برهوم جرايسي
الناصرة- كشف تحقيق نشر أمس، بيّن أن شركات بناء إسرائيلية تقيم حيّا سكنيا في مدينة يافا الفلسطينية على أراضي عربية مصادرة، تمنع العرب من شراء بيوت فيها، بمن فيهم العرب من أهل المدينة، إذ يدعي موظفو الشركة لطالب الشراء إن كان عربيا، أنه لم يبق بيوت للبيع، وفي نفس اللحظة، يُبلغ الموظفون اليهودي، بوجود عرض واسع من البيوت، أن "الجيرة حسنة"، لمن يستفسر عنها.
وجرى التحقيق بدعم من جمعية حقوق المواطن الإسرائيلي التي تلقت شكاوى من مواطنين عرب، ضد شركة تسويق البيوت، بأن الشركة ترفض بيعهم بيوتا. ونشرت صحيفة "يديعوت أحرنوت" تفاصيل هذا التحقيق، إذ تم تسجيل مكالمات أجراها يهود لغرض التحقيق، وادعوا أنهم يريدون شراء بيت، فتلقوا ردا إيجابيا، وحتى أن الموظفة في الشركة عرضت اجراء لقاء سريع.
وحسب التسجيل، فحينما سأل اليهودي (المحقق) إذا يوجد عرب في الحي الجديد، كانت الموظفة حذرة جدا، ولم تقدم إجابة فورية، وقالت إنه على حد علمها لا يوجد ولكنها ستفحص. ولاحقا اتصل مسؤول في الشركة باليهودي ذاته قائلا، إنه لا يستطيع تقديم جرد بالأسماء التي اشترت حتى الآن بيوتا، ولكن ما يعرفه هو أن "الجيرة حسنة"، في رمز لعدم وجود عرب، دون أن ينطق بذلك، كي لا يكون معرضا لمخالفة قانون قائم.
ويتأكد الأمر من مكالمة أجراها يهودي آخر، ثم مكالمتين لعربيين، كل واحد منهما تلقى ردا مطابقا: لم يعد لدينا بيوت للبيع.
وتستهدف المؤسسة الإسرائيلية الحاكمة مدينة يافا منذ عشرات السنين، تنامت في السنوات الأخيرة، من خلال سلسلة مشاريع استيطانية، من أجل تهويد المدينة ومحاصرة العرب أهل المدينة أكثر. ومن هذه المشاريع، بناء أحياء سكنية فخمة وباهظة الثمن، على أنقاض احياء عربية تم تدميرها، من أجل تسويقها للأثرياء اليهود. وبنفس الطريقة، يتم بيع بيوت عتيقة لمهجّرين فلسطينيين، وضعت الحكومة الإسرائيلية اليد عليها، وتباع بأسعار خيالية، ليتملكها اليهود.
ومايزال في مدينة يافا، كبرى مدن فلسطين حتى النكبة، حوالي 30 ألف فلسطيني، وباتت المدينة جزءا من مدينة تل ابيب، التي أقيمت في فترة العثمانيين العام 1908، كحي لليهود قريب من مدينة يافا، وتوسعت المدينة كثيرا في فترة الاستعمار البريطاني، وبعد النكبة تمددت المدينة على أنقاض ستة قرى فلسطينية وهي: المنشية، وأبو كبير التي على أنقاضها مقامة معهد الطب الشرعي الضخم، ومعتقل، ويطلق على كليهما اسم القرية، وقرية "سَلمِة" التي أقيم على أنقاضها حي يسمى "كفار شليم"، وقرية الجمّاسين، وقرية صُمّيل ولها اسم ثان: "المسعودية"، وقرية الشيخ مونـّس المقامة على أنقاضها جامعة تل أبيب.
ويقول المحامي غيل غان مور، المسؤول في جمعية "حقوق المواطن" الإسرائيلية، إن هذه ظاهرة تتكرر، وشركات البناء تعرف هذا، إلا أنها تبحث عن مسارات هروب كي تحصل على النتيجة التي تسعى لها، دون مخالفة القانون علنا. وأضاف، إن من ينصت الى محادثات موظفي شركات البناء يستصعب كشف التمييز ضد العرب، لأنهم يستخدمون عبارات مثل "عملية البيع مجمّدة"، أو "لم يعد بيوت للبيع"، وقال، "ببساطة إنهم يكذبون".
وعلى الرغم من وجود قانون إسرائيلي يمنع التمييز على أي خلفية، إلا أن هذه الظاهرة منتشرة في جميع نواحي الحياة، وبشكل خاص في قطاعي السكن والعمل. وبموازاة هذا القانون يوجد قانون آخر جرى اقراره في العام 2011، ويسمح بالتمييز العنصري في مجال السكن، ولكنه "يقتصر" من ناحية القانون على ما يسمى بـ"البلدات الجماهيرية"؛ وهي عادة بلدات صغيرة تضم عدة مئات من السكان، وبموجب هذا القانون، فإنه يحق لكل "بلدة" إقامة لجان قبول، ويحق للجنة رفض طالب سكن، إن لم يكن ملائما مع الأجواء الثقافية والحضارية والفكرية" للبلدة.
وقد سارعت يومها الكثير من البلدات اليهودية إلى وضع أنظمة تمنع توطين عرب في هذه البلدات، إلا أن المفارقة أن هذا القانون طال أكثر من مرّة يهود شرقيين، رفضتهم "لجان القبول" العنصرية، على الرغممن يهوديتهم. وتماطل المحكمة العليا الإسرائيلية منذ أكثر من اربع سنوات، في البت بالتماسات قدمت لها ضد هذا القانون العنصري. وينضم هذا القانون إلى قانون سابق، يحمي ما يسمى بـ"صندوق إسرائيل"، أو ما يسمى بالعبرية "كيرن كييمت ليسرائيل" من تهمة العنصرية، بحيث يعتبر القانون أن رفض الصندوق بيع أو تأجير أراض للعرب لا يعتبر عنصرية، بل هو قائم على هذا الأساس.