المصور الصحافي العربي: الصورة تُساوي ألف «ظُلمة»
محمد حنون
May 11, 2016
لا ترى السلطات في بلادنا المصور الصحافي كطرف ثالث محايد أثناء المظاهرات، و لا تأخذ وظيفته على محمل الجد، بل تعتبره طارئا و متطفلا، و كثيرا ما تعتبر وجوده في الشارع لتغطية الأحداث التي قد تكون صدامية مع حراك ما؛ كجزء من مؤامرة لتشويه سمعة البلد. أما إذا تواجد المصور في مؤتمر صحافي لأصحاب السمو و أصحاب الجلالة و الرؤساء و أصحاب المعالي الوزراء و السيادات بكل أنواعها، فإن ذلك يكون عملا نبيلا يؤديه المصور لنقل الأخبار و الحقيقة!
خلال السنوات الخمس الأخيرة، تعرض الكثير من المصورين للضرب و تحطيم كاميراتهم، من قبل رجال الأمن، و من قبل مؤيدي الحكومات و الأنظمة بشكل متعمد و ممنهج، ناهيك عن من تم إعتقالهم و الزج بهم في السجون، ناهيك عن من قُتل و من أقتلعت عيناه، و ذلك لترهيب المصورين لكي لا يعودوا مرة أخرى لتغطية مثل هذه الأحداث، و للتضييق عليهم وعدم منحهم الفرصة لتوثيق عملية القمع التي تُرتكب ضد متظاهرين مدنيين يمارسون أبسط حقوقهم المدنية، و ما يعتبر كحق لهم تحت مسميات الدستور و المواطنة.
تعتذر السلطات أحيانا للمصورين، (إذا إعتذرت)، بأنه قد تم ضربهم عن طريق الخطأ، ظنا منهم بأنهم من المتظاهرين، في حين أنه من غير الممكن أن يخطئ رجل الأمن بين المتظاهر و المصور الصحافي الذي يحمل على الأقل كاميرتين فوتوغرافيتين، أو كاميرا تلفزيونية، و خصوصا حين يتم إستهداف معداته و تحطيمها بشكل متعمد!
كيف يمكن للمصور الصحافي في بلادنا أن يوثق الأحداث فوتوغرافيا، و بشكل إحترافي و منصف، أو أن يكون حتى قادرا على تأدية عمله من الأساس، في حين أنه متهم دائما من قبل السلطة و مريديها؛ بأنه متواطئ مع أولئك الذين يريدون شرا بالبلاد؟ و بأن المصور الصحافي يحمل أجندة تساند شعاراتهم و مطالبهم، و بأنه يقوم بالترويج لها إعلاميا. تكال للمصور التهم فقط لمجرد ظهوره في الشارع من أجل تصوير الحدث، فيُضيَّق عليه إلى درجة سلبه حريته و رميه في أقبية السجون دون محاكمة أحيانا و دون تهمة أحيانا أخرى.
و في الحالات التي يتم فيها توجيه تهمة أو تتم المحاكمة، فإنها غالبا ما تكون محاكمات واهية و بلا أساس قانوني أو ذنب جُرمي، و يتم فيها تلفيق التهم له، في حين أن تهمته الحقيقية هو أنه كان يؤدي عمله، و بأنه إلتقط صورة للأمن أثناء قمع للمتظاهرين، كما في حالة المصور المصري محمود أبو زيد، و المعروف بـ «شوكان»، و الذي أكمل هذا الأسبوع يومه الألف في ظُلمة السجون المصرية، و ذلك منذ إعتقاله و حبسه حبس إحتياطي غير قانوني، أثناء تصويره أحداث فض إعتصام رابعة في آب/أغسطس من العام 2013، فتصبح المقولة في بلادنا «الصورة تساوي ألف «ظُلمة»، و ليس ألف «كلمة».
لا شك أن مخاض السنوات الخمس التي مضت، قد أجبرت بعض السلطات العربية، على منح المصور الصحافي العربي هامشا معقولا من المقدرة على تغطية المصادمات و المظاهرات، مع إنتكاسات من وقت لآخر، و لكنها بلا شك تعتبر إنجازا بالمقارنة مع ما مضى. المطالبات لرفع سقف حرية المصور الصحافي يجب أن تستمر حتى تبلغ إستحقاقاتها غير المنقوصة، فكل ما يحصل عليه المصور الصحافي العربي من حرية تحرك و عمل، هو إستحقاق مُعمَّد بالتعب و الخوف و التضحيات و الدم، و ليس مكرمة من أحد.
السبب الوحيد الذي يدفع الحكومات و الأنظمة للتضييق على الإعلام بشكل عام، و على المصورين و المصورات بشكل خاص، هو بأن هذه الأنظمة ترتكب إنتهاكات غير قانونية، و لا تريد للإعلام إظهارها. فما الذي يخيف السلطة من المصور الصحافي؛ غير أنه يحمل بين يديه كاميراه التي يمكنها أن تسلط الضوء على حقيقة الأمور، و ما يجري على أرض الواقع، بعيدا عن الرواية الرسمية!
العديد من المصورين الصحافيين لا يزالون معتقلين في السجون العربية دون وجه حق، و على المؤسسات و النقابات و الروابط و الاتحادات الإعلامية العربية، التكثيف من نشاطها في مواجهة تغول السلطات. لقد آن الأوان النظر للمصور الصحافي بنظرة إحترام في الوطن العربي، و هو العامود الفقري للمؤسسات الإعلامية العربية و حتى العالمية، و هو عين الحقيقة لتوثيق حركة التاريخ و التحولات في بلادنا.
فوتوغرافي فلسطيني – أردني – جنيف