جهل بالقانون وثقة عمياء يوقعان المرأة في فخ الاستغلال!
منى أبوحمور عمان- الجهل بالقانون والثقة العمياء أوقعا الأربعينية مي حيدر (اسم مستعار) في مصيدة استغلال زوجها الذي تجرد من ضميره وقيمه وقامر بمصير زوجته وأبنائه الستة.
المشكلة بدأت مع (مي) عندما تمت ملاحقتها قضائيا وقانونيا لقضايا شيكات بنكية بدون رصيد عندما قدم إليها زوجها واهما إياها بدخوله مشروعا سيساعد العائلة من الظروف الاقتصادية الصعبة، ولكنّ الإجراءات القانونية تتطلب أن تكون هذه الشركة باسمها.
تقول “ثقتي بزوجي وإيماني جعلاني أوقع على كافة الأوراق دون تفكير”، متابعة أنها وبعد تسجيل الشركة باسمها في المكتب العقاري أصبح يتردد عليها بين الحين والآخر لتوقيع شيكات لعملاء كونها صاحبة الشركة والشيكات تحمل اسمها.
عقد من الزمن كان كافيا لهذا الزوج حتى يورط زوجته بقضايا شيكات بدون رصيد لا يمكنها سدادها، سيما وأنها ربة منزل وغير عاملة، لتكتشف وبمحض الصدفة أنها ملاحقة قضائيا ولا يمكنها مراجعة أي دائرة حكومية أو حتى السفر خارج البلاد لأنه سيتم القبض عليها مباشرة.
الأربعينية خولة عمار ليست أفضل حالا من مي، إذ أصبحت بين ليلة وضحاها لا تمتلك أي مبلغ من المال من تركتها التي ورثتها عن والدها.
خولة التي منحت أخيها الكبير زمام أمور إنهاء خلاف قطعة أرض مشاع بين عدد من الورثة لتتفاجأ بعد سنة عندما أرادت أن تبيع قطعة أرض، أنها لا تملك حق التصرف بما كانت تعتقد أنه ميراثها.
تقول “وقعت على مجموعة من الأوراق ولم يخطر ببالي أن أقرأ ما بين يديّ، أو حتى أن أستشير زوجي بذلك”، متابعة أن صدمتها الحقيقية كانت عندما توجهت مع المشتري إلى المكتب العقاري لإتمام عملية البيع لتتفاجأ أن الأوراق التي تملكها لاغية وإنها بموجب الأوراق التي وقعت عليها تنازلت عن ميراثها كاملا لأخيها.
تتعدد أشكال الاستغلال، وتتنوع طرقه، والعديدات من النساء كُنّ ضحايا لحيل جراء ثقتهن المفرطة بأقاربهن، ليدفعن بعد ذلك الثمن غاليا.
أم أحمد واحدة من النساء اللواتي توجهن إلى صندوق المرأة لأخذ قرض باسمها لمساعدة زوجها في فتح كشك لبيع القهوة والشاي لتحسين وضع العائلة المالي.
وتروي أم أحمد أن زوجها أبلغها أن القرض سيكون على اسمها شكليا فقط وأنه سيكون مسؤولا عن تسديد الأقساط، إلا أنه وبعد أن أخذ المبلغ الذي حصل عليه من القرض لم يف بوعده فلم يقم بالمشروع الذي تحدث لها عنه ولم يسدد أقساط القرض، في حين أصبحت أم أحمد ملاحقة قضائيا.
الباحث والمستشار في قضايا المرأة المحامي عاكف المعايطة يؤكد بدوره وجود العديدات من النساء اللواتي وقعن ضحية لاستغلال ثقتهن بأقرب الناس إليهن كالأب، والأخ والزوج وغيرهم.
ويرى المعايطة أن ما تعانيه السيدات هو استغلال حقيقي ممن هم موضع ثقة، الأمر الذي يجعل المرأة توقع دون حتى أن تقرأ الأوراق التي توقعها أو تستفسر عن محتواها أو الاهتمام بالشؤون القانونية، فتتورط بتوقيع أوراق وعقود دون أن يكون لها الوعي القانوني الكافي حول خطورة ما قامت به.
ويلفت إلى وجود العديد من أشكال الاستغلال القانوني والمادي التي تقع المرأة ضحيته ومن أهمها صناديق الاقتراض الخاصة بالمرأة، حيث تتقدم العديدات من النساء بأخذ هذه القروض لزوجها أو أحد أفراد العائلة من باب ثقتها بهم والشعور بالأمان.
وتبدأ مشكلة المرأة- وفق المعايطة- عند تنصل الطرف الآخر من دفع الأقساط المترتبة عليه وعدم سداد القرض، وبالتالي تصبح هي مساءلة قانونيا، فضلا عن ملاحقتها قضائيا، لافتا إلى أن هنالك أزمات مادية كبيرة عند المرأة كأن تتنازل عن الإرث والتركة أو توقع على شيكات بنكية لا تتمكن من سدادها.
ويتوجه المعايطة للنساء كافة بضرورة أن يكون لديهن الوعي القانوني الكافي وأن تطلب المساعدة القانونية والاستشارة من قبل المراكز المتخصصة في الاستشارات القانونية قبل الإقدام على أي خطوة قد تتسبب بمساءلتها فيما بعد.
ويشير إلى وجود العديد من المراكز القانونية التابعة للجمعيات واللجان النسائية المعتمدة والتي تقدم بدورها استشارة قانونية مجانية للسيدات تضمن لهن حقوقهن وتقوم بتوعيتهن قانونيا.
ويشدد المعايطة على ضرورة عدم افتراض حسن النية في القضايا القانونية، سيما وأن الإنسان في القضاء لا يعذر في حسن النية والجهل، وفي النهاية يتم التعامل مع نصوص وقوانين وتواقيع.
الحقوقية والناشطة أنعام العشا تؤكد بدورها على دور منظمات المجتمع والنشطاء في التوعية القانونية ورفع الوعي المجتمعي وتثقيفه قانونيا بشكل عام سواء كان رجلا أو مرأة.
وتؤكد أن جزءا كبيرا من النساء لا يدركن خطورة التوقيع على أوراق بدافع الثقة بالطرف الآخر سواء كان زوجها، أو شخصا من عائلتها، أو صديقاتها أو أقاربها، حيث تبدأ المشكلة عندما تستيقظ المرأة على مصيبة قانونية قد أوقعت نفسها بها.
وتتابع أن توقيع المرأة على التزامات معينة يجعلها مسؤولة عن محتوى كل ورقة وقعت عليها ومساءلة أمام القضاء، مؤكدة أن فكرة التوقيع محفوفة بالمخاطر ما لم تكن المرأة تدرك حقيقة تلك الأوراق والأبعاد القانونية للخطوة التي ستقوم بها.
وتذهب إلى أن المرأة تقع ضحية للغش والخداع وحسن النوايا، مبينة ضرورة التدقيق وقراءة كافة الأوراق التي توقع عليها حتى في عقد الزواج.
وتنوه العشا إلى الدور المهم والإيجابي التي تقوم به المنظمات المجتمعية من برامج توعية وتثقيف، كما تقدم الاستشارات القانونية والمصالحة والتحكيم وذلك من خلال الدخول كوسطاء بين طرفين.
ويؤيد في ذلك الاستشاري الأسري مفيد سرحان الذي أكد في بادئ الأمر أن الأصل في العلاقة بين الزوجين أن تقوم على المودة والاحترام والثقة وهي علاقة إنسانية وليست مصلحية يريد أن يحقق كل طرف فيها منفعة للطرف الآخر.
ويضيف أن الهدف من الزواج الذي يقوم على القيم والدين والأخلاق، تحقيق السكينة والاستقرار، وليس مصلحة مادية لأي طرف من الأطراف.
ويشير إلى أهمية الوعي بجميع مجالات الحياة القانونية وغير القانونية، وأن يكون الشخص مضطلعا، وواعيا، ولا بد من الاحتكام في بادئ الأمر إلى القيم والأخلاق ومن ثم القانون كمكمل، وهذا يتطلب أن تكون المرأة على درجة مناسبة من الوعي والفهم والإدراك. وهو ما يمكن تحقيقه من خلال تثقيف المقبلين على الزواج بالواجبات والحقوق وأن تستمر المرأة في الحرص على الحصول على التوعية القانونية من خلال مؤسسات المجتمع المتنوعة الموثوقة واستشارة المختصين قبل الإقدام على أي خطوة أو مشروع مالي