«سلطان الحريم!»
كما سمي في مسلسل تافه،
أريد له أن يشوه واحدة من أبهى وأجمل حكايات هذه الأمة،
في عام 1526 م ذهب مبعوث السلطان العثماني سليمان القانوني لأخذ الجزية من ملك المجر وزعيم أوروبا وقتها «فيلاديسلاف الثاني»، وكانت المجر هي حامية الحقد الديني على أمتنا في أوروبا وقتها، فقام بذبح رسول سليمان القانوني بإشارة من بابا ال?اتيكان آنذاك، فقد استعدت الكنيسة وأوروبا جيداً لهذا.
جهز سليمان القانوني جيشه، وكان عبارة عن 100 ألف مقاتل، و350 مدفع، و800 سفينة.
وحشدت أوروبا جيشها، وكان عدده 200 ألف فارس .. منهم 35 ألف فارس مقنع بالكامل بالحديد. سار سليمان بجيشه لمسافة حوالي 1000 كم (مثل طول مصر تقريباً)، وفتح معظم القلاع في طريقه لتأمين خطوط انسحابه، لو حدثت هزيمة لا قدر الله، وانتظر في وادي موهاكس جنوب المجر وشرق رومانيا، منتظراً جيوش أوروبا المتحدة بقيادة فيلاد والبابا نفسه.
كانت مشكلة سليمان التكتيكية هي كثرة فرسان الرومان والمجر المقنعين بالحديد.. فأولئك الفرسان لا سبيل لإصابتهم بالسهام أو الرصاص أو المبارزة، لتدريعهم الكامل .. فماذا يفعل ؟
صلى الفجر، ووقف قائلا لجنوده وهم ينظرون لجيوش أوروبا المتراصة، التى لا يرى الناظر آخرها، يحثهم بصوت باك حتى بكى الجنود جميعاً واصطف الجيشان ..
اعتمدت خطة سليمان على الآتي: وضع تشكيل جيشه بطريقة 3 صفوف على طول 10 كم ..
ووضع قواته الإنكشارية في المقدمة وهم الصفوة، ثم الفرسان الخفيفة في الصف الثاني، معهم المتطوعة والمشاة ... وهو والمدفعية في الصف الأخير ... وهجم المجريون عقب صلاة العصر على حين غِرة، فأمر سليمان قوات الانكشارية بالثبات والصمود ساعة فقط، ثم الفرار... وأمر الصف الثاني الفرسان الخفيفة والمشاة بفتح الخطوط والفرار من على الأجناب، وليس للخلف... وبالفعل صمدت الانكشارية، وأبادت قوات المشاة الأوروبية كاملة في هجومين متتاليين، بقوات بلغت عشرين ألف جندي في الهجمة الوحدة.. وانقضَّت القوة الضاربة للأوروبيين وهي قوات الفرسان المقنعة بالكامل، ومعها 60 ألفاً من الفرسان الخفيفة .. وحانت لحظة الفرار وفتح الخطوط .. وانسحبت الانكشارية للأجناب وتبعتها المشاة... وأصبح قلب الجيش العثماني مفتوحاً تماماً .. ودخلت قوات أوروبا بقوة 100 ألف فارس مرة واحدة نحو قلب القوات العثمانية .. وهنا كانت الكارثة عليهم !!
أصبحوا وجهاً لوجه أمام المدافع العثمانية مباشرة على حين غرة.. والتى فتحت نيرانها المحمومة وقنابلها عليهم من كل ناحية.. ولساعة كاملة .. فانتهى الجيش الأوروبي وأصبح من التاريخ !!
وحاولت القوات الأوروبية فى الصفوف الخلفية الهرب للنهر المجاور فغرقوا وداسوا بعضهم البعض، فغرق الآلاف منهم تزاحماً، وسقط الفرسان المقنعين، بعد أن ذاب الحديد عليهم من لهب المدافع، وأراد الجيش الأوروبي الاستسلام .. فكان قرار سليمان الذي لن تنساه أوروبا له حتى الآن وللأتراك العثمانيين وتذكره بكل حقد: «لا أسرى» !! وأخذ الجنود العثمانيون يناولون من يريد الأسر من الأوروبيين سلاحه ليقاتل أو يذبح حياً. وبالفعل قاتلوا قتال اليائسين..
وانتهت المعركة بمقتل فيلاد، والأساقفة السبعة الذين يمثلون الكنيسة، ومبعوث البابا، وسبعون ألف فارس... ورغم هذا، تم أسر 25 ألفاً كانوا جرحى فلم يقتلوا .. وتم عمل عرض عسكري في العاصمة المجرية من قبل العثمانيين، وقبَّل الجميع يد سليمان تكريماً له، ونظم شئون الدولة ليومين ثم رحل ...وانتهت أسطورة أوروبا والمجر. وقد استشهد من العثمانيين 150 جندياً، وجرح 3000 فقط، والجيش في كامل قوته لم يُستنزَف أبداً..
من فصول حكاياتنا ومروياتنا للأحداث التي مرت وتمر بنا، (هارون الرشيد مثلا!) فقد حكم السلطان سليمان قرابة ثمانٍ وأربعين سنة، وامتدت دولة الخلافة الإسلامية في عهده على ثلاث قارات، وأصبحت القوة العظمى في العالم بأسره بلا منازع، فقد امتلكت الدولة أعتى الجيوش والأسلحة وصارت صاحبة السيادة في البحار والمحيطات.
يقول عنه المؤرخ الألماني هالمر «كان هذا السلطان أشد خطرا علينا من صلاح الدين نفسه» ويقول المؤرّخ الإنجليزي هارولد «إن يوم موته كان من أيام أعياد الأوروبيين.»
أجرى السلطان سليمان تعديلات إدارية فى إدارة الدولة الاسلامية وشؤون أفرادها من مختلف الديانات والجنسيات والأعراق والأقليات, فجلب السلطان سليمان العلماء الربانيين وجلس معهم ووضع قوانين إدارية مستمدة من الشريعة الإسلامية. وكان من أهم أعمال السلطان سليمان الإدارية أنه وضع قانون الدولة العثمانية المسمى «قانون سليمان نامه» أي «قانون السلطان سليمان»، وبعد وضع تلك القوانين الإدارية التى تحكم الدولة الاسلامية, أخذ السلطان سليمان بتطبيقها بكل عدل ومساواة وبكل حزم، ومن هنا جاءت تسمية السلطان سليمان الأول بـ»القانوني»، ليس لأنه من وضع القوانين, بل لتطبيقه تلك القوانين بكل صرامة لا يفرّق بين كبير أو صغير و لا بين عامة أو خاصة . ومن إنجازات سليمان القانوني هو فتح بلجراد في رمضان 926 هجرية، وفتح جزيرة رودس في صفر929 هجرية، وانتصاره في معركة موهاكس 932 هجرية التي تحدثنا عنها بالأمس، علاوة على حربه مع الدولة الصفوية، فقد استطاع خلال 48 سنة أن يبسط نفوذ المسلمين من بغداد شرقا إلى فيينا غربا ومن موسكو شمالا إلى بلاد أفريقيا جنوبا. وقد وصلت هيبة السلطان سليمان أن بعث إليه ملك فرنسا يستجديه ويرجوه أن يساعده ضد هجمات على موانىء فرنسا، فأجابه السلطان سليمان وبعث إليه خير الدين بربروس فى سفن حربية حتى استعاد له الميناء المحتل. وبلغت السلطنة أثناء خلافته أعلى درجات القوة والسلطان، حيث اتّسعت أرجاؤها على نحو لم تشهدْه من قبل، وزادت مساحة الدولة العثمانية بأكثر من الضعف خلال فترة حكمه، حيث فتح شمال أفريقيا، وحرّر ليبيا والقِسم الأعظم من تونس، وضم ولاية الحبشة وإريتريا، وجيبوتي و الصومال، والسودان، وصارت تنعم بحماية الخلافة الإسلامية العثمانية بلاد مالي ونيجيريا وما حولهما، وإندونيسيا وماليزيا وبنغلادش، وهكذا أصبحت دولة الخلافة الإسلامية العثمانية الدولة العالمية الأولى. ووصلت حدود خلافتِه إلى ألمانيا وإيطاليا وبسطت سلطانها على كثير من دول العالم في قاراته الثلاث. توفي الخليفة سليمان عام 974هـجرية.
هذا هو «سلطان الحريم!» كما سمي في مسلسل تافه، أريد له أن يشوه واحدة من أبهى وأجمل حكايات هذه الأمة، نستذكرها اليوم، ونحن في الدرك الأسفل من الانحطاط السياسي، لعلنا نضيء شمعة أمل وسط هذا الظلام الدامس!