ابراهيم الشنطي Admin
عدد المساهمات : 75802 تاريخ التسجيل : 28/01/2013 العمر : 78 الموقع : الاردن
| موضوع: الحملة الصليبية الخامسة السبت 16 أبريل 2016, 11:19 pm | |
| الحملة الصليبية الخامسةبعد سبع عشرة سنة من الحملة الصليبية الرابعة قرَّر قادة أوربا أن يستدركوا ما فاتهم من الهجوم على مصر والاستيلاء عليها؛ لذا تجهَّزوا وحشدوا الحشود.الدعوة إلى الحملة الصليبية الخامسة قام البابا إنوسنت الثالث (594 - 613هـ/1198 - 1216م) بعمل صليبي ضخم وسعى جاهداً طوال مدة جلوسه على البابوية، أن يفرض سيطرته على الممالك النصرانية في أوروبا يوجَّهها وفق المصلحة النصرانية العامة، وقد نجح في ذلك إلى حد كبير لدرجة أنه أصبح سيداً على كل ربوع أوروبا تقريباً، كما أن انتصار النصارى على المسلمين في موقعة العقاب (609هـ/1212م) في أسبانيا شجعه على الدعوة للحملة الصليبية الخامسة، فأراد أن يتبع هذا الانتصار في الغرب بنصر آخر في الشرق.وفي مجمع اللاتيران الكنسي الذي عقد سنة 612هـ/ ١٢١٥م شرح البابا مدى سوء حال المستوطنين الصليبيين في فلسطين، وأن المسلمين ينتهكون حرمات كنيسة القيامة ويتهكَّمون على صليب المسيح، وأوضح البابا أن المسلمين بنوا حصناً جديداً على جبل الطور، وهو المكان الذي شهد عظمة المسيح ومجده، وأنهم باتوا يهدَّدون عكا وهي آخر ما تبقّى من مملكة بيت المقدس، وناقش وبعض الإجراءات الضرورية لتوفير النفقات الضرورية لتجهيز الحملة المقترح، وقرروا أخيراً، أن تكون وجهتها مصر.ولكن البابا إنوسنت الثالث مات سنة ١٢١٦م قبل أن تبدأ عجلة الحملة الصليبية الخامسة في الدوران، وخلفه الكاردينال المسن سافيللي (Savelli) ) تحت اسم البابا هونريوس الثالث (Honorius II) (1216 - 1227م). وتحَّدد تاريخ ربيع الأول 614هـ/يونيو 1217م، موعداً لانطلاق الحملة، وهو تاريخ انتهاء الهدنة مع المسلمين.وقد كرَّس البابا الجديد جهده، وجهد المجتمع الغربي نحو الحرب الصليبية وحث ملوك أوروبا على الاشتراك بالحملة، غير أنه لم يستجب إلا عدد ضئيل منهم، فلبى النداء كل من "ليوبولد" ملك النمسا، و"أندريه الثاني"ملك المجر، و"بهمايو" ملك قبرص وغيرهم، وقد تقرر تغيير خط سير الحملات المعتادة، حيث كانت مصر هي الهدف هذه المرة وليست الشام.وكانت هناك أسباب عديدة تحفز الصليبيين على النزول بقواتهم في دلتا النيل بدلا من ضفاف الأردن; أولها رغبة المدن التجارية الإيطالية (الممول الرئيس للحملة) في السيطرة على تجارة المتوسط وضرب المنافسة المصرية في عقر دارها بالسيطرة على ميناء دمياط أهم موانئ شرق المتوسط آنذاك، وثاني هذه الأسباب يكمن في المذهب السياسي/ العسكري للصليبيين، ومؤداه أن هزيمة مصر أو تحييدها على الأقل خير ضمان لبقاء المستوطنات الصليبية. أما السبب الثالث فكان استرداد الشرف العسكري الذي تمرغ بهزيمة حطين وفقدان القدس.الصليبيون في عكا وبالفعل بدأت بعض قوات الحملة الصليبية الخامسة في الوصول إلى عكا، وقد استمرت أحداثها أربع سنوات تنقص شهرا على حد رواية ابن الأثير. وفي أوائل شعبان 614هـ/ نوفمبر سنة ١٢١٧م خرج الصليبيون من عكا لكي يشنوا هجومًا مباغتًا ضد مصر في جيش ضخم لم تشهد بلاد الشام مثله منذ أيام الحملة الصليبية الثالثة، بيد أن فوضى القيادة في الجيش الصليبي الضخم جعلته عاجزًا عن القيام بأي عمليات عسكرية حقيقية، وسرعان ما عاد الجيش إلى داخل أسوار عكا لكي يظل هادئًا حتى المحرم 615هـ/ إبريل سنة ١٢١٨م حين وفدت قوات صليبية جديدة من أوربا، وقرر مجلس الحرب الصليبي الذي اجتمع في عكا مهاجمة دمياط على دلتا النيل [1] .