بعد أن أضحت ساحات المسجد الأقصى أماكن مباحة لدخول اليهود بكل أطيافهم، وممارسة طقوسهم، حدث مؤخرًا وفي سابقة خطيرة من نوعها تشاهد لأول مرة منذ احتلال المسجد الأقصى عام 1967م؛ حيث اقتحم مجموعة من الحاخامات اليهود المسجد الأقصى بملابس خدم الهيكل المزعوم، في إشارة واضحة لمدى وصول مخططات الاحتلال تجاه المسجد الأقصى المبارك والاستهانة بمقدساتنا. واستمرارًا لمسيرة العدوان اليهودي على القدس وأهلها، وعلى المسجد الأقصى ومصليه.
صعَّد اليهود في الأيام الأخيرة من وتيرة اعتداءاتهم الممنهجة، وأضحى دخول المتطرفين اليهود إلى باحات المسجد الأقصى شبه يومي وبأعداد كبيرة، وممارسات منظمة.
وتعدى ذلك ليصل إلى تأدية بعض الشعائر التوراتية في ساحات المسجد الأقصى-وهي جزء لا يتجزأ من المسجد الأقصى-، وبعضهم يلبسون لباسًا خاصًّا يطلقون عليه لباس كهنة الهيكل، وتأتي هذه الممارسات لتكريس احتلال القدس، والتأكيد على أنها عاصمة دولة الاحتلال بشقيها الغربي والشرقي، وعدم الالتفات إلى القرارات الدولية واتفاقات السلام التي تعد شرقي القدس مناطق محتلة.
فمسيرات التهويد أضحت ممارسة شهرية حسب التقويم العبري، والاقتحامات وعد ساحات المسجد الأقصى ساحات عامة مباحة للجميع !!
وفوجئ المصلون في الأقصى قبل ذلك بوزير الإسكان الصهيوني، ومعه العشرات من المغتصبين المتطرفين، ومن بينهم حاخامات وطلبة مدارس دينية. يقتحمون ساحات الأقصى من جهة باب المغاربة، تحت حماية شرطة الاحتلال. وقام في جولة استمرت نحو نصف ساعة، بينما كان حاخامات يؤدون صلوات تلمودية في المكان.
وجاء اقتحام الوزير المستفز للفلسطينيين والمسلمين، بعد تصريحات المفوض العام لشرطة الاحتلال يوحنان دانينو، بشأن السماح لليهود بدخول المسجد الأقصى المبارك بصفته ساحات جبل الهيكل، وأضاف: "كل يهودي يريد أن يصلي في جبل الهيكل المسجد الأقصى، ويريد أن يصل إليه؛ يجب أن نضمن له هذا الحق، وضمن الأوقات المحددة لذلك".
وقبل اقتحام المسجد الأقصى بشهر تقريبًا دعا وزير الإسكان للاحتلال إلى بناء الهيكل مكان المسجد الأقصى المبارك.
وترادف ذلك مع تنظيم جماعة عائدون إلى جبل الهيكل، وهي واحدة من الجماعات اليهودية الناشطة على صعيد الهيكل المزعوم ما أسمته احتجاجات الخيام في خطوة تستهدف من خلالها الدعوة لبناء الهيكل بعد خرابه.
وقبل أشهر تسرب مقطع مصور لورشة عمل نظمها مركز إرث بيغن، بحث خلالها سبل اقتحام اليهود للمسجد الأقصى والصلاة فيه، وتطرَّق إلى مخطط بناء الهيكل المزعوم على أنقاض المسجد الأقصى، وشارك في المؤتمر عدد من الحاخامات وجماعات يهودية ومنظمات عاملة لبناء الهيكل المزعوم، فضلًا عن كثير من المخططين والباحثين اليهود، وتضمن المؤتمر تصريحات في غاية الخطورة حول الجهات الحقيقية التي تقف وراء تزايد اقتحام الجماعات اليهودية للأقصى، وأبرز هذه الجهات هو جهاز الشاباك اليهودي، كما ورد على لسان أحد الحاخامات.
وذلك المقطع يكشف الأطماع المتزايدة للاحتلال في الأقصى، والتنسيق على أعلى المستويات بين الأجهزة الحكومية، وتلك الجماعات المتطرفة، وكشفت بعض المداخلات دفع مؤسسات الاحتلال لتلك الجماعات لحشد قطعان المغتصبين أعضاء الجماعات المتطرفة لدخول المسجد الأقصى بأعداد كبيرة، وقال أحدهم: إن مدير جهاز الشاباك قد وبَّخه مرارًا على قلة الأعداد التي جمعوها لاقتحام المسجد الأقصى. وقال له نصًّا: "لقد مكّناكم للذهاب ودخول جبل الهيكل-بزعمهم-، فلماذا هذه الأعداد القليلة"؟!! وأضاف: "إن بتلك الأعداد لا يمكن تعزيز السيطرة على المسجد الأقصى".
وأضاف الحاخام اليهودي بأن جيلهم هو الجيل المعد والمهيأ لبناء الهيكل، وما عليهم إلا العمل وتسارع الخطى للسيطرة اليهودية على المسجد الأقصى، وأن الذي يمارس الآن من تلك الجماعات التعجيل في إقامة كنيس يهودي في جهة من جهات المسجد الأقصى، ثم فرض إقامة كنيس يهودي داخل المسجد الأقصى، وأضاف: "نعم، كلنا نصلى من أجل إقامة الهيكل ونعمل من أجل ذلك".
ومن جانب تهويدي آخر، للتضييق على مدينة القدس وسُكَّانها تعمل سلطات الاحتلال الآن إلى تشكيل حزام استيطاني مزدوج حول مدينة القدس المحتلة.
لاشك أن اليهود انتهزوا فرصة الانشغال فيما سمي بـ"الربيع العربي" والفوضى والدماء في العديد من الدول العربية، ليسارعوا الخطى في التهويد، وتغيير ما أرادوا أن يغيروا بعد أن أضحت القدس وفلسطين ليستا في سلم القضايا الأمة الثكلى.
مناهج تعليمية بصنعة يهودية:
لأول مرة منذ خضوع القدس للاحتلال الصهيوني في العام 1967، ومع بداية العام الدراسي الجديد، شكَّل إدراج بلدية الاحتلال في مدينة القدس منهاجًا دراسيًّا إسرائيليًّا جديدًا، بدل المنهاج الفلسطيني الذي يدرس في مدارس المدينة المقدسة منذ ما يزيد على عقد من الزمان بعد أن كان المنهاج الأردني هو المعتمد في المدارس العربية في المدينة منذ احتلال الشطر الشرقي عام 1967م.
وتقر الآن سلطات الاحتلال في المدينة -ولأول مرة منذ احتلالها- هذا المنهاج التهويدي الصريح، الذي يربي الطالب -منذ طفولته- على قبول الاحتلال، بل واعتبار كيان الاحتلال وطنه الذي عليه أن يفرح به ويحتفل باستقلاله، بل -وبكل صراحة- يدعوه المنهاج للامتنان لدولة الاحتلال التي بفضلها تتم رعايته وأرضه وآباؤه والإنعام والإنفاق عليهم.
حيث تعمل سلطات الاحتلال على طمس الهوية الفلسطينية، وفصل المواطن المقدسي عن ثقافته وقوميته العربية عبر تطبيق المنهاج الدراسي البجروت الإسرائيلي في 5 مدارس مقدسية، بفرض واقع تعليمي جديد في القدس؛ حيث تقوم المناهج اليهودية بتغييب المسجد الأقصى وعَدّ الأماكن المقدسة في القدس مقتصرة على كنيسة القيامة وحائط البراق وقبة الصخرة.
ولاشك أن فرض ذلك المنهج تقويض لأركان الهوية الوطنية للشبان الفلسطينين في شرقي القدس، وهذه الخطوة التي يصر المسؤولون في بلدية الاحتلال أنها اختيارية واجهت معارضة عنيدة من أهالي القدس.
حيث إن التعليم في القدس مستهدَف من قِبَل سلطات الاحتلال وأذرعها المختلفة، ووصل التهويد إلى التعليم بعد ما هوَّدوا الحجر والشجر، فهاهم يمارسون تهويدهم الممنهج للمناهج الدراسية، وذلك بتزوير التاريخ الفلسطيني وهويته الإسلامية والعربية.
ومن خلال ذلك المنهاج يدرس أبناء القدس بأن القدس عاصمة دولة إسرائيل، وأن عمر بن الخطاب كان يحتل القدس، وقد حرَّرتها إسرائيل في العام 1967م وما إلى ذلك!!!
ويتضمن المنهاج الجديد أن الهيكل حقيقي وموجود مكان المسجد الأقصى، وأن بلدية الاحتلال تعطي التراخيص لتنظيم البناء في المدينة المقدسة، ولكنها تهدم منازل الفلسطينيين الفوضويين، وسترسخ بفكرهم الأسماء العبرية للشوارع والأماكن في المدينة المقدسة، وتشطب الأسماء الأصلية العربية للمدينة.
نعم أراد قادة اليهود وباحثوهم خَلْق تاريخ جديد لليهود واليهودية على أرض فلسطين، واختراع شعب، وتلفيق تاريخ عبر الآثار المزعومة، والمناهج المحرفة، والتاريخ المصطنع، ليجعلوه مناهج علمية تدرس في مدارسنا!!
وهذا نتاج عمل الباحثين اليهود في إقناع طلبتهم أن اليهود عاشوا على هذه الأرض لسنين عديدة، ثم عادوا إلى وطنهم بعد ما أبعدوا عنه جبرًا!! والزعم بأن جُلّ الممارسات التي يمارسها اليهود في فلسطين مسوّغة؛ لأنهم عندما عادوا إلى فلسطين -بزعمهم أنها لهم!- وجدوا فيها سكانًا غير يهود قد تمكنوا من بيوتهم وأراضيهم؛ فعملوا على إخراجهم!!
فاستراتيجية المؤسسات التربوية والتعليمية اليهودية هي: نشر ما تنتجه مراكزهم المتناسقة مع الاحتلال على أرض فلسطين.
واليهود على يقين أن تلك الدراسات والبحوث ضرورية، ولا مناص من العمل فيها وتوفير أدواتها؛ بوصفها أساسًا للتعامل مع المسلمين والعرب وأهل فلسطين؛ حتى لا يكون مصيرهم كمصير الصليبيين، ولا يتكرر معهم ما حدث مع غيرهم.
ولتلك الأسباب أضحت مسؤولية تلك الدراسات والأبحاث ونتاجها مسؤولية الجميع -أفرادًا ومؤسسات وقيادة- في خدمة المشروع الصهيوني.
فتاريخنا يؤرقهم؛ لأن في صفحاته تفاصيل فتح أمير المؤمنين عمر بن الخطاب للقدس، وأخبار عماد الدين ونور الدين زنكي، وانتصارات صلاح الدين الأيوبي، والظاهر بيبرس، والأخبار والسِّيَر التي يشيب منه غلمان الحاقدين وأعداء المسلمين!
ففي طيات تاريخنا أخبار الفتوحات والبطولات، ثم الهزائم والانتصارات، قام بها علماء وقادة، فتحوا الأمصار، وانتصروا على غارات المغول، وردوا حملات الصليب، وكسروا شوكة الاستعمار المعاصر، فليس أمام الباحثين اليهود -إلى حين نهوض الأمة الإسلامية من جديد- إلا الكذب على هذا التاريخ!! وتدريس أبناء المسلمين تاريخ اليهود المزعوم.
ولا طريق أمامهم إلا الاستمرار في الكذب والخداع!
أرادوا هدم تاريخنا، وعملوا على ذلك؛ لعلهم يجدون في أنقاضه ما يصلح ليسطروا منه الأساطير والأباطيل!!
وقد دعا الشيخ عكرمة صبري بوضوح للتصرف، كما فعل المعلمون والطلاب عام 67 عند ما قاطعوا المدارس التي حاولت فرض منهاج الاحتلال وأضربوا، يأتي هذا كله أثناء قيام رئيس بلدية الاحتلال نير بركات -بصفة شخصية- بالتجوال على مدارس شرقي القدس ضمن حملته التهويدية الواضحة.
وحذَّر خبراء تربويون وحقوقيون فلسطينيون من عواقب هذه الخطوة، مؤكدين أن المنهج الصهيوني يحرِّف التاريخ والدين والجغرافيا، ويشوِّه الثقافة الوطنية الفلسطينية، مطالبين الجامعة العربية ومنظمة الأمم المتحدة للتربية والثقافة والعلوم اليونسكو؛ بالعمل على إيقاف هذا الإجراء الذي يتعدى على حق الطالب الفلسطيني في دراسة منهج يراعي قِيَمه وهويته الثقافية والعقائدية.
ولاشك أن ذلك عمل خطير يخدم أجندات الاحتلال في طمس الهوية العربية والإسلامية، وتغييب وتحريف الحقائق الدينية والتاريخية والجغرافية، وربط الجيل الفلسطيني بالفكر والوعي الصهيوني.
وذلك يؤكد عدم اكتفاء الصهاينة بادعاء الآثار والتاريخ في القدس وفلسطين، بل يتجاوز ذلك إلى محاولات لتزوير المناهج التدريسية، ولاشك أن مثل هذه الأعمال تأتي في إطار مخططات اليهود ولهاثهم وراء تشويه العقول.