الاستيطان.. حجر الزاوية في تهويد القدس
قسم الدراسات - آية شمعة - المركز الفلسطيني للإعلام
يشكل الاستيطان حجر الزاوية في الفكر الصهيوني والقاعدة التي قامت عليها الحركة الصهيونية والكيان "الإسرائيلي" فيما بعد، والأساس الذي تعتمده الحركة الصهيونية لإضفاء صفة الأمر الواقع السكاني على توسعاتها العسكرية المتتالية.
ويستند الاحتلال الصهيوني في تبرير وجوده إلى فلسفه ذرائعية وأسطورة دينية، باعتماد سياسة الأمر الواقع التي تساندها القوة العسكرية، لذلك قامت الحركة الصهيونية بارتكاب جريمة بطرد السكان الفلسطينيين من أماكن سكناهم حتى لا يشكلوا عائقاً أمام حركة الاستيطان الصهيونية.
وبعد حرب حزيران مباشرة بدأت عمليات الاستيطان الواسعة في أنحاء الأرض الفلسطينية وتحويلها "زوراً" إلى أراض صهيونية.
إلا أن سلطات الاحتلال الصهيوني أعطت عملية الاستيطان في القدس أهمية وأفضلية خاصة بعد حرب حزيران/ يونيو 1967، ومبعث تلك الأفضلية – إضافة إلى الأسباب الدينية والقومية - الرغبة في تحويل القدس إلى عاصمة كبيرة للكيان اليهودي، وذلك بالإتيان بربع مليون يهودي جديد أو أكثر إلى المدينة المقدسة.
لم يقتصر الاستيطان على بقعة معينة بالقدس المحتلة، بل امتد إلى ما وراء حدود مدينة القدس، ليشمل دائرة تمر بحدود رام الله وبيت لحم والخان الأحمر، أي لتتحول القدس العربية إلى جزيرة صغيرة وسط بحر يهودي، وهذا بالتالي سيرسّخ عملية التحول الصهيوني للمدينة، ويكرس سيطرة "إسرائيل" عليها، ويفصلها نهائياً عن أي تواصل جغرافي فلسطيني.
ولتحقيق ذلك قامت سلطات الاحتلال بتطويق مدينة القدس بالعديد من الأحزمة الاستيطانية على النحو التالي:
1- الطوق الأول ويشمل:
•
الحي اليهودي: بدأت أولى عمليات الاستيطان في القدس من خلال قيام بعض العائلات اليهودية بالانتقال إلى داخل المدينة العربية وشغلهم لبعض المساكن القديمة أو التي تركها أصحابها.
•
الحديقة الوطنية: المحيطة بسور القدس من الشرق والجنوب واعتبارها حزاماً أخضر يحيط بسور القدس ومحاولة إخلاء بعض الأحياء السكنية الواقعة بالقرب منها في سلوان وعين الحلوة والتخطيط لجعل المنطقة رصيداً احتياطياً للاستيطان اليهودي مستقبلا.
•
المركز التجاري الرئيسي للمدينة: وذلك لاستكمال محاصرة القدس من الشمال والغرب وفصلها عن الأحياء العربية المجاورة، ولتحقيق التحام المدينة بالقدس الغربية من خلال إزالة المنطقة العازلة بين شطري القدس.
2- الطوق الثاني ويشمل:
جميع المناطق الواقعة ضمن حدود أمانة مدينة القدس، ويشمل بناء سلسلة من الأحياء السكنية الضخمة في جميع المناطق الواقعة ضمن حدود أمانة مدينة القدس لتحيط بالقدس من ثلاث جهات مدعومة بمجموعة من المستوطنات الخلفية على النحو التالي:
•
من الناحية الشمالية: وتتكون من مستوطنات رامات أشكول، ومعالوت دفنا، وحي شابيرا في التل الفرنسي وحي سانهدريا قرب شعفاط. وتستند هذه المستوطنات إلى مستوطنات خلفية أبعد منها هي النبي يعقوب وراموت قرب النبي صمويل وعطاروت الصناعية قرب قلنديا.
•
من الناحية الجنوبية: وتتكون من مستوطنات الحي السكني لطلبة الجامعة العبرية وهي تل بيوت قرب جبل المكبر وصور باهر. وتستند إلى مستوطنة خلفية هي جيلو " شرفات" قرب بيت صفافا.
•
من الناحية الشرقية: أقيمت هذه السلسلة من بعض الأحياء السكنية التابعة للجامعة العبرية ومستشفى هداسا وكذلك حي غفعات همفتار في الشيح جراح تستند إلى مستعمرة خلفية هي معالية أدوميم في منطقة الخان الأحمر.
3- الطوق الثالث:
ويهدف لإقامة سلسلة من المستوطنات في حدود القدس الكبرى، بهدف السيطرة على المنطقة الممتدة من رام الله شمالاً حتى أطراف مدينة الخليل. ومن منطقة الخان الأحمر شرقاً وحتى اللطرون غرباً بما يعادل 30% من مساحة الضفة الغربية.
ويمتد هذا المشروع ليشمل عدة مدن عربية مثل رام الله والبيرة وبيت لحم وبيت جالا وبيت ساحور، بالإضافة إلى 60 قرية عربية تضم حوالي 250 ألف نسمة. ويهدف هذا المخطط ليس فقط إلى تهويد القدس وابتلاع مساحات واسعة من أراضيها وتشتيت سكانها، وإنما إلى تمزيق الضفة الغربية ككل وشطرها إلى نصفين منفصلين جغرافياً وديموغرافياً.
