في الذكرى أل 15 لانتفاضة الأقصى المجيدة ( 28 أيلول 2000 – 2015 )
هل تندلع إنتفاضة فلسطينية خارجية ( ضد الاحتلال الصهيوني ) أم داخلية ( ضد السلطة الفلسطينية ) ؟؟!
د. كمال إبراهيم علاونه
أستاذ العلوم السياسية والإعلام
نابلس – فلسطين العربية المسلمة
هل تندلع إنتفاضة فلسطينية خارجية ( ضد الاحتلال الصهيوني ) أم داخلية ( ضد السلطة الفلسطينية ) ؟؟! هذا السؤال يراود الكثير من المحللين السياسيين والمراقبين ، الداخليين والخارجيين ، في فلسطين والعالم ، والاجابة عليه منوطة بالشعب الفلسطيني ، والحكمة والحنكة السياسية والأمنية الفلسطينية والتجاوب لتطلعات الجماهير المظلومة والمنكوبة ، أم الهروب من الواقع والاستمرار في الوضع الحالي : حالة اللاحرب واللاسلم ، وعدم الرد الفعلي على الأرض ، وليس بخطابات سياسية وبيانات إعلامية رنانة ، على زيادة الضغوط العسكرية والأمنية والسياسية والاقتصادية على الشعب الفلسطيني في ربوع فلسطين الكبرى من شمالها لجنوبها ومن شرقها لغربها .
كان السبب المباشر لاندلاع انتفاضة الأقصى ( الانتفاضة الفلسطينية الكبرى الثانية ) في 28 ايلول 2015 ، هو تدنيس واقتحام أرئيل شارون زعيم حزب الليكود ( المعارض آنذاك ) ، في أعقاب فشل المفاوضات التي جرت في كامب ديفيد الثانية في النصف الثاني من تموز عام 2000 بين القيادتين الفلسطينية بقيادة الرئيس الراحل ياسر عرفات ، ورئيس الحكومة الصهيونية بزعامة ايهود باراك ، واقتراح الوفد الصهيوني بتقسيم المسجد الأقصى المبارك ، لقسمين علوي وأرضي ، يخصص القسم العلوي للشعب الفلسطيني والمسلمين ، والجزء السفلي لليهود .. فرفض الوفد الفلسطيني هذا الاقتراح ولم تتمخض المفاوضات عن أي جدوى فالتهبت وتوترت الأوضاع في فلسطين لاحقا بعد شهرين تقريبا ، للرد على التعنت الصهيوني الرافض لحصول الشعب الفلسطيني على الحرية والاستقلال والسيادة الوطنية على المسجد الأقصى المبارك .
فجاءت الانتفاضة الشعبية ، للتصدي للمخططات الصهيونية ضد فلسطين عموما ، والقدس والمسجد الأقصى تحديدا ، فاشتعلت الانتفاضة في جميع ارجاء فلسطين ، في الضفة الغربية وقطاع غزة والجليل والمثلث والنقب والساحل ، وقدم الشعب الفلسطيني أكثر من 5 آلاف شهيد وعشرات آلاف الأسرى ، وآلاف الجرحى ، وفي المقابل قتل قرابة 1200 يهودي وجرح آلاف آخرين .. كانت انتفاضة الأقصى المرحلة الاولى للتحرير الوطني ، فحرر قطاع غزة من الاحتلال وأجلى أرئيل شارون زعيم حكومة تل أبيب في اواسط أيلول 2005 ، جميع المستوطنين والمستوطنات اليهودية أل 19 مستوطنة بما فيها من 7 آلاف مستوطن يهودي .
وفي الذكرى أل 15 لانتفاضة الأقصى المجيدة الأولى ، هناك توجه شعبي عام لتفجير انتفاضة فلسطينية باسلة ثانية ، بأساليب قديمة وجديدة للمواجهة والتحدي لمقاومة المشروع الصهيوني في فلسطين الكبرى ، وضد المسجد الأقصى المبارك الذي يتعرض لإجراء التقسيم الزماني والمكاني في هذا الأوان .
وفي ظل التقاعس الرسمي الفلسطيني ومن قيادة بعض الفصائل الوطنية للانخراط في ثورة أو انتفاضة شعبية جديدة ضد السياسة الرباعية الظالمة : التهويد والصهينة والعبرنة والأسرلة ، فإن التململ والغضب الشعبي الفلسطيني ، في الضفة الغربية المحتلة ، أصبح واضحى وأمسى مهيأ لاندلاع انتفاضة مستترة ضد الكيان الفلسطيني الضعيف ، بسبب حالات القمع والملاحقة الأمنية لمئات من عناصر المقاومة الفلسطينية من مناصري ومؤيدي حركة حماس وحركة الجهاد في الضفة الغربية وبعض الفصائل اليسارية ، والأمثلة كثيرة في هذا المجال ، ما حدث ويحدث عن قيام الاجهزة الأمنية باعتقال المقاومين أو نشطاء المقاومة الفلسطينية في مخيم بلاطة ومخيم عسكر القديم والجديد وعين بيت الماء ، ومخيم جنين ومخيم الدهيشة وغيره قرب بيت لحم ومخيم الفارعة قرب طوباس ، وتصدي الأهالي للقوات الفلسطينية المقتحمة لهذا المخيم أو تلك المدينة في الأحياء القديمة وجرح العشرات من قوات الامن الفلسطينية بالسلاح الناري أو بإلقاء الحجارة عليهم من أسطح المنازل الفلسطينية كالطوب والحجارة وغيرها .
فالوضع للأسف ، يتصاعد بين اهالي المعتقلين السياسيين في السجون الفلسطينية ، والذين يعانون من القمع الأمني الفلسطيني بالإقصاء الوظيفي والمهني ، بشتى الطرق والأساليب القديمة والحديثة المبتكرة .
وأقولها بمرارة وألم شديدين ، إن الوضع الفلسطيني الآن لا يحسد عليه ، في العلاقات البينية الفصائلية والأمنية والشعبية ، في ظل تصاعد الخلافات والتباين السياسي ، فأصبح الأمر لا يطاق في ظل التدنيس والاقتحام اليهودي الرسمي والحزبي اليومي للمسجد الاقصى المبارك ، والقمع الصهيوني المتصاعد ضد المواطنين الفلسطينيين من مصادرة أراضي وملاحقات واعتقالات وتنكيل وتعذيب نفسي وجسدي وغيره . فأصبحت الحاجة ماسة جدا لتحقيق الوئام بدلا من الخصام ، لمقاومة الاحتلال بشتى الطرق والسبل ولتصدير الثورة ضد الأعداء لتخفيف الاحتقان والحقد والكراهية بين طرفي الإنقسام .
في انتفاضة فلسطين الكبرى الثانية ( انتفاضة الأقصى ) ، التي امتدت لسنوات عجاف ما بين 2000 – 2006 ، شاركت جميع الفصائل الوطنية والاسلامية والسلطة الفلسطينية واجهزتها الأمنية من المخابرات العامة والامن الوقائي والأمن الوطني وغيرها من التشكيلات الأمنية الفلسطينية ، بالفعاليات الجماهيرية والشعبية والمسلحة في مقاومة الاحتلال الصهيوني والتصدي لقمع ، فلاحقت المستوطنين اليهود في جناحي فلسطين الكبرى : فلسطين 1948 ، وفلسطين 1967 ، وارتقى الى السماوات العلى الشهيد تلو الشهيد من الاجهزة الامنية والمواطنين وأعضاء وعناصر الفصائل الوطنية والاسلامية على السواء .
وما يعيق تفجير انتفاضة فلسطينية كبرى ثالثة ( انتفاضة أقصى ثانية ) عدم تبني القيادة الفلسطينية لهذه الانتفاضة ، وغياب الاجماع الفلسطيني على خوض هذه الانتفاضة المنتظرة التي يمكن أن تندلع في اي وقت أو حين ، عاجلا أو آجل ، فهي آتية لا ريب فيها . فهناك توجه فصائلي وطني وإسلامي كبير متزايد في الضفة الغربية المحتلة ، لخوض انتفاضة جديدة ضد الاحتلال الصهيوني والمستوطنين اليهود ، وفي مقدمة هذا الفصائل حركتي حماس والجهاد وبعض الفصائل اليسارية ، والسواد الأعظم من حركة فتح ، للدفاع عن النفس وعدم البقاء في مربع تلقي الضربات الصهيونية القاتلة بلا رد فعل حقيقي وفاعل للدفاع عن النفس وعن المقدسات وفي مقدمتها الأقصى المبارك بالمدينة المقدسة التي تعاني الأمرين بسبب الاستفراد الصهيوني بها وبالمسجد الاقصى ، الذي يئن أنينا مدويا ، تحت حراب وبساطير الاحتلال اليهودي بالزيين المدني والعسكري على السواء .
وما يجري حاليا هو محاولة تأخير لانتفاضة فلسطينية جديدة وليس وقفها فلا يمكن لأي كان وقفها ، إذا استفحلت الأمور أكثر من اللازم ، فقد بلغ السيل الزبى .
الشعب الفلسطيني اصبح بحاجة أكثر من أي وقت مضى ، لانتفاضة فلسطينية مزلزلة ثالثة ، لتحرير الضفة الغربية المحتلة ، وإجبار الاحتلال على الجلاء العسكري والسكاني من الأرض المحتلة من طرف واحد كما حدث في المرحلة الاولى من التحرير الوطني بانسحاب الاحتلال من قطاع غزة . ولإعادة اللحمة الوطنية وإنهاء الانقسام ، بالفعل على الأرض والوحدة في أرض المعركة كالانتفاضتين السابقتين في فلسطين . وحسب استطلاعات الراي العام الفلسطينية في شهر أيلول 2015 ، أظهرت حالة من الاحباط واليأس الشعبي ، ضد حل الدولتين ، ومطالبة القيادة الفلسطينية بالاستقالة ، بنسبة مئوية كبيرة وصلت للثلثين تقريبا ، بصورة غير مسبوقة لعجزها في الدفاع عن الشعب الفلسطيني ، والارتقاء الأوضاع الاقتصادية المتدهورة وزيادة حدة البطالة .
ومن نافلة القول ، إن عملية التحرير الشاملة ، ستمتد لفترة زمنية متوسطة مقبلة ، وليس ببعيدة ، في ظل الحرب الدينية اليهودية المقدسة المفروضة على الشعب الفلسطيني العربي المسلم ، فالتحرير المقبل سيكون للضفة الغربية على المدى المتوسط كمرحلة حرية ثانية ، بينما سيكون التحرير الشامل على المدى الآجل ليشمل حكما ذاتيا في فلسطين المحتلة عام 1948 بالمرحلة الأولى ليتبعه التحرير الشامل وعودة اللاجئين والنازحين لمواطنهم الأصلية ، في الداخل الفلسطيني كمرحلة تحرير فلسطينية ثالثة وأخيرة .
آملين عدم وصول الحالة الفلسطينية لوضع الفتنة والإحتراب الداخلي ، وتوجيه الغضب ضد ممارسات الاحتلال الصهيوني وقطعان المستوطنين الطارئين الدخلاء الغرباء عن الوطن الفلسطيني ، للحفاظ على التماسك الاجتماعي والاقتصادي والسياسي في ارض الوطن ، للدفاع النفس والذود عن حمى الوطن ، بعيدا عن الاقتتال والتناحر الفصائلي أو الشعبي أو الفردي ، مع ما يلازمه من فلتان أمني يضر بالشعب والوطن والقضية ، ويطول من عمر الاحتلال الاجنبي للأرض المباركة .
والله ولي التوفيق . سلام قولا من رب رحيم .