منتدى الشنطي
سيغلق هذا المنتدى بسبب قانون الجرائم الاردني
حيث دخل حيز التنفيذ اعتبارا من 12/9/2023
ارجو ان تكونوا قد استفدتم من بعض المعلومات المدرجة
منتدى الشنطي
سيغلق هذا المنتدى بسبب قانون الجرائم الاردني
حيث دخل حيز التنفيذ اعتبارا من 12/9/2023
ارجو ان تكونوا قد استفدتم من بعض المعلومات المدرجة

منتدى الشنطي

ابراهيم محمد نمر يوسف يحيى الاغا الشنطي
 
الرئيسيةالرئيسية  البوابةالبوابة  الأحداثالأحداث  أحدث الصورأحدث الصور  التسجيلالتسجيل  دخول  

 

 فلسفة العولمة ! ؟... رجس من عمل الشيطان

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75802
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

فلسفة العولمة ! ؟... رجس من عمل الشيطان Empty
مُساهمةموضوع: فلسفة العولمة ! ؟... رجس من عمل الشيطان   فلسفة العولمة ! ؟... رجس من عمل الشيطان Emptyالإثنين 18 أبريل 2016, 8:29 am

فلسفة العولمة ! ؟... رجس من عمل الشيطان

الجزء الأول

بقلم عبد الحميد حاج خضر الحسيني

إن المنطلقات والأفكار والفلسفات ، التي قامت عليها الهيمنة الصهيو_أمريكية على العالم ، اختصرت في نهاية الثمانينيات وبداية التسعينيات في مصطلح ، يكاد أن يكون سحر يؤثر ، ألا وهي العولمة . ترددها الأفواه وترفضها القلوب والضمائر ولا تكاد تفقهها العقول . إن الاضطراب الذي ألم بالسياسة والاجتماع  والاقتصاد والمال والادارة  والأدب والفن وحتى العلم  والتكنولوجيا ، ما هو إلا قمة جبل ثليجي طاف ، لفكر وفلسفة وايديولوجية قد تحول العالم إلى جحيم ، بدأت تظهر معالمه ،  من حروب وفقر ومجاعات  وبؤس وامراض. وأريد من خلال هذه الدراسة أن أنفذ ما استطعت ، بعون الله ، إلى أس وجرثومة ذلك الفكر وتلك الفلسفة ، لنتبين أبعاد الايديولوجية التي تقود وستقود قاطرة الحضارية الإنسانية ،علنا نسهم ، مع الآخرين ، بقرع ناقوس الخطر وبقوة ، لإيقاف التردي الذي يراد للانسان .

إذن : الهدف والغاية من هذا البحث هو تحديد أهم المدارس الفلسفية التي رفدت الفكر السياسي والاقتصادي والإعلامي الذي يقود الهيمنة الصهيو_ أمريكية ( العولمة ) . حسب تقديري ، حصل التحديد والبلورة للمناحي الأساسية للعولمة من الناحية الفلسفية  في نهاية الستينيات على يد الفيلسوف الصهيوني ليو شتراوس " Leo Strauss " (ولد في 20/9 / 1899 في كيرخهاين " Kirchhein "  المانيا وتوفي في 18/10/1973 في انابوليس   Annapolisفي الوليات المتحدة الأمريكية ) . بعد حرب الأيام الستة عام 1967 وتفشي مقولة الهيلوكاوس ، عقد اجتماع ضم قادة الفكر الصهيوني قام شتراوس مخاطباً مستمعيه من الصهاينة " علينا أن نودع الفكر القومي بقضه وقضيضه ونتحول إلى العالميه أو العولمة "

أكتفي بهذا القدر عن هذا الرجل لأعود إليه لاحقاً بتفصيل أكثر . المهم الآن أن أختار طريقاً مألوفاً للولوج إلى كنه وماهية الموضوع ، ولهذا  سأنحى في هذا البحث منحاً غير  أكاديمي مدرسي ، لأن كل إنسان  يميل إلى ما فطر عليه ،  وكل إنسان ميسر لما خلق له . لا أدري لماذا لدي عزوف عن الأسلوب المدرسي ، الذي يهيم بالكيف والكم  ، ولكن وجدت بعض التعليل لهذا السلوك عند أبي الفتح محمد عبد الكريم ابن أبي بكر الشهرستاني (ولد479 هجرية وتوفي 548 أي 1153 م عن عمر يناهز السبعين ) .

 قال الشهرستاني في تقسيم الناس حسب عقلياتهم : إن العرب والهنود يتقاربان على مذهب واحد ، وأكثر ميلهم إلى تقرير خواص الأشياء والحكم بأحكام الماهيات والحقائق ، واستعمال الأمور الرحانية . والروم والعجم يتقاربان على مذهب واحد ، وأكثر ميلهم إلى تقرير طبائع الأشياء والحكم بأحكام الكيفيات والكميات ، واستعمال الأمور الجسمانية . وبلغة الشهرستاني الفلسفية ندخل إلى الموضوع الذي نحن بصدده : إن التقسيم الضابط لمناحي الناس في المعرفة القول :

1- من الناس من لا يقول بمحسوس ولا معقول ، وهم السوفسطائية .

2-ومنهم من يقول بالمحسوس ولا يقول بالمعقول ، وهم الطبيعية .

3-ومنهم من يقول بالمحسوس والمعقول ، ولا يقول بحدود ، وأحكام ؛ وهم الفلاسفة الدهرية

4-ومنهم من يقول بالمحسوس ، والمعقول ، والحدود والأحكام . ولا يقول بالشريعة والإسلام ، وهم الصابئة .           

5-ومنهم من يقول بهذه كلها ، وشريعة ما ، وإسلام ، ولا يقول بشريعة نبينا محمد(ص) . وهم:  المجوس ،واليهود ، والنصارى           

6-ومنهم من يقول بهذه كلها ، وهم المسلمون

وبدون استبداد برأي أو هوى نجد أن المدرسة السوفسطائية أولى أعمدة الهيمنة الصهيوأمريكية ولهذا أرى من واجبي أن أقدم تلخصاً لاخطأ فيه ولا إطناب لهذا المذهب الفلسفي  . كما أرى من ضرورات الصنعة ومستلزمات الحصافة أن نشير إلى أثر هذا المذهب على الممارسات اليومية . سأحتاط قدر المستطاع حتى لا ينفذ الخصم إلى ما كتبت فيبتسر منه ما يشاء ويتخذها منها نبالاً  ير شقني بها وبطريقة سوفسطائية ، وهم أهل هذه الصنعة ، فيحرم القارئ أو السامع بعض الحكمة التي هي ضالة المؤمن .    

السوفسطائية كلمة إغريقية تعني المرشد أو المعلم ، وأطلقت الكلمة على تيار فكري كان له حضور ملحوظ من القرن 5-4 قبل الميلاد . كانت المذاهب الفلسفية قبل سقراط الحكيم ( Sokrates ) تنطلق من الوجود باعتباره واسطة العقد ومحط الأنظار ومنطلق الأفكار ، وعنه تنبثق النظرية وتنقدح ، فتفسر الظاهرة فتنبجس عنها المعرفة . ولما جاس السوفسطائيون في ديار الفلسفة ،  لم يكلفوا أنفسهم مشقة النزال مع من قال : بواجب الوجود وأصل العلم والحكمة . وإنما جعلوا الإنسان واسطة العقد وأصل المعرفة والبيان . ولخص بروتاقراس ( Protagoras  ) مقالتهم بجملته الشهيرة " أن الإنسان هو مقاس الأشياء " أي : " تقاس الأشياء على الإنسان ولا يقاس الإنسان على الأشياء " أن الإنسان هو ميزان الخير والشر والضر والنفع . بل يرون أنه : لا وجود للحقيقة واليقين خارج الكينونة الإنسانية . إن السوفسطائي لا يقول بحقيقة المعارف المستقاة من الحواس ويقول أحياناً بنسبية حقيقتها أو يشكك بمقدار اليقين فيها .

إن السفسطائي يشير إلى التباين القائم بين طبيعة الأشياء وبين ما يعتبره الإنسان طبيعياً . بين قصد الإنسان  والقيمة ، يتجلى هذا التباين بصورة جلية في عالم السياسة فالنظم والقوانين الموضوعة من قبل الإنسان تتباين وطبيعة الأشياء . والسوفسطائي في صراع دائم مع فطرة الأشياء والناس لإخضاعها لإرادته

في مجال السياسة هو فرعوني المزاج . " قال فرعون مآ أريكم إلا مآ أرى ومآ أهديكم إلا سبيل الرشاد "  هو في حرب دائمة مع الرأي السائد والعقيدة السائدة والسلطة القائمة بالأمر التي حتى ولو انسجمت مع  وهواه  . ومسيرة الإنسانية الحضارية قدمت الدليل القاطع على ارتفاع نسبة الملاحدة بين السوفسطائين . إن قيمة  العلم والمعرفة محصورة في فائدتهما العملية .  والسوفسطائي يعتبر العلم والمعرفة سلاح لا مناص عنه إذا قاطعاً وماضياً في دحر الخصوم والأعداء . إن موهبة وفن الخطابة وكل ما يفتن الناس كان ضالة السوفسطائي المنشودة . إن المندوحة التي يجب أن تذكر للمذهب السوفسطائي هو اعتبار العلم والمعرفة ليس حكراً على الطبقة الاستقراطية كما كان الرأي السائد آنذاك ، بل العلم يمكن تعلمه وتعليمه . إن فلاسفة الإسلام وغالبية فلاسفة الغرب لم تعتبر سقراط ( Sokrates )من السوفسطائين . بل أن قراءة فلاسفة الإسلام لتعاليم سقراط مالت إلى القول " إن سقراط كان يأخذ من مشكاة النبوة ويتكلم لغة البرابرة ، أي أهل البرية ، لغة الفطرة والأنبياء في العرف الإغريقي . السوسفسطائيون الجدد من أمثال ليو شتراوس تقرأً فلسفة سقراط الحكيم قرأة غريبة وباطنية  وترى أن سقراط استحق الموت لأنه أفشى سر الخاصة من أهل الفلسفة .  كان سقراط حبيباً إلى قلب أفلاطون( Platon (العدو اللدود للسوفسطائية ، لإن سقراط لم يوظف العلم والمعرفة من أجل السلطة أو للحصول عل أسباب القوة ،كما فعل السوفسطائيون  . لقد كان على النقيض من السوفسطائين الذين كانوا يدعون معرفة الحقيقة كاملة بل يرون أن الحقيقة تجري على ألسنتهم .كان سقراط يقر بعجزه عن الإلمام بأطراف المعرفة وسبر كنه الحقيقة ، لم يكن يبحث عن أفضل الحجج التي تشد دهماء المعرفة وأنصاف المتعلمين إليه . لقد كان ببساطة ينشد الحقيقة . لقد عرف عن سقراط التقشف في العيش والتواضع في عرض حجته التي كان يسوقها بعيداً عن زخرف القول وسحر البيان وفنون الخطابة التي برع بها أهل السفسطة في كل زمان ومكان . ومع ذلك تمكن السوفسطائيون من سقراط في ساحة أثينا الديموقراطية ، وكان لباطلهم  الجولة ،فتجرع سقراط السم رافضاً الإستخذاء والإستجداء ، بطب العفو عمن تنكر للحقيقة . ولكن تلميذ سقراط  الموهوب أفلاطون ومدرسته الفلسفية طاردتهم ونازلتهم وسفهت أحلامهم ، لم يكن افلاطون حكيم دهره فحسب بل كان صاحب مدرسة ومنهج ، وضع بصماته على الفكر المعرفي والسياسي لآلاف السنين . لقد رفض أفلاطون الديمقراطية كميزان للحقيقة وبرهن على ضرورة التمسك بالخير والصدق والفضائل . على أن يسعى الفيلسوف للظفر  بالحقيقة ممتطياً جواد العقل الجامح ليعانق ليلى  النظريه( Theoria  (التي يتخذها  وسيلة لجني ثمار المعرفة  ، لقد كان أفلاطون في مسائل الذوق والجمال نجماً شاحب اللون مقارنة بالفيثاغورثين ( Pythagoras ) ، ولكنه  كان قمراً منيراً مقارنة بالسوفسطائين الذين أعمتهم بريق السلطة وأصمهم صخب المعجبين من دهماء المعرفة وأدعياء الثقافة . لقد استطاع أفلاطون أن يجعل السوفسطائية سبة وشتيمة عند طلاب المعرفة . وفي كتابه  الحوار (  ( Dialogosكان  يقدم الدليل تلو الدليل على مروق السوفسطائية من الحقيقة والخير  باختيارهم أفضل الحجج وإعادة صياغتها وتوظيفها بما يضمن الغلبة على الخصوم ، وبكلمة أخرى تجريد العلم والمعرفة والحجة من الضمير الوازع . عادت السوفسطائية إلى الصدارة مرة أخرى مع حاجة السلطة إلى من يزين لها سوء فعلتها ، فكان هيجل( Hegel ( ونيتشه ( Nietzsche  (فعادا بالسوفسطائية  جذعة  ، لا لتجرع سقراط والأفلاطونين الجدد السم فحسب ، ولكن لتنشر الدمار والخراب وتفسد الزرع والنسل في كل أصقاع الأرض ، مرة تتلبس مسوح الديمقراطية ومرة تجرد مخالب الفاشية . إن الصلة بين السوفسطائية والديمقراطيه ( Demokratie  (صلة حميمة ولعل ذلك ما جعل أفلاطون ينحو عن الديمقراطية إلى حد رفضها . والديمقراطية كلمة إغريقية مركبة من كلمتين ، ديمو( Demo ( وتعني الشعب وقراطي (Kratie  ) وتعني الحكم ولهذا يمكن القول أنها تعني لغويا (حكم الشعب ) . لا يمكن القول أن هناك نموذج محدد المعالم يكمن اعتباره النموذج النمطي للديموقراطية . وأفضل تعريف بل وأشمل تعريف للديموقراطية  " هو احترام وتحكيم إرادة الأمة في تحديد شكل ومضمون سلطة الدولة انطلاقاً من المساواة القانونية بين مواطني الدولة " . ومع ذلك لا تقدم الديمقراطية ، حتى ولو كانت الممارسة سليمة 100% ،  أي ضمانة لسداد وصواب الحكم الصادر عنها . وعندما تحدث أفلاطون عن أنواع الحكم قال : هناك الحكم الملكي ( Monarchie ) " أي أن يهيمن على الأمر فرداً واحداً " ، الحكم الأرستقراطي ( Aristokratie ) " أي أن يهيمن على  الأمر نخبة " والديموقراطية ( أي حكم الشعب ) . إذا فسدت هذه الأنواع الثلاثة من الحكم فسيحل بدلاً منها ، حسب رأي أفلاطون ، أما الحكم الاستبدادي ( Tyrannis ) " أي حكم الظلمة القساة  الطغاة " أو الأوليغارشية ( Oligarchie ) " أي حكم القلة صاحبة النفوذ ، وغالباً ما يكون المال ، أي دولة الأغنياء " أو اوكلوقراطي (Ochlokratie ) وهو الأشد فساداً ، والعياذ بالله ، حيث يستبد بالأمر السفلة والأوباش من الناس . أكاد أجزم أنه لا يوجد نظام حكم في العالم العربي  والإسلامي إلا وله سهم أو نصيب من الأنواع الثلاثة الأخيرة . لقد كان  تشرشل على حق عندما قال :  إن  الديمقراطية   هي أفضل النظم السيئة  . علماً أن النظام الديمقراطي الحديث أصبح غير قابل للفصل عن الحركة الدستورية وحركة حقوق الإنسان وترسخ قيم الحرية والعدل والمساواة في منظومة الحكم الديموقراطي . كيف سيكون الأمرعندما نعود بالديمقراطيه إلى سيرتها الأولى، أي الديموقراطية المباشرة ، ونجرد العملية الديمقراطيه من كل ما عانته من تصويب وتسديد وتقويم في القرنين الماضيين ؟  إن النموذج المسخ للديقراطية المباشرة هو ما نراه في " الجماهرية الليبية العظمى " . إنها نموذج مسخ لأنها تفتقد إلى  روح الحرية التي كانت تعيشها أثينا وكانت ديموقراطية أثينا بمنأىعن السفلة والأوباش . كما أن ديمقراطية أثينا المباشرة لم يكن على رأسها ( خنفشاري ) يقول كما قال فرعون  " مآ أريكم إلا مآ أرى ومآ أهديكم إلا سبيل الرشاد " يريد أن يوصل سناها على طائر مزركش إلى بقاع العالم جميعاً .  لقد كان أفلاطون يمقت السوفسطائين ولكن لا يقدر عليهم ، لما لهم من نفوذ على سواد الناس .  ولما هزمت أثينا( Athenai ) عسكرياً ولم تغن ديموقراطيتها عنها شي وولت مدبرة في حين أن  سبارطه ( Sparta ) المستبدة لم تهزم أبداً ، مما أدخل في نفس حكيم الدهر  الإعجاب بنظام سبارطه العسكري الصارم ، المهم ، عند أفلاطون : أن لا نغزى في عقر دارنا ، تماماً كما يعتقد غالبية أبناء الأمة في كل زمان ومكان . هذه النظرة إذا فسرت وطبقت سلبياً فتعني تبرير كل استبداد وقهر-  اتقاء الفتنة أو استباحة البلاد والعباد من أجنبي غازي ، أما إذا فسرت إيجاباً فتعني أنه إذا أحاطت بالبلاد المخاطر فتصبح إقامة الجبهة الوطنية ضرورة مصيره  . لقد اجتمعت لأفلاطون بعد هزيمة أثينا النكراء  وكره السوفسطائية وديمقراطيتها  ، وحب الانتقام للهزيمة المرة التي حلت بالبلاد ، وإعجاب يصل إلى حد الفتنة بصرامة النظام الاستبدادي ا لعسكري لسبارطه .  من هذه الخلفية الموضوعية نستطيع أن نفهم الجهد الفلسفي المضني الذي تجسد في الأوتوبيا ( Utopie )

