منتدى الشنطي
سيغلق هذا المنتدى بسبب قانون الجرائم الاردني
حيث دخل حيز التنفيذ اعتبارا من 12/9/2023
ارجو ان تكونوا قد استفدتم من بعض المعلومات المدرجة
منتدى الشنطي
سيغلق هذا المنتدى بسبب قانون الجرائم الاردني
حيث دخل حيز التنفيذ اعتبارا من 12/9/2023
ارجو ان تكونوا قد استفدتم من بعض المعلومات المدرجة

منتدى الشنطي

ابراهيم محمد نمر يوسف يحيى الاغا الشنطي
 
الرئيسيةالرئيسية  البوابةالبوابة  الأحداثالأحداث  أحدث الصورأحدث الصور  التسجيلالتسجيل  دخول  

 

 مغيث الرومي فاتح قرطبة

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75802
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

مغيث الرومي فاتح قرطبة Empty
مُساهمةموضوع: مغيث الرومي فاتح قرطبة   مغيث الرومي فاتح قرطبة Emptyالثلاثاء 31 مايو 2016, 10:48 pm

مغيث الرومي فاتح قرطبة

محمود شيت خطاب


مغيث الرومي فاتح قرطبة ShapeRRR

مغيث الرومي .. نسبه ونشأته
هو مغِيث الرومي، مولى الوليد بن عبد الملك، أو مولى عبد الملك بن مروان، والصواب أنه مولى عبد الملك بن مروان، فهو الذي أدبه، ولا تناقض بين الرواتين إلا من الناحية اللفظية حسب، فقد كان مغيث مولى عبد الملك بن مروان، فلما تُوفي وأصبح ابنه الوليد خلفاً له، أصبح مولى الوليد بن عبد الملك.

سُبِيَ من الروم بالمشرق وهو صغير، فأدَّبه عبد الملك بن مروان مع ولده الوليد، وأنجب في الولادة، فصار بنو مغيث الذين نجبوا في قرطبة، وسادوا وعظم بيتهم، وتفرعت دَوْحَتهم، وكان منهم عبد الرحمن بن مغيث حاجب عبد الرحمن الداخل صاحب الأندلس وغيره.
ومغيث رومي بالرغم من ادِّعاء أولاده بأنه عربي من غسَّان من نسل جَبَلَة بن الأيْهَم الغَسَّاني، ومن المحتمل أنه كان من الروم الذين عاشوا في شمالي إفريقية، فقد كان خبيراً بإفريقية عارفاً بها [1].
مغيث الرومي في بلاط الخلافة الأموية
نشأ مغيث الرومي وترعرع وشبَّ في أحضان البيت المالك: بيت الخليفة عبد الملك بن مروان، وتعلَّم جنباً إلى جنب الوليد بن عبد الملك، فأصبح أحد أفراد العائلة المالكة وجزءاً منهم لا يتجزأ، مصيرهم مصيره، ومستقبلهم مستقبله، ويهمه أمرهم، ويهمهم أمره، كما أصبح موضع ثقتهم الكاملة. وتعلم مغيث في دمشق القرآن الكريم وعلومه، والحديث النبوي الشريف وعلومه، والتاريخ والسِّير، وأيام العرب قبل الإسلام وبعده، وعلوم اللغة صَرْفاً ونَحواً وبلاغةً وبياناً وشعراً ونثراً، كما تعلم فنون الأدب في مجالي الشعر والنثر، وحفظ نماذج من أقوال الخطباء والأدباء والشعراء، ولم يغفل الحساب والهندسة وتقويم البلدان.

وكان الخلفاء بخاصة والعرب بعامة، في تلك الأيام، يعتبرون اللَّحن في اللُّغة عيباً من أشنع العيوب، "فتأدّب مغيث بدمشق مع بني عبد الملك، فأفصح بالعربية، وصار يقول من الشعر والنثر ما يجوز كتبه"، وتدرّب على الركوب، وأخذ نفسه بالإقدام في مضايق الحروب، حتى تخرَّج في ذلك تخرُّجاً أهَّله للتقدم على الجيش الذي فتح قرطبة.
كما تدرَّب على الفنون العسكرية العملية، وقد كان أسلوب التدريب على القتال شائعاً في أيام الأمويين بالنسبة لأولاد الخلفاء ومَن حولهم، وبالنسبة لأولاد المسلمين كافة، فكان من نصيب مغيث أن يتدرب في ميادين الجهاد الإفريقي والمغربي والأندلسي [2].
مغيث الرومي عين الخلافة في الأندلس
كان للخلفاء في مختلف أمصار الدولة، مَن يُطلعهم على حقيقة الأوضاع فيها، إلى جانب الولاة والقادة، فلا يستطيع الولاة والقادة أن يُخفوا على الخلفاء شيئاً يهمّ الخلافة، وكان مغيث أحد هؤلاء الذين يثق بهم الخليفة، ويجب أن يطّلع على أمور الولاة والقادة والرعيّة عن طريقهم، فأوفده الوليد ليرافق الحملة الأندلسية، وينقل إليه أخبار الفتوح كما يجب أن تُنقل، لا كما يحب الولاة والقادة أن تُنقل، والفرق بين النَّقلين كبير.

مغيث الرومي فاتح قرطبة
دخل مغيث الرومي الأندلس مع طارق بن زياد رحمه الله، وكان الوليد بن عبد الملك هو الذي وجَّهه إلى الأندلس غازياً، ولا نعلم بالضبط متى وجَّهه إلى هذا الواجب، وكان عبور طارق إلى الأندلس في يوم الاثنين الخامس من شهر رجب سنة 92هـ (27 نيسان - أبريل - سنة 711م)، فلابد من أن يكون مغيث قد بُعث إلى إفريقية والمغرب قبل هذا التاريخ. ومن المحتمل أن الوليد بعثه قبيل الشروع في عمليات فتح الأندلس إلى تلك المنطقة، للإشراف على سير تلك العمليات، ومن المرجح أنه أرسله بعد فتح طنجة التي كانت سنة 89هـ، وقبل عبور طريف بن مالك إلى الأندلس، أي في أوائل سنة 91هـ.

