لماذا لا تستطيع الولايات المتحدة الانسحاب من الشرق الأوسط؟
نشر في : الأحد 29 مايو 2016 - 09:37 م | آخر تحديث : الأحد 29 مايو 2016 - 11:24 م
ذا ناشيونال- التقرير
واحدة من السمات الرئيسية للسياسة الخارجية الأمريكية في وقت متأخر من عصر أوباما هي الأساطير السائدة أن كل أمريكي واستطرادا كل غربي، يرى أن التدخل العسكري في الشرق الأوسط محكوم عليه بالفشل.
وهو ما يؤكده الرئيس أوباما في سلسلة من المقابلات، ويبدو أن هذه الأسطورة قد ارتفعت إلى حد الإيمان في البيت الأبيض.
وفي حواره الأخير مع “جيفري جولدبرج” الكاتب بمجلة “أتلانتيك”، علق أوباما بهذا المبدأ حول تدخل روسيا في سوريا، وتحدث عن التكاليف الباهظة، وادعى أن “الفكرة القائلة بطريقة أو بأخرى إن روسيا في موقف قوي بسوريا” هي سوء فهم جذري لطبيعة القوة في الشؤون الخارجية في العالم بصفة عامة، مضيفا أن الإفراط في هذه الفكرة يعني الإصرار على النزيف.
ولا يوجد تقييم واقعي يؤكد تمامًا رأي أوباما، ويبدو أن روسيا سوف تحرز تأثيرا أكبر بشأن الوضع الاستراتيجي على الأرض لصالح نفسها وحلفائها وإيران وبشار الأسد، بتكلفة محدودة ودون الإفراط، ناهيك بنزيف الدماء!
وعلى ما يبدو أن أوباما قد افترض أن هذه هي القضية دون أي دليل حقيقي، فقط لأن “الإيمان” في البيت الأبيض الحالي هو أن أي تدخل أمريكي في الشرق الأوسط يؤدي إلى فشل كارثي، فاعتبر ذلك التدخل الروسي العام في الشرق الأوسط، بما في ذلك سوريا، سيكون كارثة مماثلة.
وقد تجلى هذا التفكير تماما في الآونة الأخيرة بمقال بنيويورك تايمز لديفيد صامويلز الذي نقل عن مسؤول الاتصالات بالبيت الأبيض بنيامين رودس قوله: “أنا لا أؤمن بشدة أن الولايات المتحدة يمكن أن تجعل الأمور التي تجري في سوريا أفضل”.
هذا هو أكثر من اعتقاد أنه إيمان ولا يمكن أن يكون رأيا جيدا من خبير حقيقي في الشرق الأوسط، وهذا ما يتضح جليا من صاحب المقال حين يعلق: “ولدينا سجل من الأدلة على ما سوف يحدث عندما نكون هناك، فمنذ ما يقرب من عشر سنوات كنا في العراق”.
وسيكون هذا التدخل صحيحا فقط إذا كانت سوريا اليوم عمليا على نفس الحال بالعراق عام 2003، وهي فكرة مثيرة للضحك.
في الواقع، فإن هذه المادة بأكملها التي تؤمن بأن الانخراط في الشرق الأوسط محكوم عليه بالفشل، فمن حيث التعريف هو افتراض غير واقعي وغير تاريخي على أساس مجموعة من السيناريوهات المحددة والطارئة، خاصة في العراق وإلى حد ما ليبيا.
فمن أجل السياسة الخارجية الأميركية، ومصالح شركائها الإقليميين الذين لديهم نفس هذه الأسطورة، يجب أن تنتهى تلك الأسطورة تمامًا، قبل أن تبدأ الإدارة القادمة في صياغة سياساتها الخاصة، خشية أن تقع أيضا ضحية لهذه العقيدة.
أدخل هذا الفكر فريدريك سي وولف، مدير مركز رفيق الحريري في منطقة الشرق الأوسط، والمستشار الخاص السابق لأوباما في عملية الانتقال في سوريا والتي تعد أحد الانتقادات الموجهة لسياسته.
في مقال نُشر الأسبوع الماضي على موقع المجلس الأطلسي بعنوان “لا خيار في الانفصال عن الشرق الأوسط” حيث يدافع السيد هوف بشكل مدمر ومضلل عن نهج الإدارة الأمريكية في الآونة الأخيرة بالشرق الأوسط، بتحليل منافٍ للعقل.
السيد هوف يستند في تقريره إلى كل أنصار تلك الأساطير، مشيرًا إلى أسباب فارغة غير محددة، لا تدل على فشل محتوم للعمليات العسكرية الأمريكية، حتى إنه يشرح قائلا “منذ تحرير الكويت في عام 1991 كان لنا التفوق الدبلوماسي والعسكري ويسوقه كمثال مضاد لكنه حاسم، ومهمل”.
المفتاح هو تقييم دقيق والتخطيط المناسب، خاصة لتحقيق الاستقرار بعد الصراع، بدلا من التمني إما أن يكون عدوانيا جدا، والسيد هوف يحدد بحق “الأهمية الحيوية للاقتصاد العالمي -وبالنسبة للاقتصاد الأمريكي- فموارد الطاقة تمر عبر مضيق هرمز”، حيث يوجد تهديد الإرهاب وعوامل أخرى عديدة تعزز من فكرة مركزية الاستراتيجية في المنطقة.
وعلاوة على ذلك، حتى ولو كانت الولايات المتحدة تهتم بمحور آسيا وأوباما يتفهم ذلك، فهذا لن يقلل لكن يزيد في الواقع الأهمية الاستراتيجية لمنطقة الشرق الأوسط.
وأشار الباحث كريستيان كوتس وهو عضو في الفريق الذي أدار مؤخرا معهد دول الخليج العربية في واشنطن، إلى أن دول الخليج، أنفسهم، لديهم تركيز بالفعل على محور آسيا.
ونظرا للاعتماد المطلق من الاقتصادات الآسيوية على موارد الطاقة في منطقة الخليج، فإن وجود محور أميركي في آسيا من شأنه أن يعزز الأهمية الاقتصادية والاستراتيجية للمنطقة.
كما يلاحظ السيد هوف أن الولايات المتحدة سوف تظل تشارك بعمق في الشرق الأوسط، شئنا أم أبينا فإنه يجب ذلك، ما دام أنها ترغب في البقاء كقوة عالمية.
ولذلك، سيكون لديك وقت لاتخاذ إجراءات من وقت لآخر، لضمان النجاح حتى لو لم تقُم الإدارة المقبلة بإسناد دور كبير إلى السيد هوف في صنع السياسة الخارجية الأمريكية -وبالتأكيد يجب ذلك- على الأقل فنحن نحتاج للاستماع إلى نصائح بسيطة من محامٍ حكيم.