اسمها فلسطين
محاولات جهات صهيونية في دولة أوروبية لحفز جهات على إلغاء أي استخدام لكلمة فلسطين، ليس فقط من التعامل الحالي، بل وإعادة إنتاج وثائق وخرائط تعود لما قبل قيام دولة الكيان الصهيوني، ومؤخرا أثارت نائبة في الكنيست الاسرائيلي، تدعى عناتبيركو، السخرية، وهي تقول إنّ اسم فلسطين (Palestine)، مخترع ودليلها أنّ اللغة العربية لا يوجد فيها حرف P، غير مدركة للاسم العربي، ومن أطرف ما جاءها من ردود أن اليهود بحسبها غير موجودين لأن العبرية لا يوجد فيها J، (Jews).
تأخذ الأسماء معناها من شعورنا بها، وكيف نتخيل معناها، من واقع معايشتها لنا، ولأصحابها، سواء أكانوا بشراً أو مكاناً، أو سوى ذلك، ومن كيفية حلمنا بها وتخيلها.
هذا العام هو الذكرى المئوية لاتفاقية "سايكس بيكو"، بين الدول الاستعمارية، لتقسيم الشرق، ويحلو لي عادة أن أسأل طلبتي من الذي رسم حدود فلسطين الحالية، وغالبا ما تنطلق أصوات "سايكس – بيكو"، ثم أرسم رسماً تقريبياً لفلسطين، (بقدر ما تسعفني قدراتي على الرسم)، وأرسم خريطة سايكس بيكو لفلسطين، ويتضح فيها أنها تكاد تضم نصف فلسطين الحالية، إذ تقسم بخط مستقيم (من الغرب إلى الشرق) من عند رفح جنوبا، وبالتالي فكل ما تلا ذلك وصولا إلى مصر أخرجته الاتفاقية، أمّا أغلب الباقي (الجزء الشمالي) فيجب أن يصبح منطقة دولية، تعطى للروس، والفرنسيين، والبريطانيين، أمّا صفد والحولة فتمنحان لفرنسا، وتسيطر بريطانيا على ميناءي حيفا وعكا.
أغضبت الخريطة الحركة الصهيونية وبدأت احتجاجات ضدها، خصوصاً في بريطانيا، فهي تريد "فلسطين" أكبر، والمهم في سياق هذا المقال، أنّه كان لهذه الحركة صحيفة في بريطانيا، تسمى "فلسطين" (Palestine) قادت الحملة.
وعندما حدثت هبّة البراق بكل عنفها المتبادل عامي 1928 - 1929 (لاحظت أنها سميت في كثير من المصادر باسم هبّة وهو الاسم الذي يعترض البعض على تسمية الانتفاضة الحالية به)، فإنّ الصهاينة شنوا حملة تدعو اليهود للهجرة لفلسطين، ومن أبرز الصحف الصهيونية لهذه الحملة في الولايات المتحدة الأميركية، كانت "فلسطين الجديدة" (New Palestine)، وقال مؤتمر بازل الصهيوني الأول عام 1897 أنه "سيستعمر فلسطين"، وأسميت مؤسسات الحركة الصهيونية بأسماء تتضمن كلمة فلسطين، وقد بحثت أثناء إعداد هذا المقال على الإنترنت عن بعض الأسماء الموثقة لدي من كتب وأبحاث، لأجد أنه تمت إزالة كلمة فلسطين منها، ولكن بقيت أمثلة، ومنها بنك "لئومي"، أكبر البنوك الإسرائيلية حالياً، تأسس باسم "البنك الأنجلو- الفلسطيني" عام 1902.
غربيّاً أُسست في لندن عام 1804 "جمعية فلسطين" لدراسة جغرافيا البلاد، وفي عام 1865 أُسس في غرفة القدس، في كنيسة وستمنستر، "صندوق اكتشاف فلسطين"، وفي احتفاله بمرور 150 عاما على تأسيسه، العام الفائت، قال الصندوق "إنه أسس ليدرس الجزء الجنوبي من الشرق المعروف عادة باسم فلسطين". وفي عام 1870 أسست "الجمعية الأميركية لاكتشاف فلسطين"، وفي روسيا ما تزال "جمعية فلسطين الامبراطورية الأرثوذكسية" عاملة حتى اليوم منذ العام 1882.
هذا لا يمنع أنّ لويد جورج، مثلا، (رئيس وزراء بريطانيا بين عامي 1916 - 1922)، يسمي فلسطين في مذكراته (كنعان).
وقبل هذا كله زمن عمر بن الخطاب، في القرن السابع الميلادي، كانت هناك وحدة إدارية اسمها "جند فلسطين".
بغض النظر عن المعنى السياسي والقانوني للأسماء، وعن التوظيف السياسي، الذي يمكن أن يتباين من مرحلة لأخرى حد التناقض، فالاسم الذي كان يتم رفعه حيناً يحارب حيناً آخر، فإنّ للاسم أحياناً معنى عملي، فمثلا كثير من الاشتراكات في المجلات، والرسائل البريدية، والمعاملات المالية يُعقدها أن أنظمة الحاسوب أحياناً لا تحتوي اسم فلسطين.
يخبرني رجل أعمال أردني، أنه طلب إليه شحن بضاعة من أوروبا لمزارعين عرب في عكا، وأصر أن يضع كلمة "فلسطين" في العنوان، مستغلا جهل الموظفين الأوروبيين، وتأخرت الشحنة، ودار جدل كثير ومراسلات، ودفع غرامات تأخير، إلا أنّه كان "يستمتع" بإثارة البلبلة عند الشركة الاسكندنافية، وعند كل من لا يعرف قصة فلسطين..استمتعنا بقصته، ونحن نتحدث عن الشوارع، والناس، والذكريات، والشجر، والرائحة، والهواء، والقادة، والصور الفوتوغرافية، واللوحات التشكيلية، والكتب، والتاريخ، والتَوهان الممتع في شوارع هذي التي تسمى "فلسطين".