أولاً: ظهور ثورة المعلومات وانتشارها
لم تتفق كلمة الباحثين على إعطاء تعريف موحد للمعلومات Information، فهي غير ملموسة، لكن نتائجها ظاهرة للعيان، ومتمثلة بالمستحدثات التقنية والمؤسسات العلمية والصناعية وغيرها. فهي عامل أساسي في إحراز أي تقدم، والطفرات الحضارية ما هي إلا نتاج لثورة المعلومات. إن المعلومات دولية الملكية، فهي تصدر عن شخص أو باحث، وتنشر في وثائق ذات أشكال شتى، وتوزع دولياً فهي متاحة لكل شعوب العالم، اقتناء، ودراسة، ونقدا، وتفسيراً. فتنمو وتزدهر نتيجة للتطبيقات والتفسيرات المتنوعة ثم توضع في حيز التطبيق لحل المشاكل على تعددها، وتنوعها، أو إبداع المزيد من المستحدثات الحضارية من أجل المزيد من التقدم.
تتميز المعلومات عن غيرها من عناصر الإنتاج كالمادة، والطاقة. فهي أكثر أهمية بوصف أن المواد الأولية عديمة الفائدة لمن لا يمتلك المعلومات التي تساعده على كيفية استغلالها والانتفاع بها. فالمعلومات في زيادة مستمرة، وإنتاجها لا يحتاج ولا يتطلب الكم الهائل من الإنفاق والطاقة، ومن نتاجها يمكن عمل قوة تحل محل أنواع أخرى من الطاقة، ولا يتطلب نقل المعلومات وقتاً طويلاً أو تكلفة عالية، وتنتشر المعلومات في المجتمع بسرعة عالية، وينمو هذا الانتشار ويزيد بعكس المواد الأولية. إن عجز الإنسان في التغلب على أي مشاكل في المجتمعات الحديثة، يرجع إلى عدم توفر المعلومات، أو عدم القدرة على استرجاع المعلومات المطلوبة في الوقت المناسب.
1. بداية ثورة المعلومات
كان من السهل في الماضي أن يحتفظ الإنسان في الذاكرة بكل المعلومات الضرورية، التي يرى فيها تحقيق رغباته ومصالحه. ثم بدأت البشرية في الدخول إلى آفاق جديدة للمعرفة، وأُدخلت علوم جديدة وأنماط مختلفة من أدب وفن وعلوم هندسة واقتصاد واتصالات. ولما كانت قدرات الإنسان العقلية محدودة في حفظ هذه المعلومات وتخزينها في ذاكرته، بدأ في استحداث وسائل وأساليب جديدة لتسجيل كل العلوم، وصياغة كل الفنون، واعتنق مذاهب كثيرة في سبيل ذلك. فالرسم والكتب والحفر والطباعة والفهارس، ثم الحاسبات والميكروفيلم، كل هذا بهدف واحد هو ألا تضيع منه معلومة يرى أنه سوف ينتفع بها في مراحل لاحقة. وفي القرن الماضي حدث فيضان معلوماتي، ووجد الإنسان نفسه أمام سيول من البيانات لا حصر لها، ولحبه الشديد في الاحتفاظ بما وصل إليه العلم الذي كان نتاج وثمار كفاحه، سعى إلى تجميع وترتيب، ثم معالجة وتخزين واستخراج البيانات طبقاً لاحتياجاته الفعلية، وشعر حينها بهدوء شديد، فقد حقق ما أراد من احتفاظه بما وصل إليه من علوم، على أن يستدعي ما يريد في الوقت المناسب وبالقدر المناسب وعلى قدر حاجته إلى المعرفة.
وترجع جذور ثورة المعلومات إلى ثلاثين عاما مضت، عندما تكونت مجتمعات الحاسب، وظهرت نظم متعددة للحاسبات، وقد أدى ظهور هذه الحاسبات إلى تجمع لفئة من الأفراد المهتمين بهذا النشاط، وبدأوا يركزون نشاطهم على جهاز الحاسب. وقد شكّل هذا شخصية مجتمع معلومات القرن الحادي والعشرين. ويرجع الفضل في ظهور أجهزة الحاسب صغيرة الحجم إلى أول برنامج للأقمار الصناعية ، حيث بذلت الشركات الخاصة مجهودات ضخمة في تصغير حجم هذه الأجهزة، لكي يسهل وضعها في الأقمار الصناعية.
وقد بدأ استخدام اقتسام الوقت كوسيلة لاستخدام أجهزة الحاسبات الرئيسية الكبرى ذات التكلفة الكبيرة، بين حوالي ثلاثين شخصاً يجلسون أمام أجهزتهم الطرفية، التي كانت في البداية مجرد آلة كاتبة في حجم مكتب صغير، تحولت بعد ذلك إلى جهاز طرفي له شاشة ويبدو كجهاز الحاسب الشخصي. ولم يكن الحاسب سريعاً في ذلك الوقت، وكان يتعين على المستخدمين أن ينتظروا نصف دقيقة أو أكثر في كل مرة ينقروا فيها المفتاح لإدخال المعلومة، بينما عند استخدام الكروت المثقبة يمتد الانتظار لمدة ست ساعات.
وفي أوائل الثمانينات من القرن الماضي، لم يعد الناس بحاجة إلى اقتسام حاسب مع آخرين، إذ أصبح الحصول على حاسب شخصي أمراً يسيراً، وقد عمل الباحثون في أرجاء العالم على معالجة التقنيات التي تجعل عملية اقتسام الوقت على نطاق واسع أمراً ممكناً، حتى أضحت الحاسبات الشخصية في الوقت الراهن متشابكة بالقدر الذي يسمح بتشغيل الشبكة العنقودية وتبادل الوثائق وإرسال البريد الإلكتروني في الوقت نفسه.
