اندلعت انتفاضة فلسطينية جديدة ضد الاحتلال الصهيوني ، في 1 تشرين الاول 2015 ، أطلق عليها لاحقا ( انتفاضة القدس ) وهي الانتفاضة الفلسطينية الكبرى الثالثة خلال الفترة الزمنية ـ ما بين 1987 – 2015 ، وبدأت هذه الانتفاضة ، بعملية عسكرية قرب مستوطنة ايتمار اليهودية شرق نابلس ، قتل فيها ضابط احتياط كبير في جيش الاحتلال الصهيوني وزوجته ، في 1 تشرين الاول الجاري .
مراحل انتفاضة القدس
لقد مرت هذه الانتفاضة الفلسطينية الجديدة ( انتفاضة القدس ) ، خلال الأيام العشر الأولى من عمرها ، بعدة مراحل متداخلة مع بعضها البعض ، تمثلت بالآتي :
المرحلة الأولى : الإنذار التمهيدي المدني – تنظيم المسيرات والمظاهرات الشعبية الفلسطينية واحراق اطارات السيارات القديمة ، ووضع المتاريس الحجرية ، عند مداخل المدن والبلدات الفلسطينية في الضفة الغربية لمواجهة قوات الاحتلال الصهيوني الأجنبي .
المرحلة الثانية : الرجم الحجري : عبر رشق ورجم قوات الاحتلال والمستوطنين اليهود بالحجارة ، فنهض داود الفلسطيني لمواجهة جالوت اليهودي هذه المرة في زحف شعبي مقاوم .
المرحلة الثالثة : الاشتباك العسكري : وهو اشتباك عبر خلايا عسكرية فلسطينية ، كما حدث بعملية ايتمار قرب نابلس ، واشتملت هذه المرحلة على اطلاق الرصاص على اليهود سواء باللباس المدني ( المستوطنين ) أو العسكري ( جيش الاحتلال الصهيوني ) ، وحرب السكاكين ( الطعن ضد الأعداء ) ، وإلقاء الزجاجات الحارقة ( المولوتوف ) وعمليات الدهس بالمركبات .
وتمثلت عملية حرق مراحل الانتفاضة ، بتداخل مدني وأمني ، في مراحل الانتفاضة الأولية ، بالسلاحين الأبيض ( السكاكين ) ، والناري ( الرشاشات ) ، بزخم شعبي متصاعد يوما بعد يوم في مختلف ربوع فلسطين بجناحيها المحتل عام 1948 ، وعام 1967 .
وقد بدأت هذه الانتفاضة ، بالعمليات الفردية الجماعية والفعاليات الشعبية في عدة مناطق جغرافية في فلسطين الكبرى ، بجهاتها الأربع ، من النواة الأولى وهي المدينة المقدسة ( القدس الشريف ) ، ومحافظات عدة في الضفة الغربية المحتلة بما فيها : نابلس والخليل وجنين وطولكرم وقلقيلية واريحا ، ورام الله وبيت لحم ، وقطاع غزة ، وكذلك في الساحل الفلسطيني في يافا واللد وغيرها ، وفي المثلث في أم الفحم والطيبة وغيرها ، وفي الجليل في الناصرة وغيرها ، والنقب في رهط وسواها .
على العموم ، من المتوقع أن تتطور وتمتد انتفاضة القدس لاحقا ، خلال فترة قصيرة قريبة ، وفقا لمتواليتين حسابية وهندسية ، لتشمل اقتحام المستوطنات اليهودية والاستيلاء على سلاح الكثير من المستوطنين اليهود وجنود جيش الاحتلال الصهيوني وجها لوجه ، في الضفة الغربية المحتلة ، ، بالإضافة لمهاجمة الحواجز العسكرية الصهيونية عند المداخل الخارجية للمدن والمحافظات الفلسطينية ، لتبدأ من حيث انتهت انتفاضة فلسطين الكبرى الثانية ( انتفاضة الأقصى ) بأخذ العبر والعظات من التجربة الفلسطينية السابقة في الانتفاضتين الأولى ( انتفاضة الحجارة ) والثانية ( انتفاضة الأقصى ) وتلافي السلبيات .
وبالنسبة للخسائر البشرية الفلسطينية ، فقد استشهد خلال الأيام العشرة الأولى 7 شهداء فلسطينيين وجرح المئات 1640 فلسطينيا ، بالرصاص الحي ، والرصاص المطاطي ، وقنابل الغاز المدمع ، والضرب المبرح لبعض المقاومين بأساليب وطرق بدائية ، واعتقل العشرات من الشباب الفلسطيني وزج بهم في الزنازين والسجون الصهيونية القريبة والبعيدة عن الضفة الغربية المحتلة . وفي المقابل قتل 5 يهود من المستوطنين منهم ضباط صهاينة وحاخامات يهود في القدس وقرب نابلس .
وتشارك العديد من الفصائل الوطنية والإسلامية بمراحل الانتفاضة الفلسطينية الثالثة الجديدة ، فرادى وجماعات ، لتحقيق مبادئ معينة ، لعل من أهمها : الحرية والتحرير والاستقلال الوطني والتخلص من التبعية الاقتصادية الفلسطينية للاقتصاد الصهيوني .
وجاءت انتفاضة الأقصى لتشكل الخطوة الثانية من مسيرة التحرير الوطني العام ، إذا كانت الخطوة الأولى هي اجبار الاحتلال الصهيوني والمستوطنات اليهودية على الجلاء على قطاع غزة في أواسط عام 2005 . ومن المتوقع أن تكون خطوة التحرير الفلسطينية الثانية الجلاء عن عشرات المستوطنات اليهودية في الضفة الغربية المحتلة .
