«BDS» والمنظمة واسرائيل
علي الصالح
APRIL 15, 2016
عشر سنوات هي عمر حركة المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات على إسرائيل «BDS».. وباعتراف صحيفة «يديعوت أحرونوت» الاسرائيلية، أصبحت الحركة الأخطر على إسرائيل، واسمها أصبح يثير الرعب في أوساط المؤسسة الاحتلالية، بعدما أصبحت تضم في صفوفها شخصيات عالمية، ثقافية وسياسية وعلمية وفنية وأكاديمية، أمثال الفيلسوف اليهودي الامريكي ناعوم تشومسكي وجيرمي كوربين زعيم حزب العمل البريطاني، الذي اتخذ حزبه قرارا بمقاطعة شركة الخدمات الأمنية «G4S» البريطانية، بسبب خدماتها لسجون الاحتلال.
وهناك طبعا ستيفين هوكينغ العالم البريطاني الأشهر والفنان والموسيقي روجر وولترز وغيرهم الآلاف، ناهيك عن المنظمات الطلابية والنقابات العمالية والجامعات الأشهر في العالم، وحتى صناديق الضمان الاجتماعي التي سحبت استثــماراتها في البنوك الاسرائيلية وغيرها الكثير.
عشر سنوات علىBDS أصبحت خلالها تقلـــق مضاجع قادة الاحتلال السياسيين والعسكريين المسؤولين، بسبب المجازر التي ارتكـــبت وترتكب بحق الشعب الفلسطيني، فتطاردهم قضائيا في حلهم وترحالهم.. ولا ينقــذهم من المثول أمام القضاء ســوى تدخل حكومات الدول التي يزورونها. عشر سنوات فاقت خلالها إنجازات BDS، عمرها أضعافا وحققت ما لم تحققـــه المقاطعة العربية الرسمية على مدى عقود.. إنجازات وقفت دولة الاحتلال بكل إمكاناتها وماكناتها الإعلامية وعلاقاتها الدبلوماسية والسياسية، عاجزة أمامها، فتارة تحاول التغطية على هذه الإنجازات، وتارة أخرى تحاول التقليل من شأنها، ولكنها في الواقع تعقد المؤتمرات السرية للوقوف على أفضل السبل لمواجهتها وتعد كبار المحامين ليوم الحساب.
عشر سنوات أصبحت فيها BDS، قوة لا يستهان بها جعلت إسرائيل دولة الاحتلال.. الدولة الوحيدة في العالم التي تعامل كدولة فوق القانون، تدور حول نفسها حائرة في ما يمكن ان تفعله أمام هذا المد الجماهيري، وهنا الحديث عن شعوب الدول الغربية التي تحررت من عقدة اضطهاد اليهود، وأصبحت لا تهاب بعبع «اللاسامية» الذي نجحت الماكنة الإعلامية الصهيونية في استغلاله واستخدامه في الماضي غير البعيد، ضد كل من يعلو صوته ضد إسرائيل وتأييدا للفلسطينيين وحقوقهم المشروعة.
وتعويضا عن عجزها جماهيريا وهزائمها في معظم المعارك التي خاضتها ضد BDS في ساحات الجامعات العالمية والنقابات العمالية والتجمعات البرلمانية والسوبرماركت والمصنع حتى في الولايات المتحدة، تلجأ إسرائيل إلى حكومات هذه الدول للتصدي لحركة المقاطعة بقرارات متعسفة. كالقرارات التي اتخذتها أكثر من دولة غربية في مقدمتها بريطانيا.. ولكن مثل هذه القرارات لم تعرقل مسيرة BDS.
وحسبما قال محمود النواجعة المنسق العام للجنة الوطنية الفلسطينية للمقاطعة، تعليقا على ما سماها «الحرب الإسرائيلية اليائسة على BDS» في مؤتمر الحركة الخامس الذي عقد في رام الله قبل أيام، «تتخذ حرب إسرائيل على الحركة أشكالا عدة استخباراتية ودعائية وسياسية وقانونية، بالذات في الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا، حيث تتواطأ حكومات هذه الدول مع الاحتلال، لدرجة قمع حرية التعبير والحقوق المدنية لمواطنيها المتضامنين مع نضال الشعب الفلسطيني. ويعكس هذا القمع والترهيب فشل إسرائيل على مدى العقد الفائت في إحباط نمو تأثير الحركة الثقافي وحتى الاقتصادي».
ولا تجنيا بالقول إن الحكومة البريطانية الحالية برئاسة ديفيد كاميرون الصديق الصدوق لاسرائيل، من اكثر الحكومات الغربية محاربة لحركة المقاطعة. واتخذت خطوات عملية لمواجهة BDS، منها وقف تمويل اي من المنظمات الرسمية التي تدعو إلى مقاطعة اسرائيل. وهو ما أكده سفيرها الجديد في تل أبيب ديفيد كويري، بقوله لـ»يديعوت أحرونوت»، إن الحكومة البريطانية تواجه BDS قولا وفعلا واتخذت قرارت في هذا الصدد.
ولا غرابة في ذلك.. فديفيد كاميرون هو نفسه، الذي كان في صغره في ثمانينيات القرن الماضي وباعترافه من اشد المعارضين لحركة مقاطعة جنوب افريقيا العنصرية، وها هو في كبره يعلن أنه من أشد المؤيدين لاسرائيل والمعادين لحركة مقاطعتها… وأمام مد حركة مقاطعة نظام الفصل العنصري، غير من رأيه.. وهذا يعني أن التغيير مقبل ولو بعد حين.. مقبل إن عاجلا أو آجلا.. مقبل عندما تنجح BDS وانصار فلسطين والعرب والمسلمين في بريطانيا وهم كثر، في فرض القضية الفلسطينية كبند في الحملات الانتخابية… عندئذ سيذعن كاميرون وغيره من عتاة المؤيدين للاحتلال والعنصرية، ومن هم على شاكلتهم، ويستمعون لصوت العقل والعدل والحق.. يستمعون لصوت الناخب ويغيرون من مواقفهم المتصلبة. وإن غدا لناظره قريب.
ومطالب حركة المقاطعة وهي بالتأكيد اوسع من مطالب منظمة التحرير الحالية، تتمثل بالانسحاب الاسرائيلي الكامل من جميع الاراضي المحتلة ليس الفلسطينية بما فيها القدس الشرقية فحسب، بل أيضا من هضبة الجولان السورية، التي أعلن رئيس الوزراء الاسرائيلي قبل أيام انه لن يتنازل عنها، داعيا رئيس النظام السوري إلى نسيانها. وتطالب ايضا بتنفيذ قرار حق العودة للاجئين الفلسطينيين، رقم 194، وضمان الحقوق المدنية الكاملة للفلسطينيين داخل إسرائيل.
وحتى لا يأخذنا تفكيرنا بعيدا.. لا بد من توضيح نقطة اساسية… وهي أن «BDS» ليست البديل ولن تكون البديل عن مقاومة الشعب الفلسطيني وصموده فوق أرضه، بل مكملا اساسيا له، كما كانت حركة المقاطعة للنظام العنصري في جنوب افريقيا، داعما ورافدا لنضال وكفاح المؤتمر الوطني الأفريقي الذي واصل النضال منذ اليوم الاول من تأسيسه عام 1912 للدفاع عن حقوق السود، ضد سيطرة الأقلية البيضاء، وحتى تحقيقه النصر بالغاء الحكم العنصري في مايو 1994، واجراء الانتخابات على أساس «مواطن واحد شخص واحد»، وهو المطلب الذي لم يحد عنه المؤتمر الوطني حتى تحقيق النصر.
يبقى ثمة فارق كبير بين قيادة منظمة التحرير الفلسطينية وقيادة المؤتمر الوطني الافريقي، فبينما تمسكت الثانية بمطالبها، أو بالأحرى مطلبها «مواطن واحد.. صوت واحد» وحتى تحقيقه بعد82 عاما، اختارت الأولى أن تتنازل عن اهداف الثورة واساليب نضالها عند أول منعطف، واحدا تلو الاخر حتى لم يبق لديها ما تفاوض العدو عليه، او تقاتل به او تستر عوراتها به.. فقد اعترفت بالعدو ولم يعترف بها.
