تطبيع العلاقات بين حزب الله وإسرائيل بوساطة روسيّة
د. عماد بوظو
May 10, 2016
عندما عاد الخميني من باريس إلى طهران بعد انتصار الثورة الإيرانيّة ضد حكم الشاه، كان أوّل قراراته إغلاق السفارة الإسرائيليّة وتحويلها إلى سفارة فلسطين.
في شهر آذار/مارس 1979 بعد شهر واحد فقط من عودته من منفاه وطرح نفسه زعيما لكل العالم الإسلامي، وليس زعيما للطائفة الشيعيّة فقط، وأطلق على إيران إسم الجمهوريّة الإسلاميّة، واعتبر الإعلام الإيراني أنّ أمريكا هي الشيطان الأكبر وإسرائيل الشيطان الأصغر. وطوال حكم الخميني حتّى وفاته عام 1989 كان يقدّم نفسه كزعيم ثوري لكلّ المسلمين، وحتّى الحرب العراقيّة الإيرانيّة لم تؤثّر كثيرا على ذلك، خصوصا في بلاد الشام وأفريقيا العربيّة إذ تمّ تصويرها كصراع بين العرب والفرس.
وفتحت إيران مراكز ثقافيّة وسفارات في كل العالم الإسلامي وقامت بمحاولات حثيثة لنشر المذهب الشيعي دون أن تثير هذه الحملات حساسيّات طائفيّة، سارت الأمور على ما يرام في البلاد العربيّة، وتحت شعار المقاومة ومجابهة إسرائيل أصبحت طهران وقم محجّاً لكل الأحزاب والحركات السياسيّة الإسلاميّة والقوميّة واليساريّة في المنطقة العربيّة.
في عام 2011 ومع إنطلاق الثورة السوريّة كان وقوف إيران وحزب الله إلى جانب نظام الأسد موقفا لا يمكن تبريره من الناحية الأخلاقيّة أوالإنسانيّة تحت أي ذريعة خصوصا مع كل هذه الجرائم الموثّقة الّتي يرتكبها بحق الشعب الأعزل. وكان هذا الموقف مفاجئا لمن كانوا مخدوعين بالشعارات البرّاقة «للثورة الإسلاميّة الإيرانيّة» مثل الوقوف مع المظلومين في العالم !!
كان تبرير حسن نصر الله لموقفه هذا بأنّ كل ما يحدث في سوريا هومؤامرة على محور المقاومة من قبل أمريكا وإسرائيل، لكنّ الشعارات الّتي رفعتها عناصر حزب الله وبقيّة الميليشيات الشيعيّة العراقيّة والأفغانيّة والإيرانيّة عند غزوها لسوريا لم تكن تتحدّث لا عن أمريكا ولا عن إسرائيل بل عن ثارات الحسين من حاضرة الأمويّين والإنتقام من أحفاد يزيد !!، وهذه الشعارات والأعلام هي الّتي رفعوها على مساجد القصير وكل منطقة أخرى دخلوها، وعلى ما يبدولم يكونوا يعلمون أنّه في سوريا لا يوجد مساجد مخصّصة للشيعة أو السنّة فأغلب السنّة في دمشق لا بدّ وأن يكونوا قد صلّوا وتبرّكوا وقدّموا النذور في السيّدة زينب وأغلب شيعة دمشق لا بدّ أنّهم قد أدّوا الصلاة بالمسجد الأموي، ولم تحمل شعاراتهم في سوريا سوى رائحة الطائفيّة وأساطير عن مظلوميّة عمرها ألف وأربعمئة عام، وهذا كان سبب وقوف شيعة إيران وراء نظام الأسد.
وبعد سنوات ومع المفاوضات النوويّة بدأت ملامح علاقة جديدة لا يمكن إخفاؤها بين إيران والولايات المتحدة وصداقة حميمة بين ظريف وكيري مع رسائل علنيّة وسريّة في كلّ المناسبات من أوباما للمرشد خامنئي والرئيس روحاني، وإختفت تدريجيّا شعارات الموت لأمريكا.
ومع التغيّيرات الجوهريّة الّتي طرأت على السياسة السعوديّة بعد وصول الملك سلمان للسلطة والتصدّي الحازم للسياسة الطائفيّة الإيرانيّة في المنطقة، تمّ بكلّ سهولة إستبدال العدو السابق أميركا وإسرائيل بالسعوديّة في كلّ الشعارات والخطابات من الخامنئي لروحاني لحسن نصر الله لخطباء الجوامع في مناطق شيعة إيران في كامل المنطقة وتمّ إستبدال شعار الموت لأمريكا وإسرائيل بالموت للسعوديّة، وفي هذا الوقت تحوّل إعلام شيعة إيران إلى الهجـوم على العرب بشكل عام وأصبحت كلمة عربي مرادفة للتخــلّف وشرب بول البعير وبنفس الوقت أصـبحت كلمـة الدولة الإسلاميّة والّتي تعيش بعصور سـابقة وتخــوض صـراعات وهميـّة عفـى عليـها الزمـن مرادفة للتطوّر العلمـي والتكـنولوجي حسـب زعـم شـيعة إيـران!!.
وفي منتصف عام 2015 بدء التدخّل العسكري الروسي المباشر لدعم نظام الأسد بعد فشل محاولات إيران وميليشياتها بإنقاذه وتحوّلت العلاقة الروسيّة الإيرانيّة إلى ما يشبه التحالف والّذي بدوره عمَّق الخلافات التركيّة الرّوسيّة.
في هذا الوقت كانت إسرائيل تراقب ما يحدث على حدودها الشماليّة بدقّة ولإسرائيل إعتباراتها الأمنيّة الّتي لا تتهاون فيها ولذلك فقد قامت خلال السنوات الماضية بعدّة غارات جويّة إستهدفت فيها أسلحة لمنع إمكانيّة إنتقالها لحزب الله، وحدثت آخر هذه الغارات بعد التواجد العسكري الروسي في سوريا الّتي رافقتها حملة تضخيم إعلامي عن الصواريخ الروسيّة ٍS400 الّتي تغطّي كامل شرق المتوسّط حسب الإعلام الروسي وتوابعه ولذلك فقد كانت الغارة الإسرائليّة محرجة للروس أكثر من غيرهم، ولذلك وحتّى لا تتكرّر هذه الحادثة وتكشف ضعف وتخلّف الأسلحة الروسيّة فقد تولّت روسيا نفسها ترتيب تطبيع العلاقات بين إسرائيل وحزب الله ونقل التعهّدات المتبادلة حيث أوضح حزب الله أولويّاته بشكل واضح ولم يعد هناك مكان لإسرائيل بين هذه الأولويّات الّتي إحتكرتها السعوديّة وحلفاؤها من العرب والدول السنّية كتركيّا وغيرها.
وبعد أن تمّ التوصّل إلى إتّفاق حزب الله مع إسرائيل طرأت عدّة تغيرات واضحة خلال الأشهر الماضية فقد توقّفت الغارات الإسرائيليّة نهائياً، كذلك أصبحت مواقع حزب الله في سوريا علنيّة فقد تمّ توسيع معسكر نبع بردى الواقع في سهل الزبداني وأصبح مركزا خاصّا لحزب الله يحتوي على مختلف صنوف الأسلحة وتمّ قلع الأشجار بمساحة كبيرة حوله حتّى لا يتم التسلل إليه من قبل فصائل الثورة السوريّة، وقد أشار أهالي مضايا والزبداني إلى ذلك عدّة مرّات ولا يمكن أن تكون منشأة بهذا الحجم خافية على إسرائيل، كما أنّ عدداً من الحواجز في القلمون وغيرها قد نزعت أعلام النظام السوري ورفعت عوضا عنه أعلام حزب الله في مؤشّر آخر على الإطمئنان من الناحية الإسرائيليّة، وكذلك أدلى بنيامين نتنياهوبتصريح غير مألوف قبل أيّام عن أنّ إسرائيل قد نفّذت عشرات الغارات داخل سوريا خلال الفترات الماضية وقد إستغرب كثير من المعلّقين الإسرائيليّين ذلك، فإسرائيل لا تعترف عادة بأعمال من هذا النوع، لكنّ التفسير الطبيعي لهذا التصريح أنّ مثل هذه العمليّات لن تحدث بعد الآن.
وحتّى لا تلفت هذه الإتّفاقيّة الأنظار لأنّها محرجة للطرفين : لحزب الله شعبيّا وعربيًّا، لذلك تمّ إستثناء تلفزيون المنار والعالم وأمثالهم من هذا الإتّفاق ليستمرّوا بأناشيدهم الحماسيّة وخطاباتهم الرنّانة الّتي تتحدّث عن بطولات وإنتصارات وإستعدادات خلّبيّة لمواجهة إسرائيل على طريقة الإعلام الأسدي خلال حكم هذه العائلة، وهذا النوع من الإتفاق محرج لإسرائيل دوليّا فحزب الله يعد حزبا إرهابيا بالتصنيف الدولي، لذلك لا مانع من نشر بعض الأخبار الكاذبة عن تصدّي طائرة روسيّة لطائرة إسرائيليّة ومثل هذه الأخبار الملفّقة المخصّصة للمتخلّفين عقليّا المتابعين لإنتصارات محور الممانعة.
بكلّ الأحوال فقد أصبحت الأوضاع اليوم على المكشوف : تحالف معلن بين إيران ومحورها مع إسرائيل وروسيا والإدارة الأمريكيّة الحاليّة، الّذين باتوا لا يتحدّثون سوى عن خطر واحد هوالإرهاب وترجمته بالنسبة لهم هوالإسلام السنّي.