
ويتابع الأخصائي النفسي السوري قائلا: "هناك أشخاص كانوا سيئين قبل الثورة، قبلت الثورة صهرهم في بوتقتها محرجة تارة ومرغمة تارة تحت مقصلة وحدة الشعب ضد الدكتاتور، فاقتربنا من المثالية ونسينا الواقعية، على الثوار أن يعلموا أن فترة شهر العسل ستمضي ويعود هؤلاء إلى ما كانوا عليه قبل الثورة".
وعن الأسباب المحتملة لعودة هؤلاء يقول أبو هلال إنه من الممكن أن يكونوا بالأساس مجندين، ولديهم نية العودة منذ البداية أو أنهم كانوا صادقين في انضمامهم للثورة، لكن طول الأمد وظهور السلوكيات السلبية لبعض الثوار، دفع بما تبقى من خوفهم وضعفهم للعودة إلى نظام يخشون أنه قد لا يسقط.
الأمن
ما بين عودة بعد تجنيد أو بعد يأس تبقى الثورة السورية فاقدة لجهة أمنية أو جهاز شرطة وأمن داخلي، تحت قيادة مختصة تعزز الحس الأمني لدى السوريين درءا لمزيد من الاختراقات.
اللواء والخبير الأمني فايز الدويري يؤكد أن هذه الحوادث قديمة ومألوفة في جميع الثورات، خصوصا تلك التي نشبت على أنظمة تشبه نظام الأسد كمثال صارخ للدولة العميقة التي تحصي على الانسان أنفاسه، وهي تضغط على من تدور حوله الشبهات على البعد العائلي أو الاقتصادي وتستخدم -أي الدولة العميقة- أساليب متعددة جدا لتجنيد أشخاص لديهم إمكانية الاختراق.
"
يقول اللواء الدويري لـ"العربي الجديد": "لا يمكن الحد من هكذا اختراقات بشكل نهائي،
"
يقول اللواء الدويري لـ"العربي الجديد": "لا يمكن الحد من هكذا اختراقات بشكل نهائي، ولكن انظر مثلا إلى ماكينة "تنظيم الدولة الإعلامية فنحن لا نعرف الكثير عن كيفية عملها رغم اختراقات طفيفة في صفوف التنظيم؛ وذلك يعود لعدة أسباب منها: التدقيق الأمني الصارخ والجاد لكل من يريد الانضمام إليهم، والأفراد الجدد يتم وضعهم تحت المراقبة ووجود مستويات قيادية متخصصة لكل "مؤسسة" في التنظيم، وأخيرا تثقيف الأفراد من قبل القائمين وتنمية البعد العقائدي بشكل دوري، وهذا ما افتقدته المعارضة السورية، خصوصا أن الإنسان السوري يحلم بدولة المواطنة وبسورية جديدة وقابل بل متعطش للحديث عن ماهيّة هذه الدولة".
المعارضة السياسية والداعمون
يحمل الصحافي السوري فؤاد عبد العزيز المعارضة السورية والداعمين مسؤولية الخطأ، قائلا لـ"العربي الجديد": "طالبنا المعارضة منذ البداية بإنشاء وسيلة إعلام مهنية ومتماسكة، لأن الحرب الإعلامية ستكون حاضرة بقوة، ولكن لم نلق آذانا صاغية، وما نراه اليوم هو نتيجة إهمال المعارضة السياسية وداعميها للإعلام الثوري".
ويذهب المنشق عن قناة الدنيا ووكالة سانا إلى ما هو أكثر من ذلك قائلا: "كرأي شخصي أقول إن كل هؤلاء العائدين إلى حضن الوطن، عادوا دونما أية أسرار أو معلومات حقيقية تهم النظام فكل رجالات المعارضة السورية ليس لديهم شيء هام يخفونه، وهم في الوقت نفسه غير قادرين على محاسبة أو مساءلة بعضهم فكلهم في مستنقع الفساد ذاته".
لا يمكن بحال من الأحوال توجيه اللوم فقط لهؤلاء الصغار، وإن من الخطأ تحويلهم لأبطال، يقول صحافيون معارضون، لأن السواد الأعظم من "المؤسسات الثورية" التي عمل بها دلبرين ولبنى وميس كريدي وقحطان ونزار وغيرهم؛ هزيلة، يقوم عليها أشخاص لم يعملوا بالصحافة أو الإعلام.
الجدير بالذكر أن "العربي الجديد" حاول التواصل مع لبنى ودلبرين وقحطان ونزار لسماع وجهة نظرهم عبر موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك" والهاتف ولم يتلق أية ردود.