الذوق المكتسب والذوق الفطريّ!
السلوك الذي يراعي أصول الذوق وقواعده هو سلوك حضاري يضفي على الآخرين من حولك ارتياحاً وسروراً، وهذا السلوك نوعان: سلوك يكتسبه المرء عن طريق التعلّم من الآخرين إمّا بالمعاشرة والتقليد، وإمّا بالتعلّم المباشر في المدارس ودور العلم، وسلوك يولد مع الإنسان بالفطرة، وشرطه أن يكون المرء صاحب ذكاء وفطنة ودقة ملاحظة وحضور بديهة وانتباه وروح إنسانية مرهفة.
إنّ الفرق بين من يكتسب الذوق بالتعلّم والمحاكاة ومن يولد معه بالفطرة فرقٌ كبير، فالنوع الأوّل يتوقف سلوكه الذي يراعي أصول الذوق عند حدود ما تعلّمه فقط بل إنّه فوق ذلك يتظاهر أمام الناس بأنه صاحب ذوقٍ سليم ويكثر من تكرار سلوك بعينه حتّى يظهر أمام الناس ثقيلاً، ولا يستطيع أن يواجه أيّ موقف طارئ يحتاج إلى شيء من الفطنة والنباهة وحضور البديهة.
أمّا الذوق المولود مع الفطرة فإنه يتجلّى في كلّ تصرّف من تصرّفات صاحبه في أكله وشربه ونومه ولباسه ولغته وتعامله مع الناس من حوله، وقد يزداد هذا الذوق تهذيباً بشيء ممّا يطّلع عليه من قواعد الذوق السليم، أو كثرة اختلاطه بالناس أو الأشخاص المتحلين بالذوق الرفيع. وصاحب هذا الذوق لا يتوقف في سلوكه عند حدود ما تعلّمه، بل تكون لديه القدرة على مواجهة أيّ موقف طارئ بصورة تلقائية.
ومن الفوارق بين صاحب الذوق المكتسب بالتعلّم وصاحب الذوق الناشئ مع الفطرة، أنّ الأوّل إذا وضعته في بيئة غير سليمة لوقت طويل فإنّك لا تأمن أن يصيبه داء تلك البيئة وما فيها من مخالفات لأصول الذوق السليم، أمّا الثاني فإنه يكون في الغالب محصّناً من عدواها ولا يعدم وسيلة للخروج منها بسلام.
ومهما يكن فإنّ التحلّي بالذوق سواءً أكان فطريّاً أم مكتسباً هو أمرٌ محمودٌ جدّاً، وهو علامة من علامات التحضّر، وكلّما ازداد انتشاره في المجتمعات دلّ على قابليتها للتطوّر والتقدّم ومجاراة مقتضيات العصر، لأنّ أيّ حلم بالتطوّر في أيّ مجال من مجالات الحياة علميّةً كانت أو صناعيّةً أو اجتماعيّةً أو ثقافيّةً أو غيرها يتطلّب دقّة ملاحظة ونباهة وفطنة وذكاء وهي ذاتها من أهم شروط الذوق السليم.