أميركا والعرب
محمد الشواهين
كلما أمعنت في العلاقات الأميركية-العربية، إزداد عدم قدرتي على إقناع نفسي بأن أميركا حليفة للعرب.
في مجال العلاقات الدولية، تتقاطع المصالح. فأميركا منذ عهد طويل، من أيام الحرب الساخنة والباردة، كانت حريصة على ترسيخ أقدامها في الشرق الأوسط، من أجل مصالحها. فتقيم علاقات صداقة مع معظم الدول العربية، وتقدم لعدد منها مساعدات مالية ومنحا اقتصادية وعسكرية. وهي في الوقت نفسه تقدم المساعدات السخية لإسرائيل، كدولة قائمة على القوة والاغتصاب والتوسع، من دون أي مراعاة للتوازن الدولي في المنطقة؛ فكفة إسرائيل هي الراجحة بقوة، بل التعهد بحمايتها وتفوقها العسكري واللوجستي، من أولى أولويات أميركا.
بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، ازداد النفوذ الأميركي في المنطقة، وبدأت الولايات المتحدة تعمل جاهدة من أجل تقليص نفوذ الاتحاد السوفيتي؛ القطب المنافس، بالطرق والأشكال كافة. وعلى الرغم من كل المحاولات والضغوط، إلا أن دولا عربية أبقت على علاقات ودية مع القطب السوفيتي، وعلاقات فاترة مع أميركا.
بعد تفكك الاتحاد السوفيتي وانهيار حلف وارسو، باتت الساحة فارغة من القوى المنافسة، فأصبحت أميركا هي القطب الأوحد المهيمن، ليس على المنطقة والإقليم فحسب، بل على معظم دول العالم، القوية منها والضعيفة. وقد وصل الغرور في عهد الرئيس جورج بوش الابن، أن يضع دول العالم كافة أمام خيارين لا ثالث لهما: إما معي أو ضدي. وكان العرب أول المعنيين بهذا الخيار القاسي.
كل الشعوب العربية تدرك أن أميركا أدخلت العالم العربي كله في دائرة نفوذها، على ضوء هذا الخيار الصعب. وقد كانت جادة في استعمال القوة والغزو المسلح لأي دولة تبدي عداء لأميركا، ومنها العراق كدولة عربية، وأفغانستان كدولة اسلامية حليفة للعرب. كما هددت بضرب باكستان وإعادتها إلى العصر الحجري، حسب ما صدر عن مسؤول أميركي رفيع المستوى، فلم يكن أمام باكستان إلا الرضوخ ونيل الرضى.
وكي لا نخرج كثيرا عن السياق، أود حصر كلامي في قضيتين مهمتين تشغلان بال العرب، وأصابع أميركا ليست بعيدة عنهما، بل هي المحرك صعودا ونزولا، وهما: قضية فلسطين القديمة الجديدة؛ والقضية السورية، أو بالأحرى الكارثة السورية، وشلال الدم الذي لم ينقطع، رغم من كل خزعبلات أميركا ومواقفها المشبوهة من بشار الأسد ونظامه القاتل.
أميركا، كما يقول معظم زعماء العرب، تملك كل الأوراق أو معظمها، في القضيتين. مع هذا، فإن إسرائيل تتوسع كل يوم داخل الأراضي المحتلة، وتقيم المستوطنات، وتصادر الأراضي، وتقتحم المسجد الأقصى. وحل الدولتين الذي اقترحته أميركا لم يتحقق ولن يتحقق في ظل هذه المعطيات التي تشاهدها أميركا بكل وضوح، لكنها لا تحرك ساكنا.
أما فيما يتعلق بسورية، فأميركا ليس بخاف عليها شلال دم الأبرياء من أطفال وشيوخ ونساء، والذي يريقه بشار الأسد وشبيحته ومرتزقته صباح مساء. ونسمع تصريحات نارية من الرئيس باراك أوباما، ثم ما يلبث أن يتراجع عنها. وكل الاجتماعات والمؤتمرات واللقاءات، في جنيف وغيرها، لم تسفر عن شيء ملموس على الواقع. فحلب تحترق وتتدمر، وبقية المدن والقرى السورية ليست بأحسن حال.
لدي قناعة أن أميركا هي التي تريد لهذا الوضع المتردي أن يستمر على هذا النحو، حتى تتمزق سورية وشعبها، فلا تقوم لها قائمة لقرون مقبلة، إرضاء لإسرائيل، صاحبة المصلحة الأولى في خراب سورية. بل الأسوأ من هذا كله أن أميركا لن تسمح بتدخل عربي مباشر لإنقاذ ما يمكن إنقاذه.
وللحديث بقية.