الهجوم على دمياط تجمَّع في مدينة عكا عدد كبير من الصليبيين القادمين من أوروبا، وقد بلغ عددهم حوالي ثلاثين ألفاً، تألفوا من مجريين وإسكندنافيين ونمساويين وألمان، بالإضافة إلى القوات المحلية وبعض القوات من قبرص، وعقد الملك يوحنا بريين (الذي تزوج ماريا وريثة مملكة عكا، وصار ملكا على الصليبيين في فلسطين سنة ١٢١٠م) مجلساً حربياً لترتيب الخطة العسكرية.واستقل الجيش الصليبي، الذي تعداده حوالي أربعين ألفاً، السفن في عكا بقيادة الملك يوحنا بريين بتاريخ (26صفر 615هـ/23 مايو 1218م) حيث وصل إلى دمياط بعد بضعة أيام، فنزل أفراده إلى البر، ونصبوا معسكرهم على الضفة الغربية للنيل المواجهة للمدينة، وقد وجدوها محصَّنة تحصيناً قوياً.حيث كانت تمتد بعرض النيل، سلاسل من حديد عظام القدر والغلظ لتمنع المراكب الموصلة في بحر الملح من عبور أرض مصر، هذا بالإضافة إلى إلى برج السلسلة، وهو بمثابة حصن وسط مجرى النيل لحماية المدينة، وصدَّ أي عدوان يقع عليها، وقد حال دون تقدمهم، لذلك كانت مهمتهم الأولى هي الاستيلاء على هذا البرج ليتمكَّنوا من النزول على الضفة الشرقية للنيل جنوبي المدينة فيسهل عليهم مهاجمتها .سقوط برج السلسلة عندما علم الملك العادل بنزول الصليبيين في دمياط، وكان بمرج الصَّفر، انتقل إلى عالقين بظاهر دمشق، وبدأ بإرسال العساكر إلى مصر، حتى أنه لم يبق عنده من العساكر إلا القليل، وطلب من ابنيه المعظم عيسى والأشرف موسى أن يغيرا على معاقل الصليبيين في بلاد الشام ليشغلهم ذلك عن دمياط.وعندما علم الأمير محمد الكامل بنزول الصليبيين في جيزة دمياط وأقاموا معسكرهم على الشاطئ الغربي للنيل وأحاطوه بخندق ".. يمنعهم ممن يريدهم .."، اتجه بجنده والعربان إلى دمياط وعسكر بالعادلية (بين دمياط وفارسكور على الضفة الشرقية للنيل، وأسسها العادل سنة 614هـ/ 1217م)، واتخذ كل الترتيبات لعدم تمكين الصليبيين من الاستيلاء على برج السلسلة الذي يعد مفتاح مصر، أو العبور إلى ضفة النيل الشرقية.وظل الوضع متجمدًا قُرابة أربعة أشهر، نفذ خلالها الصليبيون محاولات عديدة لاقتحام برج السلسلة، آخرها كانت مهاجمة برج السلسلة براً وبحراً ونُفَّذ الهجوم في 29 جمادي الأولى، وكان يحمي البرج ثلاثمائة من المسلمين وجرى قتال عنيف بين الطرفين، ونجح الصليبيون في دخول برج السلسلة واستولوا عليه، وقطعوا السلاسل التي تعترض مجرى النهر، فأضحى بوسع سفنهم أن تجتاز النهر إلى أسوار دمياط ولا شك بأن سقوط برج السلسلة في قبضة الصليبيين، وتحطيم تلك السلاسل التي تحمي مجراه، جاء خسارة كبرى للمسلمين.بعد سقوط برج السلسلة حاول الأمير الكامل حاكم مصر إعاقة تقدم الصليبيين، فصنع جسرًا عظيمًا أنفق عليه سبعين ألف دينار، فقاتل الصليبيون عليه قتالاً عنيفًا حتى قطعوه، فأمر الكامل بتفريق عدد من المراكب في النيل ليسد مجرى السفن، فعدل الصليبيون إلى خليج هناك يعرف بالأزرق وكان النيل يجري فيه قديمًا، فحفروه حفرًا عميقًا وأجروا فيه المياه إلى البحر المتوسط، مما يوضح مدى إصرار الصليبيين على القتال وصبرهم على ذلك، ولكن الوضع ظل متجمدًا بين الصليبيين والجيوش المصرية [2].وفاة العادل وتولي الكامل حكم مصر والشام أرسل الكامل محمد إلى أبيه العادل، الذي كان لا يزال معسكراً قرب دمشق، يخبره بسقوط برج السلسلة، ويستنجد به، لكن هذا الأخير لم يتحمَّل الصدمة، فدق بيده على صدره أسفاً وحزناً، ومرض لساعته مرض الموت، ثم توفي يوم الخميس في 7 جمادي الآخرة 615هـ/31 أغسطس 1218م.ظلت المقاومة الإسلامية للصليبيين على أشدها باسلة رائعة، ولكن وقعت حادثة غيرت مسار القتال، فقد غادر الملك الكامل العادلية بعدما عرف بمؤامرة انقلاب دبَّرها أحد الأمراء ضده اسمه عماد الدين أحمد بن سيف الدين علي بن المشطوب، على خلع الملك الكامل من السلطنة وأن يمُلكُّوا الديار المصرية أخاه الملك الفائز إبراهيم بن الملك العادل ليصير لهم الحكم عليه وعلى البلاد.وخشي الكامل أن يقع بين مطرقة الأمير الخائن وسندان الصليبيين، ولكنَّ ذلك الانسحاب ضعضع صفوف المسلمين؛ مما أدى لتفرُّق جموع المدافعين عن العادلية التي سقطت بأيدي القوات الصليبية في (19 من ذي القعدة 615هـ/ 5 من فبراير 1219م)، وشرع الصليبيون في محاصرة دمياط، ولكنهم لم يستطيعوا دخولها.الصليبيون يحاصرون دمياط أصبح الملك الكامل في وضع حرج، وأصبحت الجبهة الإسلامية مهددة بالانهيار، إلا أن وصول الملك المعظم عيسى من الشام نجدة لأخيه بعد يومين من تمرد ابن المشطوب أنقذ الموقف، فقوى قلب الملك الكامل واشتد به أزره، ووعده الملك المعظم بإزالة جميع المفاسد وكان الملك الكامل قد عزم قبل وصول أخيه - على ما يقال - على مفارقة البلاد وتركها بيد الفرنج والتوجه إلى بلاد اليمن وكانت بيد ولده الملك المسعود صلاح الدين يوسف ولو ذهب إلى اليمن لكان كارثة كبرى ربما غيرت الموازين في مصر لمدة فثبته الملك المعظم وشجعه.وكتب الملك الكامل إلى أخيه الأشرف موسى يستحثه على سرعة الحضور، وكتب إلى إخوانه يستعجلهم ويقول: "الوحا الوحا العجل العجل، أدركوا المسلمين قبل تملك الفرنج جميع أرض مصر"، وظلت كتب الملك الكامل متواصلة في طلب النجدة لمساعدته على مقاومة الصليبيين المحاصرين لدمياط.الملك الكامل يضحِّي بالأماكن المقدسة وفي أثناء الحصار، قبل سقوط المدينة، كان السلطان الكامل قد يئس من إمكانية صمود دمياط، ويبدو أن نفاد الصبر صفة ملازمة له، كما أنه غير مهتم بالمقدسات، ويستطيع التنازل عن أي شيء بسهولة ويُسرٍ في سبيل أمانه الشخصي وأمان ملكه، فلم يكن الكامل مثل أعمامه الأبطال صلاح الدين وغيره، فلقد كان يميل للمهادنة والدعة والمسالمة، يكره القتال، شديد الذعر في ميادين القتال .فأرسل السلطان الكامل في نهاية شهر أكتوبر يقترح على الصليبيين الجلاء عن مصر مقابل أن يأخذوا الصليب المقدس، وأن يمتلكوا مدينة بيت المقدس وعسقلان وطبرية وصيدا وجبلة واللاذقية وجميع ما فتحه صلاح الدين، على أن يدفع المسلمون جزية عن الحصون التي تبقى بأيديهم، وأن تستمر الهدنة بينهما لمدة ثلاثين سنة.وهكذا قرر الكامل أن يشتري السلام بالتنازل عن كل ما فتحه صلاح الدين بدماء الشهداء وجهاد السنين.ورغم غرابة العرض الذي قدمه الكامل ومهانته -والذي يقدم للصليبيين ما لم يحلموا به، ويسلم لهم بيت المقدس على طبق من ذهب- لم يوافقوا على العرض، وفوَّتوا على أنفسهم فرصة كبيرة، إذ كانوا يريدون دمياط مركزا تجاريا لهم.سقوط دمياط وشدَّد الصليبيون الحصار حول دمياط حتى بدأت حاميتها في الانهيار، ثم سقطت مدينة دمياط بأيدي الصليبيين في (25 من شعبان 616هـ/ 5 من نوفمبر 1219م)، بعد حصار دام تسعة أشهر ودخلها الصليبيون بعد يومين، كان أهل دمياط قد طلبوا من الفرنج الأمان وأن يخرجوا منها بأهلها وأموالهم في القَساقِسَة وحلفوا لهم على ذلك، ففتحوا لهم الأبواب فدخلوا وغدروا بأهلها، ووضعوا فيهم السيف، قتلاً وأسراً وباتوا في الجامع يَفْجُرُون بالنساء ويفتضون البنات، وحولوا مسجدها كنيسة [3].فيضان النيل وفشل الحملة الخامسة جمَّد الصليبيون نشاطهم في دمياط على مدى ثمانية عشر شهرًا كاملة، وقد نشب الخلاف بين القواد الصليبيين بحيث مضى عام ونصف وهم غير قادرين على القيام بأية عمليات عسكرية حاسمة، وانتهى الخلاف بأن خرج القائد العسكري "حنا برين" من دمياط عائدًا إلى بلاده مغاضبًا، وأصبح الأحمق بلاجيوس المندوب البابوي القائد الوحيد للحملة.خلال هذه الفترة استقرت الأمور في البيت الأيوبي واتفق الإخوة (الكامل والمعظم والأشرف) على مواجهة الصليبيين، وقد عسكر السلطان الكامل عند مدينة المنصورة في مكان حصين شيَّده الكامل في فترة الهدوء الصليبي، ودعا الناس إلى التطوع لصد الصليبيين عن مصر وشن المسلمون هجمات متتالية على المعسكر الصليبي وأسروا سبع سفن صليبية كبيرة والكثير من الجنود.وتضعضع موقف الصليبيين، ولكن وصول قوات صليبية جديدة من ألمانيا وعكا شجع الكاردنيال الأحمق بلاجيوس على تنفيذ خطته للزحف نحو القاهرة بعد أن تأخرت كثيرًا، وتقدمت هذه القوات جنوباً للتوغل في ديار مصر، فوصلت إلى فارسكور في 25 جمادي الأولى 618هـ/17 يوليو 1221م.ولكنه اختار الوقت غير المناسب، فهذا هو وقت فيضان النيل السنوي الذي يشتد في شهر أغسطس، وعبرت قوات الجيش المصري لكي تحاصر الصليبيين قرب المنزلة، ثم بدأ فيضان النيل وفتحت الجسور فأغرقت كل الطرق أمام الجيش الصليبي، ووجد الصليبيون أنفسهم والماء قد أغرق أكثر الأرض التي هم عليها، ووجدوا أنفسهم محاصرين بالجيش المصري جنوبًا والجيش الشامي من ناحية الشمال، وهم قد تركوا معسكرهم الحصين بدمياط عندما خرجوا للقاهرة بأمر الأحمق بلاجيوس.وأصبح وضع الصليبيين شديد التأزم، وعلى صفحة النهر كانت سفن البحرية المصرية تستولي على عدد من سفن العدو ومعداته، وتقتل وتأسر بحَّارته. وهكذا غرقت أحلام الصليبيين بالاستيلاء على مصر في أوحال الدلتا، وتحدد مصير الحملة الخامسة بشكل نهائي.وألقى الله تعالى الرعب في قلوب الصليبيين وركبتهم الذلة والصغار، واضطر المغرور بلاجيوس إلى طلب الصلح والهدنة، على أن يخرجوا من دمياط بغير عوض.واختلف قادة معسكر المسلمين حول طلب الهدنة، ففي حين وافق عليها الكامل، رأى إخوته وآخرون انتهاز الفرصة والقضاء على الصليبيين، ولكن السلطان الكامل وافق على العرض، وتسلم دمياط منهم، فأجيبوا إلى ما طلبوا على أن يأخذ منهم السلطان الملك الكامل ملوكهم رهائن إلى أن يسلموا دمياط (عشرون ملكا منهم ملك عكا)، وطلبوا هم أن يأخذوا ولد السلطان وجماعة من خواصه رهائن إلى أن يرجع ملوكهم إليهم (ومنهم الملك الصالح نجم الدين أيوب، وكان عمره يؤمئذ خمس عشرة سنة).وفي التاسع عشر من شهر رجب سنة ٦١٨هـ/ سبتمبر ١٢٢١م دخلت القوات المصرية دمياط التي كان الصليبيون قد حصَّنوها جيدًا، "وكان يوم تسليمها يوماً مشهوداً عاد به الدين الإسلامي جديداً بعد أن كانت قد ساءت به الظنون، وخيف على الديار المصرية والشامية من الفرنج خوفاً شديداً".وهكذا كانت الحملة الصليبية الخامسة -كما يقول الدكتور قاسم عبده قاسم- ضد دمياط آخر محاولات البابوية لتوجيه حملة صليبية تحت قيادتها فقط ولحسابها منفردة [4].نتائج الحملة الصليبية الخامسة 1- كشفت بجلاء أن الصليبيين لديهم الإصرار على التوسع جنوباً في مصر. 2- كشفت تلك الحملة عن الطابع التنصيري للحركة الصليبية وأن ذلك الجانب من الممكن فهم أبعاد المطامع الصليبية في المنطقة من خلاله. 3- تلك الحملة كشفت لنا عن العلاقة الأبدية بين مصر والشام إذ أن كلا منهما عمق استراتيجي للآخر، وعندما تعرضت أرض الكنانة للخطر قدم إليها الدعم والعون الحربي من شقيقتها الجغرافية والتاريخية بلاد الشام، وهكذا وجد الخطر الصليبي المشترك تاريخ المنطقتين المتجاورتين بصورة أكدتها مراحل التاريخ السابقة وكذلك التالية. 4- كشفت قصر نظر الملك الكامل الأيوبي فيما يتعلق بالعروض البالغة السخاء، والسذاجة للصليبيين، وقد توافر لديه إصرار مثير للعجب على تقديم بيت المقدس للغزاة في مقابل خروجهم من مصر، ويلاحظ أنه كرر ذلك الأمر عدة مرات، وكأن بيت المقدس التي عادت بدماء الشهداء وخاض صلاح الدين المعارك الشرسة من أجلها، كأن تلك المدينة المقدسة مثلت عبئاً على ذلك السلطان الأيوبي، وبالتالي أراد التخلص منها بأي صورة، وقد توهم الرجل أن بإمكانه التصرف في تلك المدينة، وأن يعرضها كجارية في سوق النخاسة، لولا عناد الصليبيين، وكشفت تلك الحادثة عن مدى إنفراد القادة أحياناً بقرارات مصيرية خاطئة يمكن أن تجلب أخطر النتائج وأسوأها على مصير أمتهم. 5- كان رد الفعل الإسلامي عظيماً إزاء هذه النتيجة التي أسفرت عنها الحملة الصليبية الخامسة، فكانت فرحة المسلمين عظيمة بعودة دمياط إليهم، خاصة الفقهاء والعلماء والشعراء الذين أخذوا يتبارون في إنشاد قصائد التهاني بهذا النصر الكبير معبرين فيها عن مدى فرحتهم ومدى إحساسهم بأهمية عودة دمياط إلى المسلمين. 6- أبرم الملك الكامل اتفاقية مع الصليبيين مدتها ثمان سنوات نصت على إطلاق كل فريق ما عنده من الأسرى وتم للأيوبيين القضاء على الحملة الصليبية الخامسة نتيجة لتعاونهم [5]. [1] قاسم عبده قاسم: ماهية الحروب الصليبية، كتاب عالم المعرفة مايو 1990م، ص124 - 125. [2] علي الصلابي: الأيوبيون بعد صلاح الدين، دار المعرفة، ط1، ص168، 208. [3] قاسم عبده قاسم: ماهية الحروب الصليبية، ص125. علي الصلابي: الأيوبيون بعد صلاح الدين، ص221 – 227. [4] ابن واصل: مفرج الكروب في دولة بني أيوب، 4/ 32 - 105. قاسم عبده قاسم: ماهية الحروب الصليبية، ص126. [5] علي الصلابي: الأيوبيون بعد صلاح الدين، ص243 - 244. |
|