منتدى الشنطي
سيغلق هذا المنتدى بسبب قانون الجرائم الاردني
حيث دخل حيز التنفيذ اعتبارا من 12/9/2023
ارجو ان تكونوا قد استفدتم من بعض المعلومات المدرجة
منتدى الشنطي
سيغلق هذا المنتدى بسبب قانون الجرائم الاردني
حيث دخل حيز التنفيذ اعتبارا من 12/9/2023
ارجو ان تكونوا قد استفدتم من بعض المعلومات المدرجة

منتدى الشنطي

ابراهيم محمد نمر يوسف يحيى الاغا الشنطي
 
الرئيسيةالرئيسية  البوابةالبوابة  الأحداثالأحداث  أحدث الصورأحدث الصور  التسجيلالتسجيل  دخول  

 

 الخلافة العثمانية من الإجحاف إلى الإنصاف

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75802
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

الخلافة العثمانية من الإجحاف إلى الإنصاف Empty
مُساهمةموضوع: الخلافة العثمانية من الإجحاف إلى الإنصاف   الخلافة العثمانية من الإجحاف إلى الإنصاف Emptyالإثنين 23 مايو 2016, 9:43 am

الخلافة العثمانية من الإجحاف إلى الإنصاف
أحمد محمد عوف



الخلافة العثمانية من الإجحاف إلى الإنصاف 19802_image002 يُعَدُّ القرنُ السادس عشر من أكثرِ القرون حساسية على العالم الإسلامي، ولا سِيَّما في الشرق الأوسط والمغرب الأقصى وشمالي إفريقيا، ورغم هذا استطاع العثمانيون بمهارتِهم السياسية والعسكرية أنْ يتسيَّدوه، فبنظرةٍ مُنصفة على خريطة العالم القديم إبَّانَ هذا القرن، سنجدهم قد جاهدوا في أربعةِ مَحاور رئيسة.
المحور الأول: محور المواجهة المتصاعدة والمحتدمة مع العالم الغربي، ولا سيما وسط أوربا؛ بهدف وصولِهم إلى بلاد الأندلس بَرًّا وبَحرًا لتحرير المسلمين من الإبادة الجماعية هناك على أيدي الفرنجة المتعصِّبين، ومَحاكم التفتيش الرهيبة، التي نَصَبَتْ لَهم المشانقَ والمحارق الجهنمية.
المحور الثاني: كان في غرب البحر الأبيض المتوسط؛ حيث كانت أساطيلُ فرنسا وإسبانيا وجنوة تشكل تحالفًا بحريًّا لضرب سواحل شمال إفريقيا واحتلالها.
وكانت هذه القوى الصَّليبية البحرية تتصدَّى للسُّفن الإسلامية، التي كانت تَحمل المسلمين الفارِّين مِنَ الْهَوْلِ الصليبي بالأندلس، فكان الأسطولُ العثماني يَخْفِرُ ويتصدَّى لهذه الأساطيل، واستطاع تحرير ليبيا، والجزائر، وتونس، والمغرب الأقصى من الاحتلال الإسباني.
المحور الثالث: كان في جنوب الجزيرة العربية والخليج العربي والبحر الأحمر؛ حيث كان الخطر البحري البرتغالي يَتهدَّدها، فكان الوجودُ العثماني هناك حمايةً لها؛ لتأمين السفن التجارية الإسلامية في المحيط الهندي، ومياه الخليج، والبحر الأحمر، والأهم حماية مَكَّة والمدينة المنورة، والأراضي المقدسة بالحجاز من الخطر البرتغالي.
المحور الرابع: التصدي للخطر الصفوي الشيعي بإيران، وإحباط مخططات الصفويِّين للاستيلاء على مصر والشام وفلسطين والحجاز، والعمل على التصدي للمذابح الإيرانية للمسلمين السُّنَّة في العراق وأذربيجان ومناطق بحر قزوين.
لهذا نجد العُثمانيِّين طوال القرن السادس عشر كانوا في جهادٍ مُتصل على كلِّ الجبهات المستعرة، التي لم تخمد أُوَارها، رَافعين راياتِ الإسلام، وسائرين على نَهج السَّلَف الصالح، فقد ظهروا أمامَ العالم الإسلامي حُماةً لأهل السُّنَّة وقوة إنقاذ لهم.
والخلافة العُثمانية مهما قيل عنها إفكًا، أو لاكت سيرتَها بعضُ الأقلام ممن جهل بتاريخها، أو حسن نية، فأفقدها مصداقِيَّتَها بغير حق - فهذه الخلافة قد جاهدت في سبيلِ الله منذ إنشائها عام 1250م، وظَلَّت في رباطٍ لم ينقطع، حتى انطوى تَحت لوائها العالَم المسيحي في شرقي أوربا، ودخل في دين الله الملايين من المسيحيِّين هناك، فهي خلافة فاتحة، وَسَّعَت رقعة العالم الإسلامي لأول مرة في تاريخ الإسلام، عندما فتحت أقطارًا أوربيَّة، وإسقاطُها للإمبراطوريَّة البيزنطية كان لطمةً كبرى للغرب، حتى اعتبروا هذا الفتحَ الإسلاميَّ للقسطنطينية بدايةَ العصر الحديث، فلقد أحْيَت عصرَ الفتوحات الإسلامية الكبرى بعد مواتٍ لأكثرَ من خمسة قرون، ومَيْزَة الفتوحات العثمانية أنَّ الذين قاموا بها أتراكٌ مسلمون، وليسوا عربًا، كما كان في الفتوحات الكبرى إبَّان الخلافة الراشديَّة والأُمُويَّة، وهذا يدُلُّ على أن الإسلامَ قد أصبح عالميًّا.

بين الصفوية والمملوكية

تُعَدُّ الصفوية دعوةً صوفية المنشأ، وتنسب لداعيتها صفي الدين عام 1334م، وكان عند بَدْءِ ظهورها تتمركز في مدينة أردبيل بأذربيجان جنوبَ غرب بَحر قزوين، ولَم تلبث هذه الدَّعوة إلاَّ وكشفت عن هُويتها الشيعيَّة في مُنتصف القرن الخامسَ عَشَر، وأصبح أتباعُها إرهابيِّين، واستطاعوا السيطرةَ على بعض القبائل السنية التُّركمانية بجنوب وشرق الأناضول عند أطراف الدولة العثمانية، ثم استولوا على غربي فارس.
وهذه الجماعات الشيعيَّة الإرهابية قَوِيَ نفوذُها، واستطاع قائدها إسماعيل الصفوي تأسيسَ دولة تضُمُّ غرب وشرق فارس والعراق والخليج، وجعل عاصِمَتها تبريز، وأعلن إسماعيل أنَّه شاه فارس وإمام الشيعة، ثم قام بملاحقة المسلمين السُّنيِّين، وأجبرهم على اعتناقِ المذهب الشيعي، وهو المذهب الرسمي للدولة الصفوية.
ولم يَكتفِ الشاه إسماعيل بهذا، فقام عن طريقِ عُملائه ببثِّ الرُّعب والإرهاب في المشرق الإسلامي بالهند وأفغانستان ومصر والشام، حتى استطاعَ (عُملاؤُه) اختراقَ بلاط السلطنة المملوكية وقيادة (الجيش)؛ للتَّمهيد للانقلاب الشيعي المزمع قيامه ضِدَّ السلطان قنصوه الغوري، الذي لم ينتبه لهذه الخطة التي استهدف بها الصفويون الاستيلاءَ على مصر والشام وفلسطين والحجاز واليمن، وكلها كانت أقاليمَ تتبع السَّلطنة المملوكية بالقاهرة، وكان الصفويون عن طريق جواسيسهم قد أيقنوا أنَّ السلطنة المملوكية مفلسة.
فالسلطنة المملوكية في مَطلعِ القرن السادس عشر شهدت صراعاتٍ دَموية بين السُّلطان وأمراء المماليك الذين انشقُّوا عليه، وكان الجيشُ السلطاني يُعاني جنودُه الجوعَ، وعدمَ التدريب أو التسليح، حتى ساءت أحوالُهم، وعَمَّ الكسادُ الاقتصاديُّ كُلَّ ديارِ السلطنة بعدما توقَّفت قوافلُ التجارة العالميَّة عَبْرَها، وساد التخلُّف الاجتماعي، وتفشَّى الظلمُ للفلاحين والتُّجَّار الذين كانوا يعانون من الضرائب المتزايدة، وكانت البلادُ في فوضى، وعساكرُ المماليك لا هَمَّ لهم سوى النهب والسلب والاعتداء على الأعراض، والتعرُّض للنسوة في الشوارع.

