فلسطين .. وأخواتها!!
* خيري منصور
ما من وكالة انباء او صحيفة او فضائية اعلنت النبأ، لكن هناك من يتداولونه سرا وهو ان القضية الفلسطينية التي بلغت الخامسة والستين من عمرها صدر امر عربي قومي يطلب منها التقاعد، على ان تتقاضى راتبها التقاعدي من تبرعات الشهداء فقط، والذين بلغ عددهم حتى الان ثلاثة اضعاف سكان دولة صغيرة.
وقبل التقاعد بعقدين قال شاعر يوناني هو يانيس ريتوس انه عندما يرى امرأة طاعنة الخضرة لا السن، وتتوكأ على عكازين على الشاطئ الغربي للبحر المتوسط وقد انكرها ذوو القربى وطلبت زوجات ابنائها ادخالها الى ملجأ تاريخي للعجزة عندئذ سيصرخ اليوناني كما لو كان يصهل انها امي..
حين قرأت ما قاله هذا الاغريقي تصبب العرق على جبيني وتذوقت ملوحته الممزوجة بالمرارة بعيني، وشعرت للحظة بانني خارج الزمن والتاريخ والجغرافيا معا، لكن سرعان ما استيقظت من غيبوبة مصحوبة بالقشعريرة ورأيت امي تلوح لي عن بعد لا يقاس بالاميال بل بالقيامات المتعاقبة، وفجأة تحولت الارض كلها الى ليمونة تعصرها قبضة فولاذية في طبق حساء يستحق الادراج في موسوعة جينز لأنه بمساحة الوطن العربي كله.. وكان مملوءا بالدم.
ان لها يدين تطالان القطبين الشمالي والجنوبي، لهذا لا تخدعوها بكلمة عزاء موسمية، ولا تكرروا باجترار يثير الغثيان المقولات المعلبة ذاتها والتي أنهى التاريخ صلاحيتها حتى تعفنت، كنا قبل خمسة وستين نكبة ونكسة ووكسة وموتا بفلسطين واحدة، وها نحن نحصي على ما تبقى من اصابعنا فلسطينات اخرى وما تبقى من اصابعنا لا يصلح للزناد او حتى للشهادة، فقد بترت حين صافحنا يدا مسننة كالمنشار وصدقنا ان التماسيح تبكي!.
شريد الجغرافيا وجد مأوى او حتى رقما في تعداد ديمغرافي على امتداد خطوط الطول والعرض لهذا الكوكب المحتل، والذي تضاءل حتى اصبح زرا في عروة امبراطور اما شريد التاريخ فاين يلجأ، حيث لا خيام لمنفى التاريخ ولا وكالة غوث ولا امم متحدة!.
خمس وستون قرنا بمقياس اخر غير مقياس هذه التقاويم الداجنة في الساعات والروزنامات امتطاها خلالها الجنرال والسمسار وآكل لحم اخيه وقاضم ثدي امه، واستخدم دمها وقودا لدبابات سعت من جحور الى قصور وانتهت باصحابها الى القبور!.
هي عاصمة البيانات الاولى لاكثر من ست ثورات وخمسين انقلابا وعشرين حركة تصحيحية، وهي مسك الختام في بيانات وقف اطلاق النار واستئناف اطلاق الكلام بكل ما يبلله من زبد وبلا رحمة.
فهل بلغت سن التقاعد ام ان من تقاعدوا عن الدفاع عنها ومن استقالوا منها هم الذين يمشي زيتونها في جنائزهم ليس تكريما لهم على طريقة كرامة الميت دفنه بل ليتأكد الشجر بان من خانوه وباعوه وعصروا دموعه قد اصبحوا في باطن الارض ولائم للديدان.
كنا قبل خمسة وستين عاما هي الاعجف منذ بدء تاريخنا بفلسطين واحدة. لكنها الان ليست وحيدة في منفى التاريخ، بل تنادمها شقيقات عربيات ويقاسمنها عذاب الاحتلال وهي الموعودة من قاهرة المعز وشام السفرجل والرافدين.
لقد بحث عبد المعين الفلسطيني عمن يعينه من ذوى القربى، فتحول اللاجئ الى ملجأ، واللائذ الى ملاذ، وحسد الاحياء الموتى لانهم نجوا من كل هذا الذل والتسول وانتظار العظام من ولائم اللئام!!.
التاريخ : 21-05-2013