أرض «اللبان والبخور» في سلطنة عمان صلالة حاضرة ظفار وقلبها النابض
رلى موفّق
سلطنة عمان ــ «القدس العربي»: ظفار «أرض اللبان والبخور» في الجزيرة العربية. هكذا اشتهرت منذ القدم لكونها كانت مصدر اللبان لمختلف الحضارات القديمة، ولاسيما الفرعونية والرومانية والإغريقية. هي بوابة عمان الضخمة على المحيط الهندي، معبر القوافل في جنوب شبه الجزيرة العربية وحلقة الوصل والربط مع ساحل شرق افريقيا.
تكتسي في فصل الصيف حلة الخريف، لمناخها المعتدل، حيث يلف الضباب جبالها ويتساقط الرذاذ الخفيف ليلطف الأجواء وينعشها على عكس المحافظات الأخرى التي تشهد حرارة مرتفعة جداً، ما جعل فترة الصيف الممتدة بين 21 حزيران/يونيو و21 أيلول/سبتمبر، يُطلق عليها محلياً «خريف ظفار» وتحوّلت علامة فارقة في السياحة الداخلية العمانية ووجهة للسياح الخليجيين والأجانب، الذين يقصدون بشكل رئيسي صلالة، العاصمة الإدارية لظفار والعاصمة السياحية للسلطنة.
ظفار هي إحدى محافظات سلطنة عمان التي تقع في أقصى جنوب البلاد. تتصل من الشرق بسهول عُمان الوسطى، التي تُعرف إدارياً بمحافظة الوسطى، ويحّدها بحر العرب من الجنوب والجنوب الشرقي، وصحراء الربع الخالي من الشمال والشمال الغربي، واليمن من الغرب والجنوب الغربي.
غنية بمعالمها وأماكنها الأثرية والتاريخية التي يعود معظمها إلى ثلاثة الآف سنة لما قبل الميلاد. وتُشكّل مساحتها ثلث مساحة عمان، إذ تبلغ 120 ألف كلم مربع من أصل مساحة السلطنة التي تصل إلى 310 كيلو مترات مربعة بين حدّي مسندم في الشمال وظفار في الجنوب. وتنقل مراجع وكتب تاريخية أن ظفار هي «الإحقاف» التي ذُكرت في القرآن وأن أهلها دخلوا الإسلام طوعاً خلال فترة الدعوة.
هيرودوس والثعابين المجنّحة
وتشير الموسوعة التاريخية الجغرافية لمسعود الخوند إلى ما كتبه هيرودوس في تبيان أهمية ظفار كمركز البخور واللبان العربي المر في العالم القديم، إذ اعتبر «أن الثعابين المجنّحة هي التي تحرس أشجار اللبان» وثمة من قال إن «التنين الذي ينفث النار والدخان هو الذي يحرسها». فإنسان عُمان اكتشف تَفْرّد هذه الشجرة التي لم تكن موجودة في مكان آخر آنذاك. فكان طريق اللبان القديم- الطريق التجاري-يبدأ من عُمان ثم يعبر من اليمن إلى مصر والقدس ثم إلى أوروبا . لكن أشجار اللبان لم تكن على الداوم مصدر خير لظفار، بل كانت أيضاً سبباً لغزوات متواصلة على مرّ التاريخ من الشرق والغرب.
وإذا كانت تلك المنطقة،التي قصدها الرحالة ماركو بولو وإبن بطوطة، اكتسبت أهمية في التاريخ القديم، فإن إسمها في ستينيات القرن الماضي ارتبط بما عُرف بـ«ثورة ظفار» أو أحداث ظفار» التي اندلعت عام 1963 والتي انتهت في العام 1975 بعد خمس سنوات من تولي السلطان قابوس بن سعيد، الذي ترعرع في صلالة، مقاليد الحكم في البلاد، لتبدأ بعد ذلك عملية التنمية والتطوير في تأريخ لحقبة عُمان الحديثة.
في التاريخ العماني الحديث، تُقسّم محافظة ظُفار إدراياً إلى عشر ولايات: صلالة، وطاقة، ورخيوت، وثمريت، وضلكوت، ومرباط، ومقشن، وشليم وجزر الحلانيات، والمزيونة، وسدح.
هذه الولايات موزعة على ثلاث أقاليم ذات تضاريس مختلفة. فهناك السهل الساحلي الذي تصل مساحته التقريبية إلى مئتين وستين كيلومتراً، ويمتدّ من منطقة ريسوت غربي مدينة صلالة إلى أطراف مدينة طاقة الغربيّة. يمتاز بتربة خصبة ومياه جوفية وصافية وبمناخ معتدل في درجات الحرارة طوال فصول السنة الأربعة.
أما جبال ظفار، فهي متصلة بين بعضها البعض من شرقها حتّى غربها، ومواجهة لبحر العرب، وتخترق مختلف ولايات المحافظة، بدءاً من كتلة «جبال سمحان» الواقعة في ولايتي مرباط وسدح، مروراً بكتلة «جبال القرا» في ولايتي صلالة وطاقة، وصولاً إلى «جبال القمر» في ولايتي ضلكوت وخيوت. ويتميز جبل القمر بتجاور ما بين البحر والجبل، الذي يفصل بينهما سهل صلالة.
ثالث أقاليم ظفار هي البادية التي تتداخل مع جزء كبير من صحراء الربع الخالي في الجهة الشمالية الغربية من المحافظة، وتضم ولايات مقشن والمزيونة، إضافةً لشليم، وثمريت. مناخها صحراوي جاف وقليل الأمطار.
عدد سكان محافظة ظفار يبلغ نحو 425 ألف نسمة بينهم 204 ألف مواطن عماني، في مقابل نحو 221 ألف وافد، وفق أحصاءات السكان حتى تموز/يوليو 2016. وتتنوع اللهجات المحلية وفق البيئة والمنطقة الجغرافية. فعلى الرغم من أن اللغة العربية هي اللغة الرسمية والتي تدرس في المدارس والجامعات إضافة إلى اللغة الإنكليزية، فإن الكثير من الظفاريين، يتحدثون في حياتهم العادية اللغة «الشحرية»، وهي من اللغات العربية القديمة، يُعرّفها الباحثون بـ«اللغة العصفورية» التي لا تُكتب، تتناقها الأجيال كلغة تخاطب، ما يجعلها عرضة للانقراض مع الزمن.
وتعتبر مدينة صلالة الثالثة من حيث الكِبَر وعدد السكان بالنسبة لمدن سلطنة عُمان. وتشتهر إلى اللبان والبخور، بالأشجار الاستوائيّة وخاصّة شجرة النارجيل، التي تشبه ثمرتها جوز الهند، كما تمتاز زارعياً بالموز والفافاي. وهي تبعد عن العاصمة مسقط نحو ألف كيلومتر، ويقصدها العمانيون إما عبر وسائل النقل البري أو السفر الداخلي من مطار مسقط إلى مطار صلالة.
صلالة القلب النابض
لا شك أن لكل ولاية من ولايات ظفار خصائص معينة، غير أن ولاية صلالة تشكّل مركز الاستقطاب الفعلي، حيث الثقل السكاني الذي يُشكل ما نسبته 70 في المئة من عدد سكان المحافظة. هي حاضرة ظفار ومركزها التجاري والإداري، حيث شهدت حركة تنموية متسارعة، مع وجود مطار دولي فيها هو مطار صلالة الدولي، وميناء صلالة للحاويات، الذي يحتل المرتبة الثاني من حيث الأهمية في السلطنة والميناء الثاني الأكبر في الشرق الأوسط ككل، فضلا عن وجود مناطق صناعية عدة، إضافة إلى المؤسسات الادارية والخدماتية والتعليمية سواء الحكومية أو الخاصة.
لكن صلالة أيضاً تميزت بدور سياحي بارز في السلطنة، بحيث أضحت تُوصف العاصمة السياحية، نظراً إلى تمتعها بالمقومات السياحية الطبيعية، وبمهرجانها السنوي الذي يعتبر عاملا محركاً للدورة الاقتصادية والتجارية في المحافظة.
فهي تشتهر بعدد كبير من المواقع والأماكن السياحية التي يقصدها الزوار، منها المزارات الدينية التي يحوطها الكثير من الروايات والحكايات التي يتناقلها الأهالي، وأبرزها مقام النبي أيوب الواقع على جبل «أتين» المطل على لوحة من المناظر الجميلة والطبيعية. كما هناك ضريح البني عمران التوراتي الذي يلف الغموض رواية انتقال هذا النبي من فلسطين ليدفن في صلالة. كما أن مسجد الرواس يعتبر من أقدم وأبرز المساجد التاريخية في المدينة وأجملها لما يحتويه على نقوش وزخارف نادرة.
ولا يمكن للمرء وهو في طريقه إلى قلب مدينة صلالة إلا أن يتوقف عند مدينة البليد الأثرية، تلك المنطقة المسوّرة بالآثار. كما أن أسواقها، ولاسيما سوق الحصن، أحد أشهر الأسواق القديمة يشهد إقبال الزوار لشراء العطور والبخور واللبان. وهو من الأسواق التي تكتسب الشهرة على غرار سوق مطره في مسقط.
والخيارات السياحية متعددة، فهناك العيون المائية الطبيعية سواء عين جرزيز وعين صحلنوت وعين طبرق أوعين رزات التي تحيط بها الأشجار كما الكهوف في التلال، حيث يُمكن للزوار التنزّه بسهولة لتوفّر الممرات المخصصة للصعود لقمتها. هذا فضلا عن شاطئ الحافة وشاطئ المغسيل المُصنف من أجمل عشرة شواطئ حول العالم، لتميّز موقعه المطل على بحر العرب وجماله، وكهف المرنيف القريب منه، ومنتزه اللبان وسهلي أتين وصحنوت، وبرج النهضة، ومركز البلدية الترفيهي، والسوق المركزي، وحديقة صلالة العامة.
وتمتاز صلالة بالأودية الذي يعد وادي دربات أكبرها، ويتميّز بكثرة الشلالات فيه، ولاسيما في الشتاء ما يعطية بعداً جمالياً خاصاً.
عشرون عاماً على التوالي
على أن مهرجان صلالة بات العلامة الفارقة في هذه المدينة. فهو يقام منذ عشرين سنة على التوالي وغالباً بين الخامس عشر من تموز/يوليو والواحد والثلاثين من أب/اغسطس، لكن هذه السنة تمّ تقريبه إلى الثلاثين من حزيران/يونيو، بحيث يمتد على فترة شهرين.
هذه السنة يحمل المهرجان الذي يقام في مركز البلدية الترفيهي إسم «عمان الرخاء والنماء». وقد أصبح رافداً أساسياً للمدينة ببعده الاقتصادي والسياحي والاجتماعي والثقافي. ويشكل فسحة لتلاقي النشاطات الثقافية الخاصة بكل محافظة والمميزة بطابعها الفولكلوري، فضلاً عن الأشغال الحرفية واليدوية والصناعات القليدية الصغيرة التي تتميز بها كل منطقة، كما أنه يشمل على مشاركة بلدان خليجية وعربية تعكس تراثها وفنونها. ويضم مساحات للعب والترفيه وأخرى للفرق الفنية والتراثية ومساحات للراحة وتناول الطعام وأخرى اختصت بتقديم الإبداعات الثقافية والندوات العلمية والأدبية والمعارض الفنية والتشكيلية، إلى جانب فعاليات سياحية أخرى مثل السفاري والتخييم والرحلات البحرية والغوص مع الدلافين ومشاهدة معالم ومزارات مدينة صلالة.
ووفق محافظ ظفار المشرف العام على المهرجان محمد بن سلطان البوسعيدي، فإن هناك إضافات جديدة هذه السنة، إقامة مهرجان الفنون التقليدية والصناعات الحرفية بالتعاون مع وزارة التربية والتعليم بمشاركة 35 دولة، إذ ستقدم 18 دولة عروض الفنون الفولكلورية بها، وتشارك قرابة 15 دولة من أنحاء مختلفة من العالم في صناعاتها الحرفية، وذلك بهدف الاطلاع على ثقافات دول مختلفة من العالم وتعزيز التواصل الحضاري.
وحصدت بلدية ظفار، التابعة إدرايا للمحافظ والمعنية بتنظيم مهرجان صلالة، مؤخراً على المركز الأول عن فئة جائزة تجميل المدينة في إطار الدورة الثالثة عشرة لحفل توزيع جوائز منظمة المدن العربية، التي أقيمت في قطر في أيار/مايو الماضي، في خطوة شكلت لها حافزاً إضافياً للمضي للبحث عن سبل تطوير المدينة دون إلغاء الهوية العمانية والطابع التراثي الذي يحكم تاريخ المحافظة برمتها.
تعداد زوار خريف صلالة
وللسنة الرابعة على التوالي، ينفذ المركز الوطني للإحصاء والمعلومات مشروعاً لحصر أو تعداد الزوار مع بدء موسم «خريف ظفار» أو «خريف صلالة». المشروع ينفذ ميدانيا بالتعاون مع وزارة السياحة وشرطة عمان السلطانية، ويغطي الفترة بين 21 حزيران/يونيو و21 أيلول/سبتمبر موعد انتهاء فصل الخريف محلياً، بيحث يتضمن حصر جميع القادمين إلى صلالة من غير المقيمين فيها سواء عن طريق البر أو الجو، وإجراء مقابلات مباشرة معهم لجمع عدة بيانات تتضمنها الاستمارات الإحصائية كبيانات عن الجنسية وبلد الإقامة والمنطقة بالنسبة للعماني والغرض من الزيارة وعدد المرافقين.
ويعزو مدير عام الإحصاءات الاقتصادية بالمركز الوطني للإحصاء والمعلومات خالد بن سعيد المظفر أهداف المشروع إلى تحديد حجم السياحة في موسم الخريف سواء السياحة الداخلية أو الوافدة وتحديد اتجاهات نموها عبر الزمن ودراسة الخصائص الديموغرافية والاقتصادية للزوار بالإضافة إلى دراسة خصائص الرحلات السياحية، الأمر الذي سوف يساعد في التخطيط لتطوير هذا القطاع الإنتاجي.
وأبرزت نتائج حصر زوار خريف صلالة لعام 2016 حسب المظفّر ان إجمالي عدد الزوار بلغ نحو 652986 زائرًا مقارنة بـ514777 في عام 2015 بمعدل زيادة قدره 26.8 في المئة، وتُقّدر نسبة العمانيين منهم 75 في المئة، فيما وصل إجمالي الانفاق خلال موسم حريف 2016 نحو 65.7 مليون ريال عماني.