النجدة العثمانية

وأمام هذه الأوضاع المتردية، والتهديدات المتلاحقة لسفن القراصنة الفرنجة للسواحل الشامية والمصرية - انبهر المصريُّون والشاميُّون بأنباءِ الانتصاراتِ المُذهلة التي كان يُحققها العثمانيُّون في مواجهاتِهم للغرب، وفَشِلَ الصفويون في الترويج لدعوتِهم في ديارهم؛ لسوء سمعتهم في العالم العربي؛ لممارستهم القمعية ضِدَّ المسلمين السنة، فتطلعت الشعوبُ العربية من أقصى الصومال حتى المغرب العربي وأعالي الفرات والعراق لمجيء العثمانيين، كحُماة لأهل السُّنَّة، ولم يكونوا بغافلين.
ففي عام 1512م كان العثمانيون في مُواجهةٍ بَحرية ضد البنادقة، الذين كان أسطولهم يُداهِم السواحلَ العثمانية بالبحر الأبيض المتوسط، وكان السُّلطان العثماني سليم الأول يقود جيوشَه للتصدي لهذا الخطر، فاجتاحَ أسطولُه جزيرةَ قبرص وليانتو ومدون وكورن على الساحل الغربي لليونان لتأمين قواتِه البرية هناك، ووصل البندقية (فينيسيا) في أعلى بحر الأدرياتيك واحتلها، وتَقَدَّم بقواتِه بَرًّا إلى (فستزا)، وهذا ما جعل البنادقة يطلبون الصلحَ نظيرَ دفع الجزية.
وعلى صعيد آخر استغل (الصفويون) انشغالَ السلطان سليم في حروبه ضِدَّ الغرب، فأشعلوا الحربَ لصالح فرنسا والبابوية بطول خطِّ المواجهة على الأناضول العثمانية؛ للضَّغط على سليم لسحب قواتِه التي كانت تُهدِّد إيطاليا وسواحلها الجنوبية، التي كانت خاضعةً للحلف الإسباني الفرنسي، واضطر السلطانُ سليم إلى العبور بقواتِه من أوربا للتصدي للصفويين عام 1514م، وطلب من السُّلطان قنصوه الغوري السماحَ لقواتِه بالعبور من إقليم آلبستان الذي كان يتبعُ السلطنةَ بالقاهرة؛ حيثُ يقع على أطرافِ الشام المملوكية، وليقصر المسافة على قواتِه المنهكة من السير الطويل، وتوفيرًا للوقت؛ حتى يتمكنَ بسُرعة من دخول الأراضي الصفوية؛ للتخفيفِ عن مُسلمي السنة الذين هاجمهم الصفويون وذبحوهم، لكن (قنصوه) رَفَضَ وأهان رُسلَ العثمانيين وسجنهم؛ لأنَّ الأمراءَ عملاءَ الصفويِّين حذَّروه وأوعزوا له بالرَّفض؛ إرضاءً للصفويين، الذين وَعَدوه بنجدتِه لو هاجم العثمانيُّون سلطنتَهم، وكان رُسُلُ الصفويين قد وصلت لقنصوه، وأبلغوه بهذا المعنى.
وأمام هذا الرفض غَيَّرَ السلطانُ سليم اتجاهَ المجهود الرئيس لقواتِه، ودخل الأراضي الصفوية من جنوب شرق الأناضول؛ حيث داهم إقليمَ كاليدران، وألْحَقَ الهزيمةَ بإسماعيل الصفوي، وتقدَّم بقواتِه حتى دخل تبريز عاصمة الصفويين واحتلَّها، بعدها عاد واستولى على ديار بكر والموصل وأجزاء من كردستان، وهذه كلُّها أراضٍ سُنِّيَّة كانت تحت الخطر الصفوي، وعاد إلى آلبستان التي انشقَّت على قنصوه واحتلها، وأصبحت قاعدةً حربية للجيش العُثماني على الحدود الصفوية والمملوكية، ومُهمتها حمايةُ أهلِ السنة من الخطر الشيعي الصفوي المتربص بالدولة المملوكية في أعالي نهر الفرات جنوب شرق حلب المملوكية، هذه الحقيقة لم ينتبه لها قنصوه؛ لأنَّه لم يكن بعيدَ النظر.

العثمانيون يدخلون مصر

كان العثمانيُّون لهم مفهومهم في الجهاد حسب مذهبِهم الحنفي؛ لهذا كانوا مُلتزمين بتطبيق الشرع، ولا سيما فرضية الجهاد، فعندما يكون الجهاد فرضَ كفاية دافعوا عن ديار الإسلام، ولم يَحتلوها إلا لضرورةٍ قتالية أو دفاعية، وعندما حاربوا الصفويين؛ ليدافعوا عن الإمارات التركمانية السنية على حدود الأناضول، حَمَوْها من خطرِ الصفويين، وانسحبوا منها ومن الأراضي الفارسية الصفوية؛ لأنَّها ديارُ إسلامٍ لا ديار حرب، ولو كانوا راغِبين في التوسُّع بالعالم الإسلامي، فقد كان الطريقُ مفتوحًا لهم حتى دلهي بالهند، لكنَّها ديار الإسلام يَحرُم عليها الإغارةُ عليها، وكانت شعوبُ وسط آسيا إماراتٍ تركمانية وخزرية وأوزبكية مُسلمة؛ لهذا لم يستولوا عليها، فكان هدفُهم (الجهادَ) في سبيل الله، وتوسيع رقعة الإسلام في أوربا الوثنيَّة والمسيحية بتأمين العالم الإسلامي من الخطر الصليبي.
لكن في عام 1516م اتَّجَهَ قنصوه الغوري بِجَيشه، حتى وصل إلى مدينة حلب على حدود الشام؛ لتهديد العثمانيين، والضغط عليهم في إقليم آلبستان، وكان هذا بالتنسيق مع رُسُلِ إسماعيل الصفوي؛ ليُشكِّلَ حلفًا ضد السلطان سليم؛ فسنان باشا -قائد الجيش العثماني الذي أصبح بين شقي الصفويين والمماليك في مُواجهة عسكرية- أرسل رسالةً عاجلةً للسلطان سليم الأول يبلغه فيها بالموقف العسكري، والتحرُّكات المملوكية على حدود السَّلطنة العثمانية، فأتى سليم على عجل لسهل آلبستان بعدما أرسلَ رُسُلَه لقنصوه يطلب منه عقدَ معاهدةِ سلام بينهما، لكن قنصوه كعادته سجن الرُّسلَ، ولم يردّ على رسالةِ السلطان سليم.
والعثمانيُّون كانوا على بَيِّنَة من الضَّعف العسكري لقواتِ المماليك، وكان على السلطان سليم أنْ يَختار القرارَ الأصوب، وهو القضاء على الخطر المملوكي؛ حتى لا يطعنه الصفويُّون المتنمرون له، ولا سيما أنَّهم اخترقوا حاشيةَ قنصوه، وسَيَزِجُّون به للحرب لحساب الصفويين الذين على خط المواجهة.
ففي أكتوبر 922هـ/ 1516م عَبَرَت القواتُ العثمانية الحدودَ، وتقابلت مع قنصوه في مرج دابق قُرْبَ حلب، وبعد ساعاتٍ قُتِلَ قنصوه؛ ليبدأ العدُّ التنازلي لسقوط دولة المماليك بمصر والشام والحجاز، وأعلن طومان باي نائبُ قنصوه نفسَه سلطانًا، وسار سليم بعد المعركة وسط ترحيب الشاميِّين به؛ حيث كان الطريقُ مفتوحًا أمام قواته للقاهرة، وكان الجيش العثماني مجهزًا بالأسلحة الحديثة، ومُدربًا على المعارك، بينما تشتَّتت القواتُ المملوكية بعدما أعلن أمراءُ المماليك ولاءَهم للسلطان سليم، وانضموا لجيشه.
ولم يكن السلطانُ سليم راغبًا في احتلال مصر، فعندما وصل غَزَّة توقَّف؛ ليعود من حيث أتى، وأرسل لطومان باي رُسُلَه يبلغه أنَّه اختاره حاكمًا، لكنَّه أرسل قواتِه فهزمها سليم، واتَّجه بعدها إلى القاهرة، وتلاقى طومان باي مع العثمانيِّين في الريدانية (العباسية) عند مشارف القاهرة، لكنَّ المماليك لم يصمدوا ساعةً، وهرب طومان باي لمدينة البهنسا، لكن العربان قبضوا عليه، وسلَّموه للسلطان سليم، وأعْدَمه على باب زويلة بعدما عرضَ عليه حُكْمَ مصر ورفض.
وبعد دخول العثمانيين للقاهرة كانت صلاة الجمعة في اليوم التالي، ووقف الخطباءُ فوق منابر القاهرة يدعون: "اللهم انصُرِ السلطانَ ابن السلطان سيد البرين والبحرين، ومحطم الجيشين، سلطان العراقين وحامي الحرمين الشريفين المنتصر الملك سليم شاه، امنحه يا ربَّ العالمين القوة؛ ليسودَ العالم".
وخرج المصلون من صلاتِهم وهُم في ذُهُول؛ لِمَا سمعوه ولم يصدقوا أنفسَهم أنَّهم قد تخلصوا من المماليك الظالمين.

الإسلام هو القومية

من الخطأ التاريخي أن نفسر دخول العثمانيين للعالم العربي من منظورٍ قومي عربي أو بيئي؛ لأنَّ دُعاة القومية العربية قد أرهصوا بأنَّ الوجودَ العُثماني كان لتحقيق السيادةِ العنصرية التركية على العُنصرية العربيَّة، واعتبروه إمبريالِيَّةً واستعمارًا، وهذه النَّعْرَة قد روَّج لها الكُتَّاب المارونيون في الشام، ففي القرن الماضي أدخلوا مصطلحَ العروبة في كتابَتِهم، كدعوة إيديولوجية مستترة لضرب الخلافةِ العثمانية؛ لأنَّها رمزٌ للخلائف الإسلامية الكبرى، وهؤلاء المارونيُّون قد ظاهروا الصليبيين والفرنسيين عند احتلالهم للشام، بل كانوا يُشكِّلون "طابورًا خامسًا" لحساب الأعداء أيام نابليون.
فدخول العثمانيِّين العالَمَ العربي في القرن السادس عشر كان لضرورةٍ فقهيَّة، واستراتيجية دينيَّة وسياسية؛ لأنَّ الإسلامَ لاَ يعرفُ العرقية أو العُنصرية، ولا يقرُّ بالقبلية أو النعرة الإقليمية؛ فأُمَّته أمة واحدة، والعالم الإسلامي كله هو دياره.
وحماية هذه الديار ضِدَّ الكفار فرضٌ على كل مسلم في البوسنة، أو حتى في الإسكيمو، ودفع الضرر عن جماعة المسلمين فرضيَّة جهادية إذا اقتضى ذلك لا تسقط، أو يكفر المسلم عنها.
فلا يُمكن لدولةٍ سُنية عُظمى كالخلافة العثمانية أن تقفَ مكتوفةَ الأيدي؛ لتترك العالَمَ الإسلاميَّ نَهبًا وطَمَعًا للمتربصين به من أعداء الإسلام.