وتعرض قطاع غزة لثلاثة حروب عدوانية في الأعوام : 2008 / 2009 ، و2012 ، و2014 ، بينما ناصرت الضفة الغربية قطاع غزة بدعم المقاومة ماليا وعينيا واعلاميا وسياسيا واقتصاديا ، وبالتالي جاء دور الخطوة التحريرية الثانية بانسحاب قوات الاحتلال الصهيوني والمستوطنين اليهود من ما يسمى مناطق ( أ ) التي تشكل 18 % من مساحة الضفة الغربية البالغ مساحتها 5.878 كم2 ـ و ( ب ) التي تشكل 21 % من مساحة الضفة الغربية ، لتتبعها الخطوة الثالثة المتمثل بالجلاء الصهيوني : مستوطنين وقوات الاحتلال من جميع المستوطنات اليهودية في الضفة الغربية التي يسكنها 685 الف مستوطن يهودي منذ عام 1967 .
على العموم ، إن انتفاضة القدس ، نسبة لمدينة القدس التي قدحت شرارتها بلهيبها العالي من المدينة المقدسة ، لمواجهة المخطط الصهيوني لتدمير المسجد الأقصى المبارك ، عبر المرابطين والمرابطات في باحات المسجد الأقصى المبارك ، ستكون بوابة الحرية والانعتاق الوطني من الاحتلال الأجنبي ، والتحرير الفلسطيني ، كما كانت بيت المقدس بوابة الأرض إلى السماء السابعة في معجزتي الإسراء والمعراج النبوية لرسول الله محمد رسول الله صل الله عليه وسلم .
وتدلل المواجهات بين جيش الحجارة الفلسطيني ، وجيش الاحتلال الصهيوني المدجج بالسلاح الناري والجيبات المصفحة ، على تمكن داوود الفلسطيني على هزيمة جالوت اليهودي في هذه المعركة الجديدة ، كما ان تواصل المواجهة بين الشباب الفلسطينيين وقوات الاحتلال في مختلف ساعات الليل والنهار ، واستمرار هذه المواجهة حتى ساعات متأخرة من الليل تؤكد أن الارادة الفلسطينية قوية لا تقهر وأن المعنويات مرتفعة جدا لأن الفلسطيني يمتلك قوة الحق في مواجهة حق القوة القائم على الباطل .
النتائج المتوقعة لانتفاضة القدس
ستعمل انتفاضة القدس في حالة استمرارها لشهور عدة على الأقل ، وتطوير مراحلها للتفجير والقنابل البشرية للاستشهاديين ، والتفخيخ والدخول لقلب الكيان الصهيوني في تل أبيب ، والمربع الأمني رقم واحد في القدس المحتلة ، على ما يلي :
أولا : زعزعة نظرية الأمن الصهيونية ، وستسقط حكومة تل ابيب بزعامة بنيامين نتنياهو إن عاجلا أو آجلا .
ثانيا : ستفكك الائتلاف اليميني الديني الحاكم في الكيان الصهيوني وتقديم الانتخابات العبرية العامة للكنيست .
ثالثا : هجرة يهودية معاكسة الى خارج فلسطين المحتلة ، وعودة مئات آلاف اليهود إلى مواطنهم الأصلية في مختلف قارات العالم .
رابعا : هروب كبير من التجنيد الاجباري في الجيش الصهيوني ، بسبب الخوف والقلق ، من المواجهة الحتمية من جيش الحجارة الفلسطيني في الأرض المحتلة .
خامسا : هزيمة نفسية لجيش الاحتلال الصهيوني وانعكاس ذلك على الحياة الاجتماعية في المجتمع اليهودي من الجرائم والقتل وتعاطي المخدرات للهروب من الواقع المرير .
سادسا : جلاء صهيوني من عشرات من المستوطنات اليهودية في الضفة الغربية المحتلة من طرف واحد كما حصل في قطاع غزة وانسحاب جيش الاحتلال والمستوطنين في أيلول 2005 .
كلمة أخيرة ..
وكلمة لا بد منها ، إن هذه الحرب الدينية المقدسة التي فرضت على الشعب الفلسطيني في القدس المحتلة والمسجد الاقصى المبارك ، لا بد من مواجهتها لإجبار حكومة تل أبيب على التراجع عن سياستها ، انه لا بد من دعم انتفاضة القدس ، بإلغاء التفاوض من القاموس السياسي الفلسطيني كليا ، وضرورة اغلاق باب المفاوضات بين الجانبين الفلسطيني والصهيوني ، بل على الاحتلال الانسحاب من طرف واحد ، وضرورة تقديم الدعم المالي العربي والاسلامي والعالمي لعائلات الشهداء والجرحى والأسرى لضمان ديمومة الانتفاضة الراهنة . ولا بد من الاعتصام بحبل الله المتين ، وتضافر جميع الجهود الفلسطينية الوطنية والاسلامية لضمان الاستمرارية والديمومة حت الحرية والتحرير والخلاص من الاحتلال الصهيوني الاجنبي .
على أي حال ، من يصبر على العذاب والألم ، ولا يعلن أنه يتألم هو المنتصر حتما لا محالة ، والشعب الفلسطيني ، بإرادته الصلبة ، تعود على الصبر والمصابرة والمرابطة ، وسيكون النصر حليفه في الأرض المقدسة ، وسيهزم الاحتلال الصهيوني شر هزيمة ، أمام زحف الانتفاضة الفلسطينية الجديدة ، فمن يحمل حجارة السجيل لمواجهة السلاح الناري والجيبات العسكرية الصهيونية المصفحة ضد الرصاص ، لديه الاستعداد للتفجير البشري ( علي وعلى أعدائي ) .