2. ظاهرة تفجر المعلومات
أ. النمو الهائل في حجم الإنتاج الفكري
من أهم السمات التي يتميز بها هذا العصر سمة تفجر المعلومات، والطوفان الكبير منها حيث تنتشر كل لحظة بلا حدود، حتى أصبح التحكم في هذه المعلومات والسيطرة عليها من الأمور الصعبة عن ذي قبل. وهذه القفزة كانت نتيجة التقدم التكنولوجي والحضاري، الذي أثر تأثيراً كبيراً في حياة الإنسان، بسبب الطفرة العلمية الكبيرة. وتقدم الإنسان في علمه واكتشافه بدرجة تفوق كثيراً كل ما مر خلال تاريخه الطويل من اكتشافات وحضارة، وكذا الباحث أو الكاتب أو المفكر لا يستطيع أن يلم بجزء صغير جداً مما كتب في مجال تخصصه، لتعدد أشكال نشر المعلومات وأوعيتها، وتعدد لغات النشر، حتى إن هذا العصر الذي يعيشه الإنسان سُمي "عصر المعلومات".
ويشير مصطلح "تفجر المعلومات" Information Explosion إلى اتساع المجال الذي تعمل فيه المعلومات ليشمل جميع مجالات النشاط الإنساني، إذ تحول إنتاج المعلومات إلى صناعة أصبح لها سوق كبير لا يختلف كثيراً عن باقي الأسواق المعروفة. وقد يزيد ما ينفق على إنتاج المعلومات على المستوى الدولي عما ينفق على الكثير من السلع الإستراتيجية المعروفة في العالم. وتتخذ مشكلة تفجر المعلومات مظاهر عدة أهمها النمو الهائل في حجم الإنتاج الفكري، فقد تطور حجم هذا الإنتاج المنشور في الدوريات من مائة دورية في عام 1800 إلى 70 ألف دورية في عقد الثمانينيات من القرن الماضي، وبصورة عامة فإن كمية المعلومات تتضاعف كل اثنتي عشرة سنة.
ويعد معدل نمو المعلومات ونمو الحاجة إليه أسرع من نمو الاقتصاد العالمي، فمعدل الزيادة في حجم المجتمع العلمي والتقني يصل كل عام 7% في الوقت الذي يصل فيه معدل زيادة المعلومات في هذا المجتمع 11%. ويضم العالم الثالث مبدئياً أكثر من ثلاثين مليون باحث في ميادين العلوم والاقتصاد والتكنولوجيا وغير ذلك من الميادين، ولهذا العدد من الباحثين إنتاجه العلمي الوفير. إن حصيلة ما يصدر سنوياً من الوثائق في مختلف المجالات سوف يصل إلى 12-14 مليون وثيقة، وهناك زيادة سنوية في حجم المطبوعات تصل 1.5 مليون مطبوعة، وسوف تنمو الحاجة إلى المعلومات بالمعدل الذي تنمو به المطبوعات.
ب. تشتت الإنتاج الفكري
إن للتخصص الزائد في الموضوعات العلمية أثراً كبيراً في بزوغ أفرع جديدة أخذت أصولها من فروع مختلفة مثل الهندسة الطبية، والكيمياء الحيوية. وتشير الإحصاءات إلى أن الإنتاج السنوي من المعلومات مقدر بعدد الوثائق المنشورة، وأن عدد الأشخاص الذين يسهمون في هذا الإنتاج يتراوح ما بين 30 ـ35 مليون شخص، ورصيد الدوريات على المستوى الدولي ما يقرب من مليون دورية، يضاف إليها كل عام ما يقرب من 15 ألف دورية جديدة، والإنتاج الدولي من الكتب 600 ألف كتاب، أي بمعدل 1650 كتاب في اليوم، أو 70 كتاباً في الساعة.
ج. تنوع مصادر المعلومات وتعدد أشكالها
توجد مصادر عديدة للمعلومات منها: الدوريات، والكتب، وتقارير البحوث، والبيانات، والأوراق المقدمة إلى الندوات والمؤتمرات، والرسائل الجامعية،،وبراءات الاختراع، والمعايير الموحدة، والمواصفات القياسية، والميكروفيلم، والأفلام، والشرائح، والأشرطة، والأقراص، علاوة على الكم الهائل من المعلومات التي تبثها وسائل الاتصال المرئية والمسموعة. ومن ناحية أخرى، يوجد بدول العالم المختلفة 116 مكتبة قومية يبلغ رصيدها من المجلدات حوالي 160 مليون مجلد، كما يوجد ما يقرب من 120 وكالة أنباء دولية ووطنية تعمل في مجال المعلومات والأخبار، وتبث يومياً أكثر من نصف مليون خبر ومعلومة، كذلك توفر الأقمار الصناعية كماً كبيراً من المعلومات لا يسهل حصره وتتبعه.
إن المشكلة الرئيسة الخاصة بالمعلومات هي سوء توزيعها، سواء على المستوى الدولي أو المستوى القومي. ويهيمن عدد قليل من الدول الصناعية المتقدمة على تكنولوجيا المعلومات، وتزداد الهوة بين إمكانات الدول النامية والدول الصناعية في مجال إنتاج المعلومات ونشرها. كما تفتقد الدول النامية إلى الطاقة البشرية المؤهلة للتعامل مع تكنولوجيا الاتصالات الحديثة ووسائل تخزين المعلومات وسهولة استرجاعها، ما يضاعف من فجوة المعرفة بين المجتمعات المتقدمة والمجتمعات النامية.
إن الجهود الفردية أو المحلية في السيطرة مادياً على الطوفان الفكري للمعلومات والبيانات، بالغة الصعوبة. وعلى الرغم من المحاولات الفردية في إنشاء نظام دولي للتحكم في الإنتاج الفكري العالمي، ومحاولات الباحثين في المجال العلمي من أجل إنشاء خدمات توثيقية تسهل الوصول إلى المعلومات وتحللها وتكشفها، بل تعدي الأمر إلى ترجمة هذه المعلومات حتى لا يتكرر الجهد ويتكرر الكشف في أماكن أخرى تبحث في نفس المجال. ثم انتقلت هذه المحاولات إلى محاولات دولية، فنشط التعاون بين الحكومات والهيئات والجمعيات الإقليمية لتقديم أفضل وأسرع وسيلة للضبط والتحكم في هذا الكم الهائل من المعلومات على المستوى الدولي، وتحاول منظمة اليونسكو UNESCO إنشاء نظام قومي للمعلومات، للدول الأعضاء. إن التعاون الدولي في مجال تبادل المعلومات قد حقق إنجازات كبيرة، حيث أصبح من السهولة انتقال المعلومات سواء بطريقة مباشرة أو غير مباشرة بين مختلف الدول.
3. سوق المعلومات
تعد سوق المعلومات من الضخامة بحيث تضم مدينة كبرى من حيث الحجم والمكونات، بما تحويه من معلومات كثيرة ومتخصصة تنقل خلال شبكات وتُخزن خلال حاسبات، سواء كانت شبكات رعاية صحية أو شبكات بنوك أو شبكات معلومات في مجالات أخرى. وتمثل كل شبكة مؤسسة قائمة بذاتها، تعمل وتدار على نطاق ضخم، بحيث أصبح هذا السوق يضم شبكات في جميع التخصصات تربط البشر من خلال 100 مليون حاسب، يستطيع الفرد القفز من مكان لآخر بمجرد إصدار أمر شفهي بسيط بصوته، أو كتابي على لوحة الحاسب، أو من خلال الهاتف المحمول.
إن سوق المعلومات بمثل هذا الحجم والوفرة، وهو أكثر شمولية من أي سوق أخرى. وتبنى سوق المعلومات على أساس إنشاء بنية أساسية مشتركة تتألف من جميع أدوات وخدمات المعلومات التي تمكن أنشطتها المتعددة من إدارة العمل في جميع الاتجاهات للدولة. ويمكن أن توزع هذه البنية الأساسية على كل أنحاء العالم، ولا تقتصر ملكيتها على مؤسسة واحدة، وإنما على عديد من المؤسسات. وسوف تقوم هذه السوق بنقل البيانات والأصوات والنصوص والصور عبر أجهزة الهاتف، والأقمار الصناعية والمعدات اللاسلكية، وأجهزة الحاسب. وسوف تقوم هذه البنية بجميع العمليات السمعية والمرئية لإنتاج المعلومات المطلوبة في وقت واحد.
4. البنية الأساسية للمعلومات
إن تأمين حاجة المجتمع لمطالبه عتمد على قدرة هذا المجتمع على إنتاج هذه المطالب، وبالقطع لا يمكن إدارة عجلة الإنتاج من دون البنية الأساسية المعلوماتية اللازمة لإدارة العملية الإنتاجية. وترتكز البنية الأساسية للمعلومات على أربع ركائز رئيسة: أولها القوي البشرية، ويقصد بها القوى البشرية المتعلمة والمدرّة على استخدام وإنتاج التقنيات الحديثة في مجال المعرفة مع دراسة الأجهزة والمعدات والأنظمة والبرامج. وثانيها المكونات المادية ويقصد بها الأجهزة والوحدات الرئيسة والمساعدة ومكوناتها، سواء المدمجة أو المستقلة اللازمة لاستقبال المعلومات ومعالجتها وحفظها. وثالثها المعرفيات، ويقصد بها الوسائل والأساليب المختلفة لتشغيل نتائج معالجة البيانات وعرضها، وذلك من خلال برامج الحاسبات وأنظمتها المختلفة سواء كانت برامج تطبيقية أو حسابية. ثم الركيزة الرابعة وهي الإداريات، ويقصد بها مجموعة السياسات والقوانين واللوائح والتنظيمات والقواعد المنسقة لهذا النشاط والهادفة إلى تشجيعه والحفاظ علية وتنظيمه واستمراره مع تذليل العقبات التي تعترضه.
ويمكن تشبيه البنية الأساسية للمعلومات بمبنى مكون من طوابق عدة، يضم الأول منها جميع قنوات الاتصال من خطوط هاتف، وكوابل الفيديو، وروابط بالأقمار الصناعية، وقنوات الاتصال اللاسلكية، إضافة إلى البرامج والبروتوكولات التي تنظم عمل هذه القنوات، ويضم الثاني جميع واجهات التعامل من أنظمة تشغيل الحاسب المختلفة مثل واجهة تطبيقات التشغيل يونكس Unix، ونظام النوافذ Windows، أما الثالث فهو يحتوي على جميع الأدوات البرمجية الوسيطة المشتركة، وهي الأدوات الخاصة بالآلية والبريد الإلكتروني والعمل الجماعي والعمل عن بعد وبرامج التنظيم وآلات التصوير المتقدمة، والنظم المختلفة لأمن الحاسبات الخاصة بالسرية والتحقق. ويقتسم المستخدمون لهذه البنية الأساسية الموارد المشتركة للنظام، فقد يستخدم أحد المشتركين البريد الإلكتروني، وآخر صفحات الإنترنت، بينما يكون أحد المستخدمين مشغول في التعامل مع جهازه الشخصي بتطبيقات منفصلة قائمة بذاتها وغير متصلة بأي بنية أساسية. ومع شيوع التطبيقات القائمة بذاتها واقتسامها على نطاق واسع، تصبح تلك التطبيقات جزءاً من البنية الأساسية بعد تخزينها وتعميمها.
إن آلة البنيات الأساسية للمعلومات التي تتكون منها سوق المعلومات، تمكن ملايين من الناس بأجهزة الحاسب الشخصية من ممارسة أعمال التجارة الإلكترونية والخدمات المعلوماتية بحرية كاملة وذلك باستخدام النظم المختلفة وبرامج التطبيقات الخاصة بهم، وتقوم أجهزة الحاسب بتشغيل وإدارة الإجراءات نيابة عن مستخدميها بطريقة آلية مبرمجة، وهذا سيجعل سوق المعلومات في حالة نشاط كامل كما أن بنية هذه السوق الأساسية في حالة عمل دائم مثل البنيات الأساسية الخاصة بالطاقة والمياه والغاز وخطوط الهاتف ونظم الأمن الموجودة في أي مدينة عصرية.
هذه العملية سوف تغير واجهة تطبيقات التشغيل الخاصة بالحاسبات التي صُمِّمت، لذلك سوف تظهر منظومات جديدة تستطيع استغلال البنيات الأساسية الجديدة المتصلة بها أفضل استغلال بوصفها تحسينات مضافة للنظم القديمة. بمعنى أن النظم القديمة ستكون في ثياب جديدة، مثل أجهزة الحاسب الشبكية، التي تتألف من شاشة ووحدة تشغيل مع عدم وجود قرص رئيسي للتخزين. حيث يخزن المستخدم بياناته وبرامجه داخل آلات رئيسة ضخمة، ومن ثم يستفيد الكثير من تخفيض التكلفة والتحديث التلقائي للبرامج.
وتتمثل الخاصية الرئيسة لمثل هذه البيئة في أنها تتيح رؤية المعلومات والتعامل معها بواسطة حاسبات متعددة، وكان ذلك يتم في آلة المستخدم نفسه، وسوف يتيح هذا التكامل بين المواقع المحلية والبعيدة اقتسام المعلومات وجميع البيانات والإجراءات في أرجاء العالم، حيث يقوم بتحديثها أشخاص آخرون ومنظمات أخرى، مع إنجاز العمل الجماعي والكثير بالسهولة نفسها، وأخيراً تصبح سوق المعلومات حقيقة واقعة، سواء هناك بيئة جديدة أو بالبيئة المستخدمة الآن، بشرط توافر واجهات تعامل فعالة بين الإنسان والآلة وأدوات وقنوات اتصال ذات سعات كبيرة.
5. تكنولوجيا المعلومات والنظم الحديثة
تعرف تكنولوجيا المعلومات بأنها جميع أنواع الأجهزة والبرامج المستخدمة في تجهيز وتخزين واسترجاع المعلومات، ويمكن أن تُعرف تكنولوجيا المعلومات بأنها أربع فئات رئيسة وهي: تقنيات أوعية المعلومات على اختلاف أشكالها، وتقنيات تجهيز المعلومات واختزانها واسترجاعها، وتقنيات الاتصالات وتراسل البيانات، وتقنيات إنتاج المعلومات نفسها، وهي تقنيات المختبرات التي تدعم في الأساس حواس الإنسان وقدرته على ملاحظة الظواهر الفلكية والجيولوجية والفيزيائية، وتخرج عن نطاق دائرة تنظيم المعلومات.
أ. تطور تكنولوجيا المعلومات
إن نقطة انطلاق المعلومات كانت الخطابات، ثم أصبحت الكتب، ثم الدوريات، ثم دوريات المستخلصات، التي تولي نشرها منتجو المعلومات من الدرجة الثانية، ثم ظهرت قواعد البيانات الإلكترونية، ثم أجهزة الحاسبات المضيفة Hosts لقواعد البيانات، ثم المعلومات الإلكترونية ومنها الدوريات على شبكة "الإنترنت" Internet، وأخيراً الأجهزة التي تتسم بالذكاء الاصطناعي Artificial Intelligence والنظم الخبيرة Expert Systems. وقد تابع هذا التطور الناشرون البدائيون، ثم منتجو المعلومات، وأخيراً أجهزة الحاسبات الخادمة Servers. إن هناك زيادة سريعة في قوة وإمكانات الحاسب، وكذلك في الاتصالات، والتي بدورها جعلت من الممكن تطوير الاتصالات عبر الشبكات، والنشر الإلكتروني، والوسائط الفائقة، والأعمال الجماعية المشتركة بدعم من الحاسب أو ما يطلق عليه Computer Supported Cooperative Work CSCW، والواقع الافتراضي Virtual Reality: VR ، وتطوير الإنسان الآلي المعرفي.
ب. تطور وسائط المعلومات
تطورت وسائط المعلومات التي اصطنعها الإنسان منذ سبعة آلاف سنة من أوعية تقليدية، كالحجارة والألواح الطينية وأوراق البردي وعظام الحيوانات وجلودها، والورق الصيني ومشتقاته، والأوعية غير التقليدية كالسمعيات والمرئيات، حيث بدأ تخزين المعلومات المسموعة أواخر القرن التاسع عشر، وفي عشرينات القرن العشرين خُزِّنت المعلومات المسموعة بتكنولوجيا "المغنطة"، أما تخزين المعلومات المرئية الثابتة والمتحركة، فقد بدأ في سنوات الالتقاء بين القرنين التاسع عشر والعشرين، بواسطة التصوير الفوتوغرافي، ثم ظهرت الأفلام السينمائية، بينما جاءت تطبيقات الليزر في تخزين المعلومة في أوائل الثمانينات من القرن الماضي.
ج. تطور نظم تخزين واسترجاع المعلومات
يمكن التمييز بين أربع فئات لنظم تخزين واسترجاع المعلومات وهي: نظم الإحالة، وتندرج تحتها الفهارس المستخدمة لتتبع المصادر الخارجية للمعلومات، ونظم صور الوثائق أو نظم الإدخال الضوئي، وهي نظم تخزين واسترجاع المعلومات عن طريق المسح الضوئي لصفحات الوثائق، ونظم النصوص الكاملة حيث يتم إدخال النصوص للوثائق واسترجاعها، ونظم الوسائط المتعددة Multimedia، وهي تتكون من وثائق تشتمل وسائط عدة. إن نظم صور الوثائق أو الإدخال الضوئي يمكن أن توفر إمكانات البحث والاسترجاع للوثيقة، بينما يمكن لنظم الوسائط المتعددة أن تيسر الاسترجاع الفوري للمعلومة داخل الوثيقة.
د. نظم المعلومات الحديثة
تحقق نظم المعلومات الحديثة والمرتبطة بالحاسب، الاستخدام الأمثل والفعال لتكنولوجيا المعلومات. وتعرف نظم المعلومات المرتبطة بالحاسب بأنها النظام الذي يستخدم أجهزة الحاسب وبرمجياته وقواعد البيانات والإجراءات والأفراد لتجميع وإرسال المعلومات في المنشأة. وتنقسم نظم المعلومات الحديثة إلى أربعة أنواع رئيسة: نظم دعم القرارات Decision Support System: DSS، ونظم المعلومات الإدارية Management Information Systems: MIS، ونظم معالجة المعاملات Transaction Processing Systems TPS، ونظم المكاتب الآلية Automated Office Systems: AOS. وعلى الرغم من أن هناك قبولاَ متعاظماً لفكرة تقسيم نظم المعلومات المرتبطة بالحاسب إلى هذه الأنواع، فإنه ليس هناك اتفاق على العلاقات فيما بينهما وعلى دور كل منها في المنشأة الحديثة.
وتتطور الأنواع المختلفة لنظم المعلومات المرتبطة بالحاسب على أساس منطقي قوي، حيث أن هناك تتابعاً واضحاً، فقد ظهرت نظم تشغيل البيانات مع بداية استخدام الحاسبات الإلكترونية في مجال التطبيقات التجارية في منتصف الخمسينيات من القرن الماضي، ثم ظهرت نظم المعلومات الإدارية في منتصف الستينيات، أما نظم آلية المكاتب فقد ظهرت في السبعينيات، بينما ظهرت نظم دعم القرارات خلال الثمانينيات، وفي بداية التسعينيات كان ميلاد النظم الخبيرة Expert Systems، وهناك ارتباط تكنولوجي مشترك بين الأنواع المختلفة للنظم المرتبطة بالحاسب، حيث أن الحاسب الإلكتروني نفسه قد تطور بصورة كبيرة، وهناك ارتباط عام في الأسلوب الذي تُشَغَّل به البيانات وتحُوّل إلى معلومات في النظم المختلفة.
ثانياً: المؤثرات المرتبطة بثورة المعلومات
1. تأثير ثورة الاتصالات وارتباطها بثورة المعلومات
لا يمكن إغفال الدور الذي لعبته تكنولوجيا الاتصالات عبر التاريخ في التأثير على المعلومات، إضافة إلى العلاقة التفاعلية التي زادت بين تكنولوجيا الاتصال والمعلومات وبين سائر قطاعات المجتمع. وأصبح يطلق على المجتمعات المتطورة تكنولوجياً "مجتمعات المعلومات". فقد شكلت الاتصالات والمعلومات سمة لمجتمعات جديدة متطورة.
وأصبحت الاتصالات جزءاً لا يتجزأ من الأنشطة اليومية للأفراد، فهي تستخدم لنقل المعلومات والبيانات على اختلاف أشكالها. والتطور التقني الذي يشهده العالم الآن، ظهر واضحاً في مجال الاتصالات وبث المعلومات من خلال قنوات الاتصال المختلفة، المستخدمة في إرسال المعلومات واسترجاعها ومنها الأسلاك النحاسيةCopper Wires، والألياف البصرية Fiber Optics، والكابلات المحورية Coaxial Cables، واستخدام أجهزة الاتصال بالموجات القصيرة Short Waves، وموجات الميكروويف Microwaves، وأقمار الاتصال Communication Satellites، والأجهزة اللاسلكية الرقمية Wireless Digital Communication. وقد لعبت هذه الأوساط دوراً جوهرياً في تطوير نقل المعلومات وانسيابها.
أ. قنوات الاتصال
تعددت قنوات الاتصال Communication Channels وتنوعت، حيث تطورت عبر القرون، بداية من قرع الطبول، وإضرام النيران لتوليد الدخان، وإرسال الرسل على صهوات الخيول، حتى وصلت إلى القنوات المعروفة حالياً الآتية:
(1) خطوط الهاتف
تعتمد الاتصالات الخطية على استخدام خطوط الهاتف Telephone Lines المصنوعة من الأسلاك النحاسية، وقد تطور استخدام خطوط الهاتف وذلك باستبدالها بالهواتف المحمولة التي تستخدم الاتصال اللاسلكي، حيث زودت هذه الهواتف بوحدة خاصة تُسمى موديم Modem، تُمكْنها من الاتصال بقواعد البيانات الإلكترونية Data Base وذلك من خلال الاتصال المباشر على شبكة الإنترنت Internet.
(2) الكوابل المحورية
تتميز الكوابل المحورية بكفاءتها العالية في نقل البيانات، وتمتد عبر مسافات طويلة، وتستخدم في قاع البحار والمحيطات، وتفوق سرعة نقل البيانات بها سرعة خطوط الهاتف العادية. وتُعَدّ أزواج الأسلاك المفتولة والكوابل المحورية هما أساس القنوات السلكية للاتصالات ذوات النطاق الترددي المتوسط، حيث يتجاوز النطاق الترددي للكوابل المحورية مئات عدة من الميجا هرتز، بينما يصل نطاق التردد لأسلاك الهواتف بضع مئات من الكيلو هرتز، وعادة ما يستخدم الكابل المحوري للربط بين السنترالات المحلية.
(3) الألياف الضوئية
تتكون من حزم تضم شعيرات زجاجية ذات قابلية عالية لنقل الإشارات الضوئية، ولهذه الألياف الضوئية مميزات عدة، أهمها: صغر حجم الشعيرات الضوئية وتوصيل البيانات خالية من الضوضاء، والسرعة العالية لبث المعلومات، إلى جانب الكثافة العالية لحمل المزيد من المراسلات. وتصل سرعة نقل البيانات بها إلى 18000 خلية من المعلومة الرقمية في الثانية الواحدة، وبإمكان الألياف الضوئية نقل 50000 قناة اتصال، بينما ينقل الكابل المحوري 5400 قناة، علاوة على أن الألياف الضوئية سريعة، واقتصادية وتصنيعها سهل ومن مواد قليلة التكلفة.
والإشارة المرسلة بالألياف الضوئية تكون في صورة شعاع ضوئي مصدره موحد ضوئي Photo Diode، أو شعاع ليزر تتغير شدته طبقاً للرسالة المراد نقلها، ويتم كشف الإشارة في جهاز الاستقبال بواسطة موحد ضوئي أيضاً، والذي يقوم بدوره بتحويل الإشارة الضوئية إلى أخرى كهربائية.
(4) الاتصال عن طريق الميكروويف
غالبا ما تستخدم شركات الهاتف وصلات الميكروويف لتسهيل الاتصال بين السنترالات ببعضها بعضا، وتشمل الاستخدامات الأخرى لمحطات الميكروويف إعادة تقوية الإشارة التليفزيونية لتصل إلى المناطق البعيدة المنعزلة، وكذلك لتدعيم المرور من استوديوهات التليفزيون إلى نقاط التغذية الرئيسة للأقمار الصناعية، أو من وحدات جمع الأخبار المتنقلة من خارج استوديوهات التليفزيون.
(5) الأقمار الصناعية
تُطلق أقمار الاتصالات على ارتفاع 36000 كم فوق خط الاستواء، وقد أدى الاستخدام المتزايد لأجهزة الحاسبات الإلكترونية وضرورة نقل البيانات عبر المسافات الطويلة إلى الاستفادة من الاتصال عبر الأقمار الصناعية، وتوزع العديد من الشركات الوثائق، ونقل البيانات، وعقد المؤتمرات عن بعد باستخدام تكنولوجيا الأقمار بمصاحبة تكنولوجيا الحاسبات.