إعلان الخلافة العثمانية

بعدما دخل سليم القاهرة أعلنَ سقوطَ الخلافة العباسية الثانية بها، وأخذ معه الخليفة للأستانة؛ حيث تنازل له عن الخلافة، وفي عام 1538م أعلن السلطانُ سليمان القانوني الخلافةَ العثمانية، ولَقَّبَ نفسَه بخليفة المسلمين، وأعلن أنَّ هذه الخلافة سُنِّيَّة ومذهبها الرَّسْمي المذهبُ الحنفي، كما أعلن الجهاد في سبيل الله، ولَقِيَ هذا الإعلان صدًى واسعًا في كل أرجاء العالم الإسلامي؛ لأنَّ هذا الإعلان كان من صَدرِ قوة، وإحياء للخلافة الراشدية، ولا سيما أنَّ المقدسات الدينية بمكة والمدينة والقدس كانت تحت حماية الخلفاء العُثمانيِّين، وهذا ما أضفى عليهم مكانةً دينية، وعندما أصدر سليمان (قانون نامه) (دستور الدولة العثمانية)، جَعَلَ فيه الشريعة الإسلامية مصدرَ هذه القوانين؛ لهذا طَبَّقَ المذهب الحنفي على أهل الذمة الذي كفل لهم حقوقهم.
فجعل لكلِّ مِلَّة رئيسًا (ملة باشا) يَختاره أهلُ الملة، ويصدر بتعيينه فرمان يُخوِّله الإشرافَ على شئون ملته الشخصيَّة والدينية، وجعل للمسلمين شيخًا للإسلام ومقره الأستانة، ويتبعه كلُّ المُفْتِين وقضاةُ القضاة في كُلِّ الولايات العُثمانية، وهؤلاء يشرفون على المؤسسات الدينية الإسلامية والمساجد والأئمة والمحاكم ودُور العلم.
وأخيرًا، فهذه صورة الخلافة العثمانية في القرن السادس عشر، عندما كانت في أوجِ عظمتها السياسية والاجتماعية والعسكرية، وما كُتب عنها هو شَهَادة حَقٍّ، ولا سيما أنَّها كانت مظهرًا من مظاهر عظمة الإسلام، وهذا لا تدعيه، ولكنَّها الحقيقة الدامغة التي أقَرَّ بها المؤرخون المنصفون لها.
المصدر: موقع الألوكة.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75802
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

الخلافة العثمانية من الإجحاف إلى الإنصاف Empty
مُساهمةموضوع: رد: الخلافة العثمانية من الإجحاف إلى الإنصاف   الخلافة العثمانية من الإجحاف إلى الإنصاف Emptyالإثنين 23 مايو 2016, 9:44 am

قيام الدولة العثمانية واتساعها
د. محمد عبد الحميد الرفاعي




الخلافة العثمانية من الإجحاف إلى الإنصاف 768
الدولة العثمانية إسلاميةٌ في نشأتِها وتوجهاتها وغايتها, وفي قاعدتِها الشعبية المحكومة, وقد استمرت ستةَ قرون, وظلَّتْ مسيطرةً على سياسة العالم عدة قرون, ويرجع إليها الفضلُ في نشر الإسلام في كثير من مناطق أوربا, وبخاصة بلدان أوربا الشَّرقية, وحافظتْ على تراث الإسلامِ الدِّيني والثقافي, والتزمت في قوانينِها تشريعاتِه ومبادئه, وعمَّرت مؤسساتِه ومساجده, واهتمَّتْ بشعائره من صلواتٍ وحجٍّ ومقدسات, وحافظت على وحدةِ المسلمين, وحمتهم من التيارات الصَّليبيةِ والمذاهب الهدَّامة.
وكانت للدولة العثمانية أيضًا مثالبُ وعيوب شأن أيِّ نظامٍ أو دولة, وبخاصةٍ في عصورِ ضعفها, وأهمها: أنَّها كانت دولة عسكرية دكتاتورية إلى حدٍّ كبير, ووقع كثيرٌ من الظُّلمِ على رعاياها.
وقد تعرَّضتْ هذه الدولةُ -نظرًا لطبيعتها الإسلامية- لكثيرٍ من المؤامرات, وتكالبتْ عليها القوى المعاديةُ للإسلام من صليبيين واستعماريين وصهاينة واتحاديين وعلمانيين, فسقطتْ في النهايةِ, وترتَّبَ على سقوطِها نتائجُ خطيرة أهمها:
انفراط الوحدةِ السياسية للعالم الإسلامي, وفقدانه للقوةِ التي تدافعُ عنه, ووقوعه فريسةً سهلة في أيدي القوى الاستعمارية الغربية, ونجاح الصهيونية في مواصلةِ مخططاتِها, حتى أقامتْ لها دولةً في فلسطين, وسعار الغزو الفكري والحضاري, وحملات الاستشراق والتشكيك ضدَّ الإسلام عقيدةً وفكرًا وحضارة.
ومن أجلِ ذلك وجب على كلِّ مسلمٍ أن يدرسَ تلك الحقبة المهمة من تاريخِه؛ ليعرف إلى أين ينتمي وإلى أين يُقاد.

ظهور العثمانيين:

ينتمي العثمانيون إلى الجنسِ التركي الذي يعيشُ في تركستان بأواسط آسيا؛ حيثُ مناطق الاستبس الرعوية, وهم جنسٌ يتَّسمون بقوةِ الأجسام وبراعةِ القتال والأنفة, ويفتقرون إلى الثقافةِ والحضارة, ويعيشون حياةً قبلية ويتبعون زعماءَهم, وهؤلاء التركُ عدَّةُ طوائف؛ أهمهم الغز أو الأوغز الذين ينتمي إليهم السلاجقة والعثمانيون.
وارتبط ظهورُ العثمانيين في التاريخِ بالغزو المغولي الذي اجتاحَ بلادَ الشَّرقِ الإسلامي؛ ومنها تركستان, واضطرت بعضُ قبائل الترك إلى الرحيل أمام هجماتِ المغول الوحشية, ومذابحهم الجماعية لشعوبِ هذه المناطق, ووصلتْ إحدى قبائل الغز إلى هضبةِ الأناضول التي تُعرف أيضًا بآسيا الصغرى (وهي تمثِّلُ الآن الجانبَ الأكبر من الشطرِ الآسيوي لدولةِ تركيا الحالية), وكان زعيمُهم يُدعى "أرطغرل".
وتذكرُ الرِّوايات العثمانية القديمة أنَّ هذه القبيلة التقت في طريقِها مصادفةً بجيشين يقتتلان, دون أن يعرفوا هويتَهما, فأحسُّوا بتعاطفٍ نحو الجيش الضعيف قليلِ العدد الذي كان يقاتلُ ببسالة, ولكنَّه لا يستطيعُ الصمود أمام أعدائه الأكثر عددًا ويكادُ أن ينهزم, فانضمُّوا إليه وقاتلوا معه, دون أن تكون لهم في هذه الحربِ ناقةٌ ولا جمل, وهذا يدلُّ على روحهم القتالية وطبيعتهم الحربية, واستطاعوا أن ينتزعوا النَّصرَ, وكانت سعادتُهم غامرة عندما اكتشفوا أنَّ الجانبَ الذي انحازوا إليه هم بقايا السلاجفة الأتراك من بني جلدتهم, وأنَّ الجانب الذي هزموه هم جحافل التتارِ من جيش أوكطاي بن جنكيز خان.
وقد كافأهم أميرُ السلاجقة علاء الدين كيقباذ (توفي 634هـ) صاحب "قونية", وهي مدينةٌ في قلبِ الأناضول على بعد (260 كم) جنوب أنقرة - فأقطع أميرَهم أرطغرل إقليمَ "سكودا" ذا السُّهولِ الخصبة الواسعة المتاخم للدَّولةِ البيزنطية وعاصمتها القسطنطينية, واتخذ أرطغرل الهلالَ شعارًا له, ولا يزالُ هذا الرمز موجودًا على العلم التركي, وعلى كثيرٍ من شعاراتِ المسلمين في مختلف البلدان.
وكان هدفُ الأمير السلجوقي أن يجعلَ هذه القبيلة حاجزًا بشريًّا يحميه من خطرِ البيزنطيين, وفي نفسِ الوقت يشغلها عن التفكيرِ في الاستيلاء على مملكته.
وقد اختلف موقفُ المؤرِّخين المحدثين من هذه الرِّوايةِ بين مصدِّقٍ ومكذِّب, فمنهم من يراها حقيقةً؛ لأنَّها مأخوذة عن رواةٍ معاصرين للحدث, ومنهم من يعدها من قبيلِ الأساطير.
وكان أرطغرل طموحًا فبدأ غزواتِه من أجلِ التوسع على حساب الدولة البيزنطية, معلنًا أنَّ فتوحاته باسم الأمير علاء الدين كيقباذ السلجوقي, وضمَّ إليه بعضَ مقاطعاتهم وأهمها مقاطعة.
وتُوفي أرطغرل بعد أن عمَّر ثلاثةً وتسعين عامًا سنة (699هـ/ 1299م), وخلفه ابنُه عثمان الذي تنسبُ الدولةُ إليه, وكان في الثالثةِ والأربعين من عمره؛ إذ إنَّه ولد سنة (656هـ/ 1258م) وهي السنة التي غزا فيها التتارُ العراق, وأسقطوا فيها بغدادَ والخلافة العباسية, فكان قيام الدولة العثمانية تجديدًا لدماءِ الإسلام والمسلمين, واستئنافًا لعهدِ الجهاد والفتوحات العظيمة.
ويرى بعضُ المؤرِّخين أنَّ هذه القبيلة كانت مسلمة قبل أن تأتيَ إلى الأناضول إبان حياتها الأولى في تركستان, ويرى بعضٌ آخر أنَّها أسلمتْ في عهد أميرِها عثمان بن أرطغرل, أو كانت قبل ذلك في مرحلةِ تحوُّلٍ من الوثنيةِ إلى الإسلام, ثم اكتمل إسلامُها في عهده.
وكان عثمان في شبابِه المبكِّر يتردَّدُ على بيتِ أحد الفقهاء المقيمين في قريةٍ قرب مدينة "آسكى شهر" يُدعى الشيخ "أده باللي", ويذكرُ في المصادر العربية "الشيخ أدب عال" فتلقَّى العلمَ على يديه, وتزوَّج من ابنتِه "مال خاتون".
ومما يذكره الرُّواةُ أنَّ عثمان قبل أن يصاهر الشيخ كان في بيتِه, أخذته غفوة فرأى قمرًا ينبثقُ من صدر هذا الفقيه ثم يصير بدرًا, وتخرجُ من صدره شجرةٌ ضخمة وارفة تغطِّي فروعُها البلدان, وتنسابُ من جذورها الأنهارُ, ثم هبت عليها ريحٌ فحوَّلتْها إلى سيف له مقبضٌ مرصَّعٌ بالأحجارِ الكريمة, فأمسك به عثمان, فلمَّا قصَّ رؤياه على الشيخِ بشَّره بعلوِّ شأنه واتساعِ ملكِه وزوَّجه من ابنتِه.
ومهما يكن من أمرِ هذه الرِّواية وأمثالها, فإنَّ هذه القبيلة اعتنقت الإسلامَ عن يقين وتحمَّستْ له وجاهدت لنشرِه وإعلاء كلمته, وكان لمعيشتِهم داخل دولةِ سلاجقة الروم أثرٌ في تعمق إسلامِهم, فقد كان السلاجقةُ قبلهم مسلمين متحمِّسين, لهم باعٌ طويل وتاريخٌ حافل في نصرةِ الإسلام, وجهادِ الروم والتتار.
ولم تستطعْ دولةُ سلاجقة الروم أن تصمدَ أمام هجمات المغول طويلاً, فسقطت سنة (699هـ/ 1300م), ثم تُوفي سلطانُها علاء الدين كيقباذ الثالث سنة (707هـ/ 1307م), وانفرط عقدُ دولتِه, واستقلَّ كلُّ أميرٍ بما تحت يدِه, وأصبح عثمانُ بن أرطغرل منذ ذلك الحين أميرًا لدولةٍ مستقلة.

