الأردن والسعودية: هل يتحقق الهدف؟ (1)
جمانة غنيمات
بزيارة جلالة الملك للرياض، يوم الأربعاء الماضي، نشهد ولادة مرحلة جديدة للعلاقة الأردنية-السعودية، تجيب عن كثير من الأسئلة، الأردنية خصوصاً، بشأن ماهية العلاقة بين البلدين. إذ تؤشر حميمية اللقاء الأحدث إلى طور إيجابي جديد مختلف، ضمن علاقة راسخة مستدامة، نقيضاً لحديث طفا على السطح خلال الفترة الماضية، فحواه فتور العلاقة بين عمّان والرياض.
"الاشتباك الجديد"، إن صح التعبير، يأتي في وقت لم تتغير فيه كثيراً الظروف الإقليمية والعالمية السائدة منذ قرابة عامين، شهدا تفاهمات مشتركة بين البلدين، عقب اتصالات مكثفة وزيارات متبادلة بين القادة، ليس خلال تلك الفترة فحسب، ولكن على امتداد سنوات طويلة سابقة.
إلا أن السعودية اليوم تختلف عن تلك التي كانت قبل عامين. فثمة قيادة جديدة برؤية مختلفة، تسعى إلى الانفتاح على الإقليم والعالم، بثوب اقتصادي جديد يقوم على الاستثمار بعيدا عن غطاء النفط الذي يشهد تراجعا محموما، أهمية وعائداً، منذ أكثر من عام.
الملك عبدالله الثاني فهم التحول السعودي والتغيرات التي تأخذ مسارها سريعاً هناك. ولذلك، اختار رئيس الديوان الملكي الأسبق
د. باسم عوض الله، مبعوثا خاصا له إلى السعودية، وهو الذي تربطه علاقات إيجابية بالرياض وقيادتها. ومنذئذ يسعى عوض الله إلى إنجاح مهمته التي مضى عليها أكثر من عام.
هذه المرة، يعود رئيس الديوان الملكي الأسبق إلى الواجهة بعد كل ما بذله من جهود في ترتيب العلاقة بين الأردن والمملكة الجديدة في السعودية.
إذ بعد التكليف الجديد مباشرة، غاب عوض الله عن الأنظار. لكنه يعاود الظهور الآن في مناسبة توقيع محضر إنشاء مجلس التنسيق السعودي الأردني، الذي لم يكن، في الواقع، بداية المرحلة الجديدة للعلاقات بين البلدين. إذ تسربت معلومات قبل أشهر تفيد ببدء العمل فعلا على جلب الاستثمار السعودي إلى الأردن، بما يعني أن التوقيع على محضر إنشاء "مجلس التنسيق" ليس أمرا بروتوكوليا، بل هو خطوة تنفيذية، جاءت بعد أشهر طويلة من العمل، لم يُعلن عنها، بين الجانبين.
التحضير عمليا بدأ منذ شهر رمضان الماضي، وتحديداً قبل أسبوع من الزيارة الأولى لولي ولي عهد السعودية الأمير محمد بن سلمان في آب (أغسطس) 2015، والتي مهدت الطريق للشراكة الجديدة.
إذ قبل أسبوع من هذه الزيارة، تواجد في الأردن وفد سعودي من خبراء التطوير والاستثمار، رافقه عوض الله في جولة عمله التي اتسعت من شمال المملكة إلى جنوبها، ليطلع الوفد على الفرص الاستثمارية فيها. ثم استمر العمل بصمت على مدى الأشهر الماضية، لحين تتويج الإنجاز بلقاء الرياض الأخير، وتدشين مجلس التنسيق كإطار سياسي وقانوني مؤسسي للعلاقة الجديدة بين البلدين.
هكذا يكون بدهياً استنتاج أن جهود الأشهر الماضية غير المعلن عنها، قد انتهت إلى منجز فعلي، تمثل في التأسيس لأشكال جديدة من التعاون الأردني-السعودي، مظلتها الكبيرة الصندوق الاستثماري المشترك الذي أعلن عن توقيع مذكرة تفاهم بخصوصه خلال زيارة الأمير محمد بن سلمان الأخيرة للأردن في 11 نيسان (أبريل) الحالي.
والرغبات الأردنية في استقطاب الاستثمار السعودي، تنسجم بالكامل مع الرؤية السعودية الجديدة التي أعلنها الأمير محمد بن سلمان قبل أيام تحت مسمى "رؤية المملكة العربية السعودية 2030"، وتقوم على إنشاء صندوق سيادي بحجم استثمارات يصل إلى 2.3 تريليون دولار.
فالنجاح في جذب الاستثمار يكاد يمثل بحق "العصا السحرية" لحل مشاكلنا الاقتصادية والمالية، فيما البقاء ضمن النهج الحالي القائم على المنح وتوسيع حجم القطاع العام، لا يؤدي إلا إلى إصابة أهداف التنمية الحقيقية والمستدامة في مقتل.