ب. الشبكات وبروتوكولات الاتصالات
تُعَدّ نظم الاتصالات هي العمود الفقري للشبكات، إذ تُنْقل من طريقها المعلومات والبيانات بين أجزاء الشبكة، ويراعى في تصميم الشبكات أن تتصل فيما بينها وذلك باستخدام ما يسمى "بروتوكول" Protocol الاتصال، ويستخدم "بروتوكول" الاتصال لتنظيم عمليات الربط والاتصالات بين مختلف معدات الاتصال والحاسبات في الشبكة. إن مراسم أو "برتوكول" الاتصال هو مجموعة من البرمجيات تحدد متطلبات الاتصالات في الشبكة المحلية، وهذه البرمجيات تمثل اتفاقاً بين الأجزاء المختلفة للشبكة لتنظم كيفية الاتصال وتداول المعلومات فيما بينها، وتتيح تلك البروتوكولات بالتعاون مع برامج التشغيل الخاصة بالحاسب تبادل البيانات بين الأجهزة المختلفة المكونة للشبكة.
ج. البريد الإلكتروني
يعد البريد الإلكتروني أكثر خدمات الإنترنت شيوعاً واستخداماً. ويستطيع كثيرون تبادل البريد الإلكتروني مع بعضهم بعضا. وقبل إرسال أو تلقي بريد إلكتروني يتعين أن يتحدد عنوان البريد الإلكتروني لمستخدمه، وكذا عناوين من سيراسلون إلكترونياً.
وكل ما على الشخص عندئذ، تشغيل برنامج البريد الإلكتروني في جهازه، ومراجعة قائمة الرسائل الجديدة التي وصلته ليلتقط من بينها الرسالة المنتظرة، ثم يحفظها الحاسب تلقائياً في ملف يسمى صندوق البريد Mail Box، إذ يمكن للشخص مراجعته في أي وقت.
2. تأثير ثورة الحاسبات وارتباطها بثورة المعلومات
أ. مَوْلد مجتمع الحاسب
لم يعد استخدام الحاسبات قاصراً على الأبحاث العلمية، ومراكز البحوث، ولكنها استخدمت في كل مناحي الحياة، سواء في المطارات أو المتاجر والبنوك والمصالح الحكومية، والوحدات العسكرية. ولا يكاد يوجد مرفق أو جهاز لا تُدار أعماله بأجهزة الحاسبات أو يشترك في شبكة من شبكاته، يستدعي منها المعلومات، ويخزن فيها البيانات، وتكلف بمهام الإحصاء، ويودع فيها الأسماء والأرقام والأعداد.
وقد أمكن تطوير الحاسب من أجل أداء أفضل في السيطرة على المعلومات وحفظها ونقلها وتداولها، حيث يمكن تخزين حجم كبير من المعلومات في ملف واحد من الملفات التي تخزن على وسائط التخزين الإلكتروني. وتمتاز هذه الوسائط بسعة تخزين كبيرة، حيث يصل سعة القرص الصلب إلى 60 مليار حرف، وهي زيادة مطردة. ويمكن استرجاع المعلومة المخزنة في وقت صغير جداً يصل مللي من الثانية، وطبع ما نحتاج إليه من معلومات بمعدلات سريعة، ونقل البيانات إلى وسائط أخرى على شكل أقراص مرنة Floppy Disks، أو أقراص صلبة Hard Disk، أو أقراص مضغوطة CD Compact Disk، أو أقراص فيديو رقميةDigital Video Disk DVD. وقد أمكن الوصول إلى المعلومة والحصول عليها، سواء على المستوى المحلي أو المستوى العالمي، باستخدام الحاسبات المركزية عن طريق وسائل الاتصال المختلفة.
ب. التقاء الصوت والصورة
ساعد التقدم التكنولوجي على التقاء الشخص مع جهاز الحاسب الشخصي في موضوع محدد، من دون استخدام أجهزة الإدخال والإخراج التقليدية، ولكن باستخدام أنظمة لواجهات تعامل أخرى مثل إعطاء الأوامر للحاسب مباشرة، باستخدام صوت المستخدم، وتعمل هذه الأنظمة الآن في مجالات البحث، وتبشر باتساع استخدامها في تداول المعلومات خلال الفترة القادمة. وترجع أهمية واجهات التعامل هذه إلى أنها تمثل وسيلة سريعة في الاتصال بالحاسب والحصول على المعلومات، كما تمثل منطقة التقاء الإنسانية مع التكنولوجيا، ولن تصل ثورة المعلومات إمكاناتها الكاملة إلا بعد أن يصبح التفاعل بين البشر والآلة أكثر إيجابية مما هو عليه الآن.
وقد استبدلت الأدوات التي تستخدم مع الحاسب لإدخال المعلومات والتعامل معها، بأجهزة أخرى طُورت لتشمل القفازات التي تجعل الحاسب يشعر بالحركات الدقيقة للأصابع، ونظارات وخوذات تراقب ما يدور في الرأس، ومزودة بآلات ميكانيكية وبصرية، وأجهزة كهربائية مغناطيسية ترقب حركات العين والرأس حيث يستطيع الحاسب التعرف على الجهة التي ينظر إليها المستخدم.
ج. واجهات التعامل الحسية
إن واجهات التعامل تترجم الأماكن والحركات واللون والضوء والصوت ودرجات الحرارة والروائح والأحجام. وتُعَدّ هذه الواجهات بمثابة عيون وآذان وأفواه وأذرع وأقدام الإدخال والإنتاج للبيانات الأساسية للمعلومات، وسوف يزداد استخدامها لزيادة علاقة الفرد بأجهزة الحاسب.
وقد يوحي النجاح الذي تحقق في مجال فهم الحاسب للكلام وإدراكه إلى احتمال تحقيق نجاح مماثل في مجال الرؤية بواسطة الحاسب، حيث ازدادت أهمية منظومة الرؤية في تطبيقات متخصصة في مجال الطب والتصنيع، ومن ثم تتواصل الأبحاث والنتائج، حيث أدخلوا إلى برمجة الحاسب كيف يميز بشكل عام بين المناظر المتشابهة، بحيث يمكن استرجاع صور محددة من الأرشيف، بما يسهل إمكانية الحصول على المعلومة المصورة من قاعدة البيانات، ويمكن الآن التعامل مباشرة مع الحاسب من خلال قلم إلكتروني وورق إلكتروني وتسجيل بيانات الكتابة على الحاسب لاسلكياً، حيث يوجد في هذا القلم جهاز إرسال واستقبال، ما يوفر الجهد والوقت في التعامل مع الحاسب والمعلومة.
د. قواعد البيانات
في مواجهة الكم الهائل من البيانات وتنوعها وتداخلها، لم تعد المشكلة الكبرى هي معالجة هذه البيانات، حيث إن سرعة الحاسب الفائقة وقدراته العالية قادرة على ذلك. ولكن المشكلة هي تنظيم هذه البيانات بطريقة ميسرة تمكن المستخدم من استدعائها بطريقة سريعة عند الحاجة إليها. وأدى ذلك إلى تطوير أسلوب تخزين المعلومات في ملفات البيانات Data Files، حيث تخزن مجموعة من البيانات المستخدمة في التعبير عن مدلولات ذات طبيعة مشتركة فيما بينها، مع محاولة إيجاد نظام يربط بين الأنواع المختلفة لملفات البيانات، ومن ثم إمكانية استرجاعها بواسطة نظم استرجاع المعلومات المختلفة Information Retrieving Systems، التي يمكن من طريقها عرض وتلخيص المعلومات بكفاءة وبسرعة فائقة.
وتعرف قاعدة البيانات بأنها تجميع للمعلومات ذات العلاقة المتبادلة فيما بينها والمخزنة معاً من دون زيادة غير ضرورية أو ضارة لاستخدامها في تطبيقات متعددة، وتُخزّن البيانات بحيث تكون مستقلة عن البرامج التي تقوم باستخدام هذه البيانات، وتستخدم أساليب شائعة لإضافة بيانات جديدة، أو تعديل واسترجاع البيانات المخزنة في قاعدة البيانات، وتكون هذه البيانات في شكل يسمح بتطوير التطبيقات في المستقبل. ويمكن للنظام الواحد أن يشمل مجموعة من قواعد البيانات.
ولبناء قاعدة البيانات، تجمع البيانات وتخزن على أوساط تخزين دائمة مثل الأقراص الممغنطة أو الأسطوانات الممغنطة أو أي أوساط تخزين ثانوية أخرى، وبمساعدة مجموعة من برامج التطبيقات التي يتم تشغيلها على البيانات المخزنة لتنفيذ عمليات الاسترجاع، والتحديث، والإدراج والحذف، مع تواجد مجموعة المشتركين والمستفيدين من قاعدة البيانات على وحدات طرفية خاصة بهم. وهذا يعنى أن قاعدة البيانات تشمل بيانات لجميع المستفيدين بمختلف متطلباتهم، بل يمكن لأكثر من مستفيد العمل في الوقت نفسه بطريقة متداخلة، حيث يكون كل واحد منهم مستقلاً عن الآخر، (انظر شكل مبسط لنظام قاعدة البيانات).
3. حرب المعلومات وارتباطها بثورة المعلومات
استفاد الإنسان كثيراً من ثورة المعلومات في تحقيق حاجاته ورغباته، حتى وصل إلى نوع من الرفاهية لا يستطيع الآن الاستغناء عنها، وإلا شعر بقصور شديد في برنامج حياته اليومية، وإنهاء مصالحه ومتطلباته. وقد استغل بعض العلماء والمفكرين على المستوى القومي، خاصة العسكريين، هذه الخاصية للمعلومات في استحداث نوع جديد من الحروب توجه ضد البنية الأساسية المعلوماتية للإنسان سلماً أو حرباً. وتعددت أشكال هذه الحرب التي أُطلق عليها (حرب المعلومات)، بحيث شملت أنواعاً كثيرة من الحروب، منها الحروب النفسية، والحروب الاقتصادية، وحرب الفضاء، وحرب القراصنة والفيروسات، وهي أهم هذه الأنواع من الحروب، والتي يمكن أن تنهي أي صراع في المستقبل قبل أن تبدأ أي مواجهة عسكرية بالأسلحة التقليدية. والغريب أن الدول المتقدمة تكنولوجياً هي أول الخاسرين في هذه الحرب، إذا لم يديروا الأعمال الدفاعية والوقائية للبنية المعلوماتية الأساسية بنجاح.
وفي عصر المعلومات يزداد اعتماد التقنيات الحديثة على المعلومات بدرجة كبيرة، ما جعل المعلومات تتصدر قائمة الاهتمامات، سواء بالنسبة للمجتمع أو للحكومات. فالمعلومات الدقيقة التي تتوافر في الوقت المطلوب، تُعَدّ في غاية الأهمية وخاصة في المجال العسكري. وتتجه معظم الدول الآن إلى خفض أعداد القوات البشرية المقاتلة مع زيادة تدريبها وتزويدها بالأسلحة المتطورة، حتى تصير نوعاً من الجيوش الذكية الصغيرة.
ولقد حازت الحرب المعلوماتية في السنوات الأخيرة اهتمام الكثير من العسكريين وخبراء المعلومات. وغطى مفهومها العديد من الأنشطة خارج النطاق العسكري المعروف (انظر صورة ثورة المعلومات والحرب المعلوماتية)، فامتد ليشمل إمكانية استخدام بعض الأفراد أجهزة الحاسب العادية لتعطيل بعض محطات الطاقة، أو تلويث بعض المواد الغذائية بالسموم، أو التسلل إلى شبكات الحاسب بالمصارف والبنوك، ما قد يؤدى إلى انهيار أسواق المال وربما انهيار اقتصاد بعض الدول.
وتعرف المعلومات Information نفسها بأنها أي حقائق Facts، أو بيانات Data، أو تعليمات Instructions، في أي صورة من الصور، وعلى الرغم من أنه لا يوجد تعريف محدد للحرب المعلوماتية، إلا أن المراجع العسكرية الأمريكية تستخدم هذه التعاريف:
أ. هي تلك الأنشطة التي يتخذها طرف لتحقيق السيادة المعلوماتية، سواء في الهجوم أو في الدفاع، وذلك من خلال التأثير على معلومات الخصم، وكل الأنشطة التي تعتمد عليها، وأنظمة معلوماته، وشبكات الحاسبات التي يستخدمها، وفي الوقت نفسه، يقوم بتوفير الحماية اللازمة لمعلوماته، وأنظمة المعلومات التي يستخدمها، وشبكات الحاسبات التي يعتمد عليها.
ب. إنها عمليات المعلومات التي تتخذ خلال وقت الأزمة أو الصراع، لتحقيق النصر.
ج. هي تلك العمليات المعلوماتية التي تتخذ وقت الأزمة أو الصراع، لتحقيق أهداف معينة ضد العدو.
أما العمليات المعلوماتية Information Operations فإنها تعرف بأنها الإجراءات التي يقوم بها طرف، للتأثير على معلومات الخصم ونظم معلوماته. وبينما تهدف العمليات الهجومية المعلوماتية إلى تدمير معلومات الطرف الآخر، فإن العمليات الدفاعية المعلوماتية تهدف إلى حماية المعلومات ومصادرها.
أ. سرقة المعلومات وتدميرها
ومن الجرائم التي ترتكب باستخدام تكنولوجيا المعلومات سرقة الأقراص الصلبة والمرنة، بغرض الحصول على المعلومات التي تحويها، ويتولى قراصنة المعلومات بيعها بعد الحصول عليها، نظير الحصول على عائد مادي. مثال ذلك الوصول إلى أجهزة الحاسب الخاصة بمكاتب الائتمان الرئيسة وسرقة المعلومات الائتمانية، ثم استخدامها بإعادة بيعها لأشخاص آخرين. ويُعَدّ ذلك من الأعمال غير المشروعة، حيث يُساء استخدام أجهزة الحاسب ونظم الاتصالات، وتدمر المشروعات المهمة للشركات بغرض ابتزازهم، ببث برنامج يحدث بعض الأعطال في برامج الآلاف من أجهزة الحاسب.
وانتشرت في السنوات الأخيرة العديد من الفيروسات التي تلحق أضراراً كبيرة بالحاسب، ومنها ما يمحو المعلومات من الأقراص الصلبة. وهناك أنواع من الفيروسات يمكنها أن تنتشر داخل شبكات الحاسب من دون مساعدة، ثم يبدأ الفيروس في تخريب الملفات. وعلى عكس الفيروسات التقليدية فإن الفيروس "ريموت إكسبلورر" Remote Explorer، يمكن أن يصيب جهاز الحاسب من دون أن يفتح المستخدم أي ملف من البريد الإلكتروني، وهو فيروس متطور، بإمكانه الانتشار داخل الشبكة المتصل بها الحاسب والاختفاء داخل أحد ملفات رسائل البريد الإلكتروني، وبمجرد إصابته للحاسب فإنه يستخدم برامجه الداخلية للانتشار والتخريب في وقت لاحق، ما يعطي الفيروس فرصة أكبر في تخريب عدد أكبر من الملفات.
وقد استطاع فيروس "ميلسا" Melissa عام 1999، أن يصيب أكثر من 100 ألف جهاز حاسب. وعند بداية ظهور الفيروس الذي يهدد أنظمة البريد الإلكتروني الحكومية والعسكرية، اضطرت شركة مايكروسوفت Microsoft العالمية إلى وقف خدمة البريد الإلكتروني الخاص بها بعض الوقت لتجنب مخاطره. حيث يستخدم الفيروس لغة برمجة Visual Basic، ويستغل شفرة هذه اللغة لينسخ نفسه خمسين مرة مستخدماًً برنامج الكتابة Word، ثم يرسل هذه النسخة عبر البريد الإلكتروني إلى أول خمسين عنوان يجدها في دفتر العناوين.
وقد أتلف فيروس تشرنوبيل الكثير من أجهزة الحاسب في تاريخ محدد وهو 26 أبريل 1987، وتحرك العلماء لعمل البرمجيات المضادة له، وابتكار أدوات الكشف عنه بحيث تستطيع مراقبة عمل الحاسب والبحث عن أي سلوك يشير إلى وجود الفيروسات والتحرك لمقاومتها. وعلى الرغم من جميع الجهود في هذا المجال، فإن العلماء يتوقعون أن تتحول تلك الظاهرة إلى نوع من الإرهاب الإلكتروني Electronic Terrorism. ويعتقد الخبراء أن ثمة متخصصين في إنتاج هذه الفيروسات يمكن أن يوجهوا هجوماً في أنحاء العالم، مستهدفين تدمير الملفات والسيطرة على برامج الحاسب. وسوف يوظف هؤلاء الإرهابيون شبكة الإنترنت لتحقيق أغراضهم. ولمجابهة تلك المخاطر، استفاد خبراء الأبحاث الأمريكيون من نظام المناعة عند الإنسان، والتي تعتمد على خلايا تتصدى للميكروبات والفيروسات، بابتكار نظام شبيه للحاسب، يستشعر الفيروسات ويتخلص منها في دقائق.
ب. أمن وتأمين المعلومات
يرتبط تأمين المعلومات بعناصر عدة أساسية أهمها الأجهزة والمعدات والوسائط المستخدمة، والبرمجيات والبرامج والتطبيقات والبيانات المتداولة، والقوى البشرية المتعاملة مع النظم الآلية. وعلى ذلك فان عملية تأمين المعلومات لا بد وأن تشتمل على جميع العناصر مثل: تأمين موقع الحاسب، وتنظيم دورة العمل، وتخصيص المهام، ومقاومة فيروسات الحاسب. وذلك إضافة إلى تأمين المعلومات عبر الشبكات والنهايات الطرفية في مستويات عدة، وذلك من خلال استخدام نظم للتأمين والحماية من أعمال الاختراق للشبكات الخاصة بالمعلومات، ويتم بطريقتين: إما بالمنع النهائي للاختراق، وهي تُعد من الأمور الصعبة التنفيذ، أو بالسماح بالاختراق لاكتشاف وتحديد المخترقين. وتتعدد الأساليب في هذا المجال، فمنها الحوائط النارية ونظم إخفاء البصمة والتشفير والتوقيع الرقمي، والحماية من الهوية بالتعرف على بصمة الإصبع وبصمة الصوت وحدقة العين، واستخدام الكروت الذكية للتحقق من الهوية. وذلك إضافة إلى الإجراءات الأمنية التقليدية لتأمين استخدام الحاسبات وقنوات الاتصال والوثائق والبرامج والوسائط المستخدمة.