وكان مغيث على خيل طارق بن زياد، وبعد أن فتح مدينة إسْتَجّة (بينها وبين قرطبة عشرة فراسخ) فرق جيوشه من هذه المدينة، فبعث مغيثاً إلى قرطبة، وكانت من أعظم مدائنهم، في سبعمائة فارس، لأن المسلمين ركبوا جميعاً خيل القوط، ولم يبق فيهم راجل، وفَضَلت عنهم الخيل.
وكَمن المسلمون بعُدْوَة نهر شَقُنْدَة ( Secunda)  في غَيْضَة أرْز شافحة، وأرسلوا الأدلاّء فأمسكوا راعي غنم، فسئل عن قرطبة، فقال: "رحل عنها عظماء أهلها إلى طُلَيْطِلَة، وبقي فيها أميرها في أربعمائة فارس من حُماتهم مع ضعفاء أهلها". وسُئل عن سورها، فأخبر أنه حصين عال فوق أرضها، غير أنه فيه ثُغرة، ووصفها لهم.
وتربَّص المسلمون على الضفة اليسرى من نهر الوادي الكبير بالقوط، وأخذوا يستطلعون أخبار القوط، ويجمعون المعلومات عنهم قبل أن يعبروا النهر ويهاجموا البلد. ولم يصعب على المسلمين الاتصال بنفر من سكان قرطبة المحليين، وبمعونة هؤلاء استطاعوا العبور في ليلة غزيرة المطر، يقول الرازي: "وأقبل المسلمون رويداً حتى عبروا نهر قرطبة ليلاً، وقد أغفل حرس المدينة احتراس السور، فلم يظهروا عليه، ضيقاً بالذي نالهم من المطر والبرد، فترجَّل القوم حتى عبروا النهر، وليس بين النهر والسّور إلاّ مقدار ثلاثين ذراعاً".
وكان عبور المسلمين نهر الوادي الكبير في مواجهة باب القنطرة، أو باب الصورة نسبة إلى تمثال أسد كان قائماً على مقربة من السور، وظل قائماً أيام المسلمين، وجعل مغيث ورجاله يدورون حول السور يلتمسون ثغرة فيه يدخلون منها إلى قرطبة.
وحاول المسلمون التعلق بالسور، فلم يجدوا مُتَعلّقا، ورجعوا إلى الراعي في دلالتهم على الثغرة التي ذكرها، فأراهم إياها، فإذا بها غير متسهّلة التسنّم، إلاّ أنه كانت في أسفلها شجرة تين مكّنت أفنانها من التعلّق بها، فصعد رجل من أشِدّاء المسلمين في أعلاها، ونزع مغيث عمامته فناوله طرفَها، وأعان بعض الناس بعضاً، حتى كثروا على السّور. وركب مغيث ووقف من خارج، وأمر أصحابه المرتقين للسور بالهجوم على الحرس، ففعلوا وقتلوا نفراً منهم، وكسروا أقفال الباب، وفتحوه. ودخل مغيث ومَنْ معه، وفتحوا المدينة عَنْوَة.
وهاجم مغيث ومَن معه من المسلمين قصر الملك، وقد بلغ الملك دخول المسلمين المدينة، فبادر بالفرار عن البلاط في أصحابه، وهم في زهاء أربعمائة فارس، وكانوا مقيمين مع الحاكم في الجزء الغربي من قرطبة، الذي سيعرف في أيام المسلمين بالمدينة أو القصبة (يسمى اليوم لافيليا = المدينة)، وكان الملك مقيماً وحده في قصر منيف من الضاحية التي ستعرف أيام المسلمين برَبَض الورّاقين، وأسرع الملك إلى حاميته القوطية، فطارده المسلمون، ففز بجنده إلى كنيسة قريبة تسمى كنيسة سان أثيسكلو San Acisclo، وتحصَّن فيها، فحاصرها المسلمون، واستمر الحصار نحو ثلاثة أشهر، حتى استطاع المسلمون قطع الماء عن المحصورين، وكان يجري إلى الكنيسة في مجرى تحت الأرض.
ورغب ملك قرطبة أن يتخلص من الموقف الحرج الخطر الذي حاق برجاله، عند إيقانه أنه هالك إذا بقي معهم، ففرَّ عن رجاله وحده بعد أن استغفلهم، ورام اللّحاق بطليطلة. وعلم مغيث بهرب الملك، فبادر الركض خلفه وحده، فلحقه بقرب قرية تُطِيلَة هارباً وحده، وهي قرية قريبة من قرطبة، وكان تحت هذا الهارب فرس أصفر ذريع الخَطْوِ. والتفت الملك ودُهِش لما رأى مغيثاً يطارده مطاردة عنيفة بلا هوادة، فزاد في حثّ فرسه، فقصر به، فسقط عن الفرس، واندقَّت عنقه، فقعد على ترسه مستأسراً، قد هاضته السقطة، فقبض عليه مغيث، وسلبه سلاحه، وحبسه عنده ليقدم به على أمير المؤمنين الوليد بن عبد الملك، ولم يؤسر من ملوك الأندلس غيره، لأن بعضهم استأمن، وبعضهم هرب إلى جِلِّيقِيَّة.
وفي رواية: أن مغيثاً استنزل أهل الكنيسة، بعد أسره لمليكهم، فضرب أعناقهم جميعاً، فمن أجل ذلك عُرفت بكنيسة الأسرى، وأنه اختار القصر لنفسه والمدينة لأصحابه. ودخل مغيث بلاط صاحبها واختطّه، ومعنى ذلك أنه أضاف إليه إضافات جديدة، ثم وهبه موسى بن نصير إلى مغيث مع أرضه،
وسكن مغيث قصر الملك الذي أصبح فيما بعد مقام الأمراء والخلفاء. وقد ترك المسلمون كنيسة الأسرى لنصارى قرطبة، فظلت أكبر كنائسهم في عاصمة الأندلس الإسلامية، طالما بقيت المدينة في حوزة المسلمين.
وهكذا انتهت ملحمة فتح قرطبة، استبسل فيها المسلمون وقاتلوا قتال الأبطال، كما أحسن القوط في دفاعهم، وصبروا وصابروا، ولكن بقدر ما بلغ مغيث قائداً تحمَّل القسط الأكبر من الفتح، بقدر ما تخنَّث حاكم القوط وقائدهم وتحمَّل القسط الأكبر من كارثة الهزيمة. فكان مغيث نعمَ القائد، وكان قائد القوط بئس القائد.
وقد فتح مغيث الرومي قرطبة في شوال من سنة اثنتين وتسعين الهجرية (711م)، ثم فتح مغيث الكنيسة التي تحصَّن بها حاكم قرطبة بعد حصار ثلاثة أشهر في محرم من سنة 93هـ (712م) [3].
شبهة والرد عليها
دخل مغيث الرومي الأندلس مع طارق، وكان على تماس شديد به، فهو مدير مخابرات الخلافة في الأندلس دون أن يكون واجبه مجهولاً من طارق بن زياد أو من موسى بن نصير، وبعد أن استقر طارق وموسى في طليطلة، أرسل موسى وفداً إلى دمشق يتألف من مبعوثين هما: مغيث وعلي بن رباح اللخمي وهو من التابعين، لينقلا إلى الخليفة الوليد بن عبد الملك أخبار الفتح.

ولكن الوليد بن عبد الملك أعاد مغيثاً إلى الأندلس، وأمره أن يبلغ موسى بالخروج من الأندلس والكف عن التوسع في البلاد، وأن يشخص موسى إلى دمشق، فعاد مغيث إلى موسى بما أمره به الوليد.
 ولم يصرف قدوم مغيث موسى عن المضي في إتمام خطته في الفتح، فلاطف مغيثاً وسأله إمهاله إلى أن ينفّذ عزمه في فتح جِلِّيقِيَّة، وأن يسير معه أياماً، ويكون شريكه في الأجر والغنيمة، ففعل مغيث ومشى مع موسى، وقد وهب مغيثاً القصر الذي ينسب إلى مغيث في عهد المسلمين، وهو: (بلاط مغيث) بجميع أرضه من أرض الخُمُس، وهو قصر حاكم قرطبة، نظير إمهاله بعض الوقت في غزو جلِّيقِيَّة. وقَبِلَ مغيث هذه الشروط، فلما اطمأن موسى إلى ذلك، بادر بالمسير شمالاً لإكمال فتوحه.
والحديث عن إقناع مغيث بالغنيمة والقصر، لإبقاء موسى على رأس جيشه في الأندلس، من أجل استكمال خطّة الفتح كاملة، ليس من السهل تصديقه ولا قبوله، فهو رشوة لتأجيل تنفيذ أمر الخليفة الواضح الصريح، في استقدام موسى من الأندلس، وليس ذلك من خلق التابعين وتابعي التابعين، ولا كان الدسّ والافتراء والحسد والرشوة من أخلاقهم. قد كان مغيث قويّاً أميناً، لا يتقبّل الرشوة، ولا يرتضي لنفسه مخالفة الخليفة الصريحة الواضحة في حال من الأحوال، والذي يبدو أن الخليفة أمر مغيثاً أن يُشخص موسى إلى دمشق، دون أن يأمره بإشخاصه فوراً، وترك الحرية لمغيث أن ينفِّذ أمره دون تقييده بوقت معين محدود، فكان لمغيث أن يتصرف في أمر موسى بحرية مطلقة. ورأى مغيث أن الموقف العسكري يتطلب بقاء موسى ردحاً من الزمن في الأندلس لاستكمال فتوحاته. وكانت الغنيمة والقصر جزاء جهوده وجهاده لا جزاء تقاعسه وتراخيه في تنفيذ أمر الخليفة، أو جزاء التخلّي عن هذا التنفيذ.
وبعد أن استكمل موسى خطة فتحه، ومغيث معه، أخذ مغيث يتعجل موسى، وكان الوليد بن عبد الملك معجلاً عليه لا يريد أن يتمهّل إذ أن رسولاً آخر من الوليد، يكنّى: أبا نَصْر، بعثه إلى موسى، عندما استبطأه في القفول، فأتاه وهو بمدينة لُكّ بناحية جلِّيقِيّة. وبادر موسى بالعودة مع أبي نصر من لُكْ، وكان مع أبي نصر رسالة من الوليد إلى موسى يأمره بالخروج من الأندلس، فغادر موسى الأندلس مع طارق بن زياد ومغيث وأبي نصر في شهر ذي الحجة من سنة 95هـ (أيلول - سبتمبر - 714م) [4].
بين موسى بن نصير ومغيث
ما قفل موسى بن نصير إلى المشرق وأصحابه، سأل مغيثاً أن يُسلِّم إليه العِلْجَ صاحب قرطبة الذي كان في إساره، فامتنع عليه، وقال: "لا يؤديه للخليفة سواي"، وكان مغيث يُدِلّ بولائه من الوليد بن عبد الملك، فهجم عليه موسى فانتزعه منه، فقيل لموسى: "إن سِرْتَ به حيّاً معك، ادّعاه مغيث، والعلج لا ينكر قوله، ولكن اضرب عنقه"، ففعل، فاضطغنها عليه مغيث، وصار إلْباً مع طارق السّاعي عليه [5].

ومن الصعب تصديق، أن موسى يُقدم على قتل العلج بعد أن أصبح بحوزته، حتى لا يدّعيه مغيث لنفسه، لأن علاقة العلج بمغيث أشهر من أن لا تعرف على حقيقتها، فلا مسوِّغ لقتل العلج لتغطية قصة أسره من مغيث، كما أن من الصعب تصديق أن موسى يُقدم على اغتصاب العلج من مغيث، فقد كان مع موسى في رحلته إلى المشرق ما لا يُحصى من الرجال والنفائس، ما يمكن أن يُعَدّ العلج، إلى جانبها أمراً تافهاً لا يُؤْبَهُ به، ولا مجال أن نجعله مشكلة بين موسى ومغيث، ولا مسوِّغ لذلك.
مغيث الرومي وجارية صاحب قرطبة
كان مغيث الرومي مشهوراً بحسن الرأي والكيد، فقد ذكروا أنه لما حصل بيده صاحب قرطبة وحريمه، رأى فيهنّ جارية كأنّها بينهنّ بدر بين نجوم، وهي تكثر التعرّض له بجمالها، فوكل بها مَن عرض عليها العذاب إن لم تُقِرَّ بما عزمت عليه في شأن مغيث، وأنه قد فطن من كثرة تعرّضها له بحسنها لما أضمرته له من المكر، فأقرّت أنها أكثرت التعرّض له لتقع في قلبه، إذ حُسْنُها فَتَّان، وقد أعدّت له خرقة مسمومة لتمسح بها ذَكَرَه عند وقاعها، فحمد الله تعالى على ما ألهمه إليه من مكرها، وقال: "لو كان نفس هذه الجارية في صدر أبيها، ما أخذت قرطبة من ليلة" [6].

بين مغيث الرومي وطارق بن زياد
وأراد سليمان عبد الملك، أن يصرف سلطان الأندلس إلى طارق بن زياد بعد موسى بن نصير، فاستشار سليمان مغيثاً في تولية طارق، فقال له: "كيف أمره بالأندلس؟ "، فقال مغيث: "لو أمر أهلها بالصلاة إلى أي قبلة شاءها لتبعوه ولم يروا أنهم كفروا"، فعملت هذه المكيدة في نفس سليمان، وبدا له في ولايته. ولقيه طارق بعد ذلك، فقال له: "ليتك وصفت أهل الأندلس بعصياني، ولم تضمر في الطاعة ما أضمرتَ"، فقال مغيث: "ليتك تركتَ لي العِلْجَ فتركتُ لك الأندلس"، وكان طارق قد أراد أن يأخذ منه صاحب قرطبة الذي حصل في يده، فلم يمكنه منه، فأغرى به سيّده موسى بن نصير، وقال له: "يرجع إلى دمشق، وفي يده عظيم من عظماء الأندلس، وليس في أيدينا مثله، فأي فضل يكون لنا عليه؟"، فطلبه منه، فامتنع من تسليمه، فهجم موسى على العلج وانتزعه من مغيث، ثم ضرب عنقه [7].

 فإذا صحّت هذه الروايات أو لم تصحّ، فإنه كما قيل عنه: كان مشهوراً بالرأي والكَيْد، وأنه كان على جانب كبير من الذكاء والفطنة وحضور البديهة، وأنه كان منتبهاً أشدّ الانتباه إلى ما حوله ومَنْ حوله، وليس من السهولة أن يُؤخذ على حين غُرّة، أو يتغلب عليه أحد، وأنه كان طموحاً يحب التملّك والمال حبّاً جمّاً. لذلك كان أحد مسئولي مخابرات الدولة الكبار المرموقين، الذين يفرض كفايته على الخلفاء، فاستعان به الوليد بن عبد الملك، ثم استعان به سليمان بن عبد الملك، دون أن يستطيع الاستغناء عنه أو يُسدل عليه ستاراً من ستائر النسيان.
استشهاد مغيث الرومي
بقي مغيث الرومي غير مجهول المكانة والمكان لكفاياته المتميّزة، وإخلاصه للبيت الأموي إخلاصاً لا شائبة فيه، حتى كانت خلافة هشام بن عبد الملك 105هـ (723م)، الذي أخرج أحد قادته إلى إفريقية، عهد إليه أن يطيع مغيثاً مولى الوليد، لمعرفته بالبلد. ولكن مغيثاً قُتِل في إفريقية، في منطقة طنجة، وكان مع جيش الدولة في قتال الخارجين من البربر، وكان قتله سنة 118هـ (736م) وكان عمره أربعًا وستين سنة.

وقد أنْسَلَ مغيث في قُرطبة بني مغيث، ولا علم لنا بعددهم ولا بأخبارهم، عدا ما ذكر عن أن عبد الرحمن بن مغيث تولَّى منصب الحجابة لعبد الرحمن الداخل [8].
رحم الله مغيثاً، القائد الفاتح، المجاهد الصادق، صاحب سرِّ الخلفاء وموضع ثقتهم، جزاء ما قدَّم من أعمال جليلة، في الفتح وفي بناء الدولة والدفاع عن حاضرها ومستقبلها.
المصدر: محمود شيت خطاب: قادة فتح الأندلس، الناشر: مؤسسة علوم القرآن - منار للنشر والتوزيع، الطبعة: الأولى، 1424 هـ - 2003م، 1/ 434- 458.


[1] انظر: فتوح مصر والمغرب (279)، ونفح الطيب (1/ 260 - 261) و (3/ 12- 14).
والبيان المغرب (2/ 9). أخبار مجموعة (10، 31).
[2] نفح الطيب (3/ 12).
[3] نفح الطيب (1/119، 253، 260- 265، 3/ 12) وانظر البيان المغرب (2/ 6- 10)، وفيات الأعيان (5/ 320). ابن الأثير (4/ 540)، فتوح مصر والمغرب (279)، الأخبار المجموعة (10- 12). الرسالة الشريفية في الأقطار الأندلسية (204).
[4]  نفح الطيب (1/ 276- 277، 3/ 12).
[5] نفح الطيب (1/ 279) و (3/ 13 - 14).
[6] نفح الطيب (3/ 14).
[7] نفح الطيب (3/ 14).
[8] أخبار مجموعة (31، 34). نفح الطيب (3/ 12) و (3/ 45). الكامل في التاريخ (5/ 190 - 194).
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75802
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

مغيث الرومي فاتح قرطبة Empty
مُساهمةموضوع: رد: مغيث الرومي فاتح قرطبة   مغيث الرومي فاتح قرطبة Emptyالثلاثاء 31 مايو 2016, 10:50 pm

بنو جهور في قرطبة

د. راغب السرجاني


مغيث الرومي فاتح قرطبة Hamzaerwe

خلافة هشام المعتد بالله
لما غادر يحيى بن علي الحمودي قرطبة بعد أن ترك حامية بربرية فيها -وذلك في المحرم من عام 417هـ متجهًا إلى مَالَقَة- ثار أهل قُرْطُبَة على الحامية البربرية، وقتلوا ألفًا منهم، واجتمع أمرهم على ردِّ الأمر إلى بني أمية، وكان عميدهم في ذلك الوزير أبا الحزم جهور بن محمد، الذي أرسل إلى أهل الثغور والمتغلِّبين هنالك على الأمور، وعرض عليهم الأمر فقبلوه، وأجمعوا على مبايعة هشام بن محمد بن عبد الملك بن الناصر لدين الله، وكان مقيمًا في منفاه بالبُونت[1] عند أبي عبد الله محمد بن عبد الله بن قاسم الفهري المتغلِّب بها، فبايعوه في شهر ربيع الأول سنة 418هـ، وتلَّقب بالمعتدِّ بالله، وبقي على ذلك خليفة يُخطب له في قُرْطُبَة وهو في منفاه.
إلغاء الخلافة الأموية
عزم المعتد بالله على القدوم إلى قُرْطُبَة عصبةِ المُلْكِ والخلافة، وذلك بعد سنتين من مبايعته، فقدمها في ذي الحجة 420هـ، ولبث فيها سنتين حتى أساء السيرة، وتعرَّض وزراؤه لظلم الرعية، فثار أهل قُرْطُبَة عليه، فخلعوه وخرج هو وأهله وخدمه في ذي الحجة 422هـ، واجتمع أهل قُرْطُبَة وأجمعوا أمرهم على إلغاء الخلافة الأموية، والتخلُّصِ نهائيًّا من بني أمية وإجلائهم خارج قُرْطُبَة، وكان عميدهم في ذلك الوزير أبا الحزم جهور بن محمد، وغدت قُرْطُبَة بلا خلافة ترفعها ولا خليفة يجمعها.. وانتهى عهد الخلافة الأموية في بلاد الأندلس إلى الأبد، ولا حول ولا قوة إلا بالله!
وبذلك انفرط عِقد الأندلس منذ تلك اللحظة؛ فالخلافة وإن كانت ضعيفة إلا أنها رمز لجمع الكلمة وتوحيد الصفِّ، إذا وَجَدَتْ مَنْ يحمل رسالتها الخالصة وأَخَذَهَا بِحَقِّها، ولكن تلك سُنَّة الله في بناء الدول وانحدارها، وما أشبه الليلة بالبارحة! فمنذ أن أُلغيت الخلافة العثمانية وحال المسلمين كما نرى: رقاع متناثرة، ودول متناحرة، لا يجمعهم إلا القومية والعصبية الجاهلية.
بدأت أنظار القرطبيين تتجه صوب الوزير الحازم المعروف برأيه وحسن تدبيره وصلاح سيرته؛ ليتولى أمور قُرْطُبَة بعد طرد الأمويين والحموديين من قُرْطُبَة، وهكذا اختير الوزير أبي الحزم بن جهور رئيس الجماعة وكبير قُرْطُبَة، اختيارًا شرعيًّا شوريًّا؛ للاضطلاع بتلك المهمة الخطيرة، وذلك في منتصف ذي الحجة عام 422هـ، ولبيان حال خلافة هشام المعتدِّ وعزله يقول ابن عذاري: افْتُتِحَتْ بيعته بإجماع وخُتِمَتْ بفُرْقَة، وعُقدت برضًا وحُلَّتْ بكراهية[2].
ومن هذا التاريخ بدأت دولة بني جهور بقُرْطُبَة.
بنو جهور
ينتمي أبو الحزم بن جهور إلى بيت عريق من بيوت الشرف والوزارة في بلاد الأندلس منذ أن دخلها الأمير الأموي عبد الرحمن بن معاوية -الملقب بصقر قريش-، وظَلَّت في عقبهم إلى أن آلت إليه وفي ولده من بعده، فهو أبو الحزم جهور بن محمد بن جهور بن عبيد الله بن أحمد بن محمد بن الغمر بن يحيى بن عبد الغافر بن يوسف بن بخت بن أبي عبدة الفارسي.
كان جدُّه يوسف بن بخت بن أبي عبدة من الفرس وهو مولى عبد الملك بن مروان، وكان قد دخل الأندلس مع طالعة بلج بن بشر، وكان من كبار موالي بني أمية في قُرْطُبَة قبل دخول عبد الرحمن بن معاوية إليها، ولما دخلها كان من أنصاره، وولي وزارته وحجابته، وكان ذا دين وفضل وخير، كما تولَّى القيادة والحجابة في عهد هشام الرضي بن عبد الرحمن الداخل ، ومن بعده للحكم الربضي[3]، وظلَّت الوزارة في عقب يوسف بن بخت بن أبي عبدة الفارسي، فوليها حفيده عبد الملك بن جهور للأمير عبد الله بن محمد وأمير المؤمنين عبد الرحمن الناصر[4]، وتولَّى ولده جهور بن عبد الملك الوزارة في عهد الناصر أيضًا[5]، كما وَلِيَ أبو الوليد محمد بن جهور بن عبد الملك الخزانة لعبد الرحمن الناصر[6]، وولي الوزارة في عهد المنصور بن أبي عامر، ثم تولَّى أبو الحزم جهور بن محمد بن جهور الكتابة لعبد الرحمن المنصور المعروف بشنجول، وهو آخر مَنْ تَوَلَّى الدولة العامرية.
الوزير أبو الحزم بن جهور
عاش أبو الحزم جهور الفتنة، وراقب الأحداث والتقلُّبَات التي عانتها الخلافة في قُرْطُبَة، حتى آلت لعلي بن حمود الذي استوزره، ثم شهد ما حدث بين يحيى بن علي الحمودي وعمه القاسم بن حمود وتبادُل الخلافة بينهما، ثم خروج علي بن حمود من قُرْطُبَة إلى مَالَقَة على نحو ما ذكرنا، وكان هو زعيم الثورة القرطبية على بني حمود، ثم استقدامه هشام المعتدِّ، ثم ثورة أهل قُرْطُبَة التي تزعَّمَها على هشام المعتد وطرده هو وبني أمية والمروانية كلهم من قُرْطُبَة، وبقيت قُرْطُبَة بلا حاكم أو خليفة، وهنا اتجهت أنظار أهل الرأي والمشورة في قُرْطُبَة إلى صاحب الزعامة الشعبية وحُسن التدابير في الوزارة والحكم، وكان هو أبو الحزم جهور بن محمد؛ فهو كبير الجماعة ورئيس مجلس الشورى وزعيم قُرْطُبَة، فأصبح هو رئيس الحكومة القرطبية بإجماع أهلها ورؤسائها وأهل الرأي فيها.
وللوزير الكاتب الفتح بن خاقان وصف عجيب، وبيانٌ جليل لقدر هذه العائلة ومنزلة أبي الحزم منهم في مقال فريد نذكره لحسن سجعه وجمال تعبيره، يقول فيه: «وبنو جَهْوَر أهل بيت وزارة، اشتهروا كاشتهار ابن هُبَيْرة في فَزَارة، وأبو الحَزْم أمجدهم في المكرمات، وأنجدهم في الملمَّات، ركب مُتُون الفتون فَرَاضها، ووقع في بحور المِحَن فَخَاضها، مُنْبَسِطٌ غيرُ مُنْكمش، لا طائش اللِّسانِ ولا رَعِش، وقد كان وزر في الدولة العامرية فَشَرُفَتْ بجلاله، واعترفتْ باستقلاله، فلمَّا انقرضت وعاقت الفتنُ واعترضت، تخلَّى عن التدبير مُدَّتها، وخلَّى لخلافه تدبير الخلافة وشدَّتها، وجعل يُقْبِل مع أولئك الوزراء ويُدْبِر، وينهلُ الأمر معهم ويُدَبِّر، غير مُظْهر للانفراد، ولا مقصِّر في ميدان ذلك الطِّرَاد، إلى أن بلغت الفتنة مداها، وسوَّغت ما شاءت رَدَاها، وذهب مَنْ كان يَخِدُ[7] في الرئاسة ويخبُّ[8]، ويسعى في الفتنة ويَدِبُّ، ولمَّا ارتفع ذلك الوبال، وأدبر ذلك الإقبال، راسَلَ أهلَ التقوى مستمدًّا بهم، ومعتمدًا على بعضهم؛ تحيُّلاً منه وتمويهًا، وتَدَاهِيًا على أهل الخلافة وذَويها، وعَرَضَ عليهم تقديم المعتدّ هشام، وأومض منه لأهل قُرْطُبَة برق خُلَّبٍ[9] يُشَام[10]، بعد سرعة التياثها[11]، وتعجيل انتكاثها، فأنابوا إلى الإجابة، وأجابوا إلى استرعائه الوزارة والحِجَابة، وتوجَّهوا مع ذلك الإمام، وألمُّوا بقُرْطُبَة أحسنَ إلمام، فدخلوها بعد فتن كثيرة، واضطرابات مستثيرة، والبلد مُقْفِر، والجلد مُسْفِر، فلم يبقَ غيرُ يسير حتى جبذ واضطرب أمره فخُلِعَ، واخْتُطِفَ من المُلْكِ وانْتُزِعَ، وانقضت الدولة الأموية، وارتفعت الدولة العَلوية، واستولى على قُرْطُبَة عند ذلك أبو الحزم، ودبَّرها بالجِدِّ والعزم، وضبطها ضبطًا أَمَّنَ خائفها، ورفع طارق تلك الفتنة وطائفها، وخلا له الجوُّ فطار، واقتضى اللُّبَانَات[12] والأوطار[13]، فعادت له قُرْطُبَة إلى أكمل حالاتها، وانجلى به نوء استجلالاتها، ولم تزل به مشرقة، وغصون الأمل فيها مورقة إلى أن تُوُفِّيَ سنة 435هـ»[14].
ومن هنا وبعد أن انفرد أبو الحزم بن جهور بالحُكم بلا منازع ينازعه، ولا خليفة ينادي بالحكم دونه، ماذا عن سياسته في إدارة الأمور وتسيير البلاد؟
حكومة أبي الحزم بن جهور
تقف حكومة قُرْطُبَة في ذلك الوقت موقف الفريد والنادر بين ممالك الأندلس، التي تشعَّبت بها الطرق بعد إلغاء الخلافة الأموية؛ فالسياسة التي اتَّبعها أبو الحزم بن جهور بعد اختياره حاكمًا لقُرْطُبَة تنمُّ على بُعْدِ سياسته ودهائه؛ فهي حكومة من نوع خاصٍّ، فأبو الحزم بن جهور يحكم دولة على أنقاض الخلافة الأموية، تبسط سلطانها على رقعة متوسطة من الأندلس، تمتدُّ شمالاً حتى جبل الشارات (سييرا مورينا)، وشرقًا حتى منابع نهر الوادي الكبير، وغربًا حتى قرب إِسْتِجَة، وجنوبًا حتى حدود ولاية غَرْنَاطَة، وتشمل من المدن عدا قُرْطُبَة جَيَّان وأُبَّذَة وبَيَّاسَة والمدور وأَرْجُونَة وأندوجر[15].
وهو رجل خبر السياسة والدهاء بحُكم اشتغاله بالوزارة والكتابة وملازمة الخلفاء والمتسلِّطين على الخلافة، فعَرَّفته التجارِب أن التسلُّط والاستبداد طريق الزوال القريب، فابتكر نظامًا سياسيًّا شوريًّا، أقرب إلى النظام الديمقراطي في وقتنا الحاضر، فلم ينفرد بالسياسة ولا بتدبير الأمور، بل شكَّل مجلسًا شوريًّا وزاريًّا من الوزراء وأهل الرأي والمشورة والقيادة بقُرْطُبَة، وجعلهم أهل رأيه، لا يصدر عن رأي إلا بهم، ولا بسياسة إلا بتدبيرهم، وسمَّى نفسه (أمين الجماعة)، وكان إذا سُئِلَ قال: «ليس لي عطاء ولا منع، هو للجماعة وأنا أمينهم». وإذا رابه أمر أو عزم على تدبير، أحضرهم وشاورهم فيُسرعون إليه، فإذا علموا مراده فَوَّضُوا إليه بأمرهم؛ وإذا خُوطب بكتاب لا ينظر فيه إلا أن يكون باسم الوزراء، كما أنه اتبع سياسة أخرى كانت أشدَّ ذكاء ودهاء؛ فهو لم يُفارق رسم الوزارة، ولم ينتقل من دور الوزارة إلى قصور الخلفاء والأمراء، بل دَبَّرَها تدبيرًا لم يُسبق إليه، وجعل نفسه ممسكًا للموضع إلى أن يجيء مستحقٌّ يُتَّفق عليه، فيُسَلِّم إليه، ورتَّب البوابين والحشم على أبواب تلك القصور على ما كانت عليه أيام الخلافة، ولم يتحوَّل عن داره إليها، وجعل ما يرتفع من الأموال السلطانية بأيدي رجال رَتَّبهم لذلك، وهو المشرف عليهم[16].
إضافة إلى هذا الدهاء السياسي الذي اتبعه أبو الحزم بن جهور فقد كان من أشدِّ الناس تواضعًا وعفَّة وصلاحًا، وأنقاهم ثوبًا، وأشبههم ظاهرًا بباطن، وأولاً بآخرَ، لم يختلف به حال من الفتاء إلى الكهولة، ولم يُعْثَر له قطُّ على حال يدلُّ على ريبة؛ جليسُ كتابٍ منذ درج، ونَجِيُّ نظرٍ منذ فهم، مشاهدًا للجماعة في مسجده، خليفة الأئمة متى تخلَّفُوا عنه، حافظًا لكتاب الله قائمًا به في سرِّه وجهره، متقنًا للتلاوة، متواضعًا في رفعته، مشاركًا لأهل بلده، يزور مرضاهم ويُشاهد جنائزهم[17].
حكومة الجماعة
إن نظام الحُكم الذي اتَّبعه الوزير ابن جهور يدلُّ على بُعد نظره وحُسن سياسته وتدبيره، وقد عُرِفَتْ هذه الحكومة التي كوَّنها ابن جهور بحكومة الجماعة والشورى، والباعث الحقيقي لدى الوزير ابن جهور لتكوين ذلك النظام من الحُكم ربما يكون خفيًّا، فيمكن أن يكون الأمر ضربًا من الذكاء والدهاء السياسي، يجمع به كلمة الشعب حوله وأصحابَ الرأي فيه، يَتَّقي بهم منافسيه، ويكونون له عونًا يستند إليهم عند الحاجة، ويمكن أن نُرجعه إلى حُبِّه للشورى وإقامة العدل وجمع كلمة المسلمين، وخاصَّة بعد أن انفرط عقد الخلافة وبالتالي انفرط عقد الأندلس كلها.
وعلى كلٍّ فإنها كانت بلا ريب نموذجًا بديعًا من حُكم الشورى، أو حكم الأقلية الأرستقراطية في عصر سادت فيه نزعة الرئاسة الفردية والحُكم المطلق، وكان من أبرز مزاياها أن يستطيع الرئيس أن يتنصَّل من المسئولية، وأن يستظلَّ بلواء الجماعة إذا ما ساءت الأحوال، وأن يُحْرِزَ الثناءَ وجميل الذِّكْر إذا حسنت العواقب[18].


[1] حصن من حصون بلنسية.
[2] انظر تفاصيل ذلك في ابن حزم: رسائل ابن حزم الأندلسي، 2/203، والحميدي: جذوة المقتبس، 1/27، وابن بسام: الذخيرة، 2/602، وابن الأبار: الحلة السيراء، 2/30، 31، وابن عذاري: البيان المغرب، 3/145-152، 185، ولسان الدين ابن الخطيب: أعمال الأعلام، ص138، 139، ومحمد عبد الله عنان: دولة الإسلام في الأندلس، 3/20، 21.
[3] انظر: الحميدي: جذوة المقتبس، 5/188، وابن الأبار: الحلة السيراء، 2/30، وابن عذاري: البيان المغرب، 3/185، 186، والمقري: نفح الطيب، 3/45.
[4] الحميدي: جذوة المقتبس، 7/282، والمقري: نفح الطيب، 1/356.
[5] ابن عذاري: البيان المغرب، 2/159.
[6] ابن عذاري: البيان المغرب، 2/197.
[7] وَخَد يَخِد: أسرع ووسَّع الخَطْو. ابن منظور: لسان العرب، مادة وخد، 3/453، والزبيدي: تاج العروس، 9/277، والمعجم الوسيط، 2/1019.
[8] الخَبَب: ضرب من العدو، أي الإسراع في المشي. ابن منظور: لسان العرب، مادة خبب، 1/341، والزبيدي: تاج العروس، 2/328.
[9] البَرْقُ الخُلَّب: السحاب الذي يبرق ويرعد ولا مطر معه، ولا غيث فيه، كأنه خادع يومض حتى تطمع بمطره ثم يُخْلِفُك، ويقال لمن يَعِدُ ولا يُنْجز وعْدَه: إنما أنت كَبَرْق خُلَّب. الجوهري: الصحاح، باب الباء فصل الخاء 1/122، وابن منظور:
[10] شامَ السحاب والبرق شَيْمًا: نظر إليه أين يقصد وأين يُمْطر، وقيل: هو النظر إليهما من بعيد. الجوهري: الصحاح، باب الميم فصل الشين، 5/1963، وابن منظور: لسان العرب، مادة شيم، 12/329، والمعجم الوسيط، 1/504.
[11] الالتياث: الاختلاط والالتفاف والالتباس وصعوبة الأمر وشدته. الجوهري: الصحاح، باب الثاء فصل اللام، 1/291، وابن منظور: لسان العرب، مادة لوث، 2/185، والزبيدي: تاج العروس، باب الثاء المثلثة، فصل اللام، 5/345، 346.
[12] اللُّبانات: الحاجات من غير فاقة، ولكن من هِمَّةٍ، فهو أخصُّ وأعلى من مطلق الحاجة، يقال: قضى فلان لبانته. ابن منظور: لسان العرب، مادة لبن، 13/372، والزبيدي: تاج العروس، باب النون فصل اللام، 36/92، والمعجم الوسيط، 2/814.
[13] الأوطار جمع الوطر: وهو الحاجة لك فيها هَمٌّ وعِنايةٌ، فإذا بلغتها فقد قضيت وطرك وأربك. الزبيدي: تاج العروس، باب الراء فصل الواو، 14/364.
[14] الفتح بن خاقان الإشبيلي: مطمح الأنفس ومسرح التأنس في ملح أهل الأندلس، 1/34-36.
[15] عنان: دولة الإسلام في الأندلس، 3/21، 22.
[16] الحميدي: جذوة المقتبس 1/28، وابن بسام: الذخيرة 2/602، 603، وابن الأبار: الحلة السيراء 2/30، 31، وابن عذاري: البيان المغرب 3/186، وعنان: دولة الإسلام في الأندلس 3/22، 23، وطقوش: تاريخ المسلمين في الأندلس ص433.
[17] ابن حزم: رسائل ابن حزم 2/204، والحميدي: جذوة المقتبس 1/29، وابن بسام: الذخيرة 2/603، وابن الأبار: الحلة السيراء 2/31، وابن عذاري: البيان المغرب 3/186.
[18] عنان: دولة الإسلام في الأندلس 3/22.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75802
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

مغيث الرومي فاتح قرطبة Empty
مُساهمةموضوع: رد: مغيث الرومي فاتح قرطبة   مغيث الرومي فاتح قرطبة Emptyالثلاثاء 31 مايو 2016, 10:51 pm

الصراع بين إشبيلية وقرطبة

د. راغب السرجاني


مغيث الرومي فاتح قرطبة 26_0

أطماع بني عباد في قرطبة
بدأ الصراع بين إشبيلية وقرطبة مبكِّرًا منذ أن بدأت أحداث الفتنة في بلاد الأندلس، وسنلاحظ دائمًا أن إشبيلية في ظلِّ بني عباد هي الطامع الذي لا يقنع إلاَّ بامتلاك ما في يد الآخرين، وكانت قرطبة محلَّ نظر بني عباد منذ أن استقلَّ القاضي أبو القاسم بن عباد بإشبيلية سنة (414هـ=1023م)، وظَلَّت عينه على قرطبة؛ إذ تُمَثِّل قرطبة مدينة الأندلس الأولى، ومحلَّ الخلافة المنصرمة، وإليها تهفو نفوس الأندلسيين من كل حدب وصوب، وكان أهل قرطبة وعلى رأسهم حاكمها الوزير جهور على علم بكل ذلك، وما يُخفيه ابن عباد وغيره من طمع فيها.
الوزير جهور وموقفه من دعوة ابن عباد لهشام المؤيد
كان من أشهر أعمال القاضي أبي القاسم بن عباد أثناء ولايته -على نحو ما ذكرنا في المقالات السابقة- دعوته بظهور الخليفة هشام المؤيد وذلك سنة (426هـ=1035م)، ولم تكن نية ابن عباد من وراء ذلك إلا دحضًا لدعوى الحموديين بالخلافة؛ فالخليفة الشرعي قد بان وظهر، ومن ناحية أخرى إضفاء للشرعية السياسية في تدبيره وحكمه لإشبيلية؛ فهو يتوسَّع بأمر الخليفة الشرعي للأندلس كلها، الذي لا يملك من أمره شيئًا، وإنما الأمر والتدبير لابن عباد، الذي يُمْلِي عليه ما يُريد، والحقيقة أن هذا لم يكن خافيًا على ملوك الطوائف وخاصة الوزير ابن جهور حاكم قرطبة.
وبعد أن أخذ القاضي ابن عباد البيعة للمدعوِّ هشام المؤيد بإشبيلية، أرسل رسله إلى أمراء الأندلس يطلب منهم أخذ البيعة والنزول على حكم الخليفة الشرعي، بيد أنه لم يعترف به أحدٌ، سوى عبد العزيز بن أبي عامر صاحب بلنسية، والموفق العامري صاحب دانية والجزائر الشرقية وصاحب طرطوشة[1]، وما يعنينا هنا هو موقف الوزير ابن جهور؛ إذ إن موقفه يهم ابن عباد والوزير نفسه؛ فابن عباد يعلم ثقل قرطبة في الأندلس، ويعلم ثقل الوزير ابن جهور ومكانته بين ملوك الطوائف، وسيطرته على قرطبة فاتحة له في السيطرة على الأندلس كلها، وأما الوزير ابن جهور فمع علمه بكذب الدعوة وافترائها، فهو يُريد أن يتخذها ذريعة لدفع دعوى الحموديين، الذين أرهقوه بغاراتهم على قرطبة محلِّ خلافتهم المزعومة، وامتلاكه لقوَّة ابن عباد سبيل لهذا الدفع.
بيد أن أهل قرطبة مالت نفوسهم إلى الخليفة هشام المؤيد، وأعلنوه إمامًا للجماعة في الأندلس، ورفض ابن جهور في بادئ الأمر، وكادت أن تقوم ثورة ضدَّه في قرطبة، فأرسل رسله للوقوف على صحَّة ما يدَّعيه ابن عباد، ويبدو أنه باع دينه بعرض من الدنيا، وزوَّر شهادته، وأثبت صحَّة دعوى ابن عباد؛ ليدفع الحموديين عن قرطبة، وليُرْضِيَ أهل قرطبة ويدفعهم عنه، وأخذ ابن جهور البيعة لهشام المؤيد المزعوم، وخطب له في مساجد قرطبة وجامعها.
يبدو أن الوزير ابن جهور تراجع عن بيعته وأعلن كذب هذه الدعوة، وكان ذلك إيذانًا بالحرب بينه وبين ابن عباد، الذي جمع جيشه واتجه صوب قرطبة لإسقاطها بالقوَّة، وفرض الحصار على قرطبة أوائل (427هـ=1036م)، وأمر ابن جهور بسدِّ أبواب المدينة أمامه، ولم يجد القاضي ابن عباد جدوى من الحصار، فجمع جيشه وجرَّ أذيال خيبته أمامه ووراءه إلى إشبيلية[2].
المعتضد بن عباد وإثارة الفوضى داخل قرطبة
 هدأت الأمور نوعًا ما بين إشبيلية وقرطبة، وانشغل كلٌّ من القاضي ابن عباد والوزير ابن جهور في توطيد مملكتيهما وحروبهما الأخرى، ومرَّت السنوات وتُوُفِّيَ القاضي ابن عباد، وملك من بعده المعتضد سنة (433هـ=1042م)، كما تُوُفِّي الوزير ابن جهور، وملك من بعده ابنه الوزير أبو الوليد محمد بن جهور سنة (435هـ=1044م)، وسارت الأمور هادئة، ولكن يبدو أن أبا الوليد آثر الراحة، فقدَّم ولده الأصغر عبد الملك على ولده الأكبر عبد الرحمن، وسيطر عبد الملك بن جهور على مقاليد قرطبة، وكانت بين عبد الملك والمعتضد صداقة ووُدٌّ، ولا يخفى علينا أنها صداقة مصالح، كما لا يخفى علينا أن المعتضد فاغر فاه على قرطبة يُريد أن ينتزعها، فكانت الصداقة تمهيدًا لما يُريد.
على كل حال سيطر عبد الملك بن جهور على قرطبة، إلاَّ أنه أساء السيرة، وسار بين الناس بالمعاصي، وعَمَّت الفوضى البلاد، فلما رأى ذلك أوكل أمور قرطبة سنة 440هـ إلى وزيره ابن السقاء؛ فضبط الأمور، وسار بين الناس بالعدل والحقِّ، وعاد الأمن والأمان مرَّة أخرى، وساد الاستقرار، وتقوَّت قرطبة بعد أن أصابها الضعف، والمعتضد بن عباد يُراقب الأمور عن كثب، وقرطبة كانت بين قاب قوسين أو أدنى منه؛ فعمد إلى الوقيعة بينه وبين وزيره وأوغر صدره عليه، حتى فتك به بكمين كمنه له، وكانت محنة الوزير ابن السقاء سنة (455هـ=1063م) [3].
وهكذا تدخَّل المعتضد بقوَّة في شئون قرطبة، واستطاع أن يفتك بالوزير القوي ابن السقاء، وبذلك انفرد عبد الملك بالسلطة؛ فتجبَّر وأساء السيرة بين الرعية، وعَمَّت الفوضى ثانية، وهنا تدخَّل الوزير أبو الوليد بن جهور وعمد إلى تقسيم السلطة بين الولدين، وذلك عام (456هـ=1064م)، فجعل إلى أكبرهما عبد الرحمن النظر في أمر الجباية، والإشراف على أهل الخدمة ومشاهدتهم في مكان مجتمعهم، والتوقيع في الصكوك السلطانية المتضمِّنة للحَلِّ والعقد، وجميع أبواب النفقات، وجعل إلى عبد الملك النظر في الجند، والتولِّي لعرضهم، والإشراف على أعطياتهم، وتجريدهم في البعوث، والتقوية لأولادهم، وجميع ما يخصُّهم، ورَضِيَ الأخوان بذلك، إلا أن عبد الملك تَغَلَّب على أخيه؛ فسجنه وحكم عليه بالإقامة الجبرية في بيته، واستبدَّ بالأمر دونه، وانصرف الناس عنه[4].
الصراع بين بني عباد وبني ذي النون على قرطبة
لم تَخْفَ هذه الأحداث على المعتضد لحظة واحدة؛ فهو يُراقبها عن كثب، كما أنها لم تَخْفَ على ملوك الطوائف الآخرين، وخاصَّة المأمون بن ذي النون صاحب طلطية، ويمكن أن نقول: إن قرطبة كانت موضع صراع عنيف وسريع في الوقت نفسه بين إشبيلية وطلطية؛ إذ إن قرطبة في المنتصف بينهما وعلى الحدود الجانبية لكلٍّ منهما، فلِمَنْ يا ترى تنتهي به الأحداث فيُحكم قبضته على قرطبة؟!
هذا ما ستوضحه السطور القادمة..
عَمَّتِ الفوضى أرجاء قرطبة وانفلتت الأمور من يد عبد الملك بن جهور، وكانت هذه فرصة ذهبية لمن يُريد الانقضاض على قرطبة، ويبدو أن المأمون بن ذي النون قد أعدَّ لقرطبة عُدَّتها، وكان هو كذلك يُراقب الأحداث عن كثب، فجهَّز جيشه وأسرع ناحية قرطبة وأغار عليها سنة (462هـ=1070م)، ولم يجد عبد الملك بن جهور مَنْ يستغيث به سوى صاحب إشبيلية، وهو حليفه وصديقه المعتمد بن عباد؛ إذ تُوُفِّيَ المعتضد بالله سنة (461هـ=1069م)، وعلى الفور أرسل له المعتمد سرية مُكَوَّنة من أربعة آلاف، عليها قائداه خلف بن نجاح ومحمد بن مرتين، ووصل الجيش الإشبيلي إلى قرطبة، ونزلوا في ربضها الشرقي، واستطاعوا أن يَرُدُّوا جيش ابن ذي النون عنها.
المعتمد بن عباد والسيطرة على قرطبة
يبدو أن المعتمد بن عباد دبَّر مكيدته مسبقًا، وعزم على الاستيلاء على قرطبة، وأعطى أوامره لقائديه بذلك، كما يبدو أن الظروف في قرطبة قد هيَّأت له أمر السيطرة عليها؛ إذ عَمَّت الفوضى وانتشر الفساد، وكره أهل قرطبة عبد الملك بن جهور، فأرسلوا إلى القائدين ابن مرتين وخلف بن نجاح أن يقبضوا على عبد الملك بن جهور، وأن تكون المدينة في طاعة المعتمد بن عباد، فاجتمعت الخطتين معًا، خطة المعتمد المسبقة وخطة أهل قرطبة، ودُبِّرَت المكيدة على أحسن وجه؛ إذ تظاهر قائدَا الجيش الإشبيلي بالانصراف والعودة، وذهب القائدان ومن معهما إلى وداع عبد الملك بن جهور بباب المدينة، وهنا اقتحم الجيش الإشبيلي الأبواب وملك المدينة، وسار الجنود في قرطبة سلبًا ونهبًا وسرقة وفسادًا، ودخلت قرطبة في طاعة المعتمد بن عباد، وكان ذلك في شعبان (462هـ=1070م)، وقد اعْتُقِلَ عبد الملك بن جهور وأهله وأخوه عبد الرحمن وأُرسلوا إلى إشبيلية مراعاة للحزم.
وأما الشيخ القعيد أبو الوليد بن جهور فقد نُفِيَ إلى جزيرة شَلْطِيش، وكان مما حُفِظَ عنه قوله: اللهم كما أجبت الدعاء علينا فأجبه لنا. فمات بعد أربعين يومًا من نكبته وسقوط دولته[5].
ومنذ ذلك التاريخ ارتبط اسم قرطبة بإشبيلية، وجعل المعتمد بن عباد عليها ابنه المعتمد الحاجب سراج الدولة الملقب بالظافر، ووزيره محمد بن مرتين، وأقام الظافر ملكًا على قرطبة باسم أبيه، وظلَّ المأمون صاحب طلطية يتحين الفرص للسيطرة على قرطبة، وتمَّ له ذلك سنة (467هـ=1074م) إثر مكيدة دبَّرها المأمون مع رجل يُسَمَّى بحَكم بن عُكَّاشة ضد الظافر بن المعتمد؛ حيث دخل ابن عكاشة على الظافر بن المعتمد وقتله وحزَّ رأسه، واستولى على أبواب المدينة برجاله، كما قَتَل ابنَ مرتين وهو غارق في شرابه ولهوه.
ودخل المأمون قرطبة في موكب عظيم في جمادى الآخرة سنة 467هـ، وما لبث المأمون أن اعتلَّ بقرطبة ومات بها، وحُمِلَ تابوته إلى طلطية في ذي القعدة (467هـ=1075م)، وما لبثت قرطبة أن عادت إلى حوزة المعتمد بن عباد مرَّة أخرى؛ إذ دخلها بجنده بعد أن راسله أهل قرطبة، وتغلَّب على ابن عكاشة، وحزَّ رأسه ثأرًا لابنه الظافر، واستخلف المعتمد عليها ابنه الفتح الملقب بالمأمون، وكان ذلك في ذي الحجة (467هـ=1075م)[6].


[1] ابن عذاري: البيان المغرب 3/190، وابن الخطيب: أعمال الأعلام ص155.
[2] انظر التفاصيل في: ابن عذاري: البيان المغرب 3/190، 198، 199، 201، وابن الخطيب: أعمال الأعلام ص155.
[3] ابن بسام: الذخيرة 2/608، 609، 7/241، 245، وابن عذاري: البيان المغرب 3/232، 233، 251.
[4] ابن بسام: الذخيرة 2/606، 607، وابن عذاري: البيان المغرب 3/258، 259، وابن الخطيب: أعمال الأعلام ص149.
[5] ابن بسام: الذخيرة 2/609-611، وابن عذاري: البيان المغرب: 3/260، 261، وابن الخطيب: أعمال الأعلام ص149-152.
[6] ابن الخطيب: أعمال الأعلام ص151، 152، 158، 159، ابن خلدون: تاريخ ابن خلدون 4/159، ابن بسام: الذخيرة 3/268-272.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75802
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

مغيث الرومي فاتح قرطبة Empty
مُساهمةموضوع: رد: مغيث الرومي فاتح قرطبة   مغيث الرومي فاتح قرطبة Emptyالثلاثاء 31 مايو 2016, 10:52 pm

سقوط قرطبة .. نهاية دولة الموحدين

د. راغب السرجاني


مغيث الرومي فاتح قرطبة 15_0

الأندلس بعد موقعة العقاب
في موقف مدَّ في عُمر الإسلام في بلاد الأندلس بضع سنوات ظهرت بعض الأمراض في الجيوش القشتالية، وهذا الذي اضطرهم إلى العودة إلى داخل حدودهم[1].
ظهور دولة بني مرين
وفي سنة (613هـ=1217م) وبعد موقعة العقاب بأربع سنوات، ونظرًا لتردِّي الأوضاع في بلاد المغرب العربي، وتولِّي المستنصر بالله أمور الحُكم، وهو بعدُ طفل لم يبلغ الرشد، ظهرت حركة جديدة من قبيلة زناتة في بلاد المغرب واستقلَّت عن حكم دولة الموحدين هناك، وأنشأت دولة سنية هي دولة بني مرين، والتي سيكون لها شأن كبير فيما بعدُ في بلاد الأندلس[2].
سقوط ميورقة وبياسة
وفي سنة (626هـ) سقطت جزيرة ميورقة، أكبر وأفضل جزر البليار، وبعد قليل تبعها سقوط بياسة، وهي صغرى جزر البليار، وبقيت الجزيرة الوسطى (جزيرة منورقة) دهرًا تحت حكم المسلمين لكن تحت طاعة النصارى وفي حكمهم[3].
ظهور دولة الحفصييين
وفي العام التالي (627هـ) استقلَّ بنو حفص بتونس، وانفصلوا بها عن دولة الموحدين[4].
الصراع داخل الموحدين
وقد دار صراع شديد على السلطة بعد وفاة المستنصر بالله؛ حيث لم يكن قد استخلف بعدُ، فتولَّى عمُّ أبيه عبد الواحد من بعده، إلاَّ أنه خُلع وقُتل، ثم تولَّى من بعده عبد الله العادل، وعلى هذا الحال ظلَّ الصراع، وأصبح الرجل يتولَّى الحُكم مدَّة أربع أو خمس سنوات فقط ثم يُخلع أو يُقتل، ويأتي غيره وغيره، حتى سارت الدولة نحو هاوية سحيقة.
استقلال ابن هود
وفي سنة (625هـ=1228م) استقلَّ رجل يُسَمَّى ابن هود بشرق وجنوب الأندلس، وكان كما يصفه المؤرخون: مفرطًا في الجهل، ضعيف الرأي، لم يُنصر له على النصارى جيش[5].
وفي سنة (633هـ=1236م) حدث حادث خطير ومروع، إنه حادث سقوط قرطبة حاضرة الإسلام[6].
سقوط قرطبة
في موقف لا نملك حياله إلاَّ التأسُّف والندم، في سنة (633هـ=1236م) وبعد حصار طال عدَّة شهور، وبعد استغاثة بابن هود الذي كان قد استقلَّ بدولته جنوب وشرق الأندلس، والذي لم يُعِرِ اهتمامًا لهذه الاستغاثات؛ بسبب كونه منشغلاً بحرب ابن الأحمر، ذلك الأخير الذي كان قد استقلَّ -أيضًا- بجزء آخر من بلاد الأندلس، في كل هذه الظروف سقطت قرطبة، سقطت حاضرة الإسلام في بلاد الأندلس.
مغيث الرومي فاتح قرطبة 20138_image003 وكان أمرًا غاية في القسوة حين لم يجد أهل قرطبة بُدًّا من الإذعان والتسليم والخروج من قُرْطُبَة، وكان الرهبان مصرِّين على قتلهم جميعهم، لكن فرناندو الثالث ملك قشتالة رفض ذلك؛ خشية أن يُدَمِّرَ أهلُ المدينة كنوزها وآثارها الفاخرة، وبالفعل خرج أهلها متَّجِهين جنوبًا تاركين كل شيء، وتاركين حضارة ومنارة ومجدًا عظيمًا كانوا قد خَلَّفوه[7].
سقطت قرطبة التي أفاضت على العالم أجمع خيرًا وبركة، وعلمًا ونورًا، سقطت قرطبة صاحبة ثلاثة آلاف مسجد، وصاحبة ثلاثة عشر ألف دار، سقطت قرطبة عاصمة الخلافة لأكثر من خمسمائة عام، سقطت قرطبة صاحبة أكبر مسجد في العالم، سقطت جوهرة العالم قرطبة.
سقطت قرطبة في 23 من شهر شوال لسنة 633هـ. سقطت وفي يوم www.islamonline.net/servlet/Satellite%3Fc%3DArticleA_C%26cid%3D1178724128460%26pagename%3DZone-Arabic-ArtCulture%2FACALayout+%D8%B3%D9%82%D9%88%D8%B7+%D9%82%D8%B1%D8%B7%D8%A8%D8%A9&cd=1&hl" class="postlink" target="_blank" rel="nofollow">سقوط قرطبة تحوَّل مسجدها الجامع الكبير إلى كنيسة، وما زال كنيسة إلى اليوم، ولا حول ولا قوَّة إلاَّ بالله!
سقوط ممالك الأندلس
موقعة أنيشة وسقوط بلنسية
بعد سقوط قرطبة وفي سنة (635هـ=1237م) استقلَّ بنو الأحمر بغرناطة بعد موت ابن هود في السنة نفسها، وسيكون لهم شأن كبير في بلاد الأندلس على نحو ما سنُبَيِّنه، وفي سنة (636هـ=1237م) وبعد استقلال ابن الأحمر بغرناطة بسنة واحدة، وبعد حصار دام خمس سنوات متصلة سقطت بلنسية على يد ملك أراجون بمساعدة فرنسا، وكان حصارًا شديدًا كاد الناس أن يهلكوا جوعًا، وكان خلاله عدَّة مواقع؛ أشهرها موقعة أنيشة سنة (634هـ=1237م)  التي هلك فيها الكثير من المسلمين من بينهم الكثير من العلماء.
      وكان بنو حفص في تونس قد حاولوا مساعدة بلنسية بالمؤن والسلاح، لكن الحصار كان شديدًا، حتى اضطروا لترك البلد تمامًا في سنة (636هـ=1239م) وهُجِّر خمسون ألفًا من المسلمين إلى تونس، وتحوَّلت للتَّوِّ كلُّ مساجد المسلمين إلى كنائس، وكانت هذه سياسة مُتَّبَعة ومشهورة للنصارى في كل البلاد الإسلامية التي يُسيطرون عليها، إمَّا القتل وإمَّا التهجير[8].
سقوط دانية وجيان
مغيث الرومي فاتح قرطبة 20138_image004وفي سنة (641هـ=1243م) سقطت دانية بالقرب من بلنسية[9]، وفي سنة (643هـ=1245م) سقطت جيان[10]، وهكذا لم يبقَ في بلاد الأندلس إلاَّ ولايتان فقط؛ ولاية غرناطة في الجنوب الشرقي من البلاد، وولاية إشبيلية في الجنوب الغربي، تمثلان حوالي ربع بلاد الأندلس[11].
هذا مع الأخذ في الاعتبار أن كل ولايات إفريقيا قد استقلَّت عن دولة الموحدين، فسقطت بذلك الدولة العظيمة المهيبة المتسعة البلاد المترامية الأطراف.


[1] الحميري: الروض المعطار، ص6، ويوسف أشباخ: تاريخ الأندلس في عهد المرابطين والموحدين، 2/124.
[2] تاريخ ابن خلدون، 6/251.
[3] حتى سقطت سنة 686هـ.
[4] السلاوي: الاستقصا، 2/240.
[5] انظر: ابن الخطيب: أعمال الأعلام، ص278، وتاريخ ابن خلدون، 4/168، والمقري: نفح الطيب، 1/215، 4/464.
[6] تاريخ ابن خلدون، 4/169، والحميري: الروض المعطار، ص459، والمقري: نفح الطيب، 1/448.
[7] محمد عبد الله عنان: دولة الإسلام في الأندلس، 6/424.
[8] تاريخ ابن خلدون، 4/176، والمقري: نفح الطيب، 4/460.
[9] ابن أبي زرع: الذخيرة السنية، ص61.
[10] محمد عبد الله عنان: دولة الإسلام في الأندلس، 6/468.
[11] انظر: المقري: نفح الطيب، 1/206.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
 
مغيث الرومي فاتح قرطبة
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتدى الشنطي :: كتب وروابات مشاهير شخصيات صنعت لها .... :: شخصيات :: المجاهدون-
انتقل الى: