[rtl]الفيلسوف محمد إقبال في سطور[/rtl]
محمد عابد
هو إقبال ابن الشيخ نور محمد، كان أبوه يكنى بـ"الشيخ تتهو" أي الشيخ ذي الحلقة بالأنف، ينتمي محمد إقبال إلى سلالة برهمية وهي من أسمى طبقات الهند وتنتسب إلى الجنس الآري.
أسلم جده الأكبر منذ ما يزيد على ثلاث قرون في عهد الدولة المغولية بالهند في حكم السلطان زين العابدين بادشاه (1421 ـ 1473م). قبل حكم الملك المغولي الشهير (أكبر) ونزح جد إقبال ويدعى محمد رفيق إلى سيالكوت ــــــ التي نشأ فيها إقبال ــــــ وحل فيها ومعه إخوة ثلاث أحدهم الشيخ رمضان وكان صوفيا وله كتب كثيرة بالفارسية.
وكانت هداية جده على يد الشيخ شاه همداني أحد كبار رجال الصوفية وأئمة المسلمين في ذلك العصر، بفضله تشرب أفراد هذه الأسرة الصوفية وظلت غالبة عليهم فيما بعد.
في الرابع والعشرين من ذي الحجة 1289هـ الموافق 9 تشرين ثاني نوفمبر 1877م ولد محمد إقبال في سيالكوت، إحدى مدن البنجاب الغربية في الهند.
نشأ محمد إقبال بين والديين تقيين صالحين فكان أبوه غزير الدمعة كلما ذكرت الجنة والنار ووالدته كانت مثالا في الزهد والورع وقد ذكرها إقبال في شعره كثيرا، عاش والده مئة عام وكف بصره وهو في سن الثمانين وتوفي سنة 1930م وتوفيت والدته عام 1914م وعمرها ثمان وسبعون سنة.
حفظ إقبال القرآن وتلقى تعليمه الابتدائي في بلدته، والتحق بمدرسة البعثة الأسكتلندية للدراسة الثانوية، ودرس في هذه المدرسة اللغتين العربية والفارسية إلى جانب لغته الأردية على يد الأستاذ السيد مير حسن.
التحق بجامعة لاهور، وتخرج منها بشهادة البكالوريوس وكان في الكلية متفوقا فنال ميداليتين ذهبيتين ومنحته الحكومة مساعداته الشهرية جزاء لاجتهاده، ثم تابع دراسته وحصل على الماجستير في الفلسفة وكان مبرزا في دراسته فنال جائزة أخرى من الكلية، وخلال دراسته اتصل بالمستشرق البريطاني توماس أرنولد وتتلمذ عليه إقبال واستفاد منه الكثير وتظهر علاقة أرنولد بإقبال حين طلب منه أرنولد أن يقوم بالتدريس في جامعة كمبردج بدلا عنه لمدة نصف سنة واستفاد منها إقبال، ففي خلال تدريسه تعرف على كبار رجالات الفلسفة منهم المستشرق الإنجليزي رينولد ألين نيكلسون الذي ترجم لإقبال ديوانه "أسرار خودي" (أسرار الذاتية).
وبعد الانتهاء من دراسته عين أستاذا في الكلية الشرقية في لاهور لمادتي التاريخ والفلسفة ثم أستاذا في كلية الحكومة لتدريس الفلسفة واللغة الإنجليزية.
في عام 1905م رحل إقبال إلى أوروبا قاصدا إنجلترا والتحق بجامعة كمبردج لدراسة الفلسفة استفاد فيها من الدكتور ميكتاكرت ثم سافر إلى ألمانيا فتعلم اللغة الألمانية والتحق بجامعة ميونخ وكتب رسالة الدكتوراة في الفلسفة وكانت بعنوان "تطور ما وراء الطبيعة في فارس".
ثم عاد إلى لندن ودرس القانون وحاز على إجازة في المحاماة من جامعة لندن وكان أستاذه آرنواد حيئذ أستاذ اللغة العربية في جامعة لندن واضطر إلى الانقطاع عن العمل ثلاثة أشهر فاختار تلميذه محمد إقبال للتدريس خلفا له.
وأقام إقبال في أوروبا ثلاث سنوات وقرأ هناك فلسفة "نيتشه" و"هيجل" و"شوبنهاور" وقارن بين فلسفة هؤلاء وفلاسفة المشرق "ابن سينا" و"ابن رشد" ودرس ابن عربي وجلال الدين الرومي وغيرهم من الفلاسفة والمتصوفة.
في 1908م عام رجع إقبال إلى الهند واشتغل بالمحاماة ولكنه بقي مشتغلا بالشعر والفلسفة وتأليف الكتب ودواوين الشعر وألقى العديد من المحاضرات في جامعات الهند وفي المحافل والمناسبات والجمعيات.
وكان له اشتغال بالسياسة وكان عضوا في حزب الرابطة الإسلامية وفي عام 1926م رشح نفسه للانتخابات في الجمعية التشريعية في ولاية البنجاب وفاز بكل سهولة.
في عام 1930م نادى إقبال بفكرته في إنشاء دولة الباكستان، كانت باكستان فكرة فقط في ذهن محمد إقبال، ورغم أنه توفي قبل تأسيس باكستان بحوالي تسع سنوات، إلا أنهُ صاحب الفكرة الأساسية بتأسيس وطن للمسلمين في شبه القارة الهندية، وتحدث مع محمد علي جناح حولها، أكمل جناح الفكرة هو وأعوانه لكنَّ إقبال كان قد غادر الدنيا.
يشار إلى “مُحمَّد إقبال” بالأبّ الروحي في باكستان، وفي باكستان تتنافس المنشآت العامة والشركات في إطلاق اسم إقبال على منشآتها. فالمطار في لاهور اسمه محمد إقبال والجامعة تسمى “العلامة إقبال” في إسلام آباد، وكذلك متحف إقبال الوطني ومكتبة إقبال… إلخ. ربما هذه الصورة قد تعطيك تصورًا عن أهمية ووجود إقبال المعنوي للباكستانيين.
في1934م اضطر إلى ترك العمل بسبب المرض وفي سنة 1935م توفيت زوجته فاشتد عليه المرض، ضعف بصره في نهاية حياته حتى كان لا يستطيع أن يتعرف على أصدقائه!
في 21 أبريل عام 1938م توفي إقبال وكان يقول:"أنا مسلم؛ ومن شأن المسلم أن يقابل الموت مبتسمًا!".
فلسفة إقبال
تقوم فلسفة محمد إقبال على الفردية ونقد الآراء القائلة بالكلية، فهو ينتقد فكرة وحدة الوجود عند بعض الصوفية، وينتقد فلسفة هيجل وشراح فلسفة هيجل الذي يقول بالفلسفة الديالكيتكية والتناقض وسير الإنسان حسب هذه الفلسفة يكون جبريا لا اختيار له فيه وهيجل يقول إن الوحدة الأولية التي تشكل الأساس الجوهري للعالم هي: "وحدة الوجود والفكر" ويقول أيضا: "التناقــض، ذلك الذي يُسيِّر العالم فعلاَ"، وكان إقبال ضد فلسفة الإشراق التي ترى أن يفنى وجود الإنسان في وجود الخالق.
كان إقبال يرى أن الإنسان يجب أن يثبت ذاته لا أن ينفيها، وذلك من خلال ترقيه في الفضائل والأخلاق التي ترفعه إلى مستوى يثبت فيه وجوده, إنه يرى أن الحياة هي رقي مستمر للذات الإنسانية وأشد العقبات في طريق هذا الرقي المادة أو الطبيعة، ولكن هذه العقبات إذا قهرتها الذات الإنسانية تتخلص من قيود الجبر وتنال الحرية الكاملة.
ويرى إقبال أن المثل الأعلى للإنسان هو الله وعليه أن يتخلق بأخلاق الله من الحلم والرحمة والرأفة والعفو ... ويرى إقبال أن الحق من الأفكار إن لم يكن فيه حرقة القلب فهو فلسفة فيجب أن يحرك الحق القلب وأن يكون الحق ينبض كدقات قلب الإنسان يحركه من داخله فإن مست نار القلب الحق كان شعرا فلذلك أخرج إقبال أقواله وفلسفته شعرا.
يقول إقبال :"إني أقصد في دواويني إلى أن أضع أمام أعين الناس مُثُلا إنسانية عالية" هكذا يضع هدف فلسفته إنه يريد أن يترقى الناس في الفضائل وأن يقوم الإنسان بإثبات ذاته في هذا الوجود ولكن عن طريق ترقيه الروحي ومقاومته للمادة، وفيلسوفنا يضع له مثلا في ذلك لكي ينظره وهو يسير في الطرق ـــ طريق كمال الذات الإنسانية ـــ ليبقى في ترق مستمر وهو ينظر إلى إنسانية عالية.
ويرى إقبال أن المحرك للعمل في نفس الإنسان هو إيمانه بوجود الخلود؛ الحياة بعد الموت، ومصدر قوة العمل يكمن في التوحيد والإيمان الراسخ بالتوحيد، ولكن الشر يوهن من عزم الإنسان في طرق رقيه والخير يجعله يتقدم والذي يجعل الإنسان خيرا هو الهدف وهدفه هو "العشق" فبالعشق يصل الإنسان إلى رقيه وطريق الوصول إلى هذا العشق الخُلُق وطريق الصِلَةِ بالذات المطلقة "المعشوق" الصلاة نعم إنها الصلاة.
ولم يكن إقبال معجبا بالحضارة الغربية لأنها خواء من الروح ولأن المادة هي التي تطغى على الحياة هناك وفي نفس الوقت نظر إلى روحانية المشرق بعين الإنصاف فهو يرى أن التصوف الذي يدفع إلى السلبية في الحياة والرهبانية ليس هو التصوف الحق بل التصوف الحق هو الذي يدفع الإنسان إلى العمل والاجتهاد والجهاد في هذه الحياة كما كان كبار الصوفية في القديم.
وهو يرى أن شخصية النبي محمد ــ صل الله عليه وسلم ــ هي القدوة في ذلك ومن بعده الصحابة، فهو يرى تمثل الحق والعدل والاستقامة فيهم، وعد السيدة فاطمة الزهراء مثلا للمرأة المسلمة في إيمانها وجهادها وتضحيتها وتربية أبناءها ورعاية زوجها، فالإنسان في طريق كماله يرى النماذج الصالحة أمامه ليقتدي بها في طريقه فهو يريد الوصول إلى كمال الذات الإنسانية التي يعبر عنها إقبال بــ"الذاتية" وتتلخص أفكاره في نظريته في كمال الذات كما يقول الباحث والكاتب سيد عبد الماجد الغوري في كتابه "محمد إقبال" :"
[list="margin-right: 0px; margin-left: 0px; padding-right: 0px; padding-left: 0px; border: 0px; outline: 0px; vertical-align: baseline; background-image: initial; background-attachment: initial; background-size: initial; background-origin: initial; background-clip: initial; background-position: initial; background-repeat: initial;"]
[*]طاعة القانون الإلهي، وأن التوحيد المطلق ينفي عن النفس الاستكانة للمخاوف والأطماع.
[*]ضبط النفس، ولا يكون ذلك إلا بنفي الخوف والشهوات، وأن هدف الإنسان الديني والأخلاقي هو إثبات الذات لا نفيها.
[*]النيابة الإلهية بتحقيق الإنسان معنى خلافته عن الله في الأرض ليعمرها باسم الله وحده، فالحياة رقي مستمر وجهاد لتحصيل الاختيار، وهي تسخير كل الصعاب التي تعترض طريقه وأن الوقت هو الحياة ويكون الإنسان في هذه المرحلة مسيطرا على العالم مسخرا قوى الكون نافخا الحياة في كل شيء ويردّ العالم إلى الإخاء والسلام".
[/list]
ويرى إقبال أن الأسباب التي تجعل الإنسان يتقاعس عن العمل هو الحرص على الحياة والخوف من الموت ونسيان الجهاد فعليهم أن يعودوا إلى الفهم الصحيح للإسلام وأن يعودوا لفهم الأوائل للجهاد، جهاد النفس والجهاد لإعلاء كلمة الحق.
يقول إقبال:"خُدايا آرْزُومَيرِي يَهي هَيى مِرَا نُورِ بَصِيرَتْ عام كَرْدِيى
هذه يا إلهي هي رغبتي أن تجعل الناس يروا نور بصيرتي".
"لقد جَاءَ إقبالُ كرسول إنْ لم يكن لعصرِه فلسائرِ العُصور". المستشرق الإنجليزي نيكلسون
(البوصلة)