وبحسب إحصائيات مركز أبحاث الأراضي يبلغ عدد المستوطنات بالقدس 29 مستوطنة، 14 منها في الجزء المضموم من القدس أي ما يسمى حدود "القدس الشرقية"، وتنتشر هذه المستوطنات في لواء القدس على شكل تجمعات استيطانية مكثفة تتخذ الشكل الدائري حول المدينة وضواحيها ممثلة بمراكز استيطانية كبيرة المساحة.
أما حدود بلدية الاحتلال، والتي أيضا تسمى بـ(القدس الغربية) تم بشكل رسمي توسيعها، ولكنه عملياً تم الاستيلاء على 72 كم مربعاً بقرارات مختلفة وبتقييد التمدد العمراني شرقي القدس وتحويل المناطق إلى مستوطنات يهودية كما حدث مع جبل أبو غنيم.
الواقع الديموغرافي
نجحت سلطات الاحتلال في خلق واقع سياسي ديموغرافي جديد في المدينة المقدسة، فالديموغرافا الإسرائيلية كانت على حساب الديموغرافا الفلسطينية، من خلال انتهاكات قد أدت إلى خلق خلل ديموغرافي لاستخدامه كوسيلة للضغط في أية مفاوضات مع الطرف الفلسطيني لانجاز اتفاقات تخدم المصالح "الإسرائيلية".
وكانت أولى الاجراءات الهادفة لتعزيز السيطرة الديمغرافية في القدس، ما قامت به قوات الاحتلال عشية حرب 67 من عملية طرد منظمة للسكان العرب من المدينة المقدسة تجسيدا للمقولة الصهيونية الشهيرة "أرض بلا شعب لشعب بلا أرض"، التي تعتبر المنطلق الاستراتيجي للسياسة السكانية الصهيونية في فلسطين_ حيث بلغ عدد من قامت بطردهم من القدس 60000 عربي، لم يسمح الاحتلال فيما بعد إلا بعودة 14000 منهم لبيوتهم، فيما أصبح الباقون ضمن اللاجئين الفلسطينيين.
وحين لم تفلح سلطات الاحتلال من خلال هذه الخطوة بتفريغ القدس من سكانها الفلسطينيين، سارعت إلى مصادرة أراضيهم، وإقامة المستوطنات لليهود عليها تنفيذاً لدعوة "بن غوريون" لجلب آلاف اليهود إلى شرقي القدس وتوطينهم فيها. وقد سارع "ليفسي اشكول"، رئيس الحكومة انذاك في تنفيذ هذه المهمة، وسارت الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة على نفس المنهج.
بلغت مساحة الأراضي المصادرة منذ عام 1967_1993 وفقا لحساب مساحة المستوطنات التي أقامها الاحتلال في القدس وفي نفس الفترة وبالاعتماد على الكتاب السنوي الاحصائي للقدس الصادر عن بلدية الاحتلال (27395) دونم، إضافة إلى 600 دونم أخرى في مستوطنة رامات راحيل، و100 دونم كمنطقة عامة في شارع يافا بحيث بلغت مساحة الأرض المصادرة ما مقداره (28095) دونم، أي ما نسبته 39.9% من مساحة الجزء الشرقي من المدينة، وما نسبته 25.9% من مساحة القدس بشقيها، وذلك قبل توسيع حدود مدينة القدس مرة أخرى، حيث أضيف لمساحتها (14500) دونم في الجزء الغربي من المدينة، لتصبح مساحتها (123000) دونم بتاريخ 11/5/1993.
آثار عملية الاستيطان بالقدس على السكان الفلسطينيين:
• مصادرة آلاف الدونمات من الأراضي التابعة للقرى التي أقيمت عليها المستوطنات.
• تطويق التجمعات السكنية الفلسطينية والحد من توسعها.
• تهديد بعض التجمعات السكانية الفلسطينية بالإزالة.
• إبقاء فلسطيني القدس وضواحيها العزل في حالة خوف ورعب دائمين، من خلال الاعتداءات المتكررة عليهم من قبل المستوطنين المدججين بالسلاح.
• عزل مدينة القدس وضواحيها عن محيطها الفلسطيني في الشمال والجنوب.
• فصل شمال الضفة عن جنوبها، والتحكم في حركة الفلسطينيين بين شمال الضفة الغربية وجنوبها.
• قطع للتواصل الجغرافي بين أنحاء الضفة الغربية وتقسيمها إلى بقع متناثرة والحيلولة بالتالي دون إقامة دولة فلسطينية ذات سيادة.
• تشويه النمط العمراني الرائع للقدس العتيقة والقرى الفلسطينية المحيطة.
• السعي الصهيوني لهدم المسجد الأقصى وإقامة الهيكل المزعوم مكانه.
لقد طرد شعب فلسطين من 675مدينة وقرية عام 1948-1949 ومنع خلال ستة عقود متتالية من العودة إلى دياره وبذلك أصبح ثلتي الشعب الفلسطيني لاجئين، والثلث الباقي تحت (الاحتلال الإسرائيلي المباشر، ولم تكن حادثة التشريد واحدة بل إن الاحتلال وممارسة العنصرية لم تتوقف من النكبة الأولى حتى يومنا هذا.
المراجع:
_ كتاب معجم بلدان فلسطين، محمد محمد شراب، 1987.
_ كتاب طريق العودة، دليل المدن والقرى المهجرة والحالية والأماكن المقدسة في فلسطين بالعربية والانجليزية والعبرية، سلمان أبو ستة، 2007.
_ كتاب فلسطين الحقوق لا تزول، سلمان أبو ستة، 2013.
_ كتاب الاستيطان الصهيوني في القدس (1967-1993)، محمد رشيد حسين، رسالة ماجستير لم تنشر بعد، جامعة النجاح الوطنية، قسم التاريخ، 2001.
_ الاستيطان الإسرائيلي في القدس "دراسة في الجغرافيا" ، د.عبد القادر ابراهيم حماد، 2009.