وعاشت شهر عسل اوسلو، بعد قران قبلت بان تكون فيه العصمة بيد العدو، بدون أن تحسب حساب للخلافات المتوقعة في الحياة الزوجية.. وما كاد شهر العسل ينقصي، حتى أصبح الطلاق أمرا محتوما، ولكن الماسك بالعصمة يرفض منح الطلاق بدون مقابل وبدون التنازل عن مؤخر الصداق.. وهي عاجزة عن رفع قضية خلع ضده.
وتعاملت بحسن نية مع العدو الذي اثبتت انها تجهله، بدون ان يعاملها بالمثل وهو ما كان متوقعا.
وتنازلت للعدو عن 78٪ من فلسطين التاريخية بدون ان تضمن سيطرتها على الـ22٪ التي بقي معظمها تحت سيطرة جيش الاحتلال بموجب اتفاق اوسلو..
وأسقطت خيار المقاومة المسلحة، بدون أن تضمن خيار المفاوضات، فلم تضع البدائل في حال الفشل.. وفشلت المفاوضات والتسوية السياسية.. وبقيت قيادة المنظمة في العراء لا ساتر لها، مع تدهور الاوضاع العربية وسقوط ما يسمى بالتضامن العربي والتقلبات الاقليمية والدولية وانشغال الكل بهمومه الداخلية.
ووجدت نفسها في وضع لا يحسدها عليه لا عدو ولا صديق عاجزة حتى عن تطبيق قرارات تتخذها، فهي كمن وضع الشفرة في حلقه فلا هو قادر على بلعها ولا هو قادر على إخراجها..
ورغم كل ما تقــــدم فإن الوضـــع ليــــس بهــــذ السوداوية.. فلا تزال هناك مخارج امام قيادة منظمة التحرير ان اختارت الخروج من مأزقها.
اولها: يجب ان تكسر قيد التسوية السياسية الذي كبلت بها يديها.. واعادة النظر في اتفاق سلام أفشلته دولة الاحتلال، لغياب الرغبة في تحقيق السلام، واللعب على الوقت من اجل إحكام القبضة على الأراضي المحتلة..
ثانيا: ان تتحرر من مقولة «السلام هو خيارنا الاستراتيجي»، الذي ألزمت نفسها بها بدون ان تكون هناك قوة تدعم هذا الخيار، واساليب نضالية اخرى موازية لتعزيزه..
ثالثا: سحب اعتراف المنظمة باسرائيل الذي أعطي إليها على طبق من فضة قبل حتى توقيع اتفاق اوسلو.
رابعا: إبقاء كل خيارات النضال والمقاومة بكل اشكالهما مفتوحة امام الشعب الفلسطيني بعد اثبتت خيارات التفاوض فشلها.. فالمقاومة ليست عمل مزاجي بل حق.
خامسا: العمل مجددا من أجل مساواة اسرائيل وليس الصهيونية فحسب بالعنصرية ونظام جنوب أفريقيا بتنسيق الجهود مع BDS وغيرها من القوى العالمية… رغم ضعف احتمالات النجاح في ذل الأوضاع التي نعيشها.. ولكن كما يقول المثل «الطلق اللي ما بيصيب بيدوش»..
والشيء بالشيء يذكر فإن منظمة التحرير نجحت في عام 1975 بالتنسيق مع الدول العربية ودول عدم الانحياز، والدول الصديقة في اوروبا الشرقية، في استصدار قرار يعتبر الصهيونية شكلا من أشكال العنصرية. ونجحت الولايات المتحدة بعد مسرحية «مؤتمر سلام مدريد» عام1991 في الغائه، وامتنعت 8 دول عربية هي مصر والكويت والبحرين والمغرب وعمان وجيبوتي وتونس وجزر القمر عن التصويت.
سادسا: حشر اسرائيل سياسيا في موقع دفاعي لا هجومي على جميع الصعد. ولدينا المقومات والطاقات والعزائم إن وجدت الرغبة. فالهجوم خير وسيلة للدفاع.
سابعا: العمل على ترتيب البيت الفلسطيني على أسس صلبة قوية والدفع في اتجاه مشاركة كل الاطراف والاطياف السياسية ورفض سياسات الاقصاء والاستبعاد… فالبناء الداخلي هو الأساس.
٭ كاتب فلسطيني من أسرة «القدس العربي»
علي الصالح