الأردن والسعودية: هل يتحقق الهدف؟ (2)
تلتقي حقيقة أن لا تنمية مستدامة وشاملة في الأردن من دون استثمارات خارجية، مع الرؤية السعودية الجديدة القائمة على تنويع ركائز الاقتصاد السعودي، محلياً وإقليمياً وعالمياً، كما مبادرة البلدين إلى تدشين مجلس التنسيق الأردني السعودي على الصعد كافة، بما في ذلك الاقتصاد.
والحديث عن ماهية الاستثمار السعودي المتوقع، يُظهر تعدد المجالات والقطاعات. وهو يبدأ من استثمار اليورانيوم بالتنسيق مع هيئة الطاقة الذرية التي يرأسها د. خالد طوقان. إذ تم خلال الفترة الماضية وضع الخطوط العريضة للتعاون في هذا المجال، وتحديد أوجه الاستثمار الممكنة. كما أن ثمة دراسات جادة لتطوير مواقع سياحية ضخمة في مدينة العقبة وغيرها، إضافة إلى تطوير التعاون في مجال التصنيع العسكري.
وإذ لم يتضح بعد حجم الأموال التي ستُخصص للصندوق الاستثماري المشترك، إلا أنه يُتوقع أن يكون بمليارات الدولارات، تُوزّع على مشاريع يفترض أن تشغّل أردنيين، حتى تحقق قيمة مضافة، وليكون الحكم على التجربة، بالتالي، من خلال المنجز وليس التنظير، وأهم المنجزات هو استشعار الناس تحسناً في حياتهم نتيجة ذلك.
بعد الإعلان عن "مجلس التنسيق"، وضمنه "الصندوق الاستثماري"، يأتي الآن دور العمل الحكومي لاستكمال ما بدأ قبل أشهر، بهدف قوننة العلاقة وترتيبها من خلال تشريعات عصرية، وتحضير الدرس الأردني جيدا لتقديم المشاريع المواتية للتنفيذ، وبالتالي ضمان نجاح المبادرة بشكل يؤهل اقتصادنا للانتقال إلى شكل جديد قائم على القطاع الخاص.
وهنا يظهر التحدي الكبير، لأن السياسات الحكومية طالما أضاعت البوصلة، وفشلت في اقتناص الفرص!
حتماً، إن الطريق ليست معبدة بشكل مثالي للمضي قدماً؛ فأمام القيادتين السعودية والأردنية معيقات محلية تسعى إلى تعطيل محاولة الانتقال ببلديهما إلى مراحل أكثر عصرية وانفتاحا.
أما أهم عنصر للنجاح، فيما يتعلق بالأردن تحديداً -والذي يرتبط بشكل وثيق بجانب العمل الحكومي الجاد- فيتمثل في خلق وتوفير مؤهلات بشرية تؤمن بالاستثمار ولا تعيقه حد "التطفيش"، من خلال البيروقراطية وغيرها من عقبات حكومية؛ لاسيما أن نجاح الشراكة مع السعودية، التي تشكل اليوم بوصلة دول الخليج الأخرى، ستُغري غالباً الصناديق السيادية لهذه الدول بالتوجه بأعمال لها نحو الأردن.
ولا بد من الإشارة إلى أن البعض، أردنياً، قد لا يبدو سعيدا بما حدث، ربما بسبب شخصية د. باسم عوض الله المثيرة للجدل، والذي نال خصومة كثيرين إبان توليه مسؤوليات سابقة حكومية ورسمية؛ سواء كان ذلك لأسباب مقنعة، أم بحكم المناكفة السياسية، وبما دفع به إلى الابتعاد عن المشهد. لكن عوض الله يعود اليوم، لقناعته بأن ما يفعله هو خدمة للأردن، يقدمه بالطريقة التي يحبذ؛ وهو منجز واقعي يخفف عن البلد عبء مشكلاته الاقتصادية. وهذا ما يضع عوض الله بدوره، ومرة أخرى، أمام اختبار صعب محليا.
الخلاصة؛ وبعد الإجابة عن السؤال المحوري: "هل ثمة شروط سعودية للمضي في هذه العلاقة؟"، فإن الاختبار المهم للأردن، بكل مسؤوليه، يتمثل في سؤال آخر: هل سننجح في توفير الشروط المواتية للشراكة الجديدة مع الشقيقة السعودية؛ فنجني المنافع المرجوة منها؟ ونتيجة لذلك، وهو الأهم، هل سنشهد تحولا في المشهد الاقتصادي الأردني وسط التشكيك الشعبي بفرص تحقيق الأهداف؟ وهل سنبدأ بعد سنوات بتغيير طبيعة السؤال حول العلاقة مع البلد الشقيق؛ بأن يصبح "كم استثمرت السعودية لدينا؟"، بدلا من "كم حجم المنح التي تقدمها لنا؟" كما هي الحال الآن؟
يبقى أن مأسسة العلاقة مهم، والمضي في تنفيذ المخطط ضرورة، لكن مع التأكيد على أن جني ثمار هذه الشراكة يحتاج وقتا طويلا نسبياً. وحتى ذلك الحين، سيبقى الأردن يعاني من أزمة مالية خانقة، نتيجة استضافة اللاجئين، وإغلاق حدوده الشرقية والشمالية.