الأوتوبيا حسب رأي ، برتراند رسل ( Bertrand Russell ) ، لا تعدوا عن دولة سبارطه المستبدة يقودها  الفيلسوف الملك أو الملك الفيلسوف الذي ينحدر من العائلة الحاكمة ، ليكون له العزوة التي لا بد منها لإمضاء الأمر ، ثم يلقن الفلسفة والحكمة ويدرب عليها .  لقد كانت الصياغة والسبك الفلسفي من الروعة ما جعلها يتيمة الدهور وليس الدهر وحده ، وفتنة السامعين والقراء، . الأوتوبيا : ومعناها الجمع بين النموذج والمثال . إلا أنها  تعني بالإغريقية حرفياً ( اللا مكان ) لأنها مركبة من كلمتين أو ( Ou ) وتعني " لا "  وتوبوس ( Topos ) وتعني " المكان "  . ما يهمنا هو الأبعاد الفلسفية والمعرفية لهذا التصور الذي جعل منها إنجيل الفلسفة السياسة عند المفكرين الغربيين . ومن المفارقات الغريبة أن  الأوتوبيا لم تستهوي  الفلاسفة المسلمين من أهل السنة والجماعة وكانت قراة الفارابي لفلسفة افلاطون الأوسع والأشمل في العصر الوسيط ، ومع ذلك بقي أثرها محدود عند بعض أهل النحل والبدع والفرق الضالة  ، إلا أنه بعد دخول الفكر القومي ، وفلسفة الدولة القومية ، والفكر الماركسي ، و رومانسية البرامج السياسية القومية والاشتراكية ، كان لبعض المفكرين العرب مداعبات طفوليه طوبائية  كالتي نراها في الكتاب الأخضر بعد أن عصفت بصاحبه جنون العظمة . المحاكاة التي تستحق الذكر للأوتوبيا جاءت من الخميني  في الفتوى التي يمكن اعتبارها  صلب التجديد عند الإمام الخميني وهي (ولاية الفقيه ) التي أخرجت الفقه السياسي الشيعي من الاسطورة إلى المضارعة .  وللحقيقة يقال أن الآباء الكنسيون فتنوا بالأفلاطونية والمنطق الأرسططاليسي  لدرجة أعتبرها البعض أنها من نعم الله لإصلاح ما أنعم الله على عباده وهي الدولة الرومانية . وصحيح أيضاً أن الآباء  الكنسيون الأوائل كانوا يقولون بما ورد عن السيد المسيح " دع ما لقيصر لقيصر وما لله لله " ولكن لم تردع هذه الوصية الكثير منهم من محاولات التأثير والتأثر بالسلطة  ، بقصد إصلاح الدولة الرومانية القاسية والتي تفتقد أبسط معطيات السماحة والرحمة المسيحية ، وكان وسيلتهم إلى ذلك الأفلاطونية والمنطق الأرسططاليسي ، الذي تحول فيما بعد إلى "الشولاستك " ( Scholastik ) ، أي علم الكلام ؛ ثم شمل اللاهوت بأسره . وقد أشار أوغستين (Augustinus ) في وقت مبكر ، أي في مطلع القرن الخامس ، إلى خطورة المشاركة في شأن السلطة الرمانية التي كانت تسفك الدماء وتستحي النساء وتستعبد الرجال والنساء والولدان . ونادى بمملكة الرب ( civitas Dei ) التي لا تقبل الانسجام مع مملكة الأرض ( civitas terrena ). ومع ذلك كانت صيحته متأخرة ، ولعل  الآباء  الكنسيين ومعهم قنسطنطين ( Konstantin ) ظنوا أن الدين الجديد والسلطة الرومانية وعاصمتها القسطنطينية ( Konstantinopel ) التي بناها قنسطنطين نفسه  عام 330م هي ( أوتوبيا ) أفلاطون ، ولعل قنسطنطين ظن نفسه أنه ذلك الملك الفيلسوف الذي كان يسعى إليه أفلاطون بكل كتب المعرفة والحكمة . وقد كادت السلطة أن تهضم المسيحية السمحة لولا قبول الحكماء من رجال الكنيسة بفصلها عن السلطة بقسمة لم تكن ضيزا . ولعلي أسمع همس العلمانين بأذني وهم يتناجون فيما بينهم " ألا يصح للإسلام ما صح للمسيحية ، ونتوقف عن القول ( الإسلام دين ودولة ) ونكتفي بالقول ( الإسلام دين وأمة ) . أقول وعلى الله التوفيق : إن محمد بن عبد الله (ص ) لم يقل " دع ما لقريش لقريش وما لله لله " لم يفهم ذلك منه سواء  أصحابه من المؤمنين أو أعدائه من الكفرة والمنافقين . لقد كانت منذ البداية : دعوة لله وولاية للرسول وحكم بما أنزل الله وتحذير للرسول عن أن يفتن عن بعض ما أنزل الله ، وجهاد بالمال والأنفس . وأني على يقين أن إقامة الخلافة ليس واجب شرعي فحسب بل ضرورة كونية ، وسيكون لي ، بأذن الله ، بحث أو كتاب بهذا المعني في القريب العاجل . هناك من يكابر ويصر على ضرورة الفصل بين الدين ، أي دين ، وبين الدولة ، أي دولة ، لهؤلاء أقول :

سيان عندي إن بّروا وإن فجروا            فليس يجري على أمثالهم قلم

 وسأكتفي بهذا القدر لأعود من جديد إلى الموضوع الأساس : 

لم يكن الطريق المعرفي والفلسفي الأفلاطوني بدون مخاطر أو مزالق . فعندما ندرس النظم الدكتاتورية والشمولية سواء منها القومية أو الاشتراكية وحتى الإسلامية نجد  نزعة تربوية عسكرية  ترمي  إلى إعادة صياغة الإنسان وفق المعايير الفكرية والمعرفية التي نضجها المطبخ الفكري للحزب أو الدولة أو كليهما معاً . وهي نزعة فلسفية أصيلة في كل تطلع نحو الأوتوبيا ،  هذه النزعة قد تكون فظة غليظة ، كما في الحقبة الستالينية أو النازية أو الماوية ( الثورة الثقافية ) أو البولبوتيه في كمبوديا ، أو قد تكون أقل عنفاً كما في الحقبة  البورقيبية أو المكارثية ، وفي جميع الحالات  لا بد وأن تعصف بالحرية بكل مفرداتها وتمهد لعملية مسخ فطرة الإنسان نفسه . من  اللأوتوبيا انطلقت أديولوجية  التبرير الفلسفي للنظم الدكتاتورية والشمولية ،  نازية كانت أم شيوعية . والجملة الشهيرة التي نسمعها من المبررين " الخطأ في التطبيق وليس في النظرية " . قد يمل القارئ ويسأل لم هذا الاستطراد وماذا تريد بهذا مثلاً ؟ أقول : آمل أني تمكنت من تحديد مواصفات المذهب السوفسطائي وقدمت تقيم يضارع الحقيقة في الأوتوبيا ، لأن العولمة كما نظّر لها وكما يبدو لنا من خلال التطبيق هي سيفاد السوفسطائية بالأوتوبيا.ولهذا فستكون ثمرة ذلك السفاد عقم في السياسة وعقم في الاقتصاد وفوق كل هذا وذاك عقم في الفكر والأدب والفن والمشاعر .                             

 السؤال : أين تأثير السوفسطائية على الهيمنة الصهيوأمريكية أو العولمة  ؟  أقول في المجالات الأربعة  الفكرية والإعلامية والسياسة والاقتصادية ، ومن حيث المكان الجهات الأربعة . سأحاول باختصار شديد أن أقدم بعض الأمثلة على ذلك .

في المجال الفكري : في مطلع هذا العام نشرت جريدة  " دي تزايت " ( die Zeit ) الإسبوعية مقالاً للمستشار الألماني الأسبق هلموت  شميت ( H.Schmidt ) وهو الذي تجاوز الثمانين وما يزال يمارس العمل الصحافي ويعمل في أسرة تحرير الصحيفة آنفة الذكر . لقد ذكر عشرات الأسماء ، بدأً من هنتنونج وانتهاءً بفولفوفتس وتسائل هل عقمت الإنسانية أن تنجب مفكرين إلا من هذا النوع وهل أصبح الفكر حكراً على هؤلاء القوم  ؟ حتى شميت الإشتراكي الديمقراطي والذي ينحدر من جدة يهودية أصبح يضيق ذرعاً بهذا اللفيف المتعجرف من الصهاينة الذين انحدروا من المدرسة الصهيونية السوفسطائية الذي نظّر لها (ليو شتراوس ) وقادها كيسنجر وأعوانه في الإدارة الأمريكية إلى أخطر مراكز القرار السياسي والمالي والعسكري والفكري ، إنها المدرسة التي أنطلق منها المنظرون لكل شأن من شؤون ا لأمن والاستراتجية  في الحرب والسلم ، هم الخبراء :

في طباع الأمم والشعوب ، وهم رجال الدبلوماسية للمهام الصعبة جداً ،  وهم أيضاً الوجوه الكريهة " والخبيرة " التي تطل علينا من شاشة التلفزيون لتدلي برأيها في أدق شؤون الكون ، من التصوف في الإسلام إلى حرب الدمار الشامل عند صدام .   أنها هيمنة الأقلية ، التي هي أعلى مراحل الديموقراطية والحداثة - بدءً من الهيمنة الفكرية وحتى رغيف الخبز .

أما في بيان أثر السوفسطائية في مجال الإعلام فسوف أوضحه أيضاً بمثال : في عام 1994 عقدت ندوة لبعض رجال الفكر وخبراء الإعلام في جامعة بوخوم (Bochum  ( الألمانية . وقد عرض أحد الخبراء دراسة للمادة الإعلامية التي عرضتها أهم الصحف الأوربية والأمريكية ، وعنها تأخذ الأجهزة الإعلامية المسموعة والمرئية ، للأحداث التي تلت إلغاء المسيرة الديمقراطية في الجزائر . لقد وصل الدارسون لهذه المادة الإعلامية ، وهم من معهد الدراسات الشرقية في هامبورغ ( Hamburg ) ، أن 85% مما نشر في وسائل الإعلام في هذه الحقبة كان إما موضوع ، أي كذب لا أساس له من الصحة ، أو تلفيق يسند إلى شذّر من الحقيقة  ، أو تزيف لواقعة وقعت . ولما كان معظم  الحضور من أهل الاختصاص فلم أرى الاشمئزاز على وجوههم ، ولكن لما كان نذر يسير من أهل الصدق ممن كان حضوراً . بدأ التساؤل والتبرم من " الإعلام الغربي " المحايد " .  وبدأ التبرير والتفسير والتأويل  .  فكان التبرير يبدأ بالقول:  بنقص الخبرة والدراية ، والتفسير يقول : بسوء النية ونظرية المؤامرة مروراً بمقولة " كل يغني موال من أنعم عليه " إلا أن شيخ التأويل كان عميد كلية الإعلام ، المعروف بسوفسطائيته ، والذي  جاء الحضورَ بسر الصنعة  فقال : بعد أن سفه أحلام من قبله من المبررين والمفسرين  " إن رجل الإعلام هو منتج لسلع مثله مثل أي منتج آخر للسلع ، وعليه أن يبحث عن سوق لتسويق سلعته ، فلو كان الإعلامي مجرد ناقل للوقائع أو أميناً للحقيقة المعقولة أو المحسوسة لما كان لسلعته رواجاً البتة ، فالعلة في المشتري وليس في المنتج. المستهلك هو الذي يحدد نوع البضاعة التي يجب أن تنتج . ألا ترون أن العمال والمستخدمين والإداريين على حد سواء في أوبل أو فولكس فاكن أو أي معمل آخر يقفون طابوراً ، وحتى في أشد الأيام برودة وقسوة ، أمام بائعي الصحف الصفراء الفظة والتي تعج بالأكاذيب والفضائح ليشتري صحيفته التي اعتاد قراءتها منذ نهاية الحرب العالمية الثانية ، وأزعم أنه لا يريد قراءة غيرها ، تماماً كما هو الحال مع زجاجة البيرة المفضلة لديه . لقد كان بفلوف محقاً في بعض ما ذهب إليه " . أن الحدث الإعلامي ليس عين الحقيقة ، ولكن أفضل بديل عن الحقيقة إذا أحسن صنعه وتصنيعه . هذا ما ذهب إلية ، في تبرير صناعة الكذب ، عميد كلية الإعلام . لقد جعلوا رزقهم أنهم يكذبون ، ويفترون على الله الكذب ، وفيهم سمّاعون للكذب وبه يتأولون . آمل أن فتح الله علّي بهذا المثل توضيح سلعة السوفسطائين في مادة الإعلام .
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75802
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

فلسفة العولمة ! ؟... رجس من عمل الشيطان Empty
مُساهمةموضوع: رد: فلسفة العولمة ! ؟... رجس من عمل الشيطان   فلسفة العولمة ! ؟... رجس من عمل الشيطان Emptyالإثنين 18 أبريل 2016, 8:30 am

فلسفة العولمة ! ؟... رجس من عمل الشيطان

الجزء الثاني

بقلم عبد الحميد حاج خضر الحسيني

أما أثر السوفسطائية في الاقتصاد والمال والأعمال فأمر عجيب . أريد أن أذكر أولاً بمقولة من كتاب (هنري فورد ) " أن معظم المصطلحات البنكية هي من صنع العقلية اليهودية " واليوم ونحن في عهد العوّلمة نتعامل مع مصطلحات جمة تبدو جديدة وبديهية المعنى والمضمون ، والأمر ليس كذلك ، ولنأخذ المصطلح الذي يقول " أن رأس المال الريعي أو الموردي لم يعد له قيمة  في عصر العوّلمة وأصبحت القيمة  ( لرأس المال المعرفي ) أو باختصار ،المعرفة بدل الكنز أو العقار أو الأرض . هذا المصطلح يدغدغ مشاعر الذين يعتقدون أنهم على قدر من العلم والمعرفة والدراية أو هم على الطريق الموصل إليها . المربون والأباء والذين لديهم حرص على مستقبل الأجيال ربما يرددون ، عند سماع هذا التعريف ، مقالة أرخميدس " لقد وجدتها " . لقد سمعت الأستاذ ( محمود جبريل ) يتنغم بهذا المصطلح في قناة الجزيرة في برنامج بلا حدود الذي يديره الأستاذ أحمد منصور . داعياً إلى اكتساب وتعميق المعرفة ، لنتمكن من الوقوف على أقدامنا أمام تحديات العولمة . قال ( ص ) " سدد وقارب "  فمعرفة الصواب مقدم على الجهد والجهاد بل معرفة الصواب هو سنام الجهاد وبالتالي سنام الدين . من هذا المنطلق أضع مصطلح ( رأس المال المعرفي ) تحت المجهر الفكري والمعرفي . آدم  سمث (Adam Smith ) قال : إن قانون العرض والطب هو الذي يحدد قيمة السلعة ، وعليه فإن رأس المال تحدد قيمته وأهميته حسب آلية السوق والمنافسة ، والجملة الشهيرة في هذا المجال " ليس المهم أن تملك بيتاً جميلاً المهم أن يكون بيتك الأجمل " سمث كان ينظر لحرية السوق والغزو الاستعماري البغيض المرافق له أمر طبيعي ، وأنه لا غضاضة البتة أن تخوض حربا أو حروباً من أجل حرية السوق ، ولكن ماركس كان فذاً وحصيفاً في رده على آدم سمث عندما برهن في كراس صغير كان الاشتراكيون والشيوعيون يوزعونه على الكوادر النقابية بل ويتدارسونه معهم  ، لصقل المعرفة العمالية ولشحذ الهمة من أجل الصراع الطبقي " المحتوم " . ومن عنوان الكراس " الأجر القيمة الربح " كان يفهم ما يراد . قيمة السلعة لا يحددها سوفسطائية سوق آدم سمث وإنما الأجر + فضل القيمة ، أي الربح الذي يجنيه صاحب المعمل .وذهب إلى القول أن العمل هو سلعة بل العامل نفسه سلعة ، ولكن قيمة هذه السلعة  هي الأجر دون فضل القيمة ، ولهذا لم يحلو لماركس الحديث عن الرأسمال الريعي في مجتمع اشتراكي ، كما لم يجد الماركسيون قانون للإرث ينسجم مع النظرية التي يتبنونها ، ومع ذلك وبعد سقوط الاتحاد السوفيتي هرب" الرفاق "بألف مليارد دولار إلى أرض "العدو" القديم . إن هذه النظرة إلى القيمة وراس المال كان التبرير اللازم والكافي لاغتصاب السلطة وإقامة النظم الشمولية المميتة . إن التعريف العولمي لرأس المال بأنه " معرفي " مقولة  لا تستند إلى  محسوس أو معقول .رأس المال هو ذلك الكم الحسابي لقيمة السلع المتراكمة مقيمة إلى سلعة أو سلع أساسية أو استراتيجية ضمن منظومة اجتماعية  وقيمية ذات صلة بموازين القوى المحسوسة والمعقولة . ففي قصة قارون الذي كان من قوم موسى يقول تعالى في سورة القصص " إن قارون كان من قوم موسى فبغى عليه وأتيناه من الكنوز ما إن مفاتحه لتنؤ بالعصبة أولي القوة إذ قال له قومه لا تفرح إن الله لا يحب الفرحين . وابتغ فيما اتاك الله الدار الآخرة ولا تنسى نصيبك من الدنيا وأحسن كما أحسن الله إليك ولا تبغ الفساد في الأرض إن الله لا يحب المفسدين . قال إنما أوتيته على علم عندي أولم يعلم أن الله قد أهلك من قبله من القرون من هو أشد منه قوة وأكثر جمعا ولا يسأل عن ذنوبهم المجرمون .  " ومرة أخرى وفي سورة الزمر ينهانا القرآن من ادعاء أن ما يصيب الإنسان من نعمة أو ثروة يرجع إلى مبلغ العلم الذي وصل إليه يقول تعالى " فإذا مس الإنسان ضر دعانا ثم إذا خوّلناه نعمة منا قال إنما أوتيته على علم ، بل هي فتنة ولكن أكثرهم لا يعلمون " . ويذهب القرآن إلي طمأنة الناس الذين يصرون على الاستقامة ويتمسكون بأهداب الفضلة أن لا سبيل للفاقة والعوز عليهم .

يقول تعالى في سورة الأعراف الآية 95 " ولو أن أهل القرى أمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض ولكن كذبوا فأخذناهم بما كانوا يكسبون . " ولا تناقض البتة بين ما أوردناه سابقاً وتقرير القرآن في سورة النجم  " وأن ليس للإنسان إلا ما سعى . وأن سعيه سوف يرى . "  فالسعي يجب أن يكون متكاملاً ومتوازناً لتتم النعمة ، بإذن الله .  الإسلام يقرر الإرث بل ويدعوا للمحافظة عليه ويشرع أحكام  ونظم للإرث .  في سورة الكف قصة الخضر  ، الذي يقيم جدار كاد أن يتداعى ، وبدن أجر ، وبلغة القرآن " لو شئت لتخذت عليه أجرا " فجاءت الإجابة  " وأما الجدار فكان لغلامين يتيمين في المدينة وكان تحته كنز لهما وكان أبوهما صالحاً فأراد ربك أن يبلغا أشدهما ويستخرجا كنزهما رحمة من ربك " وفي نفس السورة ونفس الصفحة من المصحف يخبرنا القرآن ، أن الخضر ، عليه السلام ، قام بخرق سفينة لتصبح غير صالحة للملاحة فأجاب : وبلغة القرآن المجيد " أما السفينة فكانت لمساكين يعملون في البحر فأردت أن أعيبها وكان وراءهم ملك يأخذ كل سفينة غصباً . "

إن الخطورة التي تحملها  النظرة الفلسفية لمفهوم  "رأس المال المعرفي " ليس جديدة فقد قام الاستعمار على قدم وساق على تبرير مشابه لذلك ، حيث أعتبر استعمار الأمم والشعوب( عب الرجل الأبيض )، الرجل الأبيض الذي أكتشف القوة في الآلة البخارية وغيرها من المخترعات العلمية ما يخوله لغزو الدول الضعيفة وينهب ثروتها ويستبيح أرضها وكأنه حق له . إن العولمه بهذه المفاهيم تبرر سياسة الإكراه والنهب والسلب التي تمارسها مؤسسات العولمة للأمم والدول  ، كما يمهد لاستباحة ثروات الشعوب بحجة أن الدول المتقدمة التي تملك التقنيات والمعارف الضرورية التي تجعل من مادة تبدو خسيسة إلى مادة نافعة مفيدة ومصدر من مصادر الثروة والغناء ،  وبكلمة أخرى يجعلون كل مصادر الثروة بما في ذلك الإنسان نفسه كلأً مباحاً لأصحاب المعرفة . ولو افترضنا أن لديهم بعض الحق في دعواهم ، الا أن التطبيق الظالم " لبعض هذا الحق " هو أس المعاناة التي  تعاني منها الأمم والشعوب والإنسان  هو أسوء أنواع التعسف في استعمال الحق .

العولمة تعني لشعوب الدول الصناعية الغنية : إنهاء أو تحجيم آليات دولة الرعاية الاجتماعية ، كإيقاف العمل بالمعاهدات الجمعية النقابية ، وجعل عقود العمل عقود إكراه فردية ، وفرض أداء معيناً للعمل يستعبد الإنسان نفسه بنفسه ، ويستعبد العمال بعضهم بعضاً لمصلحة رأس المال . هذا يعني بالضرورة ، تهميش المؤسسات الديموقراطية والنقابية وكل مؤسسات المجتمع المدني ، التي يتخذ المدافعون عن العولمة عدم وجودها في الأنظمة الشمولية سبة وعورة في تلك الأنظمة . العولمة تنادي بالفردية ، ولكن الفرد هو العبد والسيد بآن واحد ، مما يفجر أمرض وعاهات نفسية لا حصر لها .

أما إنسان العالم الثالث فهو ، بكل بساطة ، للزرع والصنع للأسياد الذين يفرضهم صندوق النقد الدولي أو البنك الدولي ، كملوك أو رؤساء ، ومهمتهم الأولى جمع " فضل القيمة " وتحويلها إلى البنوك الدولية لتعيد توزيعها من جديد بشكل قروض واستثمارات وفق آليات الهيمنة ، وعبر أقنية الشركات والبنوك العابرة للقارات العولمة ترفض مجتمع الدولة كما ترفض مجتمع المواطنة دون أن تلزم نفسها بتقديم البديل . العولميون لا يقبلون بالديموقراطية المقررة وإنما فقط بديموقراطية التبرير .  القرار يتخذ وفق آلية الهينة حيث  توضع المؤسسات الديموقراطية أمام الأمر الواقع وعليها مهمة تبرير ذلك . لنعود بالذاكرة قليلاً إلى الوراء ، عندما كان الشعار المرفوع على امتداد العالم ( الخصخصة ) ، طبعا لا زال الشعار مرفوعاً ولكن بصوت منخفض ، مؤسسات وشركات أو حصص في شركات وبنوك بل عقارات شاسعة واسعة كانت تباع للقطاع الخاص  بأسعار تكاد تكون رمزية ، دون أن يكون للمؤسسات الديقراطية أو البرلمان رأي مسموع أو مطاع ، من كان على رأس السلطة التنفيذية  كان البائع والسمسار بآن واحد ، ولا مانع أن يكون مخموراً على شاكلة يلسين   . أما المشتري فحدث ولا حرج ، ولكن من يجيد الألمانية وتاريخ الاسم العائلي الذي عرفته الدولة القومية ،  يعرف تقريباً من المشتري ومن البائع ومن السمسار . ألا يحق لنا أن نتسأل : من هم أصحاب المصلحة في تلكم الهجمة البغيضة على المال العام ، وتهمش المؤسسات الديقراطية ،والدستورية ، والقضائية ، ومعها الطبقة السياسة في كل دول العالم تقريباً . لقد شبهت إنهيار جدار برلين  ، بعد سنة من ذلك  الإنهيار ، بانهيار سد مأرب ، ليس أسفاً وحزناً على تلكم الأنظمة الشمولية البغيضة ، ولكن للعواقب الوخيمة التي سببها وسيسبها ذلك الانهيار . لقد أخذت الخصخصة طريقها إلى أخص خصوصيات الدولة القومية وأعني الجيش والمؤسسات القمعية و "الأمنية" . بعد "تحرير" زائير ، هكذا كان اسم الكنغو قبل زحف ( كبيلا ) وابنه إلى السلطة ، قامت شركات استخراج الماس والذهب بإنشاء قواتها المسلحة الخاصة ومؤسساتها القمعية ، وهكذا نجد عدد من الجيوش وعدد من قوات الأمن في الدولة الواحدة . إن خصخصة الجيش والأمن في العراق ، بعد احتلاله من قبل قوى التحالف الأمريكي الصهيوني ، من المواضيع التي تنضج على نار هادئة في المخبر الصهيوني .وعندما تتم الخصخصة وتتنوع أجهزة القمع ، لا مانع من رفع الراية الحمراء للحزب الشيوعي العراقي مكتوب عليها " وطن حر وشعب سعيد .

العولمة لم تكن نتيجة للتطور العلمي والتقني الذي عرفته الإنسانية منذ العقود الأربعة الماضية ، الذي بدأت معالمه تبرز بعد النصف الثاني من السبعينات من القرن المنصرم ، بدخول الكمبيوتر في عالم الضبط والربط ( الإدارة والتنظيم )  والروبوته والبنويماتك في عالم الأنتاج . العولمة ، فكراً وفلسفة ،  بدأ ت قبل عشر سنوات من استخدام الكمبيوتر  في المجالات المدنية ، وذلك بعد المحاضرة التي ألقاه الفليسوف الصهيوني ليو شتراس بعد حرب الأيام الستة عام 1967 ، أمام قادة الصهاينة ومن والاهم من الصليبين الجدد ، وإن شئت سمهم المحافظين الجدد . أعلن شتراوس دخول  الصهيونية مرحلة العالمية ، لأن الفكر القومي التقليدي والدولة القومية لم تعد تفيان  بمتطابات الهيمنة للمرحلة القادمة . كانت الضروف العالمية آنذك لا توحي بإمكانيات الهيمة على العالم  من قبل الولايات المتحدة الأمريكية  أوحتى مع معسكر الناتو . أما الانفراد بالهيمنة من قبل الولابات المتحدة فقد ضرباً من المبالغة غير المقبولة  . أمريكا تغوص بأوحال فيتنام حتي ما فوق السرة ، الولايات المتحدة مثقلة بالديون لأوربا ، حتى أن الجنرال ديغول كان يطالب بتعامل تجاري على أساس الذهب بدلاً من الدولار ، المجتمع الأوربي والأمريكي يصاب بصدمة تجعل أبناء النخب ينشدون الخلاص بالمخدرات والإباحية الجنسية . في هذه الضروف جاء الإنتصار الإسرائيلى على الحكومات الشمولية الثورية والعنجهية العربية الكاذبة ، فكان الصهاينة ليس في وسط الحدث السياسي فحسب بل المنقذ للأمريكا من الورطة . لم يكن الصهاينة من النوع المتواضع ،  بل استثمروا هذا الحدث أيما استثمار . على كل دول الغرب وخاصة المانيا أن تمول "بسخاء " المشرع الصهيوني ليس لبناء الوطن القومي لليهود ، حسب أطروحة هيرتزل ، وإنما الهيمنة الصهيونية حسب تصور ليو شتراوس .

ليو شتراوس : ولد في كيرخهاين في مقاطعة هيسن / ألمانيا  في 20. 9 1899 ، دخل المرسة الثانوية في مدينة ماربورج عام 1912 . وفي سن السادس عشر كان مولعاً بقرأة نيتشه ( F. Nietzche )  وشوبنهاور ( A. Schopenhauer ) ، كان حلم طفولته أن يدرس فلاطون ويكون رابين أي حاخام  وعندما بلغ 17 اعتنق الصهيونية  ، وفي عام 1917 بدأ دراسته الجامعية . في ذلك الوقت كانت الجامعات الألمانية تتمتع بحرية علمية منقطعة النظير ، مكنت شتراوس من تنويع معارفه العلمية وخاصة في الرياضات والفيزياء كما أن إيمانه بالصهيونية وحماسه منقطع النظير لها سمح له بلقاءات متنوعة وغنية بالمعرفة الفلسفية الضرورية للدفاع عن وجهة نظره . ولكن شتراوس  يقول عن نفسة : " أني مابين 22- 30 من عمري كنت أعيش تحت تأثيرات  نيتشه الساحرة ، وأظن أني فهمت كل كلمة قالها نيتشه " . يبدو لي أن ،  الحركة الصهونبة ، وكذلك الحركة القومية الألمانية ، وبعدها النازية ، كانت مفتونة جداً بعنصرية وسوفسطائية نيتشه . يبدو أن رومنسية فيخه ( Fichte ( لم تكن كافية للعنصرين من الصهاينة والنازين . في 17. 12 1921 تقدم للفحص الشفوي للحصول على لقب دكتور في الفلسفة ، وحصل على الدكتوراه عام 1922 . درس شتراوس على يد يوليوس  إبنجهاوس ( Julius Ebbinghaus ) النظم الإجتماعية لعصري النهضة والتنوير حيث سمع لأول مرة بالفليسوف الإنكليزي توماس هوبز ( Thomas Hobbes   (  } و 1588- ت 1679{  الذي قال عنه أنه كان يمور بالحيوية ولكن فيه صلافة  التبسيط . لعها الصهيونية المبكر ة  عند شتراوس هي الدافع الأقوي للتتلمذ ومتابعة أشهر الفلاسفة المعاصرين ، فنجده عند مارتين هايدجر( Martin Heidegger )   ( و26  .9 . 1889 – ت 26 .3 . 1976 ) ، الفليسوف المنظر للنازية والذي كان يصيغ فكره بلغة تمتاز بالتعقيد الشديد . شتراوس كان شديد الإعجاب به لدرجة دفعته للقول :  أن ماكس فيبر ( Max Weber (، ( و 21 .4 .1826 ت 14 . 6 . 1920 ) ، يعتبر طفل يتم بالمقارنة بهايدجر ،  ويضيف ، لقد بدأت أفهم الغيبيات ( المتافيزيك ) عند أرسطو عندما سمعت قرأة هايدجر لميتافيزيك أرسطو . لقد كان للرجل دراسات واسعة للتارخ شأنه شأن من عاصره من مثقفي ألمانيا حيث كان المثقف وفق الأعراف الجرمانية : من كان يمسك بناصية اللغة والتاريخ والفلسفة . وخلال العشرينات كان شتراوس كثير اللقاء بقائد الحركة الصهونية  فلاديمر يابوتينسكي( Vladimir Jabotinsky   ) ( و 1880 – ت 1940 ) أبرز قادة التصحيح المتطرفين ، كما واظب على حلقات المدارسة التي كان يعقدها الفليسوف فرنس روزنتسفايج ( Franz Rosenzweig  ) في بيت المعهد اليهودي الحر  ، روزنتسفايج الذي بدأ حياته الفلسفية كيهودي صهيوني متزمت ، ولكن بعد مشاركته في الحرب الأولى كمتطوع في قسم الاسعاف ، عاد إلى وطنه المانيا  ينشد الحوار مع الآخر ، مع  المسيحي ،  ويبدو أنه ذهب بعيدأً في طلب التواؤم والمهادنة . لعل مآسي الحرب التي عاشها في البلقان حيث أدى واجبه الميداني كرجل اسعاف رفعت عن بصره وبصيرته غطاء الاديولوجية الصهيونية . إن ليو شتراوش كان أقل قدراً وشأناً  من فرانس روزنتسفاج ، ولعله تعلم فقط كيف يوظف الحقد الصليبي ضد المسلمين عند بعض النصارى ؟ يبدو لنا أن شتراوس كان حريصاً على كسب المعلومة الفلسفية أو السياسية من مصدرها الأول ولهذا شد الرحال إلى كل من توسّم فيهم بضاعة العلم والمعرفة ، ولكن بشكل انتقائي موجهه ببوصلة الاديولوجية الصهيونية . ومع أنه  يهموني مقولة القائل أكثر من القائل نفسه ، إلا أن هناك نقاط في سيرة الرجل يجب الإشارة إليها علّها تلقي مزيد من الضوء على العلاقة المريبة بين الصهيونية السياسية والنازية السياسية التي أشار إليها الأستاذ عبد الوهاب المسيري وآخرين ممن أهتم بدراسة هذه العلاقة . لقد كان هناك تعاطف فلسفي  واضح بين ممثلي الفكر النازي والفكر الصهيوني ، شتراوس من جهة وكارل  شميت ( Carl schmitt ) وهايديجر من جهة أخرى . شتراوس كان معروفاً في الأوساط العلمية والثقافية وحتى الأوساط السياسية ، دولة وأحزاب ، بأنه كادر غير عادي في الحركة الصهيونية , وكارل شمت رجل الفلسفة والقانون الذي وضع اللمسات الأخيرة على قوانين التفويض التى جعلت من هتلر الدكتاتور والسلطة المطلقة ، ومع هذا كان شمت يتوسط بما لديه من نفوذ ليحصل على منحة دراسية من مؤسسة روكفلر ( Rockefeller ) لطالبه "النجيب " شتراوس الى باريس عام 1932 ثم إلى انكلترا  لدراسة الفلسفة الاسلامية واليهودية في العصور الوسطى . قبل رحلته إلى الولايات المتحد الأمريكية التي مرت عبر المملكة المتحدة أصدر ثلاث كتب باللغة الألمانية . ففي عام 1930 إصدر "  كتاب سبنوثا  ونقد العقيد أو الدين " ( Spinoza,s Critique of Religion ) وفي عام 1935 اصدر كتاب الفلسفة والتشرع ( Philosophie und Gesetz  ) ، وفي عام 1936 أصدر كتاب فلسفة السياسة عن هوبز ( The Political Philosophy of Hobbes  ) . علق كارل شمت على بحث قدمه شتراوس قائلاً " إن الوحيد الذي أدرك العلاقة بين هوبز المادي و سبينوثا هو ذلك الشاب اليهودي شتراوس " في الحقيقة لم أجد أي علاقة عقلانية حميمة بين هوبز وسبينوثا . سبنوثا كان متأثراً بالفلاسفة المسلمين إلى حد بعيد جداً . أما قرأة رسل للموضوع نفسه  فقال : "لا شتراوس ولا غوته ولا كارل شميت استطاعوا فهم سبينو ثا " . وأستطيع القول بثقة أن أصحاب الاديولوجيات السياسية أعجز خلق الله أنساناً في فهم ، المحسوس والمعقول والمنقول ، لأنهم سوفسطائين يبحثون عن الحجة وليس عن اليقين . في عام 1938 وصل شتراوس إلى العالم الجديد ، طبعاً لم يعد جديداً ولا بكراً ، فقد أصبح مرتعاً للطير من كل جنس .  الصفقة بين اللبرالية الأمريكية والصهيونية العالمية أصبحت واقع محسوس . لقد هجرت العقول اليهودية والصهيونية العالم القديم ، من ألمانيا ، بولندا ، المجر  ، التشيك...... الخ ، واستقرت في المعاهد والجامعات ومراكز البحوث العلمية الحساسة ، وخاصة المتعلقة ببحوث الذرية وصناعة القنبلة الذرية ، " لقد جاءت الصهيونية إلى أمريكا وهي تحمل معها القنبلة الذرية " كما قال أحد علماء الذرة . تفرغ شتراوس إلى صناعة الإديولوجية ، وذلك  قبل حصوله على الجنسية الامريكية ، فقد كان الرجل بين صحبه وأهله ممن يشاركونه الفكر والمعتقد . وكما يقول المثل من شب على شيء شاب عليه ، لقد بنى شتراوس كيانه  الفلسفي والعلمي ، ليس بجهده ونبوغه فقط ، فقد كان أقل من المتوسط مقارنة بزملائه من غير الصهاينة ، ولكن بواسطة الشبكة العنكبوتية الحميمة التي حرص على نسج خيوطها منذ كان في ألمانيا . في عام 1944 حصل شتراوس على لقب الأستاذية ( بروفسور ) في العلوم السياسة والفلسفة ويقال أنه أنهى كتابة " الاضطهاد وفن الكتابة " ( Persecution and the Art of Writing ) ما بين 1941 – 1948 ولكن الكتاب نشر لأول مرة عام  1952 ، ولكن من الثابت أن شتراوس قام بنشر كتابه ( On Tyranny )  " الاستبداد " عام 1948 . في ربيع نفس العام أصبح كرسي العلوم السياسية في جامعة شيكاغو ، أحد قلاع المحافطين الفكرية ، شاغراً . مما دعى " معارف وأصدقاء شتراوس  "  يسارعون إلى طرح أسمه كمرشح لهذا المنصب العلمي السياسي المؤثر في صناعة القرار . في صيف نفس العام كان هانس مورجنتاو ( Hans Morganthau ) رئيساً للقسم . من هو هانس مورجنتاو ؟ هو أحد المستشارين ( مارشال ، مورجنتاو ) = ( G. Marshall , H. Morganthau ) للرئيس الأمريكي ترومان ( Truman  ) خلال وبعد الحرب الثانية . مورجنتاو كان على النقيض من مارشال في قضيتين الأولى : ماذا نفعل بألمانيا المهزومة ؟ مورجنتاو الصهيوني  رأى على ترومان أن تحول المانيا ذات التاريخ الصناعي العريق إلى حقول لزراعة البطاطا حتى لا تقوم للألمان قائمة بعد الآن  . ولم يأخذ ترومان برأيه بل أخذ بمشورة مارشال الكاثوليكي ، أن يعاد بناء ألمانيا الصناعية لتكون سد في وجه الاتحاد السوفيتي . القضية الثانية كانت فلسطين . مارشل حذر بشدة من خطر قيام دولة إسرائيل ونصح بإقناع اليهود بالعدول عن فكرة الدولة القومية لليهود ، أما مورجنتاو فقد كان متحمساً لقيام دولة إسرائيل بعنصرية عجيبة . وأخذ الرئيس ترومان برأي مورجنتاو لأنه كان يحمل نفس التوجه الفكري حيال هذه المسألة . موجنتاو يصطحب البرفسور ليو شتراوس إلى مكتب روبرت هوتشين ( Hutchin ( R.ثم يتركهما على انفراد لمدة نصف ساعة لقد فهم السيد ر. هوتشين الرسالة فأصدر قرار بتعين  شتراوس عضو في قسم العلوم السياسية وأستاذ كرسي كامل الصلاحية ، براتب أعلى من أي راتب تقاضاه أستاذ آخر من قبل . العملية قد تذكرنا بمكرمات القائد الضرورة في حالات مشابة .

بقي شتراوس عضو في قسم العلوم السياسية حتى عام 1973 ، ولكن كأستاذ للعلوم السياسية في شيكاغو حتى عام 1968 حيث توقف عن التدريس . في عام 1953 أصدر كتاب " الحق الطبيعي والتاريخ " ( Natural Right and History ) كما عمل  أستاذاً زائراً في جامعة كاليفورنيا وفي نهاية عام 1954 وحتى منتصف عام 1955 ارتضى أن يعمل أستاذاً زائراً في الجامعة العبرية في القدس كمحاضر في العلوم السياسية والفلسفة . في عام 1958 أصدر كتاب " تأملات حول مكيافلي " ( Thoughts on Machiavelli  ) ، وفي    عام 1964 نشر كتابه " الرجل والمدينة " ( The City and Man ) الذي كان بمثابة الضوء الأحمر للمتتبعين لتطور الفكر الفلسفي ، حيث بدأت تبرز شكوك معتبرة حول القيمة العلمية للمناحي الفلسفية للرجل . ولم تكن الشكوك لتأتي فجأة فقد سبق نشر كتاب الرجل والمدينة أن أفصح الرجل عن فكر سياسي يميني متطرف ذا صلة وثيقة بالقرأة الصهونية للتراث اليهودي الذي يرفض قيم الرحمة والعدل من منطق عنصري مخيف ويتخذ من علم الاجتماع وفلسفة الاجتماع ،  التي تقول بنسبية القيم والأحكام ، دريئة لسهامه المفعمة بالتهكم والسخرية ، وكانت تصدر المحاضرات والبحوث الجامعية بشكل كراسات صغيرة وتحت مسميات مختلفة حسب الجهة التي تصدرها والغاية السياسية التي تسعى إليها ، ثم تجمع على شكل كتاب ، ففي عام 1959 صدر كتاب تحت عنوان " ما هي فلسفة السياسة ؟ " (What is Political Philosophy ?  ) وفي خضم التصعيد المقصود ضد مفكرين وفلاسفة الاجتماع الذين كان يتوجس منهم خيفة لميولهم الانسانية والاجتماعية ، خشية أن تقود إلى الاشتراكية . كما سفه منطلقات الرأسمالية الاجتماعية وسياسة السوق المنبثقة عنها واصفاً إياها باللبرالية والحداثة العجوزين . ففي كتابه " تاريخ فلسفة السياسة " ( History of Political Philosophy ) تبرز أفكار الرأسمالية المتوحش بصورة واضحة المعالم ، أعيد نشر الكتاب في عام 1968  . وفي عام 1966 نشر كتابه له بعنوان " سقراط و آريستوفانس " ( Socrates and Aristophanes  ) وهي  قرأة خلط بها الحابل بالنابل ، فقد كان أعجز من أن يفهم سقراط الذي كان ينهل من مشكاة النبوة ، كما قال الشهرستاني ، وكان أسلوبه الذى عرض فيه مقالة سقراط ليحاكي به آريستوفانس ، الكومدي الشاعر والسياسي الناقد ، سبة على الرجلين بآن واحد . ولكن ما عسانا أن نفعل والرجل أستاذ العلوم السياسية في جامعة شيكاغو وفليسوف الصهيونية قاطبة . وفي عام 1968 نشر كتابه  اللبرالية العجوز والحداثة  ( Liberalism Ancient and Modern ) ، وهو عبارة عن مجموعة مقالات ودراسات متفرقة في الغالب يهاجم فيها  الأفكار والفلسفات التي تهدف إلى بناء نظام سياسي اجتماعي متوازن أو مايعرف " بدولة الرعاية الاجتماعية " . لقد كان عدو لدود لعلم الاجتماع ، فهاجم بشراسة مقالة ماكس فيبر ( Max Weber ) ورؤيته للانسان والمجتمع . ففي البحث الذي قدمه بالألمانية ، لعله أراد استفزاز المفكرين الألمان ،  بعنوان " الوقائع والقيم " ( Tatsachen und Werte ) يكتب شتراوس : إن السبب الحقيقي وراء إصرار ماكس فيبر على حيادية علم الاجتماع وفلسفة الاجتماع هو اعتقاده بوجود تناقض أساس بين الكينونة والصيرورة وعدم امكانية وجود معارف تسبر كنه حقيقة الكينونة والصيرورة . لقد استبعد ماكس فيبر امكانية امتلاك الانسان معرفة علمية ،  تجربية أو عقلية  أومنظومة فلسفية تمكنه من الوصول إلى نظام قيمي يأخذ بناصية اليقن فيستحوذ على الحقيقة أو تستحوذ الحقيقة عليه ،  ولكن لم يستبعد فيبر أن توجد نظم قيمية متعددة تهيمن على الواقع الاجتماعي الانساني ، وأن تعارضها أو حتى تصادمها لايمكن حله انطلاقاً من العقلانية الانسانية .

إن علم الاجتماع وكذلك فلسفة الاجتماع لا تستطيع أن تقدم أكثر من تحديد أبعاد التعارض والصراع مع تحديد الآثار الجانبية ممكنة الوقوع ، وحل التعارض والتصادم متروك لمن يعانون من ذلك .  شتراوس يدعي أن ماكس فيبر كان يتجه إلى العدمية ، ولعله كذالك ، حيث يجعل العقل عاجز عن التميز بين الخير والشر بين اللؤم والمرؤة وبين الجد والهزل . نعم لقد كانت رؤية ماكس فيبر للحضارة الغربية حدية وحرجة ودعوة لتحديد الضروريات والبدائل . إما تجديد نبوي ينفث روح جديدة في الحضارة الغربية أو بعث للقيم والمثل القديمة ، وإما القبول بالتحجر الآلي المفروض على الانسان الذي قد  ينتابه بين الحين والآخر تشنجات تذكره بأهميته كفرد إنسان ، أي القبول بإزاحة كل أمكانيات تحقيق الذات ماعدى القدرة على التخصص والاختصاص بدون روح أو نفس لوامة . أو الانتكاص إلى إنسان يقول في قرارة  نفسه ، بعد أن وضع فؤاده جانباً ، دعني أبادر اللذات  بما ملكت يدي .

البحث في بطون التاريخ عن نموذج قد يكون حلاً للتناقض الذي أشرنا إليه سيؤول إلى فريسة سهلة للتناقض بين ما تقتضيه الأعراف وما توجبه القيم . أحب أن أشير إلى خصوصية غربية تكونت عبر المخاض الحضاري الغربي ،  وهي أن الانسان الغربي وبعقلانية إنسانية متزنة يقر بضرورة وجود منظومة  للقيم الأخلاقية بشكل عام ولكن يجعل القضية برمتها قضية ذوقية تتباين الآراء حولها وتختلف . لهذا نجد ماكس فيبر يقر ويعتقد بوجود منظومة قيمية عقلانية ترتقي إلى مرتبة الفرض أو الواجب الديني ولكن شتراوس يسخر من ذلك ويقّول فيبر ما لا يقل . " إن تلك  المنظومة القيمية ، التى يقتقد فيبر بوجودها ، لا أكثر من بقايا أعراف وتقاليد والتعاطي معها أمر ذوقي فردي محض .

أعتقد أن ماكس فيبر كان يقول بإمكانية تحقيق الشخصية والكرامة للإنسان رغم الضروف الاجتماعية غير المواتية ولكن يصر على العلاقة الحميمة بين الشخصية والكرامة من جهة والحرية من جهة أخرى . إن حرية الإختيار تعبر عن نفسها ليس بمجرد غياب الاكراه الخارجي أو التحكم بالرغبةوالغريزة الجامحة وإنما بتحقيق التناغم والموازنة بين الوسيلة والقصد ، ولتكون الحرية حقيقية لا بد من نوع من المقاصد المبررة والمشروعة .

لقد كان شتراوس شرساً في انتقاء حججه وصياغتها وهو يتصدى لماكس فيبر ومدرسته فيصفه وأمثاله بالعدمية ويتسأل بسوفسطائية قبيحة . هل يمكن التفريق بين العدمية النبلية والعدمية الخسيسة عندما لا نملك الموازين العلمية الدقيقة للتفريق بين ماهو نبيل وما هو خسيس ؟
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75802
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

فلسفة العولمة ! ؟... رجس من عمل الشيطان Empty
مُساهمةموضوع: رد: فلسفة العولمة ! ؟... رجس من عمل الشيطان   فلسفة العولمة ! ؟... رجس من عمل الشيطان Emptyالإثنين 18 أبريل 2016, 8:31 am

فلسفة العولمة ! ؟... رجس من عمل الشيطان

بقلم عبد الحميد حاج خضر الحسيني

الجزء الثالث

شتراوس ومن بعده من المريدين والأتباع ينظرون إلى الفكر والواقع كحصون وقلاع عدو يجب غزوها وتدمرها الواحدة تلو الأخرى .  لقد كانوا يرون في علم الاجتماع وفلسفة الاجتماع ، مدرسة ، وشيوخاً، ومريدين ، الاطار الفكري لدولة الرعاية ( Social state ) . شتراوس قدم ، بسلوكه وسيرته وفكره ، للصهونية ما يعرف باللغة الانكليزية " نو هاو " ( know-how ) أي من أين تأكل الكتف . من عرين المعاهد العلمية من مقاعد البحث والدراسة الموضوعية وبالاسلوب الأكاديمي المجمع عليه ومن وهم الحيادية العلمية أنطلق الصهاينة ليس لغزو مفاصل المجتمع الأمريكي ومراكز التأثير في صياغة العقلية الثقافية والسياسية فحسب ، بل وفي إقامة جامعات ومعاهد ومراكز للدراسات الاستراتيجية والفكرية تعمل لنفس الغرض ، أكاد أجزم أن كل الكليات والمعاهد التي تدرس الاقتصاد والادارة والمال والأعمال تتعامل فقط مع مادة وآليات العولمة ، فكراً وفلسفة ووسيلة ، ولكي تكون فعالة واقتصادية فهي تستقطب أبناء الذين يستطيعون أن يمولوا بأنفسهم دراسة باهضة التكاليف ، بعد أن تمني المنتمين إليها بفرصة عمل مغرية بعد التخرج ، في وقت يزداد فيه جيش العاطلين عن العمل في صفوف خريجي الجامعات وفي الدول الصناعية نفسها  . الطالب نفسه أو وليه والقائمين على هذه المعاهد على علم بسر الصنعة ، وهو أن هذه المعاهد " العلمية " على علاقات وطيدة  مع المؤسسات والشركات والبنوك التي تستحوذ على الحياة الاقتصادية .أي أن حياة ، الراشي والمرتشي والرائش بينهما ، تبدأ قبل البدء بالدراسة والعمل وهو ما يطلق عليه اليوم  الفساد  .  ولما كانت العلاقة بين الاقتصاد والحرب وثيقة جداً . أقامت الصهيونية العشرات من المعاهد والمراكز التي تبحث في مسائل الحرب والسلم لتصبح هي المرجعية التي تقدم المشورة في هذا المجال . ولأهمية هذه المراكز فقد استوطن بعضها في وزارات الدفاع نفسها . يجب أن لا نعتقد أو نظن أن الصهيونية جمع من الموهوبين أو العباقرة . إن التنظيم المحكم يمكنهم من الاستحواذ علي الجهد الفكري والعملي للأخرين .

 في السبعينات كان أحد الأجنحة التي تؤمن بالماركسية ، ولكن لاتؤمن بالعنف والثورة ، تقول بنظرية الزحف إلى مؤسسات ومرافق الدولة ، بمسيرة علمية أكاديمية ذات نفس طويل ، ولا مانع من التقية والتلون والخداع والتضليل للوصول إلى الهدف المنشود ( الغاية تبرر الوسيلة ) . أعتقد أن تلك الخطة وذلك  الحلم من بعض الفرق الماركسية تهاوى في نفس اللحظة التي أعلن عن متل هذه الخطة . كان الاعلان عن ذلك ليس بمثابة شهادة وفاة للماركسة كفكر ثوري فحسب بل وافلاس جماهري تام . هذه الخطة أو الوسيلة للوصول إلى السلطة ليست من طبيعة النظرية الماركسة ، وهي ، وبكل تأكيد ، من صنع عقلية النحلة  بل إن النحل( SECT ) والفرق الدينية قد تتستر بالماركسية أو غيرها من الدعوات رائجة السوق كالقومية أو الاشتراكية أو الديمقراطية للوصول إلى  السلطة والفتك بالخصوم . الصهيونية هي نحلة يهودية المصدر شأنها شأن النحل الاسلامية أو المسيحية وقد تلتقي هذه النحل رغم اختلاف مصادرها على عدو مشترك تريد الفتك به ولكن بأسها بينها شديد أيضاً . وهذا كان : لقد استطاعت الصهيونية أن تزحف إلى كل مراكز القرار الأمريكي ، وأهمها على الاطلاق القرار الفكري ، أي كيف يجب أن يفكر ويتصرف رجل السياسة وجوارحه في السلطة التنفيذية ليكون أهلاً للمنصب الذي يشغله .إن آليات  الضبط والربط في وضع أو ازاحة  الرجل المناسب في /من المكان المناسب قد تذكرنا بالطقوس والشعوذة المتبع عند أهل النحل والفرق ، وما قصة كلنتن ومونكا ليفنسكي عنا ببعيد .حتى لا يكون الحديث مرسلاً وعاماً . نذكر بذلك الكم الغفير من  قادة الفكر والتنظير وخاصة في مجال السياسة والاقتصاد ونتسأل . هل الصدفة الشرود وحدها المسؤلة عن الجوقة " الفكرية " من الصهاينة الذين يعملون كمنظرين ومفكرين مقربين من مراكز صناعة القرار ؟ هل الصدفة هي التي حملت  أساتذة الجامعات الصهاينة لنشر كتبهم وأبحاثهم ودراساتهم مصحوبة بتسويق إعلامي فريد تدفع أنصاف المثقفين للاعتقاد أنهم حصلوا على الحقيقة من مصادرها الأول ، أليس عجيباً أن الأبحاث الصادرة عن جامعات أمريكية مثل هارفر وشيكاغو....الخ كلها أو جلها تدعوا إلى توجه معين في السياسة والاقتصاد ، وتلقى ذلك الرواج الكبير ، صمويل هنتنتونج ( صراع الحضارات ) أو فكوياما ،( نهاية التاريخ) ، برجنسكي ( الولايات المتحدة ، الدولة العظمى ) .......الخ  إن من يريد أن يحصل على درجة علمية معتبرة في العلوم السياسية أو الاقتصادية أو أحد فروع العلوم الانسانية لا بد من أن يمر عبر البوابة الصهيونية أو قريب منها ، وليحصل على فرصة عمل في الأوساط القربية من القرار السياسي أو المالي أو الاقتصادي لابد أن يكون صهيونياً أو مغفل نافع للصهاينة . أترك للزملاء العاملين في مجال الصحافة والاعلام أن يقوموا بعملية مسح واستقصاء لأبعاد الغزو الفكري والهيمنة المنهجية على مراكز البحث العلمية للحيلولة دون إدراك الحقيقة وتكوين الوعي الصادق المضفي للعمل والتغير . أذكر الزملاء بالمقال الذي نشرته مجلة نيوزويك بعنوان " ليو شتراوس ... ذلك الوثن " ( The cult of Leo strauss ) عام 1987  حيث تسأل كاتب المقال : لماذا هذا العدد الغفير من مريدي شتراوس في إدارة ريغان ؟ وقبل أن أصف ببعض التفصيل بعض من  مريدي شتراوس ممن مسك ويمسك بناصية القرار السياسي والاقتصاي والاعلامي سأعرض بعض الأفكار المدمرة التي كانت من الأسباب التي جيشت الهجمة الشرسة علي مصدر  رزق الانسان وقوته كما هيئت النفوس  والافكار للعدوان . أهم الأفكار هو الدفاع عن اللبرالية من منطق النحلة ، الغارق بالظلامية والتخلف ، فيرى شتراوس أن النقد الذي صاغه التكنوقراطيون والتجربيون ودعاة الشرعية كان جيداً من جهة ، ولكن غير كافي ، ويرى أن أزمة الحداثة واللبرالية المعاصرة نتيجة منطقية للمنطلقات الفلسفية للحداثة ، أي يمكن اعتبار الحداثة من بعض الوجوه مشكلة في حد ذاتها . يفصح شتراوس عن رأيه بالقول : إن اللبرالية المطبقة في الدول الغربية المتقدمة في القرن العشرين تحمل في جوهرها الميول للنسبية التي تقود إلى العدمية . لقد كانت بداية النهاية ، حسب رأيه ، في جمهورية فايمار ( أي الحقبة السياسية التى عاشتها ألمانيا بعد الحرب العالمية الثانية وحتى تمكن النازيون من السلطة ) لقد كانت الليبرالية مسرفة في تسامحها لدرجة أنها مكنت أعداءها ،  من الشيوعين والنازين ،  أن تلعبا الدور الذي أدي إلى ضرب اللبرالية نفسها . ألا يمكن تطبيق نفس المحاكمة ونقول : إن اللبرالية المتسامحة سمحت للصهونية ، الذي يعتبر شتراوس أحد منظريها ، أن تلعب دور وضع اللبرالية الغربية والحداثة  كعدو في أعين مليارد ونصف المليارد من العرب والمسلمين . دعا شتراوس ويدعوا الآن أتباعه أن لا تكرر اللبرالية الغربية " خطيئة التسامح التي عرفتها ألمانيا في العشرينات من القرن المنصرم ،  وتسمح بالتنوع الحضاري حيث الأصولية الاسلامية تأخذ طريقها، كحصان طروادة ،  إلى الحواضر الغربية فتفتك باللبرالية الغربية كما فعلت النازية والشيوعية .

أمريكا في نظر شتراوس هي خليط غير متجانس من حضارة اغريقية – رومانية - وفلسفة حداثة سعى مهندسوها ، وبعناية ، إلى استبعاد مقصود للعناصر التوراتية والإنجيلية منها . شتراوس وجنده من بعد يرون من أولى مهامهم اعادة هذه العناصر إلى صلب الحضارة الأمريكية . ليس هذا فحسب بل يرون أن انقاذ اللبرالية من أزمتها المزمنة ، بالرجوع إلى المنبع والأصل إلى  أفلاطون وأرسطو العظيمين . كيف يكون الرجوع ؟   لقد كان هذا الرجوع المنشود صدمة وفاجعة مدوخة للعمل الأكاديمي . من المعرف بالضرورة أن المنهج السائد في  الأكاديميات من خمسينات  القرن المنصرم كان منهج العلم التجريبي ولهذا جعل المفكرون نصب أعينهم صياغة الأطر والآليات التي تجعل من السياسة والاجتماع علوم تقوم على المنهج التجريبي والاستنباطي دون استبعاد الفلسفة كلياً ،  وبكلمة أخرى إقامة ( علم السياسة ) بدلاً من ( فلسفة السياسة ) . لقد كانت أعمال شتراوس الأكاديمية في هذه الفترة من الزمن تسير بالاتجاه المعاكس ، ولكن بتلوي وتلون ، توحيان بالتقية عند أهل ( النحل ) لقد كان يدعوا إلى العودة إلى منطلقات الفلسفة العتيقة كحل لأزمة الليبرالية . لقد كان الرد من معارضيه وخصومه يمتاز بالبساطة والحزم ! كما أن المعارف الفزيائية العتيقة لا يمكن أن  تحل مسائل هندسية حديثة فكذلك الفلسفة القديمة لا يمكن أن تقدم أجوبة على مسائل عصرية ، ولكن شتراوس كصاحب صنعة ونحلة يجيب كما لو كان من أهل الباطنية فيقول : يا أهل الحداثة أن طريقة التفكر العتيقة تمارس وتعايش أكثر مما تتصورون ، علينا أن نفهم الفلسفة التقليدية لا من وجهة نظر الحداثة ،  ولكن من منطلقاتها الفلسفية نفسها ، ولهذا فإننا عندما نعالج مسألة من مسائل السياسة المعاصرة انطلاقاً من وجهة نظر فلسفية عتيقة فإننا نشعر بالتحرر من الاطار الضيق الذي تفرضه وجهة نظر الحداثة ، بنفس الوقت نشعر بقدر غير معهود من التسامي على آليات التحريف وا لابتعاد عن مواطن الفساد والرشوة التي تفرضها الحداثة . شتراوس يرى أن نظرة الحداثة هي نظرة اصطناعية خالية من الأصالة الحقيقية ، أما نظرة الفلسفة العتيقة فهي نظرة مباشرة ونبيلة .

نحن المسلمين ننظر إلى جدل كهذا ونتذكر أهل الكهف ، الذين مكثوا في كهفهم ثلاثمائة سنين وزدادوا تسعة فبعثوا أحدهم بورق ليأتهم بطعام فوجد أن الناس غير الناس والدنيا تبدلت ، فرجع بنبل ووقار إلى صحبه وناموا إلى يوم يبعثون . المنهج التجربي عندنا نحن المسلمين هو من اليقن الذي لا يمكن التفريط به . وهو ببساطة منهجنا الذي يدعوا قرآننا ويحض عليه .

شتراوس رضخ وأقر بالعوامل الملزمة للأخذ بإسلوب الحداثة في حل مسائل السياسة العالقة ، ولكن فقط عندما يكون الحل الذي تقدمه الفلسفة القديمة مستحيل المنال . سياسة الحداثة ، عند شتراوس وأتباعه ، لا تقدم تبرير منطقي ودوافع معقولة لحياة انسانية طموحة ، ولكنها تقدم إطار صلب لحياة انسانية متواضعة واستقرار ممل ونوع من الرفاهية وحصلية كل هذا ، حسب شتراوس ، قاعدة صلبة لحياة منحطة . بعد موت شتراوس بدأت الكارثة فعلاً . لقد حمل أتباعه الراية وقاموا بطبع مؤلفاته التي لم تطبع في حياته ، وكانت في حقيقة الحال أسوء مما عرف عنه في حياته . لن يأخذ الملل مني مأخذاً  يمنعني من تكرار مقولتي الأولى ، وهي أن شتراوس وأتباعه أهل نحلة دينيه وبين الدين والنحلة بون شاسع ، فالنحلة تثبت بالخصومة وتزدهر بالدد بينما الدين يثبت بالإيمان والعمل  إن خطورة النحل ليس في فكرها وفلسفتها ، ولكن في آليات الضبط والربط التي تتخذها وهي تلج عالم السياسة والدعاية ، حيث يعمل أتباعها إلى توثين ما يدعون مقالة ورجالاً . مريدون شتراوس ، الذين آل إليهم صولجان السلطة والسلطان ،  أضفوا على " كبيرهم الذي علمهم السحر " هالة من القدسية الفلسفية والعلمية ، بل جعلوا الحكمة والمعرفة تجري على لسانه . قال أحدهم : شتراوس هو أحد العشرة العظام الذين عرفتهم الألفية الأخيرة ويضيف ؛ لفهم شتراوس علينا أن نقرأ النصوص التي كتبها شتراوس نفسه ، ففيها ما يقنع العامة وما يشبع فضول الخاصة ويشحذ همتهم جميعاً . شتراوس يجعل من خصوصيات فكره وصميم رأيه سر لا يباح به للدهماء وعامة الناس ويدعي إلى الاحتفاظ بخصوصة الخطاب ( Esoteric ) لأهل الفلسفة وسدنة المعرفة ، تماماً كما يقول أهل النحل والفرق عن حملة السر عندهم  , خوفاً من فتنة العوام . للعامة يقال ما تريد العامة أن تعلم أو ما يراد لها أن تعلم . إن عمومية الخطاب ( Exoteric  ) ضرورة للحفاظ على النظام وسيادة القانون . الحقيقة أنهم لم يأتوا بجديد أو إضافة فنحن نرى أن الشعوب الغربية قاطبة يمكن تقسيمها إلى عام  وخاص وللعامة طريقة معاشهم ولهوهم ومدى علمهم وللخاصة طريقتهم وسلوكياتهم وكل قوم بما لديهم فرحون . الجديد في مقالة شتراوس أنه يجعلها مسألة من مسائل الفلسفة و السياسية فيرى أن سقراط استحق عقوبة الاعدام لا لأن السوفسطائين كانو على حق ولكن لأن سقراط أباح السر ،  وتكم بلغة الخاصة إلى العامة والدهماء . ماكيافلي كان على خطأ ، حسب شتراوس ، لأنه أباح بسر الصنعة في صناعة السلطة والحفاظ عليها . إن ما سطره ماكيافلي في كتاب " الأمير " كان ترجمة أمينة للطبيعة وسيرة الأشياء . قبل ماكيافلي ، حسب شتراوس ، كان الفلاسفة ورجال الدين والفكر والسياسة يعللون الناس بالقيم والمثل والخير والفضيلة ويمارسون ما نصح ماكيافلي به الأمير والوزير . لعله على حق في ذلك ، وقد ذهبت نفس المذهب عندما ألقيت محاضرة سنة 1998 عن هنتنتوتنغ ( S.P. Huntington ) وكتابه ارتطام الحضارات أو صراع الحضارات  ( The Clash of Civilizations  ) كما يرأى البعض أن يترجم، فقلت آنذاك "أن هنتنتوتنغ فضح المماراسات السياسية البشعة التى تمارسها الدول الغربية على الدول التي تقع تحت هيمنتها في الوقت الذي تدعوا فيه إلى الحوار والتعاون " .وبالمناسبة هنتنتوتنغ أحد مريدين شتراوس ومترجم أفكاره في مجالات البحوث الاستراتيجية . شتراوس يرى في ماكيافلي ترجمان الطبيعة ولسان الفطرة ، عزز هذا الرأى وعمقه عندما قدم قرأته الفلسفية لتوماس هوبز ( Thomas Hobbes  1588-1679 ) وجون لوك  ( John Locke 1632-1704 ) . منذ كان شتراوس طالباً في مسقط رأسه المانيا كان من الشغوفين جداً بتوماس هوبز وقانون الطبيعة ، بل أن بواكير كتاباته الفلسفية كانت تدور حول هوبز أما قرأتة الفلسفية لفلسفة لوك فقد جاءت متأخرة . هوبز ولوك من الفلاسفة الماديين وفي نظر ماركس ماديين غير جدليين كلاهما يعتبر الطبيعة أو المادية المصدر الأساس للفكر والفلسفة . هوبز لا يرى في الاجتماع الانساني غير أفراد يكيد بعضهم لبعض ، كل على الكل عدو وخصم ، الجميع ضد الجميع ، والدولة  في نظره ، عبارة عن هيئة معنوية فرضتها ضروف معينة ولكن مبهمة ، هي القادرة على فرض النظام على ذلك الكم من الأفراد المتنازعين فيما بينهم . إن الطاعة ولانقياد للنظام والقانون رهن بقوة الدولة وجبروتها وليس قبول الناس لمنظومة قيمية أوأخلاقية ما ، من هنا يمكن اعتبار هوبز فيلسوف الاستبداد ، لقد كان  متطرفاً في دفاعه عن الملكية المطلقة رافضاً أي قيد دستوري لها . بعد الحرب الأهلية في انكلترا أصدر كتابه " ليفياثلن " ( Leviathan  ) عام 1648 وقد اختار له هذا الأسم ، الذي يرمز  لكائن أسطوري معادي للإرادة الإلهية ، كناية عن الحرب الأهلية أو الفتنة ، التي قد تقع في حالة غياب أوضعف الدولة . لم يكن الدافع لكتابة هذا الكتاب هو الحرب الأهلية نفسها وإنما لأن الحرب الأهلية قد وقعت فعلاً كما كان  يتوقع في كتابه " من المواطنة  " ) De Cive  ( الذي أنجزه في عام 1641 ولكنه نشر سراً عام 1647. إن أسباب الحرب الأهلية في رأيه هو السماح لعناصر غير أرستقراطية المشاركة في الحكم . هوبز كان ملوعاً بالرياضيات النظرية والتطبيقية ولهذا كان يجنح إلى التجريد في آرائه عند الحديث عن  فلسفة الدوله ، كان يرى الدولة هيئة اعتبارية اصطناعية  ليس من الضروري أن يكون لها صلة عضوية بالمجتمع ، هي أشبه بالغول المخيف الذي يلزم الناس  إطاعة الأوامر والنواهي . الغريب أننا نجد في الفقه السياسي الاسلامي من يقترب من هذه الآراء عند الحديث عن الدولة . بعد الفتنة الكبرى ،بعد مقل عثمان (رض ) ، نجد أن معظم فقهاء المسلمين يرون أن من أولويات الفقه الاسلامي درء الفتنة ، فضيقوا الأسباب الداعية للخرج على السلطان ، حتى أصبح الخروج على السلطان المستبد قد يخرج من الملة . شذ عن هذا التوجه الزيدية والخوارج الذين ذهبوا إلى القول ،  إذا عم الظلم يصبح الخروج على السلطان الظالم  واجب . هناك  فارق معتبر بين الفقه الزيدي وفقه الخوارج ليس مجال بحثه هنا  . ابن خلدون ذهب مذهباً وسطاً في طبيعة السلطان وصلته بالمجتمع أو الرعية فقال إن السلطان إضافة ولكنه يجب أن يكون من نوع المضاف إليه ، ولعله بهذا التشخيص يساعدنا على فهم تخاذل الأمة وسراتها عن مقارعة الاستبداد والظلم إذا كان الظالم أو المستبد من أبناء الأمة  وأحسن الابقاء على شعرة معاوية ، في حين تستأسد الأمة وسراتها في مقارعة المستبد الأجنبي حتى لو كان أقل استبداداً وظلماً .
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75802
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

فلسفة العولمة ! ؟... رجس من عمل الشيطان Empty
مُساهمةموضوع: رد: فلسفة العولمة ! ؟... رجس من عمل الشيطان   فلسفة العولمة ! ؟... رجس من عمل الشيطان Emptyالإثنين 18 أبريل 2016, 8:32 am

فلسفة العولمة ! ؟... رجس من عمل الشيطان

بقلم : عبد الحميد حاج خضر الحسيني*

الجزء الرابع

إذا كان توماس هوبز هو فليسوف ومنظر الاستبداد وتغول الدولة الحديثة ،  فإن ليو شتراوس هو الذي صنع اديولوجية الاستبداد ورسم معالم التغول ، أما مريدي شتراوس المتواجدون في غرفة العمليات العسكرية في البنتغون ، رامسفلد ، ديك شيني ، فولفوفتس ، فقد قاموا بتجيش وعسكرة ا لاستبداد والتغول . ما لفت انتباهي في تصريحات رامسفلد أنه كان يورد جمل  وآراء كاملة لتوماس هوبز كما لو كان يحفظ كلام هوبز عن ظهر قلب . أما فولفوفتس فبدلاً من القول " الغاية تبرر الوسيلة " كما قال ماكيافيلي ، فأنه يقول : " الهدف والغاية  هما اللذان يحددان طبيعة التحالفات وليس العكس " . الحديث عن الديقراطية هو من قبيل ذر الرماد بالعيون ، ولكي نستعمل لغة القوم " الفلسفية " نقول: الحديث عن الديمقراطية وتمكين الشعوب المضطهدة والفقيرة من تحسين ضروفها السياسية والمعاشية هو من قبيل الحديث للعوام ) Exoteric ( والعمل على تقويض القانون الدولي وشن الحروب والهيمنة على الثروة  وبناء الدولة أو الدول المخيفة هو عمل وحديث الخاصة ) Esoteric ( كل هذا النفاق وهذا الخداع أصبح من مسائل الفلسفة العصرية . الدين عند ماركس وأتباعه هو افيون الشعوب أما عند هوبز وليو شتراوس فهو ضرورة للعامة والدهماء لتعزيز هيبة الدولة وسلطان القانون ، لا يلق برجل الفلسفة وعلّية القوم أن يؤمنوا كما آمن الناس ، وهكذا فقد كان هوبز وليو شتراس وجل أتباعما ملاحدة وأهل نفاق ،  سبحان الله ، القائل في محكم كتابه : ( وإذا لقوا الذين أمنوا قالوا أمنا وإذا خلوا إلى شياطنهم قالوا إنا معكم إنما نحن مستهزؤن . الله يستهزئ بهم ويمدهم في طغانهم يعمهون ) ، البقرة 14 و15 . يقول محامي الشيطان : إن الادارة الأمريكية تدافع عن مصالح شعبها ، لا أكثر ولا أقل ،  التي أصبحت مهددة بعد أو قبل 11 من أيلول 2001 ؛ إن تاريخ الأمم والشعوب ينطق لغة أخري . في الوقت الذي كانت بريطانيا العظمي تستعمر ثلث المعمورة وفي العهد الذهبي الفكتوري ، كان عمال المناجم في بريطانيا  ، رجالاً ونساءً وأطفالاً ، نصف عراة ونصف جياع في بطون الأرض المظلمة يقتلعون أحجار الفحم بأيدهم الدامية أحياناً ، هناك الكثير من الأدبيات النقابية الصادقة التي تصف عاملات النسيج في مصر بأسمالهم البالية تماماً وسعالهم الذي يقطع نياط القلوب . هذا ما تسعي إلية الزمرة الحاقد من الصهاينة ووحوش اللبرالية الجدد ، لتعود الأمور إلى نصابها كما يتصورن . لا نقول هذا للإثارة وتأجيج الصراع الطبقي ، الذن لم أومن بنظريته مطلقاً رغم أني من ممن مارس العمل النقابي بصدق واندفاع شديد ، ولكن نذكر بهذا عسى أن نصل معاً إلى يقين بأن ساعة العمل الجاد الدؤوب قد أزفت . بكل تأكيد أن البلاد العربية والاسلامية هي فريسة العولمة والهيمنة  والأكثر معاناة ، ولكن لن يكون بؤسنا عائق يمنعنا من التذكير بمعاناة وبؤس الآخرين . بعد سقوط الاتحاد السوفيتي وحتى يومنا هذا انخفظ عدد سكان دول الاتحاد السوفيتي بمقدار 20 مليون نسمه ، بسبب الفقر وانعدام العناية الصحية وسوء التغذية وتفشي وبائي لأمراض العصر التي يسببها تعاطي المخدرات وازدهار سوق الدعارة . إن القوة الشرائية للمواطن انخفظت إلى أقل من النصف عما كان عليه في معظم ما كان يعرف بدول المنظومة الاشتراكية . أطلق شيكاغو بويز ) Chicago Boys ( ، ( وهي مجموعة من الاقتصادين اللبرالين المتطرفين الذي كانوا ينظرون للعولمة ويشرفون على تطبيقها في العالم ، وبالمناسب ، هم قربون جداً من فلسفة ليو شتراوس ) ، أطلقوا   على عملية تدمير اقصاد الدولة الشمولي ، العلاج بالصدمة )  Shock Therapy ( ، هذا العلاج يطبق عادة على مدمني الكحول والمخدرات ، حيث يوضع المريض في حجرة انفرادية وتمنع عنه المادة المدمن عليها فيمر بآلام مبرحة جداً وقد يموت المريض من الألم أو يشفي مما هو مدمن عليه . لقد كان المواطن السوفيتي ، في نظر الشيكاغو بويز ، مدمن رعاية وخدمات وراتب تقاعدي وفرصة عمل مضمونة . يجب نزع كل هذه العقاقير والمخدات دفعة واحده ليقف على قدميه ويصارع الآخرين على فرصة عمل أوعقار يشفيه من مرضه أو يخفف عليه آلامه .

 النتجة أصبحت  ، والحمد لله ، معروفة للجميع : عصابات المافيا ، مئات الآلاف من الفتيات يغرر بهن ويدفع بهن إلى سوق الدعارة المزدهر ، لم تعد هناك محرمات ولا قانون ، الجميع ضد الجميع ،  تماماً كما يريد توماس هوبز . أما الغرب السعيد ! ماذا حل به ؟ منذ عام 1990 وحتى اليوم انخفضت القوة الشرائية للمواطن حوالي 30% . الخدمات ، التي كان المواطن يتلقاها في دولة الرعاية الاجتماعية ، هي في دور الضمور والانكماش . كل العولميون ورعيل من الساسة الغربيون ورئيس جمهورية مصر العربية محمد حسني مبارك  مجمعين على مقولة " الانفجار السكاني ونقص الطاقة والموارد " ، وكأن الطاقة والموارد المفيدة تزداد عكساً مع تناقص السكان  ، لهذا كان المؤتمر السكاني في القاهرة عام 1996 ليقدم للمرأة العربية المسلمة أحدث ما تفتق عنه العقل الغربي من أساليب العقم والتعقيم لتتوقف كأختها في المجتمعات الصناعية عن الانجاب حتى لا يقع الانفجار السكاني المتوقع . الحقيقة التي لا مراء فيها أن عدد السكان قد انخفظ أكثر من 30 مليون نسمة منذ انعقاد مؤتمر القاهرة المشؤم أي أن هناك تراجع في عدد السكان  . والطاقة المكتشفة من الغاز والنفط ازداد إلى 20% عما كان معروفاً قبيل المؤتمر . والحقيقة التي لا مراء فيها : إن أمكانية الحصول على الطاقة ، النظيفة وبأسعار تنافس أرخص أنواع الطاقة وبدون تلويث يذكر للبيئة ، لم يعد حلم ، خاصة في البلاد الفقيرة ، أفريقيا وآسيا ، الغنية بشموسها الساطعة 300 يوم على مدار السنة . كل الأرقام المتعلقة بالطاقة وعدد السكان وتلوث البيئة الصادرة عن المنظمات الدولية بما في ذلك الأمم المتحدة نسبية وخاضعة للأرادة السياسية حتى يصعب على أهل الاختصاص ادراك نسبة اليقين والصدق فيها . إننا نعيش في عصر التضليل المخيف والمقصود في كل مناحي الحياة ومعارج المعرفة . إن مسائل العولمة ،فلسفة وفكراً وممارسة أصبحت من الأمور الوجودية التي يستحيل حلها دون تمحيص دقيق لتاريخها وفلسفتها . الممارسة الفعلية والدامية لسياسة العولمة بدأت في 11من سبتمبر عام 1973 عندما هاجمت المقاتلات الحربية للجيش التشليه قصر الرئاسة في العلصمة التشلية  سنتايغو دي تشلي ( Santiago de Chile  ) لتغتال الرئيس المنتخب  سلفادور اليندي ( Salvador Allende ) ، بأمر مشترك من وكالة المخابرات الأمريكية والجنرال أغوستو بينوشيه ( Augusto Pinochet ) الذي كان يطلق عليه الغوريلا . فوراً وبعد نجاح الانقلاب انقض ال ( شيكاغو بويز ) ليأخذوا مواقهم كمستشارين عند الحكومة ويتخذوا من تشيلي عينة مخبرية لتطبيق فلسفتهم ونظرياتهم اللبرالية المتطرفة فنقلبت تشيلي إلى معسكرات للإعتقال ومعسكرات للسخرة . وعندما نجحت العملية القسرية التشيلية قام البنك الدولي ومنظمة التجارة العالمية وصندوق النقد الدولي بتعميم وصفات النجاح القسري إلى كافة دول أمريكا اللاتينية ، حيث كانت التعليمات والأوامر تكاد تكون متطابقة ، سوأً في البرازيل أو البيرو أو الأرجنتين ، حتى ساح الناس في البلاد جياع شبه عراة ، وحتى لا أطيل على القارئ أشير إلى كتاب يعد مرجعاً لا غنى عنه في هذا الموضوع ؛ الكتاب بعنوان عولمة الفقر)  The Globalisation of Poverty  (  المؤلف أستاذ في الأقتصاد وكان من ضمن المجموعة الاستشارية المكلفة من مؤسسات العولمة للإشراف على تطبيق توصيات المؤسسات الدولية ، يبدو لي من أسم المؤلف أنه أمريكي ينحدر من أصول بولونية ، المؤلف أسمه ميخائيل تشوسودوفسكي ) Michel Chossudovsky ( . بعض الاعلاميون العرب لا زال يعتقد أن المقررات التي تتخذها الحكومة الأمريكية هي بفضل قوة اللبي الصهيوني في المجلسين التشرعيين في أمريكا . لا ينكر أحد قوة اللبي الصهيوني ، ولكن الأمر أبعد وأخطر من وجود لوبي قوي ، إنها الهيمنة الكاملة على صناعة القرار ، القرارات الأمريكية لم تعد تكتب بحروفها الأولى بأيدي صهيونية فحسب ، وإنما العقلية التي تحرك الأيدي هي بالكامل صهيونية والتباين بين الأجنحة التي تقود العقلية السياسية الأمريكية هو تباين بين المدارس الصهيونية المختلفة يسارية كانت أم يمينية . لعله من المفيد الاشارة إلى بعض الوجوه الصهيونية التي تتلمذت على يد شتراوس ثم أصبحت تحتل مراكز مؤثرة في صناعة القرار ، غير أن العدد الذي يتوزع في مفاصل الدولة والاقتصاد والمال والاعلام أكبر من أن نتمكن من الإلمام ولو  بواحد بالمئة منها ، الغريب أن نسبة الصهاينة الذين ينحدرون من أصول ألمانية أو بولونية مرتفع جداً ثم يأتي بالدرجة الثانية أو الثالثة الذين ينحدرون من أصول سلافية . إن كثرة الوافدين إلى المناصب العليا في الولايات المتحدة من مدرسة شتراوس الفلسفية دحضت المقولة السائدة : إن الاشتغال بالفلسفة هو من قبيل الترف الفكري الذي يودي بصاحبه إلى الحياة الفقيرة أو المتواضعة . لقد أحيا الصهاينة مقولة الفليسوف الاغريقي الذي كان يرى أن الفلسفة قد تقود إلى الثراء إذا أراد الفليسوف ذلك .

لنتأمل قائمة ذوي الحظوظ الذين قادتهم الفلسفة الشتراوسية إلى أرفع المناصب ، لنبدأ بأكثر الصهاينة حقدأً . رتشارد بورل ) Richerd Perle (  رئيس اللجنة الاستشارية للدفاع الوطني ) Defense Policy Board ( . أضطر إلى الاستقالة من رئاسة اللجنة اثر فضيحة مالية ولكن بقي عضو في اللجنة المذكورة . ألماني الأصل كأستاذه  ليو  شتراوس . ألن بلووم : ) Allan bloom  ( وهو أحد النجوم المتألقة من تلامذة شتراوس . لقد كان موضع اعجاب وثقة السيده  Margaret Thatcher ) ( مارغريت ثيشر ، الوز يرة الآولى في الحكومة البرطانية ، وأحدى الأصوليات اللبرالية العولمية المتطرفين ،  كذلك نال إعجاب الرئيس الأمريكي السابق رونالد ريغان ) Ronald Reagan ( وهو ألماني الأصل أيضاً . البيرت فولشتيتلر ) Albert Wohlstetter ( أستاذ الرياضيات والاستراتيجية النووية في جامعة شيكاغو صديق حميم لشتراوس وبلوم كان من مستشاري البنتغون والرئيس ريغان في المشروع الذي أطلق عليه حرب النجوم ، كان أستاذاً لكل من بول فولفوفيتس ) Paul Wolfowitz ( وأحمد الجلبي ، عضو مجلس الحكم المعين من قبل الادارة الأمريكية في العراق . فولفوفيتس بولوني ولكن من المنطقة التي يطلق عليها بروسيا الشرقية أي ذوثقافة ألمانية يهودية صهيونية ،. يشغل حالياً منصب نائب وزير الدفاع وأهم المخططين  للسياسة الأمريكية الخارجية وواضع خطة غزو العراق . روبرت موردوخ ) Rupert Murdoch ( ويلقب ببنك خنازير المحافظين الجدد ( neocon piggybank  ) ، يملك مجلة ) The Weekly Standard (  لسان حال المحافظين الجدد المعبرة عن تصوراتهم الاديولوجية ، وتقوم بنشر ما يرى المحافظون أنه واجب النشر بصورة غير رسمية . مؤسسة روبرت موردوخ تزود  ) Fox News ( بالأخبار ا لطازجة من أصحاب القرار ، ومن المعرف أيضاً عن فوكس نيوز كإذاعة مرئية ومسموعة أنها تغرس وترعى الانحطاط الفكري والمعرفي عند دهماء القوم لتبقي عليهم كقوة غضبية جاهلة يسهل توظيفها في قهر الخصوم . ويليام كريستول ) William Kristol (  وهو ابن إرفينغ كريستول )  Irving Kristol (   وصاحب فكرة المحافظين الجدد ومن المتيمين بليو شتراوس . الابن حذى حذو أبيه وهو الآن رئيس تحرير ) The Weekly Standard (  وهوصاحب " مشروع  امريكا في القرن الجديد " الذي ضم كل من نائب الرئيس ديك تشيني ( Dick Cheney ) ووزير الدفاع الحالي دونالد رامسفلد )  ( Donald Rumsfeld ووليم بينت   ( William Bennet )   بالإضافة إلى المحافظين الذين كانوا متفقين حول برنامج سياسي يدع إلى الهيمنة العسكرية الامريكية المطلقة ) a Platform of US global military dominance ( وليام بينت ذو العلاقة الوطيدة مع كل من بلووم ) Bloom ( و  مانسفلد ) Mansfeld )  خدم بينت في ادارة كل من ريغان وبوش الأب وهو صاحب كتاب القيم )  The Book of Virtues  (  الذي أكتشف من جديد حيث يأمل الناشر بتصريف ملايين النسخ منه . فرنسيس فوكوياما ) Francis Fukuyama (  تلميذ بلووم وأكثر المتحمسين لأفكار شتراوس ، صاحب كتاب نهاية التاريخ  The End of History  )  ) . دوغلاس فيث ( Douglas feth ) . قدم فيث مع ريتشارد بورل و دافيد فورمزير ( David Wurmser ) في عام 1996 خطة استراتيجية لحزب الليكود الإسرائيلي والحكومة الإسرائيلية برئاسة نتانياهو . الخطة تدعو إلى إعادة إعمال وتفعيل  مبدأ الضربة الإجهاضية ( the principle of preemption ) كما قدم مقترحات للتخلص من المسار التفاوضي المعمول به منذ اتفاقية اوسلو ، ورأى أن الأمن الإسرائيلي يجب أن يمر عبر بغداد . والد فيث كان من أتباع القائد الصهوني المتطرف " فلاديمير يابوتينسكي " . ساول بيلوف ) Saul Bellow ( صديق حميم لبول فولفوفتس ، كتب عن مجموعة الأكاديمين في شيكاغو التي كانت تلتف حول بلووم . كشف في حواراته الصاخبة التي كان يعقدها مع معارفه أن بلووم " داعية المحافظين الجدد " كان شاذ جنسياً وأنه مات بمرض الايدز وليس كما نشر بمرض السرطان . كلارينس توماس Clarence Thomas  ) (

عضو المحكمة العليا وممثل فلسفة شتراوس في أعلى صرح قضائي في الولايات المتحدة الأمريكية وهومن قلائل المثقفين السود الذين يؤيدون هذا الخط المتطرف . ايلوت أبرامز ) Elliott Abrams (  متورط في فضيحة ايران كنترا ، وهو المسؤول عن ملف الشرق الأوسط في مجلس الأمن القومي ومن الذين يساندون إسرائيل بدون أي تحفظ وهو الأبن بالتبني لنورمان بودهوريتس ) Norman Podhoretz (  محررجرنال كومنينتري اليهودية )  Jewish Journal Commentary ( وبودهوريتس النائب المسؤول عن القضايا الإنسانية . لقد ذكرت هذه الأسماء كعربون لقائمة طويلة من الكوادر الصهيونية أو الصليبية المتصهينة التي تمسك بناصية القرار السياسي والاقتصادي والسياسي والاعلامي ، وهي تنشر الرعب في كل من تسول له نفسه الخروج على الخط العام للسياسة الصهيونية ، لما تمتلك من إمكانيات اتخاذ القرار وتنفيذه ، وهم ليسوا أشخاص عادين في عملهم بل إن كل منهم هو رأس المؤسسة التي يعملون فيها أو يديرونها . أما صلتهم بكبار الادارين في البنوك أو الشركات الكبرى فهي صلة عضوية . اننا فعلاً أمام حالة فريد في تاريخ الانسانية حيث النحلة تتحكم بقرارات الحرب والسلم والموت جوعاً ومرضاً . الصهيونية = النحلة ( Sect ) بكل مواصفات النحلة من تلون وتمسكن وباطنية وطقوس....الخ حتى تتمكن فتكون الطامة الكبرى إنها لاتعرف للرحمة والعدل معنى . المال والسلطان معبودها الأول ، الأنانية خلق وسجية عند كل فرد من أفرادها ، العنصرية والتعالي واحتقار الغير ، والعجيب العجيب أن النحل سواء كانت يهودية أو نصرانية أو اسلامية تدين بنفس الخلق والسلوك بل تتعاون فيما بينها ويكمل بعضها بعض للقضاء على الخصوم والاعداء . إن التاريخ يقدم لنا الدليل القاطع على عدوانية النحل وفتكها في أهل الفضائل ومكارم الأخلاق بل ترى بأهل الإيمان عدو وخصم من هنا نفهم لماذا اتخذت الصهونية ، الإسلام كعقيدة والعرب والمسلمون كأمة ، عدو وخصم . إن اهل النحل لا يستطيعون العيش بدون خصومة ولدد ، بل إن النحلة كعقيدة وعصبية لاتثبت إلا بالخصومة والبغضاء . إن أرباب النحل لا يدخرون وسعاً في السعي إلى السلطة لأن السلطة هي الوثن الذي يعبدون ، والوسيلة التي يتخذون ، للوصول إلى المال الحرام الذي يشتهون وبه ينتعشون . إن الفضلية والخير غريبان على سلوك أرباب النحل ، وإذا جالس أهل الإيمان أهل النحل ، فإن كل منهم يشعر بالضيق والنفور من الآخر ، لنعدام العلة الجامعة بينهم ، وهذه الظاهرة من نواميس الإجتماع الإنساني ، وإذا لمسنا بعض الميل أحياناً بين الفرقين  فلعلة لعلها من قبيل  ، أن الايمان يزيد وينقص ،  والأرواح جنود مجندة ما توافق منا أتلف وما تنافر منها اختلف . إن هناك سلوك مميز لأهل النحل هو ذلك العداء المستحكم بينهم وبين أهل الفضل والمروءة والصدق والعدل والاحسان ، وجل ما يكتبوب وما ينحلون هو للمروق من الدين وتسفيه الفضائل . وقد حدثني أحد الزملاء وكان صاحب نحلة خبيثة يدع إليها ويخاصم من أجلها ، أنه عندما سمع وقرأ لأول مرة قول الله تعالى " إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي ، يعظكم لعلكم تذكرون . وأوفوا بعهد الله إذا عاهدتم ولا تنقضوا الأيمان بعد توكيدها وقد جعل الله عليكم كفيلا إن الله يعلم ماتفعلون . " النحل  90و91 كانت الآيات وكأنها القارعة علىنفسه . لقد قال معترفاً : " لم أكن أرى للغير حقاً أو حرية ، كل ما كنت أقوم به هو البحث عن الحجة والحيلة وتسفيه ما يخالف رأيي . لقد كنت أتصرف وكأن  ليس للغير إلا أن يقول السمع والطاعة دون أن يحق له مجرد التفكير . " أن مصدر هذه الفرعونية هو : عدم الإيمان باليوم الآخر واعتقاد صاحب النحلة أوالسوفسطائي " إن هي إلا حياتنا الدنيا وما نحن بمبعوثين " النحل 29 . إن الكثير من الصهاينة وأرباب النحل لا يؤمنون باليوم الآخر وقد تكون نسبة الملاحدة منهم عالية ويحاول الكثير منهم إخفاء كفرهم وإلحادهم ، فيظهرون ما لا يبطنون ويتلونون حسب الظروف . إن الكارثة التي ألحقها الصهاينة وأرباب النحل وأصحاب الاديولوجيات بالإنسانية لا يمكن إنكارها أو تبريرها ، فمنذ تمكن الصهاينة من القرار السياسي في الولايات المتحدة الأمريكية والعلاقات الدولية تسير من سيء إلى أسوء وهي الآن تسير نحو الإرتطام والتصادم . من الخطأ الاعتقاد أن الاضطراب الذي يعم العالم اليوم هو نتيجة غير مقصودة لسياسات خاطئة ، إن الاضطراب والحروب والفوضى وتفشي الفساد هي الأجواء التي تسعى الصهيونية ومعها كل النحل لغرسها بين الشعوب والأمم . إن كتاب هنتنتونغ عن صراع الحضارات هو من الزرع الخبيث لحصاد أخبث . ولكن إيماننا بالله يقودنا للقول : ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين .    

*( باحث في الفكر السياسي الإسلامي المعاصر )
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
 
فلسفة العولمة ! ؟... رجس من عمل الشيطان
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتدى الشنطي :: موسوعة البحوث والدراسات :: بحوث متنوعه-
انتقل الى: