الموسوعة الجغرافية المصغرة القسم الثاني: الجغرافيا البشرية ثالثاً: الجغرافيا السياسية 1. عوامل قوة الدولة أ. العوامل الطبيعية ب. العوامل البشرية 2. تصنيف الدول حسب مستوى التقدم 3. الخريطة السياسية للعالم 4. الجيوبوليتكا ثالثاً: الجغرافيا السياسية Political Geography
تعتبر الجغرافيا السياسية فرعاً رئيسي من فروع الجغرافيا البشرية، وتهتم بدراسة الوحدات السياسية ومقومات وجودها وتطورها. وتعتمد على عناصر البيئة الجغرافية في تفسير خصائص الوحدات السياسية من حيث قوتها، أو ضغطها، واستقرارها أو تفككها. كما تهتم الجغرافيا السياسية بدراسة النُظم السياسية Political Systems[1]، كما أنها تدرس التفاعل بين المنطقة الجغرافية والعملية السياسية وعلاقتها المكانية.
وتعالج الجغرافيا السياسية النمط السياسي للعالم، وهو نمط معقد إلى حد كبير، بسبب التجزئة المتباينة لسطح الأرض إلى وحدات سياسية تتفاوت في الحجم المساحي والسكاني تفاوتاً كبيراً، وتغير الأنماط السياسية في حدودها، ومقوماتها، ومشكلاتها الناجمة عن تفاعل الإنسان ببيئته مما ينعكس على أوضاعها الداخلية وعلاقتها الخارجية، وتهتم الجغرافيا السياسية في هذا المجال بمواكبة مظاهر التحول في رقعة الوحدات السياسية، وسكانها، ومواردها، وعلاقتها بالدول الأخرى، لذا فهي تتصل بعلوم أخرى عديدة تتضافر كلها لتحليل القوة الجغرافية طبيعياً وحضارياً واقتصادياً، وتحديد علاقتها المتشعبة في المكان والزمان، ومن أهم هذه العلوم ما يلي:
التاريخ
للتاريخ أبعاد ثلاثة هي الإنسان، والزمان، والمكان، وهو يمد الجغرافيا السياسية، التي تتكون من بعدين هما الأرض والإنسان، بما تحتاجه عن مجريات الأحداث التاريخية التي أثرت في تطور الدولة من حيث تقدمها أو تخلفها. ونظراً لاهتمام الجغرافيا السياسية بالخصائص السياسية في الوقت الحاضر، فإن هذه الخصائص لا يمكن فهمها إلاّ في ضوء الماضي، كما أن السلوك السياسي للدولة والحكومات يتأثر بميراث الماضي. كل هذا ما يقدمه التاريخ لمعاونة الجغرافيا السياسية.
علم السياسة
يختص علم السياسة بدراسة كل ما هو متصل بالسلطة أو بحكومات الدول، أي دراسة العلاقة بين الحاكمين والمحكومين. ويتضمن ذلك دراسة النُظم، والمذاهب السياسية، والمؤسسات السياسية، والحكومات المركزية، والإقليمية، والإدارة العامة، ووظائف كل منها، كما أنه يتناول الجماعات، والرأي العام، والدساتير، والأحزاب السياسية، والعلاقات الدولية، والقرارات السياسية.
وتستمد الجغرافيا السياسية اسمها من الجغرافيا وصفتها من السياسة، ومن ثم فهي على صلة وثيقة بالعلوم السياسية. وتهتم الجغرافيا السياسية بدراسة التفاعل بين الظاهرة السياسية وبين العوامل الجغرافية في مكان ما، أي أن الجغرافيا السياسية تمثل همزة الوصل بين الجغرافيا من ناحية والعلوم السياسية من ناحية أخرى.
والصلة وثيقة أيضاً بين الجغرافيا السياسية وعلم العلاقات الدولية[2]. إذ لا يمكن تفسير علاقة دولة بدول أخر دون الرجوع إلى البيئة الجغرافية لكل منهما. إضافة إلى أن كثيراً من أسس العلاقات الدولية هي نفسها موضوعات في الجغرافيا السياسية، فكلا العلمين يهتم بدراسة السياسة الخارجية للدول، وتوازن القوى، والمنظمات العالمية والإقليمية، والمعاهدات المتنوعة، والإستراتيجية العسكرية.
ولتحديد قوة الدولة، وسلوكها السياسي، وعلاقتها بغيرها، تقوم الجغرافيا السياسية بتحليل عوامل الدولة البشرية الممثلة في السكان والموارد الاقتصادية، وعواملها الطبيعية الممثلة فيما يلي:
[1] لكل نظام سياسي خاصيتان هما: أ. العملة السياسية التي عن طريقها يعمل ويمارس النظام فعالياته. ب. منطقة جغرافية يعمل داخل حدودها ونطاقها. فلا يمكن أن يكون هناك نظام سياسي في فراغ. وتركز الجغرافيا السياسية في دراستها على المنطقة التي يسيطر عليها النظام السياسي.
[2] ينقسم علم السياسة إلى ثلاثة أقسام هي: أ. السياسة الخارجية للدولة. ب. النظام الدولي. ج. القانون الدولي (القواعد القانونية التي تُنظم علاقات الدول ببعضها البعض).
أ. العوامل الطبيعية
تتضمن دراسة خصائص بيئات الدولة الطبيعية من حيث الموقع، ومظاهر السطح، والمساحة، والشكل، والمناخ من وجهة نظر الجغرافيا السياسية.
(1) الموقع
يعتبر الموقع الجغرافي أحد العوامل المهمة التي تؤثر في الجغرافيا السياسية للدولة لتأثيره على اتجاهات سكانها والسلوك السياسي لحكومتها. وتحلل الجغرافيا السياسية الموقع وأثره في الدولة من ثلاث اتجاهات هي:
(أ) الموقع الفلكي
ويعني موقع مكانها الدولة بالنسبة لدوائر العرض وخطوط الطول. وهو يعكس مدى ملاءمة الدولة للحياة البشرية والتقدم الحضاري، إذ تتركز الدول المتقدمة في العروض المعتدلة. ولا يعنى هذا أن الحضارات نشأت أول ما نشأت في تلك العروض، ولكنها نشأت في الأقاليم المدارية وشبه المدارية حيث تتوافر السهول الفيضية والمياه، وكانت الصحراء حول هذه السهول الفيضية تعتبر بمثابة الدرع الواقي للحضارة في المناطق السهلية، ثم انتقلت بعد ذلك إلى المناطق المعتدلة في الشمال عن طريق الاستعمار الوافد من الشمال وهيمنته على تلك الأقاليم الحضارية.
وترتب على ذلك أن رأى هنتنجتون Huntington، أن البيئة الاستوائية محكوم عليها بالتأخر نتيجة لارتفاع درجة الحرارة والرطوبة طول العام، مما لا يشجع الإنسان على بذل مجهود للتقدم، أمّا المناطق المعتدلة فيشجع مناخها على بذل المجهود للتقدم، وبالتالي فالعناصر السوداء، التي تتفق في توزيعها مع النطاق الاستوائي تعيش في الماضي، والأجناس الصفراء تعيش الحاضر، والأجناس البيضاء صاحبة المدنية تعيش في المستقبل.
(ب) الموقع بالنسبة لليابس والماء
ويُقصد به موقع الدولة بالنسبة للقارات، والبحار، والمحيطات، وهو يحدد شخصية الدولة، ويسهم في رسم سياستها وإستراتيجيتها، وتطل معظم دول العالم على بحار أو محيطات، ومنها مالا يطل على أي بحار أو محيطات، وتعرف بالدول الداخلية أو الحبيسة.
ويؤدي الموقع الساحلي للدولة إلى غناها الاقتصادي، واحتكاكها الحضاري، وبالتالي قوتها، وتقدمها، وينعكس هذا على سكانها، الذين يتميزون بما يعرف بالنظرة العالمية ويظهر هذا في سعة أفقهم، وتفتح أذهانهم، وانطلاقهم الحضاري. ويرجع ذلك إلى أن البيئات الساحلية ترتبط دائماً بالعالم الخارجي، وتيارات الحضارة، ومحاور التقدم، إضافة إلى أنها تتطلع دائماً إلى كل جديد ولا تعرف العزلة، في حين أن سكان الدول الداخلية كثيراً ما ينعزلون عن مثل هذه المؤثرات والتيارات. وكل هذه الظروف تؤثر بدورها في الجغرافيا السياسية للدولة، فمثلاً، أدى الموقع البحري دوراً كبيراً في بناء إمبراطورية سياسية واقتصادية كبيرة في بريطانيا. حقاً، قامت الثورة الصناعية في إنجلترا على المواد الخام المحلية ورأس المال الإنجليزي، لكن لا شك أن موقعها البحري ساعدها على السيطرة على مستعمرات تستورد منها المواد الغذائية والمواد الخام، كما أصبحت هذه المستعمرات سوقاً لتصريف المنتجات البريطانية، وأنشأت بريطانيا أسطولاً تجارياً يساعد في ذلك، وأسطولاً حربياً يؤمن الطريق للأسطول التجاري.
ولتوضيح أثر الموقع البحري نُقارن بين السويد والنرويج، إذ أن كليهما متجاوران في شبه جزيرة اسكنديناوه. لكن النرويج تتسم بطبيعتها الجبلية وفقرها في الموارد الزراعية، لكنها ذات ساحل بحري طويل كثير المرافئ والموانئ الطبيعية الصالحة للملاحة، لذلك فهي دولة بحرية من الطراز الأول، ولها أسطول تجاري ضخم، وتزدهر بها حرفة صيد الأسماك. في حين أن السويد المجاورة لها تمتلك أراضي زراعية خصبة مستوية، وساحلها على بحر البلطيق متجمد فترة طويلة من السنة. لذلك فهي لم تتجه صوب البحر.
ويؤثر الموقع البحري والبري كذلك في نوع الدفاع الذي تعتمد عليه الدولة. وبغض النظر عن سلاح الطيران، الذي يوجد بكل من الدول البحرية والقارية، فيُلاحظ أن الدول البحرية تركز اهتمامها بصورة أكبر على بناء الأسطول التجاري والحربي والغواصات، في حين أن الدول القارية تركز على إعداد الجيش البري، ومثال ذلك: دفاع بريطانيا والدفاع الروسي.
(ج) الموقع بالنسبة للدول المجاورة
كلما كانت حدود الدول بعيدة عن بعضها البعض وخاصة في الدول الجزرية، كلما أدى هذا إلى تقليل المنازعات والحروب بينها، حيث تعرقل البحار عمليات الغزو وتعوقها، وأفضل مثال على ذلك بريطانيا التي لم تغزها أي قوة منذ عهد وليم الفاتح. أمّا طول الحدود البرية فيعتبر عامل خطر يُهدد الدولة. ونتيجة لهذا أُنشئت الدول الحاجزة بين القوات المتنازعة، مثال ذلك أفغانستان، التي كانت تفصل بين المصالح الروسية في الشمال والمصالح البريطانية في المحيط الهندي. وإذا كانت الحدود البرية الطويلة تفصل بين دول صديقة، فيعتبر هذا ميزة، كما هو الحال بين كندا والولايات المتحدة الأمريكية. إذ تنساب المواد الخام الآتية من كندا إلى الولايات المتحدة الأمريكية، بينما تسافر السلع المصنوعة، ورأس المال، والخبرة من الثانية إلى الأولى عبر هذه الحدود، ويؤدي هذا التعاون بدوره إلى القوة والتقدم الاقتصادي، ولكن قد يحدث العكس فالدول الكبيرة التي تجاور دولاً صغيرة تحاول أن تستولي عليها، مثال ذلك: ما حدث بين روسيا (الشاسعة المساحة، والكثيرة السكان، والقوية عسكرياً) ودول شرق أوروبا، إذ استولت عليها وأدخلتها في فلكها لأنها صغيرة المساحة، ومتوسطة السكان، وضعيفة عسكرياً إذا ما قورنت باتحاد السوفيت (سابقاً).
(2) المساحة
تتباين دول العالم من حيث المساحة، فمنها ما يشغل مساحة شاسعة مثل الولايات المتحدة، وكندا، والبرازيل، والصين، والهند. ومنها ما يشغل مساحة صغيرة مثل سويسرا، والدانمارك، لبنان. ومنها ما يمثل وحدات سياسية قزمية تشغل مساحة ضئيلة مثل دولة الفاتيكان.
وتتمثل أهمية المساحة في إعطاء الفرصة لتنوع الموارد الاقتصادية وتباينها، كما تتمثل أهميتها من الناحية الحربية في إمكان الدفاع في العمق Defense in Depth، فالدولة ذات المساحة الصغيرة لا تلبث أن تُسلم أمام جحافل الجيوش الغازية، كما حدث في بعض دول أوروبا خلال الحرب العالمية الثانية، فقد سلمت كل من بلجيكا، وهولندا، والنمسا، وتشيكوسلوفاكيا خلال فترة قصيرة عندما اجتاحتها الجيوش الألمانية، بينما استطاع الاتحاد السوفيتي (سابقاً) أن يصمد أمام الغزو الألماني ومن قبله غزو نابليون بفضل اتساع مساحته إذ طبق مبدأ الدفاع في العمق، الذي يقوم على تسليم الأرض لكسب الوقت Selling Space to Gain Time، فقد اتبع الاتحاد السوفيتي هذا الموقف الاخلائى عندما غزاه نابليون حتى أطال بينه وبين خطوط تموينه، وأدخله في بيئة طبيعية قاسية يجهلها مما أضطره إلى التقهقر ثانية. وقد سار الاتحاد السوفيتي على نفس السياسة مع الألمان سنة 1941، وقد فطن الألمان لهذه السياسة، ولذلك حاولوا تدمير الجيش الأحمر برجاله ومعداته عن طريق الالتفاف حوله لكنهم لم ينجحوا في ذلك. إلاّ أن التقدم التقني في معدات الحرب أفقد المساحة الكبيرة أهميتها العسكرية، إذ يمكن نشر الميكروبات والغازات السامة فيها قبل انسحاب الجيوش إليها.
وتكفل المساحة الكبيرة امتيازاً عسكرياً آخر، ذلك أنه إذا هُزمت دولة كبيرة فإنه من الصعب احتلال إقليمها الواسع والسيطرة عليه لا سيما إذ كانت كثيفة السكان. مثال ذلك، أن الولايات المتحدة الأمريكية يستحيل عليها أن تحتل الصين الشعبية لو أنها انتصرت عليها لأن ذلك سوف يتطلب إيجاد قوات أكثر مما تمتلك أمريكا. وتُحقق وسائل الإنذار المبكر الآن الغرض منها بفاعلية عالية، في حالة كبر مساحة الدولة، لأنها تُتيح الوقت الكافي لاتخاذ الإجراءات الوقائية المناسبة.
ولمساحة الدولة أيضاً تأثير كبير ومباشر على قدرتها في أن تستخدم القوة في الدفاع عن نفسها. فالمساحة الكبيرة تساعد على أن تكفل للدولة وسائل الإقناع التي تأتي من القدرة على الدفاع عن النفس. أمّا الدول ذات المساحة الصغيرة فهي لا تستطيع أن تدافع عن نفسها أمام الأعداء. مثال ذلك، هولندا التي استسلمت للألمان في مدة أربعة أيام، علماً بأن الجيش الهولندي لم يكن أقل بسالة من الجيش الألماني. وتعمد الدولة الصغيرة إلى الأخذ بزمام المبادرة في الهجوم وذلك كي تبعد المعركة عن أراضيها. ومن أفضل الأمثلة على ذلك الصراع العربي الإسرائيلي الذي تبادر فيه إسرائيل باستمرار بشن الهجوم على الدول العربية المجاورة لتنقل المعركة إلى أراضي الدول المجاورة حتى لا تتأثر طاقاتها الإنتاجية، والخدمية، وسكانها المدنيون، ولتكسب مجالاً أرضياً أوسع يُمكنها من المناورة العسكرية. وقد حدث هذا في عدوان 1956، وعدوان 1967.
(3) الشكل
كلما كانت الدولة مندمجة من حيث الشكل Shape، كلما كان ذلك أفضل من الناحية السياسية لها. ويعتبر الشكل الدائري[1] أو القريب منه الشكل المثالي للدولة، فتكون كل أطراف الدولة على أبعاد متساوية تقريباً، لذا يترتب على الشكل الدائري للدولة أن يكون طول حدودها قصيراً بالنسبة لمساحتها، ومن ثم يقل عدد المواضع التي يحتمل أن تُغزى منها الدولة. كما يصبح في إمكان الدولة الدفاع عن هذه الحدود وحمايتها. ويساعد الشكل الدائري على سرعة نقل الجيوش والمعدات إلى أي مكان في الدولة يتعرض لغزو خارجي، كما أنه يوفر لجيوش الدولة المساحة الكافية، التي يمكن أن تتقهقر فيها إذا استدعت الظروف ذلك، وذلك لأنه يعمل على تيسير إنشاء شبكة نقل ومواصلات جيدة في الدولة. ويساعد الشكل المثالي على انصهار سكان الدولة في بوتقة واحدة مما يؤدي إلى زيادة نمو الشعور القومي لديهم، وهو عامل حاسم في رسم سياسة الدولة، ومن أفضل الأمثلة على الشكل المثالي أو القريب منه دول أورجواي، وبولندا، والمجر، وبلجيكا.
ويرتبط بشكل الدولة موقع العاصمة بالنسبة للدولة. ويعد الموقع المتوسط في جسم الدولة أفضل موقع للعاصمة، ويُعرف بالموقع المركزي Central Location، حيث تحتل العاصمة الوسط الهندسي للدولة، وذلك حتى يسهل الدفاع عنها من جهة، ويسهل اتصالها بمختلف أنحاء الدولة من ناحية أخرى. ومن أمثلة المواقع المثالية للعواصم الرياض عاصمة المملكة العربية السعودية، والقاهرة عاصمة جمهورية مصر العربية، والخرطوم عاصمة السودان، وبغداد عاصمة العراق، وبرن عاصمة سويسرا، ومدريد عاصمة أسبانيا، ووارسو عاصمة بولندا.
وقد نقلت بعض الدول عواصمها من مواقع ساحلية غير متوسطة داخل الدولة، وذلك لكسب مزايا تتعلق بالشكل الجغرافي الصحيح للدولة، وهذا ما حدث في البرازيل عندما نقلت عاصمتها من ريو دي جانيرو إلى برازيليا، وفي تركيا عندما نُقلت عاصمتها من استنبول إلى أنقرة.
(4) الحدود
الحدود السياسية Political Boundaries، وهي بمثابة الهيكل الخارجي لرقعة الدولة. ولكل دولة في الوقت الحاضر حدودها السياسية، وهي عبارة عن خطوط محددة على الخرائط السياسية، وواضحة المعالم في الطبيعة. وهذه الحدود تكفلها المعاهدات والمواثيق الدولية.
وتمثل البحار والمحيطات أكثر الحدود الطبيعية، وهي حدود فاصلة يمكن أن تحمي الدولة من الغزو، خاصة إذ كانت لديها السيادة البحرية على حدودها. وتأتي الصحاري بعد البحار والمحيطات في الأهمية، ذلك لأنها تؤدي وظيفة الحماية كالبحار إلى حد ما. أمّا الجبال فتمثل حدوداً طبيعية منيعة. وهي تؤدي دورها بوصفها حدوداً سياسية في بعض المناطق، فجبال اسكنديناوه تُشكل الحدود بين السويد والنرويج، وجبال الألب تفصل بين النمسا وإيطاليا، وجبال البرانس تمثل الحدود بين فرنسا وأسبانيا. وكذلك تقوم الأنهار في بعض الحالات بوظيفة الحدود السياسية، كما هو الحال في شط العرب الذي يفصل بين العراق وإيران، ونهر السانت لورنس الذي يمثل الحدود بين كندا والولايات المتحدة الأمريكية في بعض المواضع، ونهر الدانوب الذي يفصل بين رومانيا وبلغاريا، ونهر الراين الذي يفصل بين فرنسا وألمانيا.
أما الحدود الاصطناعية فمنها الحدود الفلكية، التي تتفق مع دوائر العرض وخطوط الطول، مثل الحدود بين مصر وكل من ليبيا والسودان. ومنها الحدود الهندسية التي تُرسم على شكل خطوط مستقيمة ولا يراعى في تخطيطها أي ظاهرة طبيعية، مثل الحدود بين المملكة العربية السعودية وجيرانها.
(5) المناخ
يعتبر المناخ من أهم العوامل التي تؤثر في قوة الدولة وظروفها السياسية، لأنه يؤثر في مجهود الإنسان وبالتالي فيما يبلغه من رقي وتقدم.
وقد أثر المناخ على الأوضاع السياسية للكثير من الدول بدرجة كبيرة، إذ أن ملاءمة المناخ في جنوب أفريقيا، حيث يسود مناخ البحر المتوسط، شجع الاستعمار على أن يتخذ في هذه المنطقة شكل الاستعمار الاستيطاني، وأغرى الأوروبيين بالهجرة إلى هذا الإقليم. إما المناخ الاستوائي فلم يشجع الاستعمار الأوروبي على الاستيطان في الدول الأفريقية، التي يسود فيها مثل غانا، والكنغو، ونيجيريا، وتوجو، وداهومي، لذا كان الاستعمار في هذه الجهات استعماراً استغلالياً.
ويمكن الاستدلال من التاريخ على أن المناخ كان له أثر كبير على سير العمليات الحربية. ويؤكد ذلك أن القيادة الألمانية كانت على بينة من أن غزو بولندا يجب أن يتم في الأيام الأولى من شهر سبتمبر، حتى تتجنب الأوحال، التي يمكن أن تتعرض لها الدبابات الألمانية بسبب سقوط الأمطار بعد هذا التاريخ. كذلك اختار الألمان شهر أبريل لغزو النرويج، حيث يشتد هبوب العواصف، وبالتالي يمكن اتخاذها ستاراً لتغطية الوحدات الصغيرة. وعبر الجيش المصري إلى شبه جزيرة سيناء في حرب 1973 عصراً، لتكون الشمس خلف ظهره ولا تكون في مواجهته، إضافة إلى إجراء بعض الدراسات الدقيقة لحركة الأمواج، والتيارات، والمد والجزر في قناة السويس، ودراسة حركة الرياح.
(6) التضاريس
تؤثر التضاريس على القوة النسبية للدول المختلفة وعلى النواحي الإنتاجية والعسكرية فيها، وكلها عوامل تؤثر على النواحي السياسية للدولة. وتعمل التضاريس والمناخ على تحديد الإمكانات الاقتصادية المتاحة، التي يتوقف عليها رقي الدولة وتقدمها. إذ أنه كلما ازدادت مساحة السهول، وتوافرت المياه، كلما عظم الإنتاج الزراعي، ويؤدي هذا بدوره إلى تركز السكان وتكاثرهم، وقد تمتلك الدولة سهولاً واسعة مثل براري كندا، وسهول سيبريا، لكن عدم مناسبة الظروف المناخية في هذه المناطق يعرقل التقدم الاقتصادي فيها، مما يؤدي إلى تضاؤل أهمية هذه السهول.
وتعمل السهول على تيسير عملية غزو الدول التي تمتلكها، ذلك لكونها مناطق مفتوحة يسهل عبورها، في حين تمثل الجبال عامل حماية طبيعياً يقي الدولة من الاعتداءات الخارجية. وتفضل الدولة أن تولد في المناطق الجبلية، لتكون في عزلة عن غيرها، حتى تقضي فترة نموها الأولى، وعندما يشتد ساعدها وتنتقل إلى طور الشباب، ويمكنها الدفاع عن نفسها، يصبح من المناسب لها أن تنزل إلى المناطق السهلية لتتوسع فيها وتسيطر عليها. ومن أفضل الأمثلة على ذلك تركيا التي ولدت في هضبة آسيا الصغرى، وبعد أن بلغت مرحلة الشباب واشتد ساعدها، نزلت إلى السهول المجاورة وكونت الإمبراطورية العثمانية، التي امتدت من ساحل البحر الأسود إلى ساحل بحر إيجه فسواحل البحر المتوسط.
وتمثل الجبال ملجأً للدول في وقت الأزمات فتحتمي بها، ومن أمثلة ذلك ما حدث للعرب في أسبانيا، إذ تمكنوا من هزيمة الأسبان في القرن الثامن، مما أدى إلى هروب بعض المسيحيين من المناطق السهلية الجنوبية ولجأوا إلى الجزاء الشمالية الجبلية. وكذلك تركت العناصر الصربية سهول نهر الدانوب في الحرب العالمية الأولى ولجأت إلى الجبال حيث ولدت دولتهم.
ويوجد في الوقت الحاضر عدد قليل من الدول الجبلية بما تحمله الكلمة من معنى، ومن أمثلتها نيبال، وسويسرا، وأندروا، التي توجد في موقع منعزل بجبال البرانس الواقعة بين أسبانيا وفرنسا، وسيكم، وبواتان، الواقعتان في أودية تنحصر بين سلاسل جبال الهيملايا وتلال سواليك.
[1] يُعد الشكل المربع ثاني أفضل الأشكال مثالية، وتُعد المملكة العربية السعودية ومصر من أفضل مثال على ذلك. بينما يُعد الشكل الشريطي أسوأ الأشكال وتمثله شيلي في أمريكا الجنوبية.