سياسة عثمان لتوطيد أركان دولته:

تحوَّل العثمانيون في وقتٍ قصير من قبيلةٍ متنقلة إلى دولةٍ مستقرة, واستطاعوا أن يجدوا لأنفسِهم مكانًا وسط الإمبراطورياتِ القديمة, والإمبراطوريةِ البيزنطية المتداعية, والإمبراطوريةِ السُّلجوقية المتهالكة, وإمبراطوريةِ المغول الواسعة, ودولة المماليك الفتية في أَوْج مجدِها, واستطاعت الدولةُ العثمانية بجهودِ أبنائها وقادتها أن ترثَ ما بقي من دولتي السلاجقةِ والبيزنطيين, ثم نجحتْ في فترةٍ تالية في القضاءِ على دولة المماليك, وضمِّ ممتلكاتهم.
واستطاع عثمانُ منذ بداية عهده أن يحقِّقَ انتصاراتٍ كبيرة على البيزنطيين, واهتمَّ بالنواحي السياسية والإدارية إلى جانبِ اهتمامِه الكبير بتنميةِ إدارته العسكرية.
وكانت المشكلةُ التي تواجهه هي قلة عشيرتِه وعدد أفراد قبيلته بالنسبةِ لآمالِه وطموحاته التي يرمي إليها, فعملَ على الاستكثارِ من الجندِ بشراء الرَّقيق, والاستزادةِ من الأنصار بالزَّواج السياسي من كِتابيات من البلدانِ المجاورة ليكسبَ ودَّهم, ويقوي عَلاقتِه بهم, فتزوَّج من سيدةٍ من "قليقيا" (أرمينيا الصغرى), وزوَّج ابنَه "أورخان" من يونانية.
وضمَّ عثمان إليه بعضَ المغامرين والمتمرِّدين على الدولةِ البيزنطية؛ مثل: ميخائيل ذي اللحية المفرجنة البيزنطي المنشق, وجعله قائدًا في جيشِه ونائبًا عنه في الحروب.
واستَكمَل عثمانُ سيطرتَه على الأناضول, ووصل إلى مدخل البسفور والجزر الواقعة في بحرِ مرمرة, واستولى على عدةِ قِلاعٍ بيزنطية, وكان ابنُه أورخان يتولَّى مهمةَ هذه الفتوحات, وتوَّج انتصاراتِه بالاستيلاء على مدينة "بروسة" التي تبعدُ عن بحرِ مرمرة بنحو (25 كم) بعد أن قاومتْ لمدة عشرِ سنوات, حتَّى سقطت سنة (726هـ/ 1325م), وكان السُّلطانُ عثمان على فراشِ الموت, فأسعدتْه هذه الأنباء.
وكانت بروسة حصينةً منيعة؛ لأنَّها تقعد في الانحدار الشَّمالي لجبل "أوليموس", ويمكنُ عن طريقِها مهاجمة شواطئ بحر مرمرة وغزو القسطنطينية التي كانت هدفًا أسمى للعثمانيين؛ ولذا اتخذها أورخانُ بنُ عثمان عاصمةً للدولة منذ سنة (728هـ/ 1327م), واستمرَّت كذلك حتى سنة (763هـ/ 1361م)؛ حيثُ نُقلت العاصمةُ إلى أدرنة, ثم تحوَّلتْ إلى القسطنطينية (إسلامبول) بعد فتحِها على يد السُّلطان محمد الثاني الفاتح سنة (857هـ/ 1453م), ثم أصبحتْ في العصور التالية من أهمِّ المراكز لتجارة الحريرِ في العالم.
وعقب فتحِ بروسة أُضفيَ عليها الطَّابعُ الإسلامي, وعمِّرت فيها المساجد, ونُقل إليها رفاتُ السلطانِ وهو "الدولة العلية", ثم "السلطنة السنية", ثم أُطلقَ عليها بعد اتساعِها وامتداد فتوحاتها "الإمبراطورية العثمانية" و"الدولة العثمانية", ولم يطلق عليها اسمُ "تركيا" إلاَّ في عهدِ الكماليين, عندما أسقطوا الخلافةَ وأعلنوا الجمهوريةَ سنة 1923م, وكان هدفُهم من ذلك الابتعاد عن المسارِ الإسلامي, وطمسِ الهوية الإسلامية للدولة, وبترِها عن تاريخِها وتقاليدها, وإضفاء الصفة القومية العرقية عليها.
المصدر: شبكة الألوكة.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75802
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

الخلافة العثمانية من الإجحاف إلى الإنصاف Empty
مُساهمةموضوع: رد: الخلافة العثمانية من الإجحاف إلى الإنصاف   الخلافة العثمانية من الإجحاف إلى الإنصاف Emptyالإثنين 23 مايو 2016, 9:46 am

عهد سليمان القانوني
قصة الإسلام

الخلافة العثمانية من الإجحاف إلى الإنصاف 7059_image002

الخليفة سليمان الأول أو سليمان القانوني (926- 974هـ)
بلغت الدولة في عهده أقصى اتساع لها حتى أصبحت أقوى دولة في العالم في ذلك الوقت، واشتهر بسليمان القانوني، لأنه وضع نظمًا داخلية في كافة فروع الحكومة، فأدخل بعض تغييرات في نظام العلماء والمدرسين الذي وضعه محمد الفاتح، وجعل أكبر الوظائف العليا وظيفة المفتي، وأدخل التنظيمات على جيش الإنكشارية، وكانت كلها في ضوء الشريعة الإسلامية، ولم تكن مستمدة من القوانين الوضعية كما قد يتبادر إلى الأذهان.
أعمال العثمانيين في الأمصار الإسلامية
تمرد حكام الشام:
ما إن وصل خبر موت السلطان سليم الأول إلى جانبرد الغزالي إلا وأعلن تمرده، وعرض على حاكم مصر أن يحذو حذوه فخدعه حاكم مصر بإبداء الموافقة، وفي نفس الوقت كان يطلع الخليفة سليمان على كل ما يرمى إليه حاكم الشام، وبدأ حاكم الشام في تنفيذ تمرده بمحاصرة حلب، ولكن بمجرد وصول الجيوش العثمانية إلى حلب، ولَّى حاكم الشام الأدبار ثم تحصن بدمشق وواجه الجيوش العثمانية فهزم، وحاول أن يفر متنكرًا فسلمه أحد أعوانه للعثمانيين فقتلوه.
في بلاد فارس (الدولة الصفوية):
في عام 941هـ دخل العثمانيون تبريز للمرة الثانية، ومنها اتجهوا إلى بغداد فضمت إلى أملاك الدولة العثمانية، وفي عام 954هـ طلب أخو الشاه الصفوي مساعدة السلطان ضد أخيه، فدخل العثمانيون تبريز للمرة الثالثة.
في بلاد العرب:
احتدم الخطر الإسبانيالخلافة العثمانية من الإجحاف إلى الإنصاف 7059_image003 والبرتغالي الصليبي على المسلمين، فبعدما استولوا على آخر معاقل المسلمين في بلاد الأندلس، وعاهدوا المسلمين على أن يكفلوا لهم الحرية الدينية وممارسة الشعائر، لكنهم سرعان ما أخلفوا العهود ونقضوا المواثيق، فأخذت محاولات التنصير الضارية تنهمر على المسلمين في الأندلس، مستعملين في ذلك كل الوسائل من إبادة وتشريد وهتك للأعراض واستعباد، وغيرها من الوسائل التي يعجز القلم عن وصفها، فهام المسلمون في الأندلس على وجوههم، منهم من لحقته الإبادة، ومنهم من ذاب في المجتمع النصراني، ومنهم من استطاع أن يفر بدينه ليهاجر للأمصار الإسلامية.
ولم يكتف الأسبان والبرتغاليون بالأندلس، فبعد أن استتب لهم الأمر فيها اتجه الأسبان نحو الأمصار الإسلامية الأخرى ليعيدوا المأساة فيها، واحتلوا بعض المراكز في شمال إفريقيا مثل طرابلس والجزائر وبنزرت ووهران وغيرها.
فأرادت الدولة العثمانية تحرير شمال إفريقيا من الأسبان، ثم الاتجاه للأندلس ولم شمل المسلمين.
البحّارة خير الدين وأخوه عروج:
وفي عهد السلطان سليم الأول ظهر أحد البحارة الذين لهم صفحات لامعة في التاريخ الإسلامي، وهو البحار خير الدين الذي كان قرصانًا نصرانيًّا في جزر بحر إيجه ثم اعتنق الإسلام هو وأخوه عروج، ونذرا نفسيهما لخدمة الإسلام، وكانا ينتقمان من القراصنة النصارى الذين كانوا يعترضون السفن المسلمة ويسترقون ركابها وينهبونها، فكانا بالمثل يعترضان سفن النصارى ويبيعان ركابها عبيدًا، ثم في عهد السلطان سليم الأول أرسلا إليه إحدى السفن التي أسروها، فقبلها منهما فأعلنا طاعتهما وخدمتهما للعثمانيين.
ضم الجزائر:
وانطلقا يطهران شواطئ إفريقيا من الصليبيين، فحرر عروج مدينة الجزائر ومدينة تلمسان وكان ذلك في عهد السلطان سليم الأول، فعين خير الدين واليًا على الجزائر، وبالتالي ضمت الجزائر إلى الدولة العثمانية.
ضم طرابلس الغرب (ليبيا):
أرسل السكان المسلمون إلى الخليفة يستغيثونه بعد احتلال الأسبان لطرابلس, فأرسل إليهم قوة بحرية صغيرة عام 926هـ بقيادة مراد أغا ولكنه فشل في تحريرها, فأرسل الخليفة الأسطول العثماني بقيادة طورغول بك فحرر المدينة من الأسبان وطردهم شر طردة, وواصل تحرير المدن الإسلامية من وطأتهم فحرر بنزرت ووهران وغزا ميورقة (إحدى جزر البليار جنوب شرقي أسبانيا) وكورسيكا، وبذلك غدت طرابلس الغرب (ليبيا) ولاية عثمانية.
في تونس:
دعا الخليفة سليمان البحار خير الدين وأمره بالاستعداد لغزو تونس وتحريرها من ملكها الحفصي، الذي اشتهر بميله إلى شارلكان الملك النصراني شديد العداوة للإسلام, فأعد خير الدين العدة وبنى أسطولاً كبيرًا لهذا الغرض، وسار من مضيق الدردنيل قاصدًا تونس، وفي طريقه أغار على مالطة وجنوبي إيطاليا للتمويه، ولكي لا يعرف مقصده الأساسي ثم وصل تونس، وبمنتهى السهولة سيطر عليها وعزل السلطان حسن الحفصي، ووضع مكانه أخاه، فاشتاط شارلكان ملك إسبانيا وإيطاليا والنمسا وغيرها من بلاد أوربا، وصمم على استعادة نفوذه في تونس وإعادة ملكها العميل المخلص له، فقاد شارلكان بنفسه الجيوش، وتمكن من دخول تونس وترك الحرية لجنوده في النهب والقتل وهتك الأعراض وهدم المساجد والسبي والاستعباد، وأعاد السلطان حسن الحفصي للحكم بعد أن أجبره على التنازل له عن مدن بنزرت وعنابة وغيرها، واضطر خير الدين إلى الانسحاب من تونس.
في الجزيرة العربية والهند:
كما ذكرنا من قبل الخطر الذي بدأ يظهر من قِبَل البرتغاليين واحتلالهم لبعض المواقع في جنوب شبه الجزيرة العربية ومواصلة الزحف لنبش قبر الرسول الخلافة العثمانية من الإجحاف إلى الإنصاف R_20، هذا بالإضافة إلى خطرهم على بلاد الهند التي كانت في ذلك الوقت تحت سلطان المغول المسلمين.
أمر الخليفة سليمان بتجهيز أسطول للسيطرة على الجزيرة العربية وتطهيرها من البرتغاليين, فتمكن العثمانيون من ضم اليمن وعدن ومسقط ومحاصرة جزيرة هرمز، وبالتالي أغلقوا الأبواب في وجه البرتغاليين وأهدافهم الدنيئة، وفي نفس الوقت استنجد المغول المسلمون بالسلطان سليمان من البرتغاليين الذين احتلوا بعض سواحل الهند، فأرسل إليهم أسطولاً تمكن من تحرير بعض القلاع من البرتغاليين، ولكن الأسطول العثماني هزم في معركة ديو البحرية، فاضطر إلى الانسحاب وخاصة بعدما حاول الأعداء إثارة الفتن وإشاعة أن العثمانيين يريدون ضم الهند.
الجهاد في أوربا
البحار خير الدين والانتقام لمسلمي الأندلس:
عندما سمع البحار خير الدين وأخوه عروج بما حدث للمسلمين قاما لنجدة إخوانهم في الأندلس، وكانت سفنهم تتجه إلى شواطئ الأندلس لتحمل المسلمين الفارين بدينهم من محاولات الإبادة والتنصير الإسبانية إلى الأمصار الإسلامية، وفي نفس الوقت أراد أن ينتقم لمسلمي الأندلس من نصارى أوربا بصفة عامة ونصارى إسبانيا بصفة خاصة، والذين اشتركوا جميعًا وباركوا إبادة المسلمين في الأندلس.
فأغار على الكثير من شواطئ إيطاليا وفرنسا وإسبانيا وزج في سفنه بالكثير من أهالي هذه البلاد تمهيدًا لبيعهم عبيدًا في الأمصار الإسلامية، ليعلمهم أن المسلمين بقدر سماحتهم وعفوهم، فهم قادرون على الانتقام لإخوانهم، وكان قد صب تركيزه على إسبانيا بعد أن عقدت معاهدة بين العثمانيين وفرنسا.
وانتصر خير الدين بعد انسحابه من تونس على أسطول شارلكان في عام 944هـ، وحاول فتح جزيرة كريت ولكنه فشل في فتحها.
فتح جزيرة رودس:
استغل الخليفة انشغال أوربا بالحروب كحروب شارلكان ملك النمسا مع ملك فرنسا فرانسوا وأيضًا الخلاف المذهبي بين الكاثوليك والبروتستانت واتجه لفتح جزيرة رودس، وتمكن بالفعل من فتحها عام 929هـ، وفر فرسان القديس يوحنا من رودس إلى جزيرة مالطة، التي أهداها لهم شارلكان ملك النمسا.
تحويل القرم إلى ولاية عثمانية:
وقع الخلاف بين التتر المسلمين الذين يحكمون القرم، والتي تعترف بسيادة الدولة العثمانية، فتدخلت الدولة العثمانية وجعلتها ولاية عثمانية عام 939هـ.
تحويل الأفلاق إلى ولاية عثمانية:
قرر السلطان سليمان أن يجعل ولاية الأفلاق ولاية عثمانية، فدخلها عام 931هـ ودخل عاصمتها بخارست، ولكن الأعيان فيها ثاروا بمساعدة أمير ترانسلفانيا، وعينوا أميرًا جديدًا فوافق الخليفة في مقابل زيادة الجزية.
تحالف العثمانيين مع فرنسا:
اشتد خطر شارلكان ملك النمسا على فرنسا، وخاصة بعدما أحاط بها من جميع الجهات، فقد ضم إليه إسبانيا وأجزاء كبيرة من إيطاليا وهولندا وألمانيا، فاقترح ملك فرنسا على الخليفة سليمان القانوني أن يهاجم شرق مملكة شارلكان، في حين يهاجم ملك فرنسا من الغرب، فاقتنع الخليفة بالفكرة.
فتح بلغراد:
أرسل الخليفة إلى ملك المجر يأمره بدفع الجزية، فقتل الملك رسول الخليفة، فجهز الخليفة جيشًا قاده بنفسه وسار ففتح بلغراد عام 927هـ بعد أن كانت أكبر مانع للعثمانيين لدخول بلاد المجر.
فتح بلاد المجر:
سار الخليفة بنفسه ومعه جيش قوامه 100.000 جندي و300 مدفع و800 سفينة في نهر الدانوب جنوب بلاد المجر، جاعلاً بلغراد قاعدته الحربية ففتح عدة قلاع في أثناء مسيرته واستطاع أن يفتح عاصمتها بودا في عام 932هـ بعد أن هزم ملك المجر وفرسانه والتقى بأعيان البلاد، اتفق معهم على تعيين جان زابولي ملك ترانسلفانيا ملكًا على المجر.
الحرب مع النمسا ومحاصرة ويانة (فيينا)
ادعى أخو الملك شارلكان فرديناند سلطته على المجر واستطاع أن يحتل عاصمتها بودا، فاستنجد ملكها جان زابولي بالخليفة، فانقضت الجيوش العثمانية على بودا التي فر منها فرديناند فتبعته الجيوش المظفرة وحاصرت عاصمة النمسا ويانه (فيينا)، وأحدثت ثغرًا في أسوارها إلا أن الذخيرة نفدت منهم وأقبل فصل الشتاء فرجع الخليفة إلى بلاده.
وفي عام 938هـ حاول ملك النمسا احتلال بودا ولكنه لم يستطع، فسار إليه الخليفة في العام الثاني، ولكنه رجع عندما علم باستعدادات شارلكان.
فرنسا تنقض الحلف مع العثمانيين
ثار الرأي العام في أوربا على تحالف فرنسا النصرانية مع الدولة العثمانية المسلمة ضد شارلكان ومملكته النصرانية، فما كان من فرانسوا ملك فرنسا إلا أن عقد هدنة مع ملك النمسا، ونقض التحالف مع العثمانيين، فاستغلت النمسا الفرصة وأعادت الكرة في الحروب مع العثمانيين ولكنها انهزمت عام 943هـ.
تحريض أمير البغدان على العثمانيين
قام أخوا الملك شارلكان بتحريض أمير البغدان على الدولة العثمانية، فأعلن تمرده فتمكن منه العثمانيون وعينوا أخاه أصطفان أميرًا للبغدان، وعززوا الحامية العثمانية فيها.
مواصلة الحروب مع النمسا
اقتنع زابولي ملك المجر بفكرة فرديناند في اقتسام المجر, وإلغاء الحماية العثمانية عليها، وأرسل فرديناند صورة من الاتفاق السري بينهما للخليفة ليعلمه بعدم ولاء زابولي له، وقبل أن يعاقب الخليفة الملك زابولي كان الموت أسرع إلى زابولي عام 946هـ، فاستغل فرديناند الفرصة ليحتل المجر فاحتل مدينة بست (على الضفة الأخرى لنهر الدانوب والمواجهة لمدينة بودا، واللتان اندمجتا معًا لتكونا العاصمة الحالية للمجر بوادبست)، فانقض عليهم الجيش العثماني عام 947هـ ففر النمساويون. وبهذا أصبحت المجر ولاية عثمانية، ورضيت أرملة زابولي بذلك حتى يكبر ابنها الذي ما زال طفلاً، وأخيرًا عقدت معاهدة بين العثمانيين والنمسا لمدة خمس سنوات تدفع بموجبها النمسا جزية سنوية مقابل ما بقي تحت يديها من المجر.
السيطرة على ترانسلفانيا
واستمر الأوربيون النصارى في نقض العهود فتنازلت إيزابيلا أرملة زابولي عن ترانسلفانيا لفرديناند، وبذلك نقض العهد بين العثمانيين والنمسا، فأسرعت الدولة العثمانية بالسيطرة على ترانسلفانيا عام 957هـ.
عقد الاتفاقيات مع فرنسا
أرادت الدولة العثمانية استمالة أحد الأطراف الصليبية إليها حتى تفرق وحدتهم ضدها، فعقدت مع فرنسا اتفاقية في عام 942هـ، ولكنها شملت الكثير من الامتيازات لفرنسا التي سببت مشاكل كثيرة للعثمانيين حتى سقطت الخلافة، خاصة وأن الكثير ممن خلفوا الخليفة سليمان قد تبعوه في منح الامتيازات التي جعلت للأجانب دولة داخل الدولة العثمانية، وجعلت القنصل يحكم بقوانين بلاده في الدولة العثمانية في كل ما يتعلق بالرعايا الفرنسيين, ومن أمثالها: ألا تسمع الدعاوى المدنية للسكان المسلمين ضد تجار ورعايا فرنسا, ولا يحق لجباة الخراج إقامة دعاوى عليهم, وأن يكون مكان دعواهم عند الصدر الأعظم لا عند أي محكمة كباقي الشعب، وإذا خرج فرنسي من الدولة العثمانية وعليه ديون فلا يسأله أحد عنها, وتكون في طي النسيان، وغيرها من الامتيازات التي جعلت لهم نفوذًا كبيرًا في أنحاء الدولة، بمرور الزمن حتى أصبحوا يعيشون في أرض يباح لهم فيها فعل كل ما يريدون من استحلال للمنكرات والفجور، ولا يستطيع أحد أن يكلمهم، بل قيل إن سجونهم التي كانت تدار بواسطة بلادهم في الدولة العثمانية كانت عبارة عن قصور، بها ما لذ وطاب من الجواري والخمور وغيرها.
ولم يقتصر الأمر على ذلك بل أخذت كل دولة أجنبية تطالب بامتيازات لها في الدولة العثمانية كلما قوي أمرها، كما سنعلم في الصفحات الآتية؛ ليزداد الخناق على الدولة العثمانية من الداخل, إضافةً إلى الخناق المفروض عليها من الخارج والمتمثل في الحروب.
الأفعى روكسلان ويهود الدونمة
أسر التتر المسلمون في القرم في إحدى غاراتهم على الروس فتاة بالغة الجمال تدعى روكسلان، فأهدوها إلى الخليفة الذي اتخذها زوجة له، وقيل إنها كانت يهودية روسية، فعكفت على التدخل في شئون الحكم، فطلبت من الخليفة أن يسمح لليهود الذين طردوا من الأندلس مع المسلمين بالاستيطان في أرجاء الدولة العثمانية، والذين يطلق عليهم يهود الدونمة، والذين لم يحفظوا الجميل للعثمانيين بعد أن رفضهم العالم وضاقت بهم الأرض بما رحبت، فلم يجدوا إلا الدولة العثمانية تفتح لهم أحضانها، وتظلهم بظلها، وسيكون لهم دور رئيسي فيما بعد في سقوط الخلافة العثمانية، كما سنعلم في الأحداث التالية.
وتوسطت أيضًا لدى الخليفة ليمنع التتر في القرم من محاربة الروس، برغم أن الروس في ذلك الوقت كانوا قد سيطروا على أكثر بلاد التتر، وارتكبوا فيها أبشع الجرائم التي تدل على حربهم الصريحة للإسلام.
ولم تكتف روكسلان بذلك، بل اجتهدت لتولي ابنها من السلطان سليمان -والذي سمِّي بسليم- الخلافة بعد أبيه برغم وجود أخيه الأكبر مصطفى القائد العظيم الذي حظي بحب الجيش والشعب له، فقامت بعمل دسيسة نفذها الصدر الأعظم رستم باشا (المعيّن) بواسطتها وهو في نفس الوقت (زوج ابنتها من السلطان)، فحرّض رستم باشا الخليفة ضد ابنه، وكتب إليه يحذره أن ابنه مصطفى يريد عزله وتنصيب نفسه على السلطنة فخرج إليه الخليفة، وكان مصطفى يحارب الدولة الصفوية فاستدعاه أبوه إلى خيمته، فما إن جاء ابنه حتى انقض عليه بعض الخدم فخنقوه، ولم تكتف الأفعى بقتل مصطفى فأرسلت من يقتل ابنه الرضيع.
ثم توفي الخليفة سليمان عام 974هـ، وتولى بعده: الخليفة سليم الثاني.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75802
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

الخلافة العثمانية من الإجحاف إلى الإنصاف Empty
مُساهمةموضوع: رد: الخلافة العثمانية من الإجحاف إلى الإنصاف   الخلافة العثمانية من الإجحاف إلى الإنصاف Emptyالإثنين 23 مايو 2016, 9:48 am

الخلافة العثمانية ليست استعمارا
د. مصطفى حلمي


الخلافة العثمانية من الإجحاف إلى الإنصاف Osmanli023
يتوهَّم الكثيرون بسبب النزعة القومية والوطنية، والاقتصار في الحكم على الدولة العثمانية في عصور انحطاطها، والمظهر اللامع للتطبيق الديمقراطي في شعوب أوربا وأمريكا -المقصورة عليها وحدها دون شعوب العالم الثالث التابعة لها سياسيًّا واقتصاديًّا- يتوهَّمون بسبب كل هذا أن خلافة العثمانيِّين تَقترِن بالاستعمار الغربي، بآثامه ومآسيه، وفظائعه وأهواله، التي ما زلنا نُعاني مِن آثاره الظاهرة والخفيَّة.
إن عواطف التأثُّر بأزمِنة الضعف والانحلال الأخيرة التي عانت الشعوب الإسلامية خلالها -فعلاً- كثيرًا مِن المظالم والآلام، هذه العواطف تقودنا إلى الوقوع في الكثير مِن الأخطاء، بينما الحكم على دولة امتد عمرها نحو ستة قرون يقتضي آفاقًا أبعد، وتفاصيلَ أشمل.
يقول الأستاذ عبد الرحمن عزام -أمين الجامعة العربية السابق-:
"ولو كان الأمر كما يتصوَّره الذين ينخدعون بآثار دور الانحطاط مِن استخدام الطوائف، والغيرة بين العناصر، والبطش لتغطية الضعف، لاستحال أن يدوم ملك آل عثمان ستمائة سنة، منهما مائتان لا يسندهم فيها إلا سيف مبتور"[1].
وكان يُعبِّر عن الرأي المضادِّ الأستاذ محمد عبد الله عنان في كتابه "مصر الإسلامية" الذي كال الطعنات للخلافة العثمانية، ورأى أن مصر الإسلامية لم تَعرف مِن الخطوب والنكبات نكبة أعظم مِن الفتح العثماني؛ بسبب الضربة التي أصابت الإسلامَ مِن جرائه، وشبَّه تصرُّفات الترك بأعمال السفك والتخريب الهائلة، التي بدأها هولاكو وبرابر التتار بسحق الدولة العباسية والمدنية الإسلامية، واستأنفها تيمورلنك في أواخر القرن الرابع عشر.
وأيضًا اعتبر ما فعله السلطان سليم مِن بعثه العلماء ومهَرة الصناع إلى القسطنطينية، اعتبر ذلك "نفيًا" لهم، واعتبر نقل الكتب والآثار النفيسة إلى الآستانة تخريبًا[2].
ويتدخل الشيخ مصطفى صبري ليُصحِّح هذه المعلومات، فيذكِّر صاحبها بأن معظم الآثار كانت كتبًا مخطوطة دينيَّة وعِلمية، فنقلها السلطان إعجابًا بها، واعتناءً بشأنها إلى عاصمة مُلكِه، بعد أن أصبحَت مصر جزءًا مِن بلاد الدولة، لا فرق بينها وبين الآستانة في ذلك، فكيف يُساوي بين عمل السلطان سليم وهولاكو الذي قذَف بما في خزائن بغداد مِن كتُب إلى دجلة والفرات؟!
أما نقل علماء مصر وزعمائها ومهَرة الصناع فيها فلا يُعدُّ نفيًا، بل ليكونوا مِن المقرَّبين إليه، وليُصبح نفعهم عامًّا لجميع البلاد؛ إذ لا فرق بين المسلمين بسبب أوطانهم أو جنسياتهم، ولم يكن غرض السلطان سليم مِن الفتح إلا توحيد مصر الإسلامية بتركيا الإسلامية.
أما إذا اعتبره الأستاذ عنان انتزاعًا لمصر مِن حكم المماليك الشراكسة، "فقد كانوا هم الآخرون انتزعوها مِن حكم المماليك البحرية الترك، ولم تكن مصر يومئذٍ تحت حكم فاتحيها العرب، ولا المقصود مِن الفتح التحكُّم على الشراكسة والمصريين العرب"[3].
والحق أننا لا نَستسيغ هذه الصور مِن التنافس على السيطرة؛ لأننا لا نضعها في إطارها التاريخي الذي حدثت فيه، بينما هي في الحقيقة تخضَع للعرف الدولي (حينذاك)، ثم نعود فنتحفَّظ لأن هذا العرف يشكل قانونًا مستمرًّا ينظِّم العلاقة بين القوي والضعيف.
ودعونا نقوِّم الواقع الدولي الراهن، هل يختلف عما كان يحدث في التاريخ القريب والبعيد؟ إن بلاد العالم الثالث مقسَّمة بين الدولتين المتعاليتَين -روسيا وأمريكا- كل ما هنالك أن الدول في العصور الماضية افتقدَت وسائل الإعلام التي تصوِّر الأشياء بغير حقيقتها، ولم تكن عقول حكامها بالدهاء نفسه الذي اخترع أشكالاً مِن الاستعمار والسيطرة تحت أسماء "الوصاية" و"الانتداب" وغيرهما! أو وضعَت نظمًا شكلية باسم الاشتراكية والديمقراطية و"الكومنولث"؛ لخداع الشعوب وإلهائها عن حقيقة أوضاعها، وإيهامها بأنها تَحكُم نفسها بنفسها، والحقيقة أنها خاضعة خضوعًا تامًّا للقوى الكبرى!
نعود لآراء الشيخ مصطفى صبري التي أوردَها دفاعًا عن الدولة العثمانية، فاقتبس مِن كتاب أ. د. انكلهارد "تاريخ تطورات الدولة العثمانية" كلامًا يذكر فيه أن "الإسلام الذي قد كان مؤسِّس الحكومة العثمانية بقي حاكمًا مطلقًا فوق الحكومة ناظمًا، فقد كان القانون المدني متَّحدًا مع القرآن"، ثم يُفصِح عن نيات دول أوربا المسيحية التي ظلت تعمل على تقويض الدولة العثمانية بالقوة طيلة خمسة قرون، فلما فشلت اتَّبعت الحيلة لكي تحوِّل حكومة آل عثمان "من الروحانية إلى الدنيويَّة؛ بتخليصها عن تأثير القوانين الدينيَّة؛ كما وقع في العالم المسيحي"[4].
وكان هذا هو السبب الرئيسي للعداء؛ لأن أوربا ظلَّت في حالة حروب صليبية مستمرة منذ عهد السلاجقة الأتراك؛ لتيقُّنها مِن حقيقة دور العثمانيِّين في الدفاع عن الدِّين وعن بلاد المسلمين، الذين لا يفرِّقهم وطن ولا لون جنس ولا قوم، كل ما هنالك أن الحروب الصليبية المبتدئة منذ عهد السلاجقة الأتراك كانت فيها أوربا مهاجِمة والسلاجقة مُدافِعون، وانقلبَ الحال في أيدي الأتراك العُثمانيين فأصبحوا مهاجِمين، وظلت أوربا تعمل لهم ألف حساب؛ لأنهم يجمعون العالم الإسلامي تحت رايتهم، ويصدُّون الخطر الاستعماري الأوربي الفادح.
ليست إذًا العلاقة مشابهة بين دولة مُستعمَرة -بفتح الميم- وأخرى مُستعمِرة -بكسرها- ولعلَّ مِن أقوى الأدلة على ذلك أنه بمجرد انفصال الدولة العربية -بعد نجاح الثورة بقيادة الشريف حسين- انقلب "النجاح" وبالاً على الشعوب؛ لأن الثورة -ثورة العرب التي كسرت الحماية العثمانية- أسهمت في كسر شوكة القوة العثمانية، التي كانت في وجه الأطماع الاستعمارية، التي تدفَّقت بعدها كالسيول الجارفة تقضي على الأخضر واليابس، أو كالوحوش الكاسرة التي ما إن رأت السور الحديدي الفاصل بينها وبين ضحاياها يَنكسِر، حتى التهمتْها في ضراوة وقسوة!
ولنقارن بين الأحداث التي لحقتْنَا تباعًا، وبين ما فعله العثمانيون مع غير العرب مِن دول أوربا، ولنسأل أنفسنا: هل يعدُّ ما فعلوه استعمارًا؟
يقول الأستاذ عبد الرحمن عزام: "لما وصل العثمانيون إلى شرق أوربا، وكلها سجون أبدية يتوالد فيها الفلاحون للعبودية، فكسروا أغلال السجون، وأقاموا مكانها صرح الحرية الفردية، فهم قضوا على نظام الإقطاع والأرستقراطية؛ ليحلَّ محله نظام المواطن الحرِّ، والرعاية المتساوية الحقوق، فوصل في دولتهم الرقيقُ الشركسي والصقلي وغيره إلى أكبر مقامٍ في الدولة، كما وصَل النابِه مِن عامَّة الناس حتى المجهول الأصل إلى مقام الصدارة العُظمى والقيادة العليا، وتعلَّمت أوربا الشرقية على يد محرِّريها سيادةَ القانون على الأحساب والأنساب، والطرائق والمِلَل والنِّحَل"[5].
إن هذه القيم تنفي عن الدولة العثمانية تهمةَ الاستعمار تمامًا، فما كان دور الغرب معنا؟ لعلنا نَصدم القارئ -كما صُدمنا- بحقيقة تقييمه لنا، إنها حقًّا صدمة غير متوقَّعة؛ لأنها صادرة عن "منتسكيو" صاحب كتاب "روح القوانين" الشهير الذي يقول:
"إذا طُلب مني أن أدافع عن حقِّنا المكتَسَب لاتخاذ الزنوج عبيدًا، فإني أقول: إن شعوب أوربا بعد أن أفنَت سكان أمريكا الأصليِّين، لم ترَ بدًّا مِن أن تستعبد شعوب إفريقية؛ لكي تستخدمها في استغلال كل هذه الأقطار الفسيحة، والشعوب المذكورة ما هي إلا جماعات سوداء؛ بحيث يكاد من المستحيل أن ترثي لها، ولا يمكن للمرء أن يتصوَّر أن الله -سبحانه وتعالى- وهو ذو الحكمة السامية قد وضع روحًا -على الأخصِّ روحًا طيبة- في داخل جسم حالك السواد"![6].
المصدر: الألوكة.


[1] من مقاله في "الأهرام" بتاريخ 22/10/1944 بعنوان: "آخر الخلفاء"، نقلاً عن الكتاب الكبير للشيخ مصطفى صبري (1: 86).
[2] نفسه (ص: 84).
[3] نفسه (ص: 85).
[4] نفسه (ص: 81).
[5] نفسه (ص: 86).
[6] نص مترجم مِن الفرنسية بقلم الدكتور محمد عوض محمد بكتابه "الاستعمار والمذاهب الاستعمارية" (ص: 37)، دار المعارف، بمصر سنة 1957م.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75802
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

الخلافة العثمانية من الإجحاف إلى الإنصاف Empty
مُساهمةموضوع: رد: الخلافة العثمانية من الإجحاف إلى الإنصاف   الخلافة العثمانية من الإجحاف إلى الإنصاف Emptyالإثنين 23 مايو 2016, 9:49 am

سلاطين بني عثمان .. قلوب احترقت في حب الرسول
ضياء دميرال



الخلافة العثمانية من الإجحاف إلى الإنصاف 20862_image002لقد حملت الدولة العثمانية منذ أن بزغ فجرها في القرن الثالث عشر، هموم الأمة الإسلامية بكل فخر واعتزاز، وسَعَت بكل ما أوتيت من قوة إلى رعاية هذه الأمة وتأمين أمنها وراحتها وسلامتها في كل نواحي الحياة. كما حرصت كل الحرص على نصرة الإسلام ونشر مبادئه وقيمه في أرجاء المعمورة، ثم رفع رايته خفاقة على جميع الأقاليم والبلدان..
وما إن نتجول بين صفحات التاريخ ونتفحص المعلومات عن حياة سلاطين آل عثمان، حتى نجد معظمهم دائمًا في مقدمة الصفوف يمتطون أحصنتهم ويقاتلون في ميادين الحرب ببسالة منقطعة النظير. وعندما لم يقدروا على المشاركة في حرب ما، عدُّوا أنفسهم عديمي الحظ وفاضت عيونهم بالدموع وامتلأت قلوبهم بالحزن والأسى.. إنهم نذروا أنفسهم للإسلام، واعتبروا الدفاع عن الإسلام وقيمه مسئولية عظمى لا بد أن تؤدى، فساروا قدمًا أمام الأمة بصدق وإخلاص مقتدين بنهج رسولهم الخلافة العثمانية من الإجحاف إلى الإنصاف R_20 ومتبعين سنته أفضل اتباع.
ومما يجدر ذكره أن السلاطين العثمانيين تربوا وترعرعوا منذ نعومة أظفارهم على حب الرسول الخلافة العثمانية من الإجحاف إلى الإنصاف R_20 والتأسي بسنته الطاهرة.. نقشوا اسمه الخلافة العثمانية من الإجحاف إلى الإنصاف R_20 على قلوبهم، وأمضوا معظم حياتهم على ظهور الخيول من أجل أن تبسط الرسالة المحمدية أجنحتها وتحلق في سماء البشرية، ولكي يشع نوره الخلافة العثمانية من الإجحاف إلى الإنصاف R_20 في العالم كافة. هذا الحب الذي جرى في أرواحهم وتغلغل في أعماقهم، حوّلهم إلى أناس يحترمون كل شيء يخص الرسول الخلافة العثمانية من الإجحاف إلى الإنصاف R_20. ونتيجة لهذا الحب نشأ عندهم مظهر من مظاهر الجهاد الروحي، فسعوا جاهدين إلى فتح القلوب أولاً، ثم إلى فتح القلاع والأراضي؛ بغية أن ينثروا -كما أمرهم دينهم الحنيف- بذور القيم والمبادئ التي تنبثق منها الحضارة الإنسانية، وينبت منها منهج الحياة والأخلاق المبنية على الحب والتسامح والكرامة.
احتل الرسول الخلافة العثمانية من الإجحاف إلى الإنصاف R_20 في أفئدة هؤلاء الناس الطيبين مكانًا رفيعًا خاصًّا، فأصبح اسمه الخلافة العثمانية من الإجحاف إلى الإنصاف R_20 يتردد على ألسنتهم في كل لحظة؛ في حياتهم اليومية، وأشعارهم المدحية، وأذكارهم الشخصية. كما أن هذه المدائح الشريفة التي نقشوها على صفحات التاريخ بأقلامهم النيرة ما زالت لسان عشاق الرسول الخلافة العثمانية من الإجحاف إلى الإنصاف R_20 وترجمان مشاعرهم حتى يومنا هذا. ونورد فيما يلي بعض الأمثلة الواقعية عن أولئك الأفذاذ، وعن حياتهم المثالية التي عاشوها..
ظلال حزن، وسكون كئيب قد خيم على جنبات الغرفة.. رجال القصر ملتفون حول سرير السلطان وهو يرقد على فراش الموت.. الكل من حوله يترقب حركة شفتيه.. فتح السلطان مراد الثاني عينيه ليلمح وزيره، قال بصوت خافت:
- اقرأ يا إسحاق، اقرأ وصيتنا!
فبدأ إسحاق باشا يقرأ الوصية بصوت عالٍ:
"بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. توكلت على الله رب العرش العظيم. كل نفس ذائقة الموت. فلا تغرنّكم الحياة الدنيا ولا يغرنّكم بالله الغَرور.. أما بعد؛ أوصيكم بأن توزعوا ثلث أملاكي في ولاية (صاروهان)، على أن يكون 3500 قطعة ذهبية منها إلى فقراء مكة المكرمة، و3500 قطعة ذهبية إلى فقراء المدينة المنورة. ووزعوا 500 قطعة أخرى على الذين يكثرون من تلاوة القرآن الكريم من أهالي مكة المكرمة في حرم بيت الله ثم يرددون كلمة التوحيد (لا إله إلا الله) 70 ألف مرة ويهدون ثوابها للموصي.
وأوصيكم أن توزعوا 2500 قطعة ذهبية من أملاكي هذه، على الذين يكثرون من تلاوة القرآن الكريم ثم يرددون كلمة التوحيد (لا إله إلا الله) 70 ألف مرة في قبة الصخرة بساحة المسجد الأقصى".
وإذا ما أمعنا النظر في هذه الوصية نرى بوضوح حب السلطان مراد الثاني لله سبحانه وتعالى ولرسوله الخلافة العثمانية من الإجحاف إلى الإنصاف R_20؛ لأن أراضي الحجاز (مكة المكرمة- المدينة المنورة) والقدس (المسجد الأقصى) في تلك الآونة لم تكن في حوزة الدولة العثمانية بعدُ. وما هذا إلا تعبير عن الحب الذي سكن بين ثناياه وأترع قلبه. فهو لحرمة الأقدام المباركة التي لمست تربة تلك الأراضي، ولحرمة أهالي تلك المنطقة، أبدى هذا السخاء وجاء بهذا العطاء.
العام 1453م... القائد فتًى في ريعان شبابه يقود جيشه في ملحمة فتح إسطنبول ونشر الإسلام.. وهو صاحب بشارة الرسول الخلافة العثمانية من الإجحاف إلى الإنصاف R_20.. نصب خباءه أمام أسوار إسطنبول ليفتحها بإذن ربه في فجر يوم الجمعة.. يخرج القائد العظيم في إحدى الليالي إلى شيخه "أقْ شمس الدين" ويبدي رغبته في العثور على قبر الصحابي الجليل أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه الذي قام باستضافة الرسول الخلافة العثمانية من الإجحاف إلى الإنصاف R_20 في بيته عقب الهجرة النبوية... وكان أبو أيوب الأنصاري قد خرج مع جيش المسلمين لفتح إسطنبول في عهد الأمويين، واستشهد تحت أسوارها.
فيخرج "أقْ شمس الدين" برفقة السلطان من الخيمة، ويصلا إلى ساحل القرن الذهبـي، وهناك يشير الشيخ إلى مكان قريب من الأسوار ويقول: "ها هنا القبر يا جلالة السلطان". فيأمر السلطان محمد الفاتح بإنشاء جامع وضريح في هذا المكان على الفور. وبعد الفتح يبنى الجامع والضريح.. نصل من هذه القصة إلى نتيجة أن السلاطين العثمانيين أبدوا حبًّا جمًّا ليس للرسول الخلافة العثمانية من الإجحاف إلى الإنصاف R_20 فحسب، بل لأصحابه الذين حملوا رائحته العطرة ورائحة بلدته الطاهرة أيضًا.
ولقد ورّث السلطان محمد الفاتح هذه المحبة لابنه السلطان بايزيد الثاني أيضًا... يقوم السلطان بايزيد خان بزيارة صديقه الذي يحبه في الله "بابا يوسف" لتوديعه قبل ذهابه إلى الحج، يسلّمه كمية من الذهب ويقول: "هذا ما رزقني الله به من عرق جبيني. ولقد ادخرته من أجل صيانة قناديل الروضة المطهرة. عندما تقف في حضرة الرسول الخلافة العثمانية من الإجحاف إلى الإنصاف R_20 أريد منك أن تقول: يا رسول الله، خادمك الفقير (بايزيد) يُقرِئك السلام ويقول لك: إنه قد أرسل هذه القطع من الذهب لشراء زيت قناديل الروضة، فاقبلها منه...".
وفي عهد السلطان سليم الأول نرى أن هذا الحب النبوي يكتسب بُعدًا آخر؛ حيث تنضم أراضي الحجاز في عهده إلى الدولة العثمانية ويتوحد العالم الإسلامي تحت راية واحدة.
وسرعان ما يذيع صيت السلطان سليم في العالم الإسلامي، ويبدأ الخطباء في المساجد يقرءون الخطب باسمه مستخدمين لقب "حاكم الحرمين". إلا أن السلطان سليم لم يكن راضيًا عن هذا اللقب أبدًا.
وفي يوم من الأيام وهو يصلي صلاة الجمعة في الجامع الكبير بحلب، يسمع هذه اللفظة من خطيب الجامع، فيهب مسرعًا ويقول: "لا لا، لستُ حاكمًا للحرمين، بل خادمًا لهما". فيعدّل الخطيب كلامه كما أشار به السلطان. وبعد الصلاة يقوم السلطان بتقديم قفطانه هدية إلى الخطيب، وشكرًا له. فبهذا يشهد له التاريخ مرة أخرى احترامه وحبه العميق تجاه سيدنا رسول الله الخلافة العثمانية من الإجحاف إلى الإنصاف R_20.
والجدير بالذكر أنه كان من بين سلاطين آل عثمان مَن رأى الرسول الخلافة العثمانية من الإجحاف إلى الإنصاف R_20 في المنام. وبالأوامر والإشارات التي تلقّاها منه الخلافة العثمانية من الإجحاف إلى الإنصاف R_20 تمكّن من فتح بلاد عديدة بإذن الله سبحانه وتعالى. والدليل على ذلك رؤية السلطان سليمان القانوني، إذ رأى الرسول الخلافة العثمانية من الإجحاف إلى الإنصاف R_20 يقول له: "إذا ما فتحت قلاع بلجراد ورودس وبغداد، فقم بإعمار مدينتي". فسرعان ما يأمر السلطان بإعمار أراضي الحرمين ووضع مشاريع الإسكان لها. حتى إنه ترك وصية يطلب فيها أن يُنشأ من ثروته الخاصة وقفٌ خيري يلبي حاجة المياه لحجاج بيت الله الحرام. وبعد وفاته قامت ابنته "مهرماه سلطان" بتحقيق وصيته وأمرت بجلب مياه عين زبيدة من عرفات إلى مكة المكرمة.
وقد نرى هذا القائد العظيم الذي وقف العالم كله إجلالاً واحترامًا له، يتوجه في إسطنبول نحو القبلة ويناجي بلسان الحب رسول الله الخلافة العثمانية من الإجحاف إلى الإنصاف R_20 منشدًا:
يا حبيب الله يا ضياء العالمين
ببابك العالي وقف العاشقون
فإن داء لساني بذكرك يشفى
فؤادي المكروب بـك يفرح
وقلبـي المجروح أنت ضماده
ولم تُنقِص الأيام من بحر عشقهم للرسول الخلافة العثمانية من الإجحاف إلى الإنصاف R_20 مثقال ذرة، بل تضاعف وتضاعف حتى تحول إلى محيط لا حد له ولا قرار.
السلطان أحمد الأول، يصعد العرش في وقت حرج، حيث تسود الاضطرابات وتنتشر الفوضى في معظم الأراضي العثمانية. إلا أن هذا السلطان الشاب المهموم كان مفعمًا بالروح المعنوية العالية. فراح يبحث عن الدواء في عصره الذي يعيش فيه، ولكن دون جدوى، فيقرر في نهاية المطاف أن يرجع إلى الماضي، ويبحث عن غرضه هناك.. فيخرج في إحدى الليالي خفيةً إلى جناح الأمانات المقدسة بقصر طوب قابي... يمسك نعل الرسول الخلافة العثمانية من الإجحاف إلى الإنصاف R_20 ويضمه إلى صدره، ثم يقول بحرقة قلب:
ليتني أحمـل نعـلك الشـريف دائمًا على رأسي كالتاج
يا صاحـب النعـل الكـريم.. يا وردة حديقة الأنبيـاء
ليتني أمسح وجهي دائمًا على أثر قدمك يا وردة الورود..
ومنذ ذلك الوقت أخذ السلطان أحمد الأول يحمل صورة لأثر القدم النبوي الشريف داخل قفطانه. ونراه في موضع آخر، يحترق بلهيب العشق النبوي هذا ويقول:
فما عـاد الفؤاد يتحمل فراقك
وما عاد اللسان يتحرك بسواك
غــدا حبــي عشـقًا
فأبكاني أنا الفقير، حتى نفدت دموع قلبـي
وما بقيت فيه دمعة، كمثل يعقوب عليه السلام.
وكان السلطان عبد العزيز أيضًا من عشاق النبي الخلافة العثمانية من الإجحاف إلى الإنصاف R_20؛ ففي إحدى الأيام وصلت رسالة إلى القصر من المدينة المنورة، وكان السلطان في تلك اللحظة مصابًا بمرض شديد أقعده في الفراش. فتردد رجال الدولة بادئ الأمر في تقديم الرسالة إلى السلطان عبد العزيز بسبب مرضه هذا، ولكنهم كانوا يعرفون في الوقت نفسه، مدى حساسيته تجاه المدينة المنورة وحبه لها، فاضطروا إلى تقديمها له في نهاية الأمر.
وعندما اقترب الوزير منه وأخبره أن رسالة وصلت من المدينة المنورة، لمعت عينا السلطان وطلب من الوزير ألا يبدأ بالقراءة حتى يأمره بذلك، ثم قال لمن حوله: "ارفعوني.. فلا يمكن أن أسمع رسالة وصلت من الأراضي المقدسة وأنا نائم". واستمع إلى ما في الرسالة واقفًا على رجليه رغم وطأة المرض. ومما يجدر ذكره هنا، أن السلطان عبد العزيز كان لا يتناول أي ملف أو أوراق قادمة من المدينة المنورة دون أن يجدد الوضوء؛ لأن هذه الأوراق بالنسبة له تحمل غبار بلدة الرسول الخلافة العثمانية من الإجحاف إلى الإنصاف R_20 ورائحته العطرة. لذا كان يقبلها أولاً، ثم يضعها على جبينه، ثم يشمها بحرارة ثم يفتحها ليقرأها.
تولى السلطان عبد الحميد الثاني الخلافة في وقت كانت فيه الدولة العثمانية في منتهى السوء والاضطراب، سواء في الأوضاع الداخلية أو الخارجية.. وفي وسط هذه التيارات والأمواج المتلاطمة تقلد السلطان عبد الحميد الحكم، وبدأ في العمل بكل ما أوتي من قوة ليوحد المسلمين من جديد تحت راية الإسلام. فقام في عهده بتنفيذ مشاريع مهمة غاية الأهمية، منها إنشاء خط حديد الحجاز الذي امتد من إسطنبول إلى المدينة المنورة. وكانت الغاية العظيمة في ذلك، الدفاع عن الأراضي المقدسة من هجمات العدو، ثم تأمين راحة الحجاج خلال رحلتهم إلى الحرمين الشريفين.
ومما نريد لفت الأنظار إليه في هذا الصدد أنه قد جرى إنشاء الخط الواقع بين مدائن صالح والمدينة المنورة كله بأيدي المهندسين والعمال المسلمين فقط؛ لأن هذا الجزء كان داخل حدود منطقة الحرم. وعندما وصل الخط إلى المدينة المنورة في 31 أغسطس من عام 1908م، أمر السلطان عبد الحميد الثاني بأن يُمَدَّ اللباد على الخط في آخر ثلاثين كيلومترًا منه. كما أن مقطورة القطار كانت عند وصولها إلى المدينة المنورة تخفض من سرعتها وتقترب من رصيف المحطة ببطء؛ حتى لا تزعج الرسول الخلافة العثمانية من الإجحاف إلى الإنصاف R_20. ثم ينـزل الركاب من القطار ماشين على أطراف أقدامهم بتأدب واحترام... أما اللباد الممدود على سكة الحديد فيتم غسله بماء الورد خلال كل يوم في ساعات معينة؛ وذلك احترامًا لتلك الأراضي المباركة وتقديسًا لها.
لقد حمل سلاطين بني عثمان من أوَّلهم إلى آخرهم، مشاعر عذبة وحبًّا فياضًا ولهفة شديدة إلى الحبيب المصطفى الخلافة العثمانية من الإجحاف إلى الإنصاف R_20 وإلى القرب منه. ولعل أهم ميراث تركوه لنا هو هذا الحب النقي الصافي.
بقلم: ضياء دميرال[1]
المصدر: مجلة حراء.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
 
الخلافة العثمانية من الإجحاف إلى الإنصاف
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتدى الشنطي :: التاريخ :: عبر التاريخ